ثـمرات وفوائد الاستعفـاف| العفّة في اللغة
جاء في لسان العرب: العفّة : هي الكف عما لا يحل ويجمل، وعفّ عن المحارم والأطماع الدنيّة، يعف عفةً وعفافًا وعفافةً، فهو عفيف وعفّ أي كف وتعفف واستعفف وأعفه الله. وفي التنزيل: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ﴾([1])، فسّره ثعلب فقال: وليضبط نفسه بمثل الصوم فإنه وجاء.
والاستعفاف: طلب العفاف، وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس، وقيل: الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء، ومنه الحديث: «اللهم إني أسألك الهدى والتُّقى والعفة والغنى»([2]) ، وامرأة عفيفة: عفّة الفرج، ونسوة عفائف، وتعفف: أي تكلف العفة.
فالعفّة هي كف النفس عن المحارم وعما لا يجمل بالإنسان فعله. ومنها العفة عن اقتراف الشهوة المحرمة، ويأتي في مقابل العفة: الدناءة والخسة في كثير من صورها. والعفة لا تكون إلا إذا وجد الدافع النفسي إلى ما ينافيها، فإذا لم يكن في النفس دافع إلى ما ينافي العفة أولم يوجد ما يثير الدافع لم يكن للعفة وجود أصلاً، فأي معنىً لعفة من لا إرب له؟ أو لعفة معتزل في صومعة لا يتعرض إلى أي مثير؟ إنها عفة المحروم أو عفة عاجز لم يتعرض لامتحان([3]).
والعفة مطلوبة من المتزوج ومن غير المتزوج، وإن كانت في حق المتزوج آكد، ولذا كانت العقوبة عليه أشد، وفي الحديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»([4]) .
وقد ذكر الدكتور محمد علي البار في كتاب «الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها» حادثة لطيفة لتبيان معاني الإحصان والعفّة يقول: «رأيتُ ذات ليلة الرسول ﷺ فلم أستطع أن أرفع بصري إليه إجلالاً وتوقيرًا، وسألت قائلاً: يا رسول الله لقد تفشت في الناس الأمراض الجنسية، فما العلاج؟ فأجابني ﷺ بكلمة واحدة: «الإحصـان».. ثم انتبهت من نومي وتفكرت في معاني هذه الكلمة البليغة الموجزة التي حوت العديد من المعاني، ورجعت إلى معجم اللغة فوجدت أن للكلمة معانٍ عدة، أولها الوقاية والمنعة، وثانيها العفة، وثالثها الحرية، ورابعها الزواج.
فمن معاني الإحصان: ﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ ([5])، أي: متزوجين غير زانين، و ﴿ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ﴾([6])، أي: عفائف غير زانيات، ﴿ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾([7])، أي أخلاّء.. قال تعالى: ﴿ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾([8])، أي تعففًا وبعدًا عن الزنى، وامرأة حصان: أي ممتنعة عن الزنى عفيفة، الحصان الفرس العتيق؛ لأنه محرز لفارسه، وقيل حصان؛ لأنه ضنّ بمائـه فلم يُـنْـزَ إلا على كريـمة، ثم كثر ذلك حتى سمّوا كل ذكر من الخيل حصانًا.
والعفة خلق إيماني رفيع، هو زينة للرجل المسلم والمرأة المسلمة في الدنيا والآخرة، يحفظان به إيمانهما، ويضمنان به استقامتهما، ويستجلبان به رضى ربهما، ويعتصمان به من معاصيه وسخطه، ويحفظان به شبابهما وصحتهما.
فقد سرى وهمٌ لدى كثير من الناس أن «عدم استعمال الأعضاء الجنسية يفسد الغدد الجنسية الصماء ويعطل وظائفها، بينما الحقيقة أن العفة تساعد على الصحة، ذلك أن غدد الجنس لا تضمر ولا تذبل نتيجة لعدم الاستعمال فإن استبقاء الإفرازات الداخلية للغدد الجنسية تساعد فعليًا على إحراز بنية قوية؛ إذ إن القذف المنوي يحرم الجسم كميات لا بأس بها من الحديد والفسفور والكالسيوم كانت تؤلف جزءًا من نسبة الدم»([9]).
وكما ادَّعى بعض الداعين للإباحية أن العفاف يورث الكبت الجنسي ويضر بالصحة، وهذا القول باطل وسطحي ويرد عليه الأطباء الغربيون أنفسهم.
يقول الدكتور جيمس باجيه ــ طبيب القصر الملكي بلندن: «لا ضرر من العفاف للجسم والصحة».
ويقول الدكتور بريه: «عفاف الشباب يقي صحتهم وعقلهم، وقد دلت التجارب على أن ضبط النفس في الإنسان والحيوان عن الشهوات قوي للنماء والصحة».
وليس هذا فحسب بل لقد قرر المؤتمر الدولي العام الذي شارك فيه 102 طبيبًا من أقطاب الطب في جميـع أنحاء العالــم أنه يجـب «أن يفهم الشباب بالخصوص عن العفاف والطهارة أنهما ليْسا فقط لا يضران، بل إن هاتين الفضيلتين من أنفع ما يكون للصحة»([10]).
كما أن العفة هي السبيل لحياة زوجية سعيدة، حيث يقدم عليها الزوجان بطهارة ونقاء، ولذلك فقد حث الإسلام على العفة والاستعفاف، فجاء ذلك النداء الرباني بقوله تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ ([11]) . ترغيبًا بِهَا وحـثًـا عليها ودعوة للتمسك بها دون غيرها من السبل.
ويقصد بالاستعفاف : إخماد الغريزة الجنسية والتسامي بالإحساسات الشهوية وتهذيب الميول الجسدية، وهو ما يطلق عليه علماء النفس مصطلح رفع الشأن (السمو)([12]) ، «وأتى بالأمر بصيغة الاستفعال لما يتطلبه هذا الأمر من جهاد طويل للنفس وصراع عظيم لتذليل شهواتها»([13]).
والمقصود في الآية أن يلزموا جانب العفة ولا يفعلوا ما لم يأذن به الله، والذين لا يجدون نكاحًا هم الذين لا يجدون قدرة مالية على الزواج، وفي قوله تعالى: ﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ ([14])، إشارة إلى أنهم إذا التزموا جانب العفة أغناهم الله من فضله فيتهيأ لهم بذلك زواج مناسب([15])، وكما رُوي أن من الثلاثة الذين حق على الله أن يعينهم «الساعي لإعفاف نفسه».
ولعل من أعظم البشارات للعفيف هو حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، حيث ذكر رسول الله ﷺ أن منهم: « .. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله»([16]) .
ـ ووالله ـ إن اللّذة التي يجنيها الشاب من وراء خطيئة لتتلاشى، إذا تأمل هذا الحديث، وأدرك معنى أن يظلّـه الله في ظلّـه يوم تدنو الشمس على رؤوس الخلائق قدر ميل، في أي يوم؟ في يوم مقداره خمسون ألف سنة، فأي عاقل يفرط في هذا الأمن يوم الفزع؟ وأي لذة تعدل هذا الفضل؟ وأي عاقل يفرط في هذه النجاة يوم القيامة في سبيل لذة لحظة أو لحظات..؟
([2]) أخرجه مسلم (2721)، والترمذي (3489)، وابن ماجه (3832)، وأحمد (1/ 389)، عن عبدالله بن مسعود ﭬ .
([3]) الأخلاق الإسلامية وأسسها، جـ 2، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني.
([4]) أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676)، عن عبدالله بن مسعود ﭬ .
([9]) الخطايا في نظر الإسلام، عفيف عبدالفتاح طباره.
([10]) التدابير الواقية من الزنى، د. فضل إلهي.
([15]) الأخلاق الإسلامية وأسسها، عبدالرحمن الميداني..
([16]) أخرجه البخاري (660)، ومسلم (1031)، عن أبي هريرة ﭬ .
جاء في لسان العرب: العفّة : هي الكف عما لا يحل ويجمل، وعفّ عن المحارم والأطماع الدنيّة، يعف عفةً وعفافًا وعفافةً، فهو عفيف وعفّ أي كف وتعفف واستعفف وأعفه الله. وفي التنزيل: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا ﴾([1])، فسّره ثعلب فقال: وليضبط نفسه بمثل الصوم فإنه وجاء.
والاستعفاف: طلب العفاف، وهو الكف عن الحرام والسؤال من الناس، وقيل: الاستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء، ومنه الحديث: «اللهم إني أسألك الهدى والتُّقى والعفة والغنى»([2]) ، وامرأة عفيفة: عفّة الفرج، ونسوة عفائف، وتعفف: أي تكلف العفة.
فالعفّة هي كف النفس عن المحارم وعما لا يجمل بالإنسان فعله. ومنها العفة عن اقتراف الشهوة المحرمة، ويأتي في مقابل العفة: الدناءة والخسة في كثير من صورها. والعفة لا تكون إلا إذا وجد الدافع النفسي إلى ما ينافيها، فإذا لم يكن في النفس دافع إلى ما ينافي العفة أولم يوجد ما يثير الدافع لم يكن للعفة وجود أصلاً، فأي معنىً لعفة من لا إرب له؟ أو لعفة معتزل في صومعة لا يتعرض إلى أي مثير؟ إنها عفة المحروم أو عفة عاجز لم يتعرض لامتحان([3]).
والعفة مطلوبة من المتزوج ومن غير المتزوج، وإن كانت في حق المتزوج آكد، ولذا كانت العقوبة عليه أشد، وفي الحديث: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة»([4]) .
وقد ذكر الدكتور محمد علي البار في كتاب «الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها» حادثة لطيفة لتبيان معاني الإحصان والعفّة يقول: «رأيتُ ذات ليلة الرسول ﷺ فلم أستطع أن أرفع بصري إليه إجلالاً وتوقيرًا، وسألت قائلاً: يا رسول الله لقد تفشت في الناس الأمراض الجنسية، فما العلاج؟ فأجابني ﷺ بكلمة واحدة: «الإحصـان».. ثم انتبهت من نومي وتفكرت في معاني هذه الكلمة البليغة الموجزة التي حوت العديد من المعاني، ورجعت إلى معجم اللغة فوجدت أن للكلمة معانٍ عدة، أولها الوقاية والمنعة، وثانيها العفة، وثالثها الحرية، ورابعها الزواج.
فمن معاني الإحصان: ﴿ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ ﴾ ([5])، أي: متزوجين غير زانين، و ﴿ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ ﴾([6])، أي: عفائف غير زانيات، ﴿ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾([7])، أي أخلاّء.. قال تعالى: ﴿ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً ﴾([8])، أي تعففًا وبعدًا عن الزنى، وامرأة حصان: أي ممتنعة عن الزنى عفيفة، الحصان الفرس العتيق؛ لأنه محرز لفارسه، وقيل حصان؛ لأنه ضنّ بمائـه فلم يُـنْـزَ إلا على كريـمة، ثم كثر ذلك حتى سمّوا كل ذكر من الخيل حصانًا.
والعفة خلق إيماني رفيع، هو زينة للرجل المسلم والمرأة المسلمة في الدنيا والآخرة، يحفظان به إيمانهما، ويضمنان به استقامتهما، ويستجلبان به رضى ربهما، ويعتصمان به من معاصيه وسخطه، ويحفظان به شبابهما وصحتهما.
فقد سرى وهمٌ لدى كثير من الناس أن «عدم استعمال الأعضاء الجنسية يفسد الغدد الجنسية الصماء ويعطل وظائفها، بينما الحقيقة أن العفة تساعد على الصحة، ذلك أن غدد الجنس لا تضمر ولا تذبل نتيجة لعدم الاستعمال فإن استبقاء الإفرازات الداخلية للغدد الجنسية تساعد فعليًا على إحراز بنية قوية؛ إذ إن القذف المنوي يحرم الجسم كميات لا بأس بها من الحديد والفسفور والكالسيوم كانت تؤلف جزءًا من نسبة الدم»([9]).
وكما ادَّعى بعض الداعين للإباحية أن العفاف يورث الكبت الجنسي ويضر بالصحة، وهذا القول باطل وسطحي ويرد عليه الأطباء الغربيون أنفسهم.
يقول الدكتور جيمس باجيه ــ طبيب القصر الملكي بلندن: «لا ضرر من العفاف للجسم والصحة».
ويقول الدكتور بريه: «عفاف الشباب يقي صحتهم وعقلهم، وقد دلت التجارب على أن ضبط النفس في الإنسان والحيوان عن الشهوات قوي للنماء والصحة».
وليس هذا فحسب بل لقد قرر المؤتمر الدولي العام الذي شارك فيه 102 طبيبًا من أقطاب الطب في جميـع أنحاء العالــم أنه يجـب «أن يفهم الشباب بالخصوص عن العفاف والطهارة أنهما ليْسا فقط لا يضران، بل إن هاتين الفضيلتين من أنفع ما يكون للصحة»([10]).
كما أن العفة هي السبيل لحياة زوجية سعيدة، حيث يقدم عليها الزوجان بطهارة ونقاء، ولذلك فقد حث الإسلام على العفة والاستعفاف، فجاء ذلك النداء الرباني بقوله تعالى: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ ([11]) . ترغيبًا بِهَا وحـثًـا عليها ودعوة للتمسك بها دون غيرها من السبل.
ويقصد بالاستعفاف : إخماد الغريزة الجنسية والتسامي بالإحساسات الشهوية وتهذيب الميول الجسدية، وهو ما يطلق عليه علماء النفس مصطلح رفع الشأن (السمو)([12]) ، «وأتى بالأمر بصيغة الاستفعال لما يتطلبه هذا الأمر من جهاد طويل للنفس وصراع عظيم لتذليل شهواتها»([13]).
والمقصود في الآية أن يلزموا جانب العفة ولا يفعلوا ما لم يأذن به الله، والذين لا يجدون نكاحًا هم الذين لا يجدون قدرة مالية على الزواج، وفي قوله تعالى: ﴿ حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ ([14])، إشارة إلى أنهم إذا التزموا جانب العفة أغناهم الله من فضله فيتهيأ لهم بذلك زواج مناسب([15])، وكما رُوي أن من الثلاثة الذين حق على الله أن يعينهم «الساعي لإعفاف نفسه».
ولعل من أعظم البشارات للعفيف هو حديث السبعة الذين يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه، حيث ذكر رسول الله ﷺ أن منهم: « .. ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله»([16]) .
ـ ووالله ـ إن اللّذة التي يجنيها الشاب من وراء خطيئة لتتلاشى، إذا تأمل هذا الحديث، وأدرك معنى أن يظلّـه الله في ظلّـه يوم تدنو الشمس على رؤوس الخلائق قدر ميل، في أي يوم؟ في يوم مقداره خمسون ألف سنة، فأي عاقل يفرط في هذا الأمن يوم الفزع؟ وأي لذة تعدل هذا الفضل؟ وأي عاقل يفرط في هذه النجاة يوم القيامة في سبيل لذة لحظة أو لحظات..؟
—
([2]) أخرجه مسلم (2721)، والترمذي (3489)، وابن ماجه (3832)، وأحمد (1/ 389)، عن عبدالله بن مسعود ﭬ .
([3]) الأخلاق الإسلامية وأسسها، جـ 2، عبدالرحمن حسن حبنكة الميداني.
([4]) أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676)، عن عبدالله بن مسعود ﭬ .
([9]) الخطايا في نظر الإسلام، عفيف عبدالفتاح طباره.
([10]) التدابير الواقية من الزنى، د. فضل إلهي.