كيف نعالج اضطراب الهوية الجنسية ؟

لي قريب عمره في حدود أربعة وعشرين عامًا تغلب عليه صفات الأنوثة في الحركات والصوت.. فهو ناعم جداً وحساس وقلق أحياناً.. ليست لديه أي رغبة في النساء، ولم يحدث عنده انتصاب ولا مرة واحدة –على حد قوله- أجرى فحصاً طبياً وتبينت سلامة أعضائه، وهرموناته.. وهو محبط جنسياً..!

ما رأيكم في هذه الحالة.

الجواب

ما يعاني منه قريبك حسب وصفك هو ما نطلق عليه اختلال الهوية الجنسية

واضطراب الهوية الجنسية (بالإنجليزية:Gender identity disorder ) اختصارا يعرف بـ(GID ). وهو تشخيص يطلقه أطباء وعلماء النفس على الأشخاص الذين يعانون من حالة من عدم الارتياح أو القلق (Dysphoria ) حول نوع الجنس الذي ولدوا به. وهو يعتبر تصنيفا نفسيا، يصف المشاكل المتعلقة ب التغير الجنسي وهوية التحول الجنسي والتشبه بالجنس الآخر. وهو تصنيف تشخيصي ينطبق بشكل عام على “المتغيرين جنسيا”.

ويبدأ هذا الاضطراب عادة منذ سن مبكرة، من عمر سنتين إلى أربع سنين، حيث يميل الطفل الذكر إلى اللعب بألعاب الإناث مثل الدمى (باربي وفلة وغيرها) والاهتمام بمظهر شعره وثيابه بما يشبه الإناث من خلال التسريحة والشرائط وغير ذلك.. إضافة لتقليده لحركات الإناث وأساليبهن وتصرفاتهن المتنوعة. وفي حال الطفلة الأنثى التي تعاني من هذا الاضطراب نجدها تميل إلى الألعاب الجسدية الخشنة والمضاربات واللعب بألعاب الذكور مثل المسدسات والسيوف وغير ذلك، والظهور بمظهر ذكوري في الشكل والسلوك والاهتمامات..

وجوهر هذا الاضطراب هو انحراف في تمثل الطفل لهويته الجنسية الطبيعية، وهو لا يتقبل جسده وأساليب السلوك العامة المرتبطة بجنسه، وهو غير راض عن جسده وهويته الطبيعية، وهو يسعى باستمرار لتقليد الجنس الآخر وتمثل صفاته ورغباته وأساليبه. وفي مرحلة البلوغ والمراهقة والشباب يستمر الاضطراب عند نسبة كبيرة منهم، وتزداد معاناتهم داخل الأسرة وفي المجتمع.. وبعضهم يلجأ إلى استعمال أدوية هرمونية للتأثير على جسمه ومظهره بما يتناسب مع شكل الجنس الآخر.. كما يلجأ بعضهم إلى طلب تغيير الجنس جراحياً..

وتزداد في هذه الفئة عموماً الخيالات الجنسية المثلية وكذلك الممارسات الجنسية المثلية.

الأسباب:

لا تزال أسباب هذا الاضطراب غير واضحة أو محددة بشكل دقيق.. والنظريات القديمة تحدثت عن خلل هرموني، ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أنه لا يوجد اضطراب في مستوى الهرمونات الذكرية في حالات الأطفال أو الكبار الذكور الذين يعتقدون ويشعرون أنهم إناث.. ومستويات هرمون الذكورة لديهم طبيعية عادة. وكذلك في حالات الإناث اللاتي يشعرن أنهن ذكور.. ومستويات الهرمونات الأنثوية والذكرية ضمن الحدود الطبيعية عادة.

وقد طرحت إحدى النظريات دور عزلة الطفل أو الطفلة وعدم توفر أقران في أعمار مشابهة من نفس الجنس مما يؤدي إلى نقص في تمثل الصفات والسلوكيات المناسبة لجنس الطفل.

وتؤكد نظريات التعلم على أن اضطراب الهوية الجنسية ينتج عن سوء تمثل للجنس الموافق، أو تناقض وعدم ثبات في التشجيع على التمثل الصحيح للجنس الموافق.

ويبدو أن الأهل والبيئة المنزلية الأولى لها دور هام في تطور نظرة الطفل عن نفسه وتمثله لهويته الجنسية الطبيعية بشكل صحيح وسليم.. ويمكن للأهل أن يشجعوا سلوكاً جنسياً لا يتوافق مع جنس الطفل.. ومثلاً عندما يلعب الطفل الذكر بدمية أو يلبس ثوباً نسائياً أو حذاء نسائياً، ثم يجد الضحكات الإيجابية والابتسامات ممن حوله فإن هذا السلوك يمكن له أن يتكرر ويصبح سلوكاً مرغوباً فيه..

وهناك تفسيرات عديدة لسلوك الأهل الخاطئ.. ومنها بعض المعتقدات الشعبية المتوارثة والغريبة والمرتبطة بقضايا العين والحسد.. في حال الطفل الذكر الجميل.. حيث يلجأ الأهل لإطالة شعره وإظهاره بشكل أنثوي خوفاً من الحسد!!!

ويمكن للأم أن تساهم في اضطراب ابنها الذكر من خلال علاقتها الخاصة به.. وهي تشجعه على أن يكون مثلها بدلاً من أن يشبه أباه وذلك من خلال علاقة اندماجية مرضية معه.. ويحدث ذلك بسبب الصراعات الزوجية والأسرية وتشكيل المحاور والجبهات داخل الأسرة.

كما يلعب ابتعاد الأب عن الأسرة في حالات السفر المتكرر أو الانفصال أو غيره من الأسباب.. دوراً سلبياً في تمثله من قبل أبنائه الذكور.. وكذلك في حال ضعف شخصية الأب أو اضطرابه وفشله المهني أو الاجتماعي..

وبالطبع فإن الأساس الطبيعي لنمو وتطور الهوية الجنسية السليمة هو تمثل النماذج الموافقة جنسياً بدءاً من الاسم إلى الشكل والمظهر والسلوكيات والاهتمامات والصفات العامة..

والحقيقة أن عمليات النضج والنمو التي يمر بها الأطفال تمر بعدة مراحل وهي تستمر في مرحلة المراهقة وما بعدها.. ونظرة الفرد عن نفسه وتقييمه لها تمر بتطورات وتغيرات وقلق وتناقضات متعددة، وتلعب ظروف التنشئة التربوية والاجتماعية دوراً رئيسياً في الوصول إلى درجة صحية كافية من الثقة بالنفس، وبالجسد، وبالمكانة وبالتقدير المناسب له، وبما يتناسب مع الذكورة أو الأنوثة.

العلاج:

يعتمد العلاج في حالات الأطفال على ضبط السلوك المضطرب ومنعه وعقابه.. وأيضاً على التوقف عن تشجيع السلوك المضطرب بشكل واضح وحازم من قبل الجميع في بيئته. ويفيد أسلوب المكافأة والتشجيع المتكرر على السلوك الطبيعي المتناسب مع الجنس وبشكل تدريجي وفقاً لتفاصيل كل حالة.

ومن الضروري التنبه للصراعات داخل الأسرة ومشكلات الأم النفسية والعملية، وتفيد الجلسات الأسرية للتخفيف من مشكلات الأسرة وتوجيه الجهود بشكل إيجابي وبناء.

وفي حالات الكبار يفيد العلاج النفسي والسلوكي في تعديل نظرة الفرد عن نفسه، وفي تبنيه لهويته الجنسية الطبيعية.. وتمثل الجهود العلاجية نوعاً من إعادة التعلم وبشكل تدريجي..وينصح بوجود معالج رجل في حالة الشاب الذي يعاني من الاضطراب مما يساهم في تبنيه لصورة المعالج الإيجابية والمتفهمة من نفس الجنس مما يسهل عملية إعادة تمثل الهوية الجنسية الطبيعية، وفي حالة الشابة الأنثى ينصح بوجود معالجة أنثى لتسهيل إعادة التمثل.

وفي عدد من الحالات الشديدة يمكن إجراء عملية جراحية.. وقد وجدت الدراسات الأولية أن الجراحة علاج ناجح ورافق ذلك حماس ودعاية وأفكار خاطئة.. ولكن بعد زيادة أعداد الحالات التي تم علاجها جراحياً من خلال تغيير الجنس تبين أن هناك مشكلات نفسية واجتماعية كبيرة.. ومنها ازدياد حالات الانتحار والاكتئاب لدى المرضى المتحولين جنسياً.. وأيضاً ازدياد المشكلات الإدمانية، ومشكلات الطلاق والدعارة وغيرها.. وبعضهم لم يستطع أن يتكيف مع جسده الجديد وطلب إعادته لوضعه السابق.. وهذا غير واقعي طبعاً بعد استئصال الأعضاء الجنسية الخارجية للذكر والتكوين الجراحي لأعضاء جسدية شبيهة بالأنثوية..

والله الموفق.
المصدر: موقع استشارات