زوجي مدمن قصص جنسية ؟

متزوِّجة ولديَّ أطفال، مُشكلتي في زوجي؛ فهو يَهوَى القصص الجنسيَّة، خصوصًا التي يكون فيها سِحاق! أو أكثر مِن فردين في القصَّة، كرَجُلين وامرأة، وهكذا، خصوصًا بأيام عُذري يُكْثِرُ منها، ويغمض عينيه، ويطلُب مني أن أتخيَّل معه، وقد نهرتُه أكثرَ مِن مرة؛ لإحساسي بأنَّه يَجْرح أُنوثتي، ولا يستمتع معي، ولكنَّه يصرُّ، ويطلبها مني، وإذا رفضتُ، يَحكي هو لي، مع العِلم بأنَّه في شبابه كان مدمنًا على الأفلام الجنسيَّة.
وهو الآن ملتزم – والحمد لله – ولكنَّها ما زالتْ مترسِّبة بعقله، وأنا أعلم أنَّ لها آثارًا جانبية، وأعلمُ بحُكمها الشرعي، فأرجو أن تُعطيني النصيحةَ لكيفية التعامُل معه حين يطلبها، وإذا أمكن أن تُساعدني برسالةٍ أُرسلها له؛ منعًا للإحراج.
وجزاكَ الله خيرًا
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فلا شكَّ أنَّ ما ذكرتِه، هو مِن الأمور القبيحة، المنافية للشَّرْع والخُلُق القويم، ولِمَا جُبِلَ عليه الرِّجالُ من الغَيْرَةِ؛ فما يأباه المرءُ في الواقِع لحرمته، لا يتخيَّله ولا يتمنَّاه، وكل هذا مِن تَمَنِّي القلْب واشتهائه، وهو نوعٌ من الزِّنا، وقد يجر صاحبه للوقوع في الحرام؛ فعن أبي هُريرةَ – رضي الله عنه – عن النبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((كُتِبَ على ابنِ آدمَ نَصيبُه مِن الزِّنا، مُدرِكٌ ذلك لا محالة؛ فالعَينان زِناهما النظر، والأُذنان زناهما الاستماع، واللِّسان زِناهُ الكلام، واليد زِناها البَطْش، والرِّجْل زِنَاها الخُطَا، والقلْب يَهوَى ويَتَمنَّى، ويُصَدِّق ذلك الفَرْجُ ويُكَذِّبُه))؛ متَّفق عليه.
قال الإمام أبو العباس القرطبيُّ في “الْمُفهِم”: “يعني: أنَّ هواه وتمنِّيه هو زِناه.
وإنما أُطْلِق على هذه الأمور كلها زِنا؛ لأنَّها مقدماتها، إذ لا يحصل الزِّنا الحقيقيُّ – في الغالب – إلا بعدَ استعمال هذه الأعضاء في تحصيله”.
وقال الإمام النوويُّ في “شرح مسلم”: “معنى الحديث: أنَّ ابن آدم قُدِّر عليه نصيبٌ مِن الزنا، فمنهم مَن يكون زِناه حقيقيًّا… أو النَّظر، أو اللَّمْس، أو الحديث الحرام مع أجنبيَّة، ونحو ذلك، أو بالفِكر بالقلْب”.
هذا؛ وقد اختلف الفقهاءُ في الرَّجل يجامع زوجته – وهو يتخيَّل امرأةً أخرى – فذهب الأكثرُ إلى أنَّ ذلك حرامٌ، وهو مذهبُ الحنفيَّة والمالكيَّة والحنابلة وبعض الشافعية؛ قال ابنُ عابدين الحنفي في “حاشيته”: “والأقربُ لقواعد مذهبِنا عدمُ الحِلِّ؛ لأنَّ تَصَوُّر تلك الأجنبية بيْن يديه يَطَؤهَا فيه تصويرُ مُبَاشَرة المعصية على هيئَتِها، فهو نظيرُ مسألة الشُّرْب، ثم رأيت صاحب “تبيين المحارم” مِن علمائنا نقَل عبارة ابن الحاج وأقرَّها”.
وقال ابن الحاج المالكي في كتابه “المدخل”: “ويتعيَّن عليه أن يَتَحَفَّظَ على نفْسه بالفِعل، وفي غيره بالقول مِن هذه الخصلة القبيحة التي عمَّت بها الْبَلْوَى في الغالب، وهي أنَّ الرجُل إذا رأى امرأةً أعجبتْه، وأتى أهلَه، جعَل بين عينيه تلك المرأة التي رآها، وهذا نوعٌ مِن الزنا؛ لما قاله علماؤنا فيمَن أخذ كُوزًا من الماء، فصوَّر بيْن عينيه أنَّه خمرٌ يشربه، أنَّ ذلك الماء يصير عليه حرامًا، وهذا ممَّا عمَّتْ به الْبَلْوَى”.
وقال ابن مفلح الحنبليُّ في كتاب “الآداب الشرعية” -: “وقد ذكَر ابن عقيل – وجزَم به في الرعاية الكبرى -: أنَّه لو استحضَر عند جِماع زوجتِه صُورَةَ أَجْنَبِيَّةٍ مُحَرَّمَةٍ، أنَّه يأثم”.
أمَّا الشافعية، فالمعتمد عندهم جوازُ ذلك، على ما حكاه ابنُ حجر الهيتمي في “تحفة الْمُحتاج شرْح المنهاج”، وذهَب بعضهم للتحريم؛ كما قال العراقيُّ في “طرْح التثريب” (2/19): “لو جامَع أهله – وفي ذِهنه مجامعة مَن تحرُم عليه – وَصَوَّر في ذِهنه أنه يجامع تلك الصورة المحرَّمة، فإنه يَحْرُمُ عليه ذلك، وكل ذلك لتشبهه بصورة الحرام، والله أعلم”. اهـ.
وقد أحسنتِ وأصبتِ – رعاكِ الله – في إنكارك عليه؛ فلا تَسْتسلمي لهذا الأمر، وانصحي لزوْجك أن يستشعرَ مراقبةَ الله – تعالى – وأنه – سبحانه – مطَّلعٌ عليه، ويعلم السرَّ وأخْفَى، ويعلم خائنةَ الأعين وما تُخفي الصُّدور، فَلْيَسْتَحِ مِن الله، وَلْيَصُنْ تفكيرَه عن ذلك.
قال ابنُ الحاج المالكيُّ: ويتعيَّن عليه أن يَتَحَفَّظَ على نفْسه بالفِعْل، وفي غيره بالقوْل مِن هذه الخَصْلة القبيحة التي عمَّتْ بها البلوى – في الغالب – وهي أنَّ الرجل إذا رأى امرأةً أعجبته، وأتى أهلَه، جعل بيْن عينيه تلك المرأة التي رآها، وهذا نوعٌ مِن الزنا؛ لما قاله علماؤنا فيمَن أخذ كوزًا من الماء، فَصَوَّرَ بين عينيه أنه خمر يشربُهُ، أنَّ ذلك الماء يصير عليه حرامًا، وهذا مما عمَّتْ به البلوى.
حتى لقد قال لي مَن أثِق به: إنه استفتى في ذلك مَن يُنسب إلى العلم، فأفْتَى بأن قال: إنَّه يُؤجَر على ذلك، وَعَلَّلَه بأن قال: إذا فعَل ذلك، صان دِينه! فإنَّا لله وإنا إليه راجعون على وجودِ الجهْل، والجهْل بالجهْل، وما ذُكِرَ لا يختصُّ بالرجل وحْدَه؛ بل المرأة داخلةٌ فيه، بل هو أشدُّ؛ لأنَّ الغالب عليها في هذا الزمان الخروجُ أو النظر، فإذا رأتْ مَن يعجبها، تَعَلَّقَ بخاطرها، فإذا كانت عندَ الاجتماع بزوجها، جعلتْ تلك الصورة التي رأتْها بين عينيها، فيكون كلُّ واحد منهما في معنى الزَّاني، نسأل الله العافية…”؛ انتهى المراد مِن كلام ابن الحاج مِن كتابه “المدخل” (2/195).
فلا تَستسلمي لنزق زوْجك، ولْتُنكري عليه، مع مراعاة الضوابطِ الشرعيَّة في الأمر والنهي، بحيث لا يترتَّب منكرٌ أشدُّ.
واللهَ أسأل أن يُصلِح أحوالَ المسلمين أجمعين، آمين
المصدر : الألوكة