الزنا و تدمير النفس
قبل ثماني سنوات تزوجت وسني كان تسع عشرة سنة. عانيت معه الفقر الشديد لدرجة أنه أسكنني مع أهلي في نفس الغرفة التي كانت لي ونفس الأثاث… احتقرته منذ اليوم الأول؛ لأنه كذب علي، وادعى أنه يستطيع تحمل مسؤولية الزواج.. مرت السنون وحملت، فاضطررت للإجهاض بسبب المادة.. مرت السنون وازدادت الهوة بيننا وتباعدنا.. حتى في الفراش فقد كان لا يلمسني إلا نادراً رغم حبه الشديد لي… فجأة كونت علاقات عدة مع رجال عبر الهاتف والنت، حيث أجد المتعة في حديثي معهم، وتحدثت إليهم في كل شيء، وكنت أتوهم أني أحب أحدهم، ثم لا ألبث أن أحادث آخرين… مع العلم أني لا أريد أن أفقد أحدهم… عرفت آنذاك أني أعاني مشكلة ما… حاولت ولم أستطع التوقف، بل تعديت الهاتف والنت إلى اللقاء المباشر، فالزنا مع بعضهم.. انفصلت عن زوجي خوفا من الله، لأني أخونه، ولأني لم أعد أحس تجاهه شيئا، لكني لم ألبث أن ربطت معه علاقة في الحرام كغيره… تقدم لي شخص فيه كل الصفات، وافقت وأملت أن أتغير ولكن بقي الحال على ما هو عليه هاتف ونت ولقاء مع طليقي.. ومنع نفسي من لقاء الآخرين بالقوة. أريد حلا قبل أن أجن… لِمَ أفعل هذا؟! زوجي وسيم وقوي جنسياً يشبعني لكني متعطشة دوما لوجود أكثر من رجل في حياتي. أحب أن أرى الكل مغرم بي لا أدري لِمَ. وكلما تعلقوا بي ابتعدت وكلما ابتعدوا قلقت وجربت كل الحيل لأرجعهم لي. أريد حلا أرجوكم أتوسل إليكم قبل أن أخسر دنيتي وآخرتي… لِمَ لا أستطيع التوقف؟!
الجواب
الحمد لله والصلاة السلام على رسول الله، وبعد:
تتساءلين لم لا تستطيعين التوقف !!!
لأن طلاب المتعة الحرام لن ينتهوا. لأنك لم تستحضري لحظة أمام عينيك الفضيحة في الدنيا إذا اكتشف أمرك.
لأنك لم تستحضري الفضيحة على رؤوس الخلائق يوم القيامة. لأنك لم تستحضري ولم تستشعري حرارة النار التي ستحرقين فيها يوم الحساب والصديد يسيل من فرجك برائحته النتنة والتي يتأذى منها أهل النار عياذاً بالله تعالى. لأنك لم تستحضري إمكان إصابتك بالإيدز والقضاء على حياتك كلها. لأنك لم تستحضري أن من وهبك النعم في جسدك وعقلك فارتكبتِ بها هذه الكبيرة وهي من أشد وأفظع الكبائر، قادر وهو المنتقم الجبار أن يسلبها منكِ في لحظة فتصابين بشلل كامل في جسدك كله، فلا تستطيعين حراكاً ولا تملكين حتى التحكم حينها في إخراج فضلاتك، وكم من البشر قد ابتلوا بهذا وهم من الصالحين، فما بال عاقبة أصحاب الكبائر في الدنيا والآخرة.
اللهم سلم سلم. لن أحدثك عن نماذج من النساء وعفتهن ومحافظتهن على أعراضهن من عصر النبوة ولا الصحابة ولا التابعين، ولا حتى في زماننا هذا من الأرامل والمطلقات وزوجات الشهداء وغيرهن. ولكن يشاء الله أن تعرض عليّ استشارة قبيل قراءتي لرسالتك هذه مباشرة لامرأة تعيش نفس الزمان الذي نعيش فيه، اِمرأة عادية تماماً، زوجها غائب عنها تسعة عشر عاماً يأتيها كل عامين أو أكثر مرة، لا يقوم بالنفقة على أولادها كما ينبغي، وفوق هذا كله تخدم والديه رغم وجود أبناء آخرين لهم، وأخيراً بدأت تفكر بالطلاق. أتساءل، أليست هذه اِمرأة مثلك؟ أليس بين جنبيها شهوة تضطرم وتؤرقها وتئن منها؟ تسعة عشر عاماً تتحملها وتربي أولادها وتخدم والدي زوجها، ألم تحن في ليلة لرجل يكتنفها ويعوضها؟ ما الذي منعها أن تسير في نفس الطريق المظلم الذي سرتِ فيه؟ الفرق بينكما أنها أدركت قيمة نفسها، وتيقنت أن عزها وشرفها ورفعتها في الدنيا والآخرة، ليست بكثرة ما تعرف من الرجال، وإنما في محافظتها على عفتها وعرضها. الفرق أن خوفها من الله كان حقيقة عايشتها، وليس وهماً خدعت به نفسها وأسطر حوتها رسالتها. ولأِنها أدركت قيمة نفسها وحقيقة الخوف من الله سبحانه، فلما عايشت الفقر وضنك العيش وفراق الزوج، لم تفكر في الانتقام من هذا الرجل؛ لأنه انتقام وتدمير لنفسها أولاً وآخر، وإنما شرعت تبحث عن المخرج الشرعي لهذه العلاقة. وما أيسر أن يفسد المرء شيء لا يدرك قيمته. هكذا فعلتِ بنفسك حين هانت عليكِ ولم تقفي على تكريم المولى سبحانه وتعالى لكِ، فحينما أردتِ الانتقام من الرجل الذي تزوجتِ به أول مرة، ثم رضي بعلاقة في الحرام بينكما، وما أبعده عن الرجولة الحقة ! حين أردتِ الانتقام من سنين الفقر، دمرتِ نفسك من حيث تشعرين أو لا تشعرين، المحصلة الآن واحدة. انفصلتِ عن الأول لأنكِ ما تحملتِ خيانته، وماذا عن الخيانة مع الله “فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله” عهد بين المرأة وربها، لا علاقة للرجل به من قريب أو بعيد. لو كانت الحدود تقام، ترى كم من المرات يستوجب رجمك بالحجارة؟ لكن من يحول بينك وبين التوبة، والله يتوب على الكافر إن أسلم، وليس بعد الكفر ذنب، فما بالنا بما هو أدنى من ذلك.
بعد أن تقرئي الرد على رسالتك، اقطعي كل الأسلاك من بيتك، هل تفهمين جيداً ما أقول !؟ قطعاً لا يبقى معه وسيلة اتصال واحدة، لا تليفون ولا نت ولا جوال ولا أي شيء. لا تحتجي بأهل أو معارف أو أقارب ترغبين بالتواصل معهم، التليفونات على الطرق العامة ما أكثرها، ولا تقومي بإجراء مكالمة واحدة إلا بصحبة زوجك. اعملي أقصى ما عندك لتسافري وزوجك خارج البلدة التي تعيشون فيها الآن، وأقنعيه بالبحث عن عمل آخر له من باب زيادة الدخل أو ما شابه. توبي إلى الله توبة نصوحاً وتضرعي إليه بالدعاء ليل نهار أن يتوب عليكِ ويسترك ويغفر ذنبك ويحصن فرجك ويربط على قلبك ويرزقك العفة، ويحول بينك وبين كل ما لا يرضيه. استشعري الندم على كل لحظة عصيتِ فيها ربك، واحمدي الله تعالى أن منيتك لم تأتك في لحظة كهذه. فعلامَ كنتِ ستحشرين وتبعثين يوم القيامة !؟ إياكِ من التباطؤ في التوبة والإقلاع عما أنتِ فيه، واحذري من مكر الله سبحانه الذي يمهل ولا يهمل. تحصني بالأذكار وتلاوة القرآن ليل نهار، لا تجعلي كتاب الله يفارقك أبداً تلاوة وتدبراً وسماعاً. احرصي على الارتباط بصحبة صالحة من نساء المسجد القريب منكِ، وإياكِ وصحبة السوء. تذكري الموت دوماً، وأنه يمكن أن يأتيكِ في أي لحظة، فعلامَ تحبين لقاء الله تعالى.
أسأل الله أن يتوب عليكِ ويسترك ويبدل حالك لخير حال ويتوفاكِ على الإسلام والإيمان والتقوى.
من عادتي أن أقول في نهاية الرد على كل رسالة “وواصلينا بأخبارك”.
لن أقولها الآن لأنني على يقين أنكِ تحبين الله وكل ما يرضيه، وستقومين بقطع وسائل الإتصال تماماً كما طلبت منك ِ.
“إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم”
“قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم”.
المصدر: موقع استشارات