تركت علاقتي الهاتفية مع شاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشْكرُكم على إتاحةِ الفُرْصةِ لنا لاستشارتِكم في أمورنا، وتوفير أوقاتِكم لنا، جعلَه الله في ميزانِ حسناتِكم.
وبعدُ، فأنا فتاةٌ عمري 20 سَنَة، الحمد لله أخْلاقي – بشهادة الجميع – عاليةٌ وجيِّدة، ولكنني أستحقِر نفسي وأشتُم نفسي كلَّ يوم وأتحسَّر؛ لأني خُنتُ ثِقة أهلي ومِن دون علمهم، فقد اقترفت أخطاء في السِّر، أحببت شابًّا عمره 23 سنة لمدَّة سنتين ونِصْف، عن طريقِ المنتدى في البداية، كنَّا نتبادل الإعجاب بالرسائل في المنتدى، وبعدَ ذلك تحوَّل إلى (الماسنجر)، وفي النهاية إلى المكالمات الهاتفيَّة، أحببتُه حبًّا جمًّا، ولا أدري لماذا مال إليه قلْبي هكذا؟!
لا يَنقُصني مِن العاطِفة شيء، وكل ما حولي على أتَمِّ حال، ولكن مع الأسَف أحببتُه، بل كنتُ له الأمَّ والأختَ والصَّدِيقة والحبيبة، وهو بادلني كذلك، نعم كنَّا نتعاون على فِعل الخير، نَنْصح بعضنا ونُذكِّر بعضنا بالصلاة، ولكن على النقيض نفْعَل الحرام بحدِيثنا وكلامِنا المعسول.
في البداية كنتُ لا أرضى أن أسْمَع له، أو أجيب طلباته، ولكن أغواني شيطاني وصِرتُ أنا أطلُب منه، وأجلس معه على الهاتِف بالساعات، وكان دائمًا يقول لي: إنَّه يخاف عليَّ ويغار عليَّ حتى مِن نفسي.
وذات مرَّةٍ سألتُه: لماذا لا تخطبني إذا كنتَ متعلِّقًا بي؟ قال: لا، أنا ما أفكِّر في الزواج، وأنَّه مشغول ويدرس هذا الحين، وجلس يومين فقط يُبرِّر فعله هذا، جلست أسبوعًا لا أُكلِّمه ولا شيء، وبعدها رجعتُ عاديًّا لعِلاقتنا.
ثم بعدَ ذلك فكرتُ وقررتُ أن أتركَه، وفعلاً تركتُه بعد سَنة من عَلاقتنا، وقلتُ له: كفَى، أنا سأتزوَّج والذي بيننا قد انتهى.
فغضب وحلَف أنَّه سينتحِر ويقتل نفسه بحادث، سكَّر بوجهي وسكَّر جوَّاله وما تكلمنا لمدَّة أسبوع، وبعدها حذفتُ رقمَه، وكل شيء، قسَّيْتُ قلبي وتركتُه، خفت من ربي وتذكرتُ عذابَه.
وكان يتَّصل ولا أردُّ عليه وقطعتُ شريحتي نهائيًّا، والحمد لله ربِّي هداني، وحاولتُ أن أنساه، صبرت لمدَّة 6 شهور لا مكالمات ولا شيء يربطُني به، ولكن الطامَّة الكبرى أني – دون تفكير – فتحتُ جوَّالي وطلبت رقمه، ورجعتُ أُكلِّمه من جديد، تفاجأ، وكان دائمًا يقول لي: أدري أنك سترجعين؛ لأن الذي بيننا حبٌّ حقيقي، وأنا فقط أضحَك ومسرورة أني رجعتُ له، ورجعتُ إلى نفْس الدوَّامة ونفْس الموَّال، واستمرَّ حالُنا إلى الأسوأ، حتى أحسسنا بملل، وتضجر مِن الذي نفعله.
وذات مرَّةٍ قال لي: لو أخطفك مِن بيت أهلك عادي؟ فجلستُ أضحَك وأقول له: عادي، تفأجاتُ اليوم التالي وإذ به يتَّصل بي في السادسة صباحًا، ويقول لي: هيا اخرجي مبكِّرًا للجامعة وأنا عندَ الطريق العام، لكن اخرجي وامشي من بيتكم، وأنا سأسرقك وما لك دخل!!
خفتُ منه وسكَّرت جوالي وغضبت، وما كلمتُه لمدة 3 أيام؛ لأنه وعَدَني أن الذي بيننا يكون فقط مكالمات، كلَّمني بعدها واعتذَر وأنا طبعًا صدقته، مرَّةً كنت نائمةً وفجأةً استيقظتُ مِن النوم وأنا متغيِّرة 180 درجة، وما أدري ما الأمر! أحسستُ أني وعيت، وأنَّ أحدًا يقول لي: إني أنجرفُ في الطريق الخطأ، جلستُ أُفكِّر في نفسي ولماذا أنا فعلت هذا؟! وتعذبت مِن هذا الشيء؛ لأنِّي قررتُ قرارًا حاسمًا أني أقاطعه نهائيًّا بلا عودة، وكل هذا لأجْلِ الله – سبحانه وتعالى – ومِن ثم سُمعتي ونفْسي وعِرضي.
والحمد لله تفاهمتُ معه، وقلتُ له: يكفي، أنا وعيتُ، وأنت لا تحبُّني إلا لغرض في نفسك، واسمح لي، لقد عفتُ هذا الشيء، لم يردَّ عليَّ، وقال: على راحتك، وأدري أنك سترجعين لي.
والحمد لله قطعتُ جميع محاولات الاتِّصال بيننا هاتفيًّا وإلكترونيًّا، وإلى هذا الحين صار لي 3 شهور، والله يُثبِّتني، وإن شاء الله لا أُكلِّمه أبدًا.
أستاذتي: مُشْكِلتي أن نفْسي لوَّامة، ودائمًا أحسُّ أنِّي منافقة أمام أهلي والناس الذين حولي، ولا أستحقُّ ثِقتهم في، وحبَّهم لي، وأجلس أندم على حالي ونفْسي، وأتذكَّر ذُنوبي كلَّها وأتحسَّر عليها.
تعبتُ نفسيًّا وأخاف أن أرجع له مرةً ثالثة؛ لأنِّي ضعيفة أمامَ نفسي، ولكن أُذكِّر نفْسي بأني تركتُه لأجل الله، والله سيعوِّضني أحسنَ منه.
إنَّني في حَيْرة مِن أمري، أرْجُوكم ساعدوني
آسِفة على الإطالة، ولكن أملى في الله، ثم فيكم
الجواب
وعليكم السَّلام ورحمةُ الله وبركاته.
بينما كان الأصمعيُّ يسير في البادية مَرَّ بحجرٍ مكتوب عليه:
أَيَا مَعْشَرَ العُشَّاقِ بِاللَّهِ خَبِّرُوا
إِذَا حَلَّ عِشْقٌ بِالْفَتَى كَيْفَ يَصْنعُ
فكتب عليه:
يُدَارِي هَوَاهُ ثُمَّ يَكْتُمُ سِرَّهُ
وَيَخْشَعُ فِي كُلِّ الأُمُورِ وَيخْضَعُ
ثم عاد فوجَد قد كُتِب:
فَكَيْفَ يُدارِي وَالْهَوَى قَاتِلُ الْفَتَى
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ قَلْبُهُ يَتَقَطَّعُ
فكتَبَ:
إِذَا لَمْ يَجِدْ صَبْرًا لِكِتْمَانِ سِرِّهِ
فَليْسَ لَهُ شَيْءٌ سِوَى الْمَوْتِ أَنْفَعُ
وما كان أشدَّ حزنَه حين عاد فرأى شابًّا قضى نحبَه وقد كَتب:
سَمِعْنَا أَطَعْنَا ثُمَّ مِتْنَا فَبَلِّغُوا
سَلاَمِي عَلَى مَنْ كَانَ لِلْوَصْلِ يَمنَعُ
وبصَرْف النظر عن صحَّة القصة التي أراها بعيدةً عن واقعنا، إلاَّ أنَّ ذلك الشابَّ مات؛ لأنَّه كان مخلصًا في محبَّته لمن يحب؛ والدليل أنَّه كان حريصًا على الوصال، ولم يتهرَّبْ ويتعلَّل بانشغاله بالدِّراسة أو عدم استعدادِه للزَّواج، أو غيرها من عِلل الذِّئاب المعروفة المفضوحَة السَّقيمة!
مات الشابُّ في زمانٍ مضى، حينما كان الإخلاصُ مِن سمات البشَر، ولم يكن عُملة نادرة، لم يكن الخِداع أساسَ العلاقات ودليلَ التعاملات.
يتألَّم قلبي – والله – لما أرَى مِن سذاجة فتيات مسلِمات طاهرات عفيفات، نشأنَ في بيئات محافِظة، إلا أنَّ سذاجتهنَّ بمساعدة عاطفتهنَّ تأبى إلا أن تُنغِّصَ عيشهُنَّ، وتمنيهنَّ بأوهام كاذِبة وأماني فارِغة، وأحلام خاوية سوى مِن أكاذيب وخرافات.
حَلف أن يقتُل نفسَه في حادِث!
يا للمسكين! فلماذا لم يحاولِ الانتحار وقد نفذتِ ما وعدتِ وانقطعتِ عنه لمدَّة سِتَّة أشهرٍ كاملة؟! لماذا لم يمتنع حتى عنِ الطعام أو يَزْهَد في الحياة؟!
ألم تتَّصلِي به بعد ستَّة أشهر لتجديه بخيرِ حال، ثم يقول لكِ بكلِّ هدوء: كنتُ واثقًا أنك ستعودين؟!
ويَدَّعي أنه واثِق في ذلك لأنَّ حبكما خالِص، ولو صَدق لقال: لأنِّي أعلم ضعفَكِ، وأعلم قوَّة شِباكي التي نصبتُها حولكِ، حتى أحاطتْ بك كما أحاطتْ بغيركِ مِن الضعيفات.
أتخشين العودةَ بعدَ تلك المدَّة؟
نعم قدْ تعودين إن لم تتسلَّحي بالأسلحة القوية وتتحصَّني بالحصون المنيعة. أيخرُج المريض من المشْفَى بمجرَّد إجراء العمليَّة الجِراحيَّة، أم يُلزم بأخْذ مدَّة للنقاهة وإتْمام الشِّفاء والتأكُّد مِن سلامته وقُدرته على ممارسةِ الحياة بشكل طبيعي؟
وهناك مَن يحتاج لمدَّة إضافية مِن العلاج الطبيعي، وكلٌّ على حسب نوع الجُرح ومدَى أثرِه وخُطورته وزمَن حدوثه، وما أرى جرحكِ إلا بحاجة للنقاهة والعِلاج الطبيعي والاستمرار على المقويات أيضًا.
فعليكِ بالمسارعة بالتحصين واللجوء إلى الله.. تأمَّلي نعمه وجميل ستره، كيف لم يفضحكِ هذه المدَّة؟! كيف كان يَرزُقكِ ويُكرِمُكِ ويحفظكِ وأنْتِ تعصينَه؟!
كيف حَرَم غيرَكِ نِعمة البَصر والنُّطق والسَّمع، ووهَبكِ إيَّاها ثُمَّ استعملتِها في إغْضابه؟!
عُودي إليه واستمدِّي منه العَونَ، وسليه التوفيقَ والسَّداد، ولن تَجدي إلاَّ خيرًا – بإذن الله – ألَم يقلِ الله: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62]، وقال: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر: 60].
ثُمَّ عليكِ أن تُحيطي نفْسكِ برُفقةٍ صالِحة طيِّبة؛ تُعين على الحقِّ، تذكُر الله، تأمُر بالمعروف وتَنهَى عن المنكر؛ ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، والمرءُ ضعيفٌ بنفْسِه قَويٌّ بإخوانِ الخيْر وأهل الصَّلاَح؛ وردَ في الحديث: ((عليكَ بالجَماعةِ؛ فإنَّما يأكُل الذِّئْب القاصِية))؛ رواه الترمذيُّ وابن حبَّان وأحمد.
ونأتي للنُّقْطة الأخيرة أو الحِصن الأَخير، وأعْني وقتَ الفَراغ!
مِن أهمِّ وأخْطَر النِّعم على الإنسان الفَراغُ والصحَّة؛ فعن ابن عبَّاس – رضي الله عنهما – قال: قال النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((نِعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِّحَّة والفَراغ))؛ رواه البخاري.
فاستغلِّي كلَّ دقيقةٍ من وقتكِ فيما يَنفعُكِ مِن قراءةٍ أو عِبادةٍ أو مُعاونة أهْلِكِ أو تواصُل مع صَدِيقةٍ، المهم أن تُحصِّني نفسَكِ ولا تَذريها فريسةً لنِعمة الفرَاغ.
تَذكَّري أنَّ الله قدْ حفِظَكِ حالَ معصيتكِ وحَلُم عليك وأمْهَلكِ، بل بصَّركِ بخطورة ذَنبكِ وأنْقذكِ من السَّيْر في ذلك الطريق الموحِش ذي النِّهاية المخزية.
القصَّة يا أُختي مُكرَّرة وأحداثها متشابِهة، فتيات وشباب في بِحار التِّيه يَسْبَحون، لا يَدْرُون إلى أيِّ اتِّجاه يَسيرون، مع التيَّار يعومون، تمامًا كما السَّمْك الميِّت يعوم مع التيَّار لا يَدري إلى أين يُقْذَف به!
تَذكَّري أنَّ عودتكِ الثالِثة قد لا تكون بعدَها رَجْعة، بل قد تكون فيها النِّهايةُ السوداءُ بعدَ تجاوُز الخُطوط الحمراء.
وما أُحدِّثكِ إلاَّ عن خِبْرة وسنوات من الرَّكْض والسَّعْي وراءَ قصص مِثل تلك، وفي الحقيقة فما أقلَّ مَن يتَّعظ ويَعِي.
وأُذكِّركِ أخيرًا بضرورة السِّتْر على نفْسِكِ، وتعاهدها بالإصلاح وعدمِ كبْت المشاعر، فلا مانعَ مِن الجلوس في خلواتكِ والبُكاء على ما فات، ولكِن على سبيلِ الاعتبار وتوخّي الحذر لغَدكِ، وليس على سبيلِ تقريع النَّفْس وتوبيخها بما لا يَدعُ لها مجالاً للتوبة والرُّجوع؛ فكم مِن ذُنوب يقترفها العبدُ! وكم من حدودٍ يتجاوزها، ثم بعدَ العودة والصِّدْق في اللُّجوء إلى الله، يبدِّل له الرحمن الرحيم تلك الخطايا حَسناتٍ؛ ﴿ إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 70]، فاحمدي الله أنْ مَنَّ عليكِ وهَداكِ قبلَ الانزِلاق الذي ليس بعْدَه صعودٌ.
وإنْ كان لا بدَّ مِن لوم النَّفْس، فليكن لومًا إيجابيًّا نافعًا، فاللَّوْم السَّلْبي لا تَزيد معه النَّفْس إلاَّ بُعدًا عنِ الله، ورَغبةً عن الهِداية.
أخيرًا:
حكَى ابنُ القيِّم عن بعضِ السَّلف: “سُقْتُ نفْسي إلى الله وهي تبْكي، فما زلتُ أسوقُها حتى انساقتْ إليه وهي تضْحَك”، ثم قال: “ولا يَزالُ السَّالِكُ عُرضةً للآفات والفُتور والانتِكاس حتى يصِلَ إلى هذه الحالة، فحينئذٍ يصير نَعيمُه في سيْرِه، ولذَّته في اجتهادِه، وعذابِه في فُتورِه ووقوفِه، فترَى أشدَّ الأشياء عليه ضياعَ شيءٍ مِن وقته ووقوفه عن سَيْرِه”.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/33346/#ixzz4OXr65KVh