الجنس الالكتروني

الزنا الإلكتروني

(دراسة تتضمن التعريف والأسباب والأخطار والحكم والعلاج)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسولِ الله.

وبعد:

فهذه دراسةٌ وجيزة تتضمَّن البحثَ في لوثة وظاهرة سلبية، غزَتْ بيوتنا، ودخلتْها بلا استئذان، لوثة غريبة عنَّا وعن حياتنا الرُّوحية والاجتماعية.

فها نحن بِتْنا نسمع عشراتِ القصص لأشخاصٍ اضطرتْهم الظروفُ الاجتماعية السيِّئة إلى البحث عن “ملاذ آمن” – حسب تعابيرِ القوم واستعمالاتهم المخفّفة لِمَا يجري في الحياة مِن مشاكلَ – أو لنُقلْ: مكان آخَر غير فِراش الزوجية يُشبِع رغباتِهم؛ ليقعوا نتيجةً لذلك ضحيةَ الفاحشة الإلكترونية، والاعتداء على الأعْراض، أو الزِّنا الرقمي.

التعريف والتكييف:

الواقع يؤكِّدُ أنَّه حتى الآن لا يُوجد اتفاق على تعريفٍ لمصطلح “الزنا الإلكتروني”، فبعضُ الباحثين يُعرِّفه بأنه الإشباعُ الجِنسي من خلال التعرِّي أمامَ أجهزة الكمبيوتر، والبعضُ الآخر يرَى أنه مشاهدةُ الصُّور والأفلام الإباحيَّة، أو التراسُل الإلكتروني بيْن الجنسين، عبرَ البريد الإكتروني، ووسائل الاتصال الرقمي المعاصرة باستخدامِ الشبكة العنكبوتية العالمية.

ويكون هذا الفعل – غالبًا – مُرضِيًا أحدَ الطرفين أو كليهما، سواءً كان ذكرًا وأنثى، أو ذكرًا وآخَر، أو أنثى وأُخرى، فهو ممارسةُ جِنْس نفسي افتراضي؛ أي: إنَّه زنًا، ويتضمن أفعالاً وأقوالاً شاذَّة، وغير سويَّة، يقوم مِن خلالها الأفرادُ بإشباع الغريزة الجنسية بطريقِ الإفراغ الخاطئ بأيِّ شكل مِن الأشكال المشار إليها، والمعروفة لدَى رُوَّاد هذا النوع مِن الفاحشة، مع ملاحظةِ ما يَشيع في هذه الممارسات مِنْ كذِب ودجَل، وتمويه وخلط للأوراقِ والمسميات.

وتعريفنا المختار للزنا الإلكتروني هو: التراسُل الإلكتروني بيْن الجِنسين المكلَّفين، وما يتبعه مِن ممارسات منحرِفة وشاذَّة محرَّمَة.

وزعمنا أنَّ التكييف الفِقهي لهذه الأفْعال الإباحية الشاذَّة بأنَّها زنا، مشتقٌّ مِن فهمنا للحديثِ النبويِّ الشريف: ((… فالعَيْن تزْني وزِناها النَّظَر، واليدُ تزْنِي وزِناها اللَّمْس……. إلخ)) الحديث الشريف[1].

أمَّا في تكييفِه العلمي:

فيقول أحدُ الأطباء الباحثِين والمهتمِّين: “إنَّ التفسير العِلمي للطبِّ النفسي يُؤكِّد أنَّ هذا الفعل يدخُل في إطار المرَض النفسي والاجتماعي، الذي تنعكِس آثارُه سلبًا على الحياةِ الطبيعية للفَرْد في ممارسته الجِنسيَّة مع شريكِ حياته الزَّوجيَّة ضِمنَ الإطار القِيَمي السليم، الأمر الذي يُعرِّض هذه الحياةَ للفَشَل.

وهناك أمثلةٌ حيَّة واقعية، كثيرة جدًّا على عواصفِ دَمَّرتْ، أو كادتْ تُدمِّر بعضَ العائلات بنتيجةِ العلائقِ والممارسات الشاذَّة إلكترونيًّا، وإلَيْكم بعضها:

1- تُبرِّر فاطمةُ سببَ لجوئها إلى مواقع “الشات” بقولها: “نتصل لكي نسمعَ الكلام الجميل المعسول، الذي حَرَمنا منه الأهل، ولأنَّه انقرَض مِن حياتنا اليومية، ونجدُه مِن خلال التواصل عن طريق (النت) رغم إدراكِنا لأخطاره، إلا أنَّه لذيذٌ وممتِع”، كلُّ ممنوعٍ مرغوب!.

2- في مقابلةٍ لفتاة مع “صحيفة عكاظ” السعودية تقول أُخْرى: “في المدرسة: لا تُسوّي كِدَا يا بنت، ولا تأخدي معك، ولا تجيبي، ولا تحطي، ولا تشيلي، وكذلك في المنزل، وإذا أتى وقت الزواج هم مَن يختارون ونحن نرْضَى أو لا نرْضَى به، المهم رأيهم”؛ لذلك نلجأ إلى (النت)!.

3- تقول زوجة لأحدِ الباحثين الميدانيِّين: “الزَّوْج يعامل امرأتَه مثل الخادِمة، ويفتقر للرُّومانسية والكلام الجميل”، وهذا الذي نَفْتقِده نجدُه من خلال الشَّبَكة والمنتديات، والعلاقات الإلكترونية، نحسُّ بالمُتعة ولو للحظات، حتى لو كانتْ بالحرام! أليس الزَّوْج يفعل ذلك أيضًا؟!.

4- تُبيِّن دراسةٌ أجراها د. مشعل القدهي حولَ حجم الجرائم الجِنسية (الزِّنا الإلكتروني) والممارسات غيرِ الأخلاقية في المجتمع السعودي عام 2002 أنَّ حجم ارْتكاب مستخدِمي (الإنترنت) في المجتمع السعودي للجرائمِ الجِنسية والممارساتِ غيرِ الأخلاقية وصَل إلى 44.8 بالمائة من عددِ المستخدمين للإنترنت.

5- تُشير الدِّراسة إلى أنَّ عدد المشتركين في قوائمَ جِنسيَّة وصَل إلى 14.9 بالمائة، أمَّا عدد الذين أنشؤوا مواقع إباحية فوَصَل إلى 1.2 بالمائة، والأرقام في البلدان الخليجيَّة والعربية الأخرى ليست أرحمَ ولا أقلَّ؛ بَلْ هي أكثرُ وأخطر، وأشدُّ رعبًا وتهديدًا للسلم الاجتماعي.

6- ويقول أحمد (50 عامًا): إنَّه اعتاد على التجوُّل في مواقع “الشات”، وانحرَف مع بعض النِّساءِ الشاذَّات من جميعِ الجنسيات إلى أن ضبطتْه زوجتُه بالمصادفة عاريًا أمامَ جهاز الكمبيوتر يُدير مع إحدى عشيقاتِه محادثةً خادشة للحياء، ويؤكد أنَّ زوجتَه لم تصدِّقْ أنَّ ما قرأتْه صادرٌ عن زوجها ووالدِ أطفالها الثلاثة، وجدتْ أنَّ كلَّ ما افتقدتْه معه قد مارسَه هو مع عشيقاته، مشيرًا إلى أنه خضَع لاحقًا لجلسات العِلاج النفسي بعدَ تهديدِ الزوجة بطلبِ الطلاق منه.

وقائمة الأمثِلة تطول!

الأخطار:

أ- لعلَّ أبرزَ أخطار الزِّنا الإلكتروني، والذي يبدأ عادةً بالميل للقاء والتعارف؛ بقَصْد الزواج، أو تبادُل الأفكار، (وتحت أسماء مستعارة، ومعلومات مفتراة و…) – هو أنَّ كثيرًا من المراهقين أصبحوا مُدْمِنين له من عمر 16 سَنَة، وأنَّ أكثر ما يُهدِّد المراهق هو سهولةُ وصوله إلى كمية هائلة مِن الموادِّ الجِنسية بأنواعها المختلفة، وتَعرُّفه على أنواع الشذوذ الجِنسي التي لم يكن يعرِفُها مِن قبل، ومقابلته أشخاصًا يُشجِّعون أنواعًا مختلفة من الانحراف الجِنسي، مثل جِنس المحارم، والجِنس المثلي، والجنس مع الحيوانات، يتواصل مع فِئة لا تعرِف الفضيلةَ، ولا معانيها، بل تُشجِّع الانحراف والمنحرفين.

ب- الاكتئاب، بسببِ اختفاءِ الشريك الجِنسي الإلكتروني – الذي قد يوجد في أيِّ مكانٍ آخَرَ في العالَم – بسبب دخول فيروس بجهازِه الحاسوبي مثلاً ألْغَى عنوان الشخص، أو حتى بسبب الهَجْر، أو تعرُّفه على شخصٍ مختلف، أو أيِّ سبب آخَر، وأُضِيفَ إلى الاكتئاب جيشٌ من الأمراض النفسية، والتي تتحوَّلَ إلى عُضوية مزمِنة، عَصِيَّة على العلاج – غالبًا.

ج- تعتَرِف بعضُ النِّساء بعدم الشُّعور بمُتعة جِنسيَّة مع الزوج، بينما وجدْنَها فقط عندَ ممارسة العَرْض الجِنسي لجسدهنَّ على الهواء مباشرةً عن طريقِ بعض المواقع، أو مِن خلال ممارسة الزِّنا الجَمَاعي الافتِراضي، وكذلك الحياة الزوجية للرجل ليستْ أحسنَ حالاً، فغالبًا ما يَفقِدُ حرارةَ اللقاء مع زوجته، وبهجة الحوار، والحديث مع أُسْرَته.

د- الابْتِزاز المالي، وخَسارة المنصِب والمكانة الاجتماعية، والاستدراج للزِّنا الحقيقي، تحتَ ضغْط إباحةِ ونشْر الصور والأسْرار الخاصَّة، وتدمير بُيوت الزوجية، وخسران العَلاقة مع الله تعالى، ولعلَّها أكبرُ خطر، لِمَن كان حيَّ القلب، أو ألْقى السمعَ وهو شهيد.

أبرز العوامل الدافعة لهذه الجريمة:

هناك عواملُ عديدةٌ تجعل النساءَ والرِّجال يتَّجهون لممارسةِ الزِّنا الإلكتروني، وهذه اللوثة الآثمة، ولا نُريد استقراءَ الأسباب والدوافع جميعها، بل نُشير لأبرزها بعجالة:

1- يُشكِّل عدمُ الاستقرارِ العاطفي، والعُنف الجَسَدي أو اللفظي، والخَلْط بيْن العُرْف والمبادئ عندَ الزواج إلى فقدان المرأةِ لرأيها، واتِّجاهها للخِيانةِ، فتتخذ من ذلك سببًا للميل إلى الزنا الإلكتروني.

2- أنَّ أهمَّ ما يُشجِّع المراهقةَ على التحدُّثِ والاستعراض العاري لجسدِها هو شعورُها بالغُرْبة في عالَمِها الحقيقي، والعزلة العميقة، ورفْض الأهل والأقارب والمجتمع لها ولأفكارِها، وهذا يبرز دَوْر الوالدين – والأم خصوصًا – بفَتْح قنوات الحوار مع الفتاة في البيت، وتحسُّس هُمومِها ومشاكلها، والقضاء على إحساسِها بالغُرْبة هذه، وتقوية الوازعِ الدِّيني لدَيْها.

3- التربية غير السويَّة في المنزِل، أو التعرُّض لموقفٍ تربويٍّ خاطئٍ مِن أحدِ المعلِّمين، أو إحْدى المعلِّمات، أو كون الوالدين نموذجًا غير صالِح للأبناء.

4- التفكُّك العائلي، وانفِصال الزَّوْجين، وأصحاب وصُويحبات السُّوء.

5- الاستهواء عندَ الشباب والبنات في الفترة المحرِجة مِن أعمارِهم… إلخ

الحُكم الشرعي، والحلُّ والعلاج:

يقال: مَن عرَف الداء سهُل عليه الدواء، وبناءً على ما تقدَّم، فإنَّنا نؤكِّد أنَّ العلاج يتطلَّب نشْرَ الوعي الإلكتروني، وتثقيف الأهل بتلك الأمور، ومناقشة مخاطِرِ تلك الأساليب بجديَّة في الوسائلِ الإعلامية، وطرْحها في المناهِج المدرسيَّة، بعيدًا عن الخجَلِ وأسلوب الإنكار الجمَاعي.

ونُؤكِّد على دَوْر المدرسة والمسجد في بيان الحُكم الشرعي لهذه الممارساتِ المنحرِفة الشاذَّة، فأقلُّ ما يُقال فيها: إنها حرام وهي بالنسبة للمتزوِّجين تدخُل في باب تخبيب – أي: إفساد -الأزواج على بعضِهم، وقد جاء في الحديثِ الشريف: ((ليس منَّا مَن خبَّب امرأةً على زوجِها أو عبدًا على سيِّده))؛ رواه أبو داود، والحاكم، والبيهقي في “شعب الإيمان” عن أبى هريرة، وجاء أيضًا: ((عِفُّوا تعفَّ نِساؤُكم))[2]، والمسجد قادرٌ بالتعاون مع المدرسةِ والجامعة على تَبصِرة الأجيال بأحكام دِينهم، وتقويةِ الوازِعِ الأخلاقي والدِّيني، كما فعَل رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – مَع مَنِ استأذنه في الزِّنا، فسأله: ((هل تحبُّه لأمِّك؟ … هل تحبُّه لأختك، لزوجتك لـ…….إلخ؟))[3]،  ومن النافِع تبصرةُ النفوس بأنَّ أبرزَ صِفات عباد الرحمن – كما ذَكَرها المولى – عزَّ وجلَّ – أنهم  ﴿ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ﴾ [الفرقان: 68].

وأنه كما تَدِين تُدان، فحُرْمة الأعراض في الشَّرْع الحنيف هي أحدُ أهمِّ مقاصدِه، بل هي مِن الضرورات الخمْس في سائِر الشرائع، وربُّنا – سبحانه وتعالى – لم يقل: “حرمتُ عليكم الزِّنا”،  وإنَّما قال: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، وعبارة: ﴿ لاَ تَقْرَبُوا ﴾ تفيد تحريمَ الفاحشة، وجميع مقدِّماتها، فالزِّنا حرام، إلى جانبِ حديثِ الخَنَا والاختلاط، وكشْف العورات، والخلوات، وأحاديث الفُجور والتخلُّع… إلخ ما يدور في غُرَف (الشات) والعلائق الإلكترونية.

ونُطالِب الحكوماتِ العربيةَ المعنية بفَرْض رقابة قويَّة على المواقع الجِنسيَّة عن طريقِ برامجَ قوية وفعالة، وعدم الاكْتِفاء بحجْبِ مواقع يمكن الالْتفاف عليها ببرامج متوفِّرة عندَ الجميع، كما نُطالِبها بتحسينِ وإنشاء نوادٍ اجتماعية بديلة، ومخيمات نافِعة، وجعْل المدرسة بيئةً جاذبة للطلبة، والارْتِقاء بالمناهجِ إلى مستوى الواقِع، وملامسة أحاسيس التلميذِ؛ حيث هو، وليس حيث يجب أن يكونَ، ورفد المدارس بأطبَّاء نفسيِّين، وليس مجرَّد اختصاصيِّين، فمع تقديرنا لدَوْر الاختصاصي والأعباء الملقاةِ على عاتقه، إلا أنَّ الطبيبَ النفسيَّ بات ضرورةً في كلِّ مدرسة، أو على الأقل في كلِّ مدرستين قريبتين مكانيًّا.

والحُكومةُ مطالَبةٌ بالضغط على وسائلِ الإعلام لتحسينِ أدائها، والْتِزامها بميثاق شَرَفٍ لمراعاة شؤون الأمَّة وثوابتها، وعقيدتها وأعرافها القَيِّمة.

وصلَّى الله على سيِّدنا محمد، وآله وصحبه أجمعين، وآخِر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين.

المصدر: موقع الألوكة الشرعية