لا أدري ما الذي حل بي


السؤال

 

الملخص:

فتاة تشكو انقلاب حياتها رأسًا على عقب، فقد كانت ملتزمة في صلاتها وتلاوتها للقرآن، أما الآن فقد أصبحت تؤخر الصلاة، وتتكاسل عن تلاوة القرآن، وأدمنت العادة السرية، وأصبحت تنجح بصعوبة في دراستها بعد تفوُّقها، وتسأل: ما سبب ما أصابها؟

 

التفاصيل:

السلام عليكم ورحمة الله، أولًا شكرًا جزيلًا على ما تقدمونه في موقعكم من معلومات واستشارات، فجزاكم الله خيرًا.

أنا لا أعرف حتى ما الذي أريد أن أسأل عنه، وهو أمر قد تستغربونه، لكني فعلًا لا أعرف ما بي، لكني لستُ بخيرٍ؛ فقد كنتُ ملتزمة في صلاتي وتلاوتي للقرآن، لكن الآن أرى نفسي قد انغمستُ في الشهوات؛ فصرتُ أؤخر صلاتي، وأتثاقل عن تلاوة القرآن، كما لاحظت تغيرات كثيرة في نفسي؛ إذ أصبحتُ عصبية ومتوترة، وأخاف عند سماع القرآن، إن لم يضِقْ صدري، وأصابتني العديد من التغيرات العضوية؛ فأصبح شعري يتساقط، وهو الآن خفيف جدًّا، ولا أستبعد أن أصير صلعاءَ إذا ما استمرَّ الوضع هكذا، والأسوأ أنني صرتُ مدمنةً للعادة السرية، وكلما انصرفتُ عنها وظننت أنني شُفيتُ منها، أعود إليها، وأعاني الاحتلام أثناء النوم، وثمة الكثير من الأمور في حياتي تغيَّرت؛ فقد كنت مجتهدةً ومن الأوائل، أما الآن فأنا أعاني كي أنجح، وإلى الآن لم يتقدم أحد لخِطبتي، رغم ما رزقني الله به من الجمال والحياء، فقط مرة واحدة عُرضتُ على أحد الخُطَّاب فرفضني دون سبب مقنع، وخلال بحثي وجدتُ أنَّ هذه الأمور قد تكون بسبب عينٍ أو مسٍّ أو سحر، وعلاجها بإذن الله الرقية الشرعية، ولكني كلما حاولت أن أرقيَ نفسي أجد خوفًا كبيرًا يتملكني، ولا أجرؤ عليها، ولا حتى على الجلوس أمام الراقي من الخوف والرفض لها، سؤالي: ما سبب هذه الأمور التي حدثت لي؟ لقد ترددت كثيرًا في سؤالكم بسبب الخجل الذي يتملكني، لكني في حيرة من أمري، فأرجو أن تجيبوني دون نشر استفساري على موقعكم، وجزاكم الله خيرًا.

 

الجواب

 

بسم الله الرحمن الرحيم.

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:

فيا ابنتي العزيزة، استمعي إلى هذا الموقف الذي حدث أمامي: كان لي صديقة تتبع حمية، فكانت تقضي فترة العمل – وهي نحو ثماني ساعات – على نوع واحد من الخضروات، وهو الجزر؛ لأنها تحبه، وكما كانت تقول: لا يفسد سريعًا وبه فيتامينات وحديد… شجعناها وأثْنَيْنا على عزيمتها، ومرت الأيام، فنجد وجه الزميلة يميل إلى الصُّفرة، فقلنا: شحوب طبيعي، وبعد أيام وجدنا كفَّيها وقدميها وغالب جلدها يتحول للون الأصفر، وبعد رحلة فحوصات وتوتر اكتشفنا أن السبب هو الجزر!

 

ما أردت قوله أن ما تُغذِّي به نفسك سوف ينعكس عليك نفسيًّا وسلوكيًّا وفكريًّا.

 

فأنتِ استبدلتِ الخبيثَ بالطيب، تركتِ القرآن والتفوق الدراسي للأغاني والمشاهد الفاضحة التي تثير الشهوة، فسقطتِ في بئر العادة السرية الخبيثة وما يتبعها عادةً من تعثُّرٍ دراسي، وتشتت الذهن، لذا نقِّي الصادر لعقلكِ تتعافَي بإذن الله تعالى.

 

الإنسان تتعرج به السُّبُل وقلَّ من يظل – بتوفيق الله – على خط مستقيم في العبادات والعمل والعلاقات، ولكنَّ الفَطِنَ هو من يعدِّل مساره سريعًا عندما يشعر أن الانزلاق يكاد يأخذه للهاوية.

 

وأنتِ الحمد لله تنبَّهتِ، ولكن لا يكفي ذلك، فلا بد من أخذ النفس بالشدة، وترويضها، وحسن قيادتها لأنك لو اتبعتِها ستُهلككِ؛ فقد حذَّرنا خالقنا سبحانه من اتباع الهوى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]، انظري لوصف رب العالمين ﴿ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾: يعني: يصل الإنسان لمرحلة من الضعف تجعل هواه هو المتسلط الحاكم الآمر الذي يوجِّه سلوكه.

 

أما عن توقعكِ الحسدَ وقلةَ الخاطبين، فالحسد وارد جدًّا وهو من عقيدتنا، ولكن ليس من العقل أن أُرجع كل بلاء يصيبني للحسد، أولًا أُقيِّم نفسي كما يحب ربي سبحانه، ثم أبحث فيما عدا ذلك من أسباب، فعليكِ الآن بعلاج نفسكِ أولًا، وسوف تجدين صلاح الحال بإذن الله، وفي كل حال العلاج سيقضي على الحسد إن وُجد، عليكِ الآن حتى تتخطى هذه المرحلة الكئيبة من عمركِ باتباع بعض النصائح؛ مثل:

جدِّدي علاقاتكِ بأصدقائكِ بأيِّ شكلٍ وبكل وسيلة؛ لأن الانعزال يزيد الوحدة والوحدة بيئة خصبة لممارسة العادات السيئة.

 

قومي بعمل اختبار إرادةٍ لنفسكِ بعدم استخدام الهاتف الذكي إطلاقًا لمدة زمنية محددة، أُفضِّل أن تطولَ؛ لأنه أكبر مُعينٍ لكِ على فساد قلبِكِ.

 

راقبي صلواتكِ جيدًا، ولا تتهاوني فيها مهما حدث، بالطبع هي فرض لا مجالَ لتَرْكِهِ، ولكني أريدها هنا علاج أيضًا فهي ستضبط وقتكِ، وتجعلكِ حريصة على الطهارة؛ ما يبعدكِ عن ممارسة العادة الخبيثة تلك.

 

غيِّري نظام غرفتكِ إذا كان لكِ غرفة مستقلة، أو غيِّري نظام المكان الذي يثير مشاعركِ لإدمان الغناء وما يتبعه.

 

انشغلي بالله عز وجل لن تجدي وقتًا لِما يفسد عليكِ حياتكِ، إذا قضيتِ خمس صلوات، وقضيتِ الذكر بعد كلِّ صلاة، ثم تركتِ الهاتف وأمسكتِ بالكتاب، ونظَّمتِ لقاءً أو اثنين في الأسبوع مع خيرة صديقاتكِ، وسوف تتجدد حياتكِ ولن تجدي وقتًا يضاعف هذا الفساد الذي حلَّ بكِ، عند ذلك سوف تنتعش روحكِ، وتشتاق للدراسة، واستعادة مكانتكِ اللائقة بكِ كما كنتِ.

 

في عموم وقتكِ احرصي على الذكر، فهو يزاحم أمراض القلوب حتى يطردها بإذن الله.

 

إن استقمتِ مع ربِّكِ وجاهدتِ نفسكِ سوف يطوع الله لكِ مخلوقاته، وتتيسر لكِ الدراسة ويأتيكِ الخاطب الذي تنتظرين، وحتى وإن تأخر ستجدين بَرَدَ الرضا في قلبكِ؛ لأن ضميركِ مستريح تجاه ربكِ سبحانه، وفي عموم الحياة لا عِصمةَ لأحدٍ، فكلما غلبتكِ نفسكِ لذنبٍ، توبي إلى الله، وأتْبعي توبتكِ بعملٍ صالح من صدقة أو صيام، سنظل نجاهد حتى يهديَنا الله السبيلَ؛ وقد قال خالقنا: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69]، فجاهدي وأحسني لنفسكِ أولًا بترفعكِ عن الرذائل، وللآخرين بما استطعتِ من عطاءٍ ستجدين هدى الله سبحانه.

 

آخر ما أُشدِّد عليه: فرِّي من الفراغ فراركِ من المجذوم، واشغليه بما ينفعكِ من علم أو عمل، أو صحبة أو صلة رَحِمٍ.

 

حفِظ الله بنات المسلمين.





Source link