مظاهر الالتزام أمام النفس – الاستمناء ( العادة السرية )

وهي من الأمراض التي تحدث لدى انهزام الإنسان أمام شهوته، وهي داء عضال يستشري بين الشباب في سن المراهقة حيث يبدأ نداء الشهوة يلحّ في قلب الشاب في غياب التربية الدينية الصحيحة.

أسباب اللجوء لهذه العادة  ([1]):

  • ضعف الوازع الديني: فما من حرارة تقابل نار الشهوة الحسية غير حرارة الإيمان، ولا بردًا يبَرّدها إلا برد التقوى، ولا لجامًا يلجمها إلا لجام الصبر والعفة ومخافة الله، فإذا فقدت هذه الثلاث لم يجد الشاب ما يمنعه من تلك العادة القبيحة.
  • عدم تيسر الزواج المبكر: وهو السبيل الوحيد والشرعي لتصريف الشهوة الجنسية، ومن هنا ندرك أضرار تأخر الزواج وصعابه وهي من الفتنة التي ذكرها الحديث الشريف: « إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض»([2]).
  • الإثارة والشبق الجنسي: حيث تزداد إفرازات الهرمونات الجنسية في الدم، مما يجلب التوتر والقلق واستعار الشهوة على أشدها، والبعض يظهر نضجه الجنسي مبكرًا في أجواء الإثارة.
  • الفضول: قد يدفع الفضول الولد إلى العبث بأعضائه أو السؤال عن تلك العادة مما يلفت انتباهه إليها، وهنا يظهر أثر التربية والصحبة الصالحة التي لا يتعلم فيها المرء إلا الخير، وضرر الصحبة الفاسدة التي يتلقى منها تلك الشرور.
  • العادة: حيث يصبح الشاب أسيرًا للعادة حتى بعد زواجه مما يفسد عليه حياته الزوجية، ولا يلجأ لتسكين شهوته إلا بهذه الفعلة؛ لأنه قد تعَّود عليها.
  • الرغبة في الحصول على اللذة: فتتحول من وسيلة تصريف الشهوة إلى وسيلة لاستجلابها، وهنا مكمن الخطورة في التساهل في علاجها منذ البداية، فالإقلاع عنها حيث يكون الأمر أيسر من أن تصبح عادة مستحكمة.
  • إطالة الفكر والتأمل في الخلوات: خصوصًا في أوساط الأفلام الخليعة، والقنوات الفضائية، والمواقع الفاضحة على الإنترنت، والقصص الغرامية التي تجعل الشاب يسبح في بحر الأوهام والتخيلات، وذلك نتيجة الفراغ والخواء، كما قال الشاعر:

إن الشباب والفراغ والجدة          مفسدة للمرء أي مفسدة

  • الضعف العقلي: فالوقوع في هذه الرذيلة يدل على ضعف العقل، وإن الواقع بها لا يدرك ما يجنيه هذا الفعل من دمار لقواه الجسدية والعصبيــــة. لذا أصبح لزامًا على الشباب أن يدركوا خطورة هذه العادة وأضرارها المتعددة عليهم وعلى مستقبلهم، وذلك للوقاية من شرورها.

ولعل من أبرز أخطار وأضرار الاستمناء ما يلي ([3]) :

  • الاستمناء وبال على الدين: فإن هذا الفعل يظلم القلب وينجس الضمير، ويغشي الوجه بقطع من الليل مظلمًا، فهي خطيئة العبد تجاه ربه وحجاب للقلب عن محبة الله تبارك وتعالى، والواقع فيها لن يستطيع أن يمنع نفسه من الوقوع في محارم الله، فالآثام تهوّن بعضها البعض في قلوب العباد.
  • الاستمناء يسلب الفضائل: فهو يورث الهَّم والحزن في الصدر، ويضعف الجسد ويسبب بلادة الذهن وفتور الهمة وضياع المروءة والهروب من الناس والخجل من مواجهة الحقائق، وكم من شاب كان ملتزمًا بالشرع فلما تمكنت منه هذه العادة رقّ دينه وانتفت عراه وتبدلت أخلاقه بعد أن كان زهرة المجالس وأنيس المساجد.
  • الاستمناء يسلب القوة ويقوض الأجهزة الجنسية، فالقوة للمسلم تعينه على العبادة والطاعة والجهاد وتدفعه للبناء والتقدم، وإذا ما تعودت الألياف العصبية على تلك العادة فقد يصعب بعد ذلك أن تستجيب للوسيلة الشرعية وهي الزواج وستظل أسيرةً لتلك العادة القبيحة.
  • الاستمناء يضر الذاكرة: ذلك أن المستمني يلجأ للتخيلات الذهنية التي تستهلك المراكز المخية المخصصة لذلك، مما يهيج الذاكرة ويشتتها، وهذا سر الألم الشديد الذي ينتاب الدماغ بعد تلك العادة القبيحة.
  • الاستمناء مخالف لفطرة الأجناس: فالدافع الحسي يحدو إلى حب الاجتماع، أما الاستمناء فهو على النقيض حيث يدفع المرء للشرود تحت تأثيره، ولكنه عندما يستيقظ من غفلته يجد نفسه وحيدًا في وحشة قاتلة، قد صرف قواه هباءً، وضيع نضارته وعنفوانه في عمل يجلب المرارة، ويفرق الكائنات بدل أن يجمعها في الإطار الشرعي والاجتماعي.
  • إدمانه يسبب الأمراض: فالمواد الحيوية الكامنة في الإنسان هي من ضروريات بناء الجسم الإنساني، وفقدانها بتلك الفعلة القبيحة يسبب ضعف البنية والهبوط الجسمي والمرض النفسي. كما أن الاستمناء من الأسباب الرئيسة في الضعف الجنسي (العنّة)، وضعف البصر وحب الشباب وتقوس الكتفين وضعـف الهضـم.

الحكم الشرعي في الاستمناء ([4]):

لقد دلت النصوص من الكتاب والسنة على تحريم الاستمناء، وعلى ذلك جرى جمهور العلماء قديمًا وحديثاُ.

الأدلة على التحريم:

الدليل الأول : قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾([5]) .

وجه الاستدلال : قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز  ــ  تعليقًا على الآيات: «أثنى  ــ  الله سبحانه وتعالى ــ  على من حفظ فرجه فلم يقض وطره إلا مع زوجـه أو أَمَتِـهِ، وحكم بأن من قضى وطره فيما وراء ذلك أيًا كان فهو عــادٍ  متـجاوز لــمـا أحلـه الله له، ويدخل في عموم ذلك الاستمناء باليد كما نبه على ذلك الحافظ ابن كثير وغـيره» ([6]).

الدليل الثاني: قال تعالى:﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾([7]) .

وجه الاستدلال : قال الشيخ أبو الفضل عبدالله بن محمد بن الصديق الحسني الإدريسي: « تدل هذه الآية على حرمة الاستمناء من وجهين:

الأول : أن الله تعالى أمر فيها بالاستعفاف، والأمر يدل على الوجوب كما تقرر في علم الأصول، فيكون الاستعفاف واجبًا وحيث وجب اجتناب ما ينافيه كالزنى واللواط والاستمناء ونحوها، فتكون هذه الأشياء واجبة الاجتناب محرمة الفعل؛ لأن الاستعفاف الواجب لا يتحقق إلا باجتنابها جميعًا.

الثاني: أن الله تعالى أوجب في الآية الاستعفاف على من لم يستطع القيام بتكاليف النكاح ولم يجعل بين النكاح والاستعفاف واسطة، فاقتضى ذلك تحريم الاستمناء، ولو كان مباحًا لَـبَـيَّـنَـهُ في هذا الموطن؛ لأن هذا مقام بيانه، إذ أحوج ما يكون الرجل إلى الاستمناء، إذا لم يجد سبيلاً إلى النكاح لا سيما عند توقان نفسه إلى الوطء».

الدليل الثالث : عن عبدالله بن مسعود  قال : قال رسول الله ﷺ: « يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»([8]).

وجه الاستدلال : أرشد الرسول ﷺ إلى أن السبيل الطبيعي لغض البصر وإحصان الفرج، هو الزواج وذلك لمن قدر عليه من الشباب، ثم بين الطريق لمن لا يستطيعون الزواج وهو الصوم؛ لأنه يلطف الشهوة ويبرد جأشها، ولو كان الاستمناء مباحًا لذكره الرسول ﷺ هنا؛ لأن المقام مقام بيان فالسكوت هنا يدل على الحصر، أي السكوت عن ذكر غير الصيام يفيد انحصار الأمر في الصيام فيكون ما عداه من طرق تصريف الشهوة محظورًا.

ونقول أيضًا :  لو كان الاســتمناء مباحًا لكان الإرشاد إليه أسـهل ( مـن الإرشـاد إلى الصيام) .

وقد أجازه بعض العلماء عند الاضطرار والخوف من الوقوع في الزنى([9])وذلك وفقًا لقاعدة ( تحمل أخف الضررين). كالحنفية والحنابلة، وحكم المرأة في ذلك كحكم الرجل ، لكنهم قالوا بحرمته إن كان لاستجلاب الشهوة.

 

 

——————————————————-

([1]) بتصرف من كتاب ( بانتظار حورية من الجنة) محمود النجيري.

([2]) أخرجه الترمذي (1084)، وابن ماجه (1967)، عن أبي هريرة ﭬ، وحسنه الألباني.

([3]) بانتظار حورية من الجنة ، ص 45  ، مرجع سابق.

([4]) المرجع السابق ، ص 45  .

([5]) المؤمنون: 5 ــ 7 .

([6]) انظر تفاسير الطبري والقرطبي والبغوي والخازن والنسفي والآلوسي والشنقيطي في تفسير الآيات الكريـمة.

([7]) النور : 33 .

([8])أخرجه البخاري (1905)، ومسلم (1400)، عن عبدالله بن مسعود ﭬ.

([9]) التشريع الجنائي الإسلامي، عبدالقادر عودة.