المسكوت عنه .. “الجنس الالكتروني” في فلسطين:”همّت به وهمّ بها” ولكن! – رأي الدين والقانون وإحصائيات الجهات المختصة ؟
سوزان الصوراني
بعد الطرق مرارا دون أية إجابة،حاولت فتح الباب و الذي كان محكم الإغلاق،فما كان من (ر.س) الا ان تركض خلف دولاب الملابس لكي تستر نفسها أمام والدتها بقطعة من اللواتي ألقت بهن على الأرض بعفوية تملؤها اللذة،و خلف الشاشة وبسرعة البرق قام (أ.ص) بإغلاق كاميرا حاسوبه خوفا من أن تكشف صورته بعدما شاهدها ألقت بالسماعات جانبا و هربت بعيدا عن حاسوبها.
لم تكن أول علاقة عشقية إلكترونية يربطهم الصوت و الصورة فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، و في الوقت ذاته فهي ليست العلاقة الأولى التي تعدت الخطوط الأخلاقية الحمراء إلى ممارسة ما يشبع رغباتهم و غرائزهم في ظل عدم استطاعتهم فعل ذلك عبر علاقة زواج مشروعة لأسباب؛ ربما تتعدى إرادتهم الذاتية، أو كما سمح له “كرم” سوء أخلاقه بالتبرع لتنفيذ هذه الأفعال إذا رغبت إحداهن بذلك و لكن دون الوصول إلى أي وعود بالزواج فهناك من يؤمن بمشروعية هذا العمل دينيا و أخلاقيا و مجتمعيا…
في هذا الشأن يؤكد المقدم أيمن البطنيجي الناطق باسم جهاز الشرطة الفلسطينية في غزة بأنه لا يحق للشرطة القبض على من ينتهج هذا الطريق متلبسا دون وصول شكوى مسبقة من أحد الطرفين،مضيفا إلى ان الممارسات غير الأخلاقية الإلكترونية يتم القبض عليها بعد تقديم شكوى بوجود عملية ابتزاز لأحد الأطراف سواء كان ذلك بالتقدم شخصيا لجهاز الشرطة أو بإرسالها عبر الموقع الإلكتروني دون الحاجة لذكر الاسم او أي تفاصيل شخصية.
وأضاف: ” هناك حالات تم إمساكها متلبسة في مواقع مشبوهة في مواضع مخلة بالآداب،وبعد التحقيق يتبين أن البداية كانت عبر مواقع التواصل الإجماعي.
أما على صعيد الضفة الغربية فغالب ما يتم ضبطه هي الجرائم الالكترونية وتتمثل في الابتزاز و التشهير و سرقة البريد الالكتروني و حسابات مواقع التواصل الاجتماعي،جاء ذلك على لسان المقدم لؤي ازريقات الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في الضفة الغربية،مضيفا إلى أن عدم تسجيل أي حالة للجنس الالكتروني الصريح لا ينفي وجودها.
و أكد على عدم وجود أي نصوص قانونية واضحة توضح مسمى الجريمة و عقابها اتباعا لقانون العقوبات الأردني رقم 16 بعقوبات بسيطة لا تتعدى الأشهر،مضيفا إلى وجود مشروع قانون يخص الجرائم الالكترونية هو قيد الدراسة لدى المجلس التشريعي الفلسطيني في رام الله.
يشار أنه لا يوجد أي إحصائيات رسمية لدى الجهات الحكومية أو المؤسسات المختصة عن ممارسات ” الجنس الإلكتروني ” في الضفة الغربية أو قطاع غزة نتيجة اكتشافها بالصدفة من قبل الأجهزة الأمنية .
عندما يغيب القانون
من جهته اعتبر عبد القادر جرادة أستاذ القانون الجنائي المشارك أن الفساد الأخلاقي و الجنسي المنتشر في المجتمع الفلسطيني يعبر عن فشل مؤسسات المجتمع جميعها في تهذيب النفس البشرية، وترويض الرغبات الجنسية لصالح علاقة جنسية طبيعية تؤدي إلى أسرة قوية متماسكة محافظة على التقاليد الدينية والأعراف الاجتماعية.
و أرجع جرادة الفساد المذكور إلى مجموعة من الأسباب أهمها انتشار التطور التقني في العصر الحديث وسهولة الاتصال والتواصل بين الناس رغم الحصار المفروض منذ سنوات، وكذلك تأخر سن الزواج بسبب حالة الفقر التي يعاني منها الشباب في قطاع غزة بفعل الحصار مما أدى إلى تحول بعض الشباب إلى إقامة علاقات جنسية غير شرعية– تقليدية أو الكترونية ؛ لفقدانهم الأمل في الحصول على الرغبات الجنسية في الإطار الشرعي للزواج.
أما عن قانون العقوبات الفلسطيني و ما نص عليه لأجل الجرائم الجنسية فقال : لا يعاقب القانون الفلسطيني على ذلك بسبب صدوره قبل أكثر من 80 عام وعدم ملاحقة الشارع لتطورات الحياة الحديثة .
و أضاف جرادة واصفا المنظومة التشريعية بأنها مصابة بالعوار و التخلف و التشتت و الازدواجية التي لا تتناسب مع مقتضيات التطور ، مطالبا بتعديل القانون ليواكب التقدم و يساير الاتجاهات الحديثة في مجال الجريمة والجزاء الجنائي.
و في السياق ذاته أضاف جرادة بأن تشريعي غزة أصدر عام 2009 تعديلا تشريعيا بأن أضيفت المادة (262) مكرر لقانون العقوبات موجها نقدا للتعديل معللا ذلك بقوله : لا يجوز التوسع في التفسير وتوجيه الاتهام لكل صور الانحراف الجنسي الالكتروني ؛ مما يضعف الملاحقة الجزائية ويفشل العمل القضائي ويمسي الظلم سيد الموقف .
من الجدير بالذكر أن نص التعديل للمادة (262) هو : ” 1 … ج – أساء عمداً استعمال أجهزة الخطوط الهاتفية أو الانترنت أو أية وسيلة تكنولوجية أخرى بأن روج أو نقل أو طبع أو نسخ أية مواد إباحية، أو أزعج الغير، أو وجه إليهم ألفاظا بذيئة أو مخلة بالحياء أو تضمن حديثه معهم تحريضاً على الفسق والفجور وكان ذلك بدون أذن رسمي من الجهة المختصة أو بدون رضاء صاحب الشأن،يعتبر أنه اعتدى على حرمة الحياة الخاصة لأحد الأشخاص يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة.
من ناحية شرعية..
” فلنبدل مصطلح الجنس الإلكتروني بالزنا، فيا حبذا لو نضخم هذه الجرائم كي يشعر أبناءنا بعظمتها “،كان هذا ما افتتح به حسن الجوجو رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي حديثه لدنيا الوطن،و استطرد قائلا: “الممارسات الخاطئة التي تحصل من بعض الشباب و الفتيات عبر المواقع الالكترونية هي حرام شرعا”.
و أكد الجوجو على ضرورة أن يضع الشاب نفسه مكان الآخرين إن كان يرضى أن يُفعل ذلك بمحارم بيته أم لا، مضيفا أن الفتاة التي تبيع جسدها و تعرضه عارٍ لشاب يراها عبر الوسائل الالكترونية تفتقد الكرامة و المبدأ ببيعها عِرضها و شرفها.
وجهنا استفسارا لسماحة الشيخ بأن هناك من المتزوجين أنفسهم من يفعل ذلك، فقال : العلاقة الجنسية هي علاقة مفتوحة بعيدا عن المحرمات و لكن في العلاقات الزوجية هناك نقص من أحد الطرفين يجعل الآخر يصل إلى هذه النقطة.
الحلول..
أما عن أهم الحلول التي قدمها الجوجو فأكد خلال قوله على ضرورة المساهمة في نشر الثقافة الجنسية بين الأبناء و آبائهم بالصورة الصحيحة بطريقة واعية للمتزوجين و غير المتزوجين، مؤكدا على ضرورة مراجعة الكتب الإسلامية والتي تعتبر عامرة بالثقافة الجنسية بشكل حضاري جدا و بمنطلق الضوابط الشرعية.
أنهى رئيس القضاء الشرعي حديثه لدنيا الوطن بالتأكيد على وجود قضايا أخطر من الجنس الإلكتروني التي تصل بشكل دائم إلى المحاكم، و أن أكثر قضايا الطلاق بين الأزواج يكون السبب أصعب من قضية التعري أمام وسائل إلكترونية و حتى الولوج إلى الهاوية بحسب تعبيره.
فهل سيتم التستر على هذه القضايا و مسبباتها و عدم محاولة إيجاد حلول لها بشكل واضح و مكشوف كما لم يتم التعامل مع قضايا الجنس الإلكتروني حاليا ؟ وهذا ما لم نستطع الحصول على إجابة له لانتهاء وقت المقابلة مع سماحة الشيخ.
صحيا وأثارها السلبية ..
من ناحيتها أكدت دكتورة الاختصاص أنستاسيا غبن للنساء و التوليد و العقم، أن وجود حالات لعلاج الفتيات من إدمان الجنس الالكتروني قبل الزواج واردة جدا و لكن يتم إرسالها إلى المرشد النفسي بالدرجة الأولى لأن ذلك بدأ باقتناع و يجب أن ينتهي بنفس الطريقة، مؤكدة أن لا علاج طبي لذلك.
أما عن الآثار السلبية الناتجة عن ذلك فقالت غبن : لن يستطيع الشاب و الفتاة مستقبلا ممارسة ذلك بشكل طبيعي على أرض الواقع بعد انتقالهم للحياة الزوجية معللة ذلك بأنهم اعتادوا على الممارسة و إشباع حاجياتهم بالصوت و الصورة عن بعد.
مضيفة إلى احتمالية إصابة كلا الطرفين بالالتهابات لما ما يتم ممارسته بشكل فردي و المحاولات الصعبة مستقبلا للوصول إلى نتيجة ترضي طرفي العلاقة الزوجية.
و أضافت غبن إلى أن الخجل المذموم لدى المرأة على سبيل المثال في طلب ما تريد أو لتلبية ما يريده زوجها في مقابل مشاهدة زوجها للقنوات و المواقع الإباحية بما يزيد عما يراه و يفعله على أرض الواقع … كل ذلك يجعله يتجه إلى طريق آخر يحقق من خلاله ذات المشاهد التي رأى.
العواقب والوقاية ..
تقول المادة “415” من قانون العقوبات الأردني”كل من هدد شخصا بفضح أمره أو إفشائه أو الإخبار عنه و كان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو من شرفه أو من قدر أحد أقاربه أو شرفه لكي يحمله على جلب منفعة غير مشروعة له أو لغيره عوقب بالحبس من أسبوع إالى سنة و بالغرامة من خمسة إلى خمسين دينار.
و يندرج تحت هذه المادة التهديد الإلكتروني بالابتزاز، ولا يشمل ذلك أيضا قانون الاتصالات الذي يختص فقط بخطوط الهواتف و بالتالي يخرج من نطاقه الرسائل الالكترونية لأنها تندرج نحو الوسائل السلكية و اللاسلكية.
هذا ما أكدت عليه دارين صالحية رئيس نيابة حماية الأسرة من العنف في رام الله خلال لقاء مع دنيا الوطن،مضيفة أن لا وجود لإحصائيات تندرج تحت هذا الموضوع لأنه يتم نشر الوقاية و الحماية من المخاطر الإلكترونية بشكل عام و من الجنس و التحرش الإلكتروني بشكل خاص و ذلك من خلال عمليات التوعية لفئة المدارس كفئة حرجة بماهية المخاطر و النتائج المترتبة عليها في ظل غياب قانون واضح المصطلحات.
و أضافت صالحية أنه و عند التقدم للشكوى يتم التواصل مع شركة المحمول المختصة للكشف عن الرسائل الأخيرة و الجدير بالذكر أن شركتي جوال و وطنية لا تعطي أية معلومات إلا إذا كانت شريحة الجوال مسجلة بالرقم الوطني للمشتكي،بناءا على قاعدة “قرينة البراءة الثقة بكل شخص”،ومن ثم يتم تحويل الملف للنائب العام.
أما فيما يخص السرية فأضافت صالحية بوجود وكيل نيابة مختص للحفاظ على سرية المعلومات و أسماء المشتكين و بالتحديد في موضوع الابتزاز، و أشارت إلى أنه يتم تحديد درجة خطورة الجريمة من خلال المعلومات المتوفرة لأن الابتزاز على سبيل المثال يمكن أن يصل إلى مبالغ طارئة و إما أن تصل النيابة إلى اعتراف المشتكى عليه بوجود علاقة سابقة أو باختراق الحسابات الخاصة أو أنها عملية إسقاط للتخابر مع العدو.
و فيما يخص القانون فأوضحت قائلة : ” بناء على قاعدة لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ، فنحن نعاني من فراغ قانوني كبير بسبب فقدان قانون ينظم عمليات الجرائم الالكترونية،ولا نستطيع تجريمها في ظل غياب مصطلحات محددة بهذا الشأن “.
وراء كل سلوك تربية
و بالتالي،يمكننا اعتبار التنشئة الاجتماعية هي العامل الأول لخلق إنسان سوي و معقول لأنها المسئولة عن رسم سمات شخصية الإنسان، و لكن ربما يكون هناك بعض الخلل في الغرائز التي لم يتم تربيتها بشكل جيد و بالتالي تنتظر أية فرصة مناسبة حتى تبدأ هذه السلوكيات بالظهور.
كان ذلك بحسب ما أشار إليه خالد دحلان أخصائي الطب النفسي و طب الأعصاب و علاج الإدمان من غزة،حيث أضاف أن خلل التنشئة الاجتماعية يكون في السبع سنوات الأولى من حياة الإنسان و هذا ما يعرضه لخلل في سلوكياته مستقبلا.
و في إحصائية طبية قدمها دحلان بأن أكثر من 90% من الشباب الذكور يمارسون ما يطلق عليها ” العادة السرية” ولا تبعد عنها نسبة الفتيات بكثير حيث يذكر أن الرغبة الجنسية لدي المرأة هي 7 أضعاف الرجل، و إذا اجتمعت الحالتان بالإضافة إلى خلل التنشئة و التربية الاجتماعية ظهرت جريمة ” الجنس الإلكتروني”.
بعد مناقشة المشكلة أعلاه دعا دحلان إلى ضرورة نشر التوعية من قبل وزارة الأوقاف و الشؤون الدينية و عدم الاكتفاء بالدعوة إلى نشر هذه الثقافة.
و بالتالي فممارسة الجنس الالكتروني يعتبر شذوذ وانحراف ومن الناحية السلوكية فهو اعتداء،ويوصف من يمارس الجنس الالكتروني بأنه شاذ ومنحرف ومعتدي، كان هذا على لسان الأخصائي النفسي محمد الخطيب من مدينة رام الله، مؤكدا أن من يلجأ إليها ويمارسها فهو حتما يعتبر منحرفا عن المعتقدات الاجتماعية والدينية السائدة، ولأنه يمارس سلوكيات غير سوية وغير مقبولة اجتماعيا، ودوافعها غالبا هي نفسية، إذن يعتبر هذا انحراف فكري وسلوكي له دوافع نفسية تتحول مع الوقت والتكرار إلى اضطرابات سلوكية نفسية واعية.
وأضاف الخطيب أن تأخر الزواج أو الحرمان الجنسي قد لا تكون أسبابا حقيقة وإنما عوامل مساعدة للسلوكيات الشاذة،وكذلك الأسباب النفسية والصراع بين الدوافع والغرائز، وبين المعايير الخلقية والقيم الاجتماعية، وبين الرغبة وموانع الاتصال ، والإحباط والمخاوف ، والخبرات السيئة والعادات غير الصحيحة، مما يدفع الفرد إلى الاتجاه نحو حلول أخرى للحصول على اللذة المفقودة.
مشيرا إلى ضرورة تعزيز التنشئة الاجتماعية والاهتمام بالتربية الجنسية وخصوصا في مراحل الطفولة، بالتركيز على التربية الدينية والخلقية والجنسية بأساليب علمية، بالإضافة إلى تنمية قدرات الشباب بتعليمهم مهارات التحكم في النفس وضبطها مع إيضاح أضرار الانحراف والشذوذ الجنسي.
في جملة آخر الإحصائيات الخاصة باستخدام الفلسطينيين لموقع التواصل الاجتماعي ( فيسبوك ) كنموذج حي يرتاده الشباب لأغراض مختلفة، وقد تبين أن عدد مستخدمي (من لديهم حسابات) الفيسبوك في الضفة الغربية وقطاع غزة بلغ ما يقارب مليون ونصف المليون، منهم 840 ألف من الذكور، و600 ألف من الإناث.
ومن بين مستخدمي الفيسبوك، بلغ عدد المستخدمين من الشباب في الفئة العمرية (15-29 عاما) حوالي مليون وستون ألف ، منهم 580 ألف من الذكور، و460 ألف من الإناث.
و من الواجب التنويه إلى أن هناك أكثر من 120 ألف خريج جامعي عاطلين عن العمل، فإذا اجتمع السن الشاب و استخدام الآلاف لمواقع التواصل الاجتماعي في مقابل قلة فرص العمل فإننا و ببساطة تامة معر ضون لازداد أعداد إشباع الرغبات و الغرائز من خلال هذه المواقع المجانية دون مهور لا بدفع مؤجل ولا معجل.المصدر: دنيا الوطن