كدت أقع في الزنا مع شاب ، فهل تقبل توبتي ؟
الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
فجزاك الله خيراً أيتها الأخت الكريمة على سؤالك، وبارك فيك، وزادك حرصاً:
واعلمي حفظك الله أن الله سبحانه نهى عن الزنى وعن مقدماته، فقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً }[الإسراء32 ] وإن النهي عن الاقتراب يشمل مقدمات الزنى لأنه شروع في الفاحشة قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}[الأنعام151].
من أجل ذلك نهى الله تعالى عن الاختلاط المُحرم خشية أن يُفضي إلى الوقوع في الحرام، وحرَّم الخلوة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، وحرَّم علاقات الحب والغرام بين الفتاة وشاب أجنبي عنها لا تربطها به علاقة شرعية من زواج أو عقدٍ، فكل ذلك من شأنه أنه يُفضي إلى المحظور، وما وقعتِ فيه أختي السائلة إنما كان نتيجة التفريط في حدود الله تعالى، وعدم الالتزام بالأوامر الشرعية.
وما فعلتيه أختي السائلة يعتبر شروعاً في الفاحشة ولا يعتبر زنا فالزنا كما جاء في التاج والإكليل شرح مختصر خليل المالكي:” ( الزنا تغييب حشفة آدمي في فرج آخر دون شبهة عمدا ً) ا.هـ والحشفة هي مقدمة ذكر الرجل، وإن كان يعتبر من زنا الجوارح.
ولكنكِ فعلتي ذنباً لا يسعك فيه إلا توبة صادقة لله، وأن تحمدي الله تعالى أنك لم تقعي في الفاحشة الكبرى، ثم بعد ذلك يجب أن تحترزي من الوقوع في الأسباب التي أدت إلى ارتكاب هذا المحظور، ثم إياك أن تستخفي بمقدمات الحرام، لأن ما أدى إلى الحرام فهو حرام.
وإن ما حدث رغم أنه ذنب ومعصية وخطيئة يجب أن لا يتكرر، ومع ذلك فيجب الإسراع بالتوبة، فالإنسان مهما كان قدر طاعته والتزامه مُعرَّض لأن يقع في الذنوب وأن يرتكب المعاصي.
فقد روى الترمذي وأحمد والحاكم وصحَّحَه، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ “. فالمسلم لا ييأس من رحمة الله وتوبته عليه .
والذي يقع في الشروع في الفاحشة، ويستشعر عظمة الله سبحانه وتعالى وتتيقظ في قلبه مكامن الخوف من الله تعالى ينبغي أن يبادر بالتوبة، فالتوبة الصادقة تمحو ما قبلها، ومن تاب إلى الله تاب الله عليه، قال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[آل عمران135].
بل إن الله تعالى يبدل بالتوبة الصادقة سيئات العبد إلى حسنات، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان68 ـ 70].
وشروط التوبة الصادقة: الإقلاع عن المعصية، والعزم على عدم العود إليها، والندم على ما فات، ونحن نلمس فيك هذا الندم الشديد على ما فعلتيه، وهذه بادرة طيبة منك تدل على الصدق في التوبة إلى الله تعالى، لأن الندم توبة، فقد روى الإمام أحمد والحاكم وصحَّحَه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :” الندم توبة”، فهذا الحديث يؤكد أن الشعور بالندم على ارتكاب أي ذنب هو الأساس المهم للتوبة الصادقة، ونحن نشعر من كلامك أنك قد ندمت على ما فعلت،
وكذا ينبغي الإكثار من الأعمال الصالحة، ويتطلب ذلك كثرة الاستغفار والصلاة في جوف الليل والبكاء بين يدي الله سبحانه وتعالى لأن الحسنات تمحو السئات، ففي صحيح البخارى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ { وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } . قَالَ الرَّجُلُ: أَلِيَ هَذِهِ؟ قَالَ:” لِمَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ أُمَّتِي”.
واحرصي يا اختي السائلة أيضاً على الصحبة الطيبة من الفتيات الصالحات التي تعينكِ على طاعة الله، نسأل الله أن يشرح صدرك ، وأن يتوب عليك ِ ، والله الموفق
المصدر :
http://www.awqaf.gov.ae/Fatwa.aspx?SectionID=9&RefID=3986