أبي سبب شقائي في حياتي


السؤال

 

الملخص:

شابٌّ يشكو والده، فهو لا يأبَهُ إلا بنفسه، ويتدخل في كل شيء في حياته، ما أصابه بالقسوة والاكتئاب، وانعدام تقدير الذات، ولدى أبيه مخالفات شرعية؛ كالتشكيك في الذات الإلهية، ويسأل: كيف يتعامل معه وفقًا للشرع؟

 

التفاصيل:

أنا شابٌّ في الثالثة والعشرين من عمري، مشكلتي تتمحور حول أبي، فقد قام أبي بتربيتي بشكل سيئ، فقد عرفت منه القسوةَ والجفاء، والإهانة والبخل، وأصابني بسببه الاكتئاب وانعدامُ تقدير الذات، وتشوَّهت معارفي بسبب شخصيته، فهو لا يفعل أيَّ شيءٍ ذكره الشرع؛ إذ يخوض بكلام نابٍ في الموتى، ويمشي بين الأحياء بالنميمة، ويتحدث بالغِيبة، ويكره الحج ولقب “الحاج”، ويقوم بصبغِ شعره باللون الأسود، ويتحرى النظر والبحث عن كل ما يثير الشهوة، ويعاملنا وأمي بشكل سيئ، أنا أكرهه؛ لأنه ليس حكيمًا ولا يأبه لحالنا؛ إذ إنه لا يعتني – على حد قوله – إلا بنفسه وصحته، ويطلب منا أن نحلَّ مشاكلنا بعيدًا عنه؛ لكيلا نُعكِّر صفو عيشه، لا يبرح المنزل قطُّ؛ إذ أُحيل على المعاش، كما أنه ليس له أصحاب، أنا أُسمِّيه ذا الرأس المُصفَّح؛ لأنه يجلس أمام التلفاز ١٤ ساعة متواصلة كل يوم، أتمنَّى له الموت، أكره تفاصيل وجهه، وطريقة كلامه غير الحضارية التي تُحرجنا أمام الجميع، سؤالي هو: كيف أتعامل معه بإيجابية، ووفقًا لأوامر الشرع؟ فأنا أشعر أن هذا بعيد عن الواقع، فمنذ أن تجرَّأت على أبي في رد الإهانة، وكل شيء سيئ يفعله بي، أصبح يجتنبني، فعندما يقارنني بأولاد عمي أنهم أفضل وأكثر رجولة مني، أقوم بمقارنته بأعمامي، وعندما يتدخل في أموري الشخصية، أقوم بالتدخل بأموره مثلما يفعل، وعندما يسخَر من هيئَتي، أقوم بالرد عليه بالمثل، ومناقشته في صبغة شعره، والموضة التي اتَّبعها قديمًا، وعندما يتجسس عليَّ، أقوم بالتجسس عليه، وعندما اتبعتُ غير تلك الطريقة، بدأ يتمادى في هذا الأمر، فعندما طلبت منه مشاركتي في مجلسي ومشاهدة التلفاز معي، أصبح يشاهد نفس الحلقة ٤ مرات في اليوم، ويشاهد جميع البرامج، إضافة إلى مصاحبة النساء، وعدم احترام حقي وخصوصيتي، وعندما أعامله ندًّا بندٍّ، يحترمني ويتجنبني، خشية ردود فعلي، أرجو الإفادة، فهذه الطريقة التي اعتمدتُها في معاملتي له لا تُرضيني؛ لأنها مخالِفة للشرع، ولكن للأسف التعامل وفقًا للشرع لا يُجدي معه، وسبَّب لي الأذى، أنا أكرهه، ولا يسعُني ذكر مساوئه؛ مثل: التشكيك في الذات الإلهية، والتعمق بجهل في هذه الأفكار، أرجو توجيهكم في كيفية التعامل معه، وجزاكم الله خيرًا.

 

الجواب

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله؛ أما بعد:

فتحليل مشكلتك مع والدك يتلخص في الآتي:

1- تربية غير سليمة لكم.

2- ضَعف تحمُّل للمسؤوليات.

3- سوء في الأخلاق والتعامل معكم.

4- وأخطر من هذا كله شكوك في الذات الإلهية، طفحت فخرجت من لسانه.

5- ولا يرتدع عن سوء الأخلاق إلا بالرد عليه بقوة.

6- أصابك اكتئاب بسبب تصرفاته.

7- وأخيرًا تسأل: هل ردودك عليه داخلة في العقوق أم لا؟

 

فأقول مستعينًا بالله سبحانه:

أولًا: شكوكه في الذات الإلهية إن كانت معتقدًا يعتقده، وليست مجرد وساوس، فهذه قضية خطيرة جدًّا، لكن قد تكون نتيجةَ جهلٍ، وليست عن اعتقاد، لذا يحتاج الحكم عليه إلى جهة علمية تجلس معه؛ لتناقشه وتحاوره بالتي هي أحسن، وتبيِّن له أخطاءه، ثم تحكم عليه.

 

ثانيًا: وهنا قضية خطيرة أيضًا، وهي أنك لم تذكر شيئًا عن محافظته على الصلاة، وفي الغالب أن مَن مثله إما أن يكون تاركًا لها كليًّا، أو متساهلًا بها، ومُفرِّطًا فيها جدًّا، فالترك كفرٌ عند جمعٍ من العلماء، والتساهل تفريط يُوجب العقوبة في الدنيا والآخرة، ومن ضيَّع الصلاة، فهو لِما سواها أكثر تضييعًا.

 

ثالثًا: أريد منك أن تنظر له نظرَ الطبيب لمريضه، فهو – فضلًا عن أنه والدك – مريضٌ فعلًا بأعظم من الأمراض الحسية، مريض في أخطر شيء، وهو دينه، لذا يحتاج إلى علاج قوي بإذن الله، وأقوى علاج هو الدعاء له بصدق وإخلاص بأن ينقذه الله من الشكوك، وأن يعينه على الطاعات وترك المعاصي، وأن يحسِّنَ أخلاقه، ولا تتقالَّ الدعاء، فكم فُرِّجت به من كُرَبٍ! وكم هدى الله به من عاصٍ! قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].

 

رابعًا: عدم اليأس من هدايته وتحسُّن أخلاقه، والاستمرار في مناصحته بالحكمة والموعظة الحسنة.

 

خامسًا: هناك خطوط حمراءُ لا يجوز التساهل بها؛ فمثلًا حينما يُشكِّك في الذات الإلهية، فيُناصح فورًا ويُذكَّر بخطورة هذه الشكوك، وبعقوبة الاعتقاد بها، وهذا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس من العقوق؛ قال سبحانه: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]، وفي الحديث عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرًا، فليُغيِّرْه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))؛ [رواه مسلم].

 

وكذلك بقية المنكرات؛ مثل: ترك الصلاة وغيرها، حينما تعلمون بعمله لها، أو دعوته لها، فيجب الإنكار عليه، ولكن لِيَكُنْ برفقٍ وحكمة، وكل ذلك لا يدخل في شيءٍ من العقوق.

 

سادسًا: إذا أساء الأدب معكم بالألفاظ، فالأولَى الصبر وكظم الغيظ مع المناصحة.

 

سابعًا: أكثروا من الأمور الآتية:

1- الدعاء له بالهداية، ولكم بالصبر والتحمل.

2- أكثروا من الاستغفار، فلربما ابتُليتم منه بسبب ذنوب لم تنتبهوا إليها.

3- أكثروا من الاسترجاع.

4- تصدقوا ولو بالقليل.

5- حاولوا إخراجه من عزلته بالتعرف على الصالحين؛ فالعزلة سبب خطير للوساوس الشيطانية.

6- يمكن أن يُطلَب من خطيب الجامع إلقاء خطبة عن الأمور التي يعاني منها.

7- أرسلوا له مقاطع يوتيوب وعظية مؤثرة أو رسائل واتس…

 

ثامنًا: ذكرتَ أنه لا يُحب الحج ولا لقب الحاجِّ، وذكرت جلوسه أمام التلفاز ٢٤ ساعة، ومشاهدته للأفلام الإباحية، وعلاقته بالنساء، وأنك تطلب منه أحيانًا مشاهدة ما تُحب أنت مشاهدته، والعجيب أنك هنا ذكرتَ جملةً من الأمور التي تزيده بُعْدًا عن الله سبحانه، ولم تذكر شيئًا يقربه لله سبحانه، ويرْدَعُه عن المعاصي؛ مثل: الصلاة، وتلاوة القرآن، والذكر، فإن كان بيتكم وقلوبكم خالية من هذه العبادات، مع وجود صور ذوات الأرواح والأفلام، فهذه كلها تعني أن البيت ربما عشَّشت فيه الشياطين، وخرجت منه الملائكة، فحلَّت به المصائب والتعاسة، والتباغض والمعاصي، فطهِّروا بيوتكم وقلوبكم من هذه المنكرات والنواقص؛ لتسْعَدوا وتُسعِدوا بعضكم.

 

تاسعًا: تذكروا أن هذا والدُكم، وأن له ووأله عليكم حقَّيْنِ؛ هما:

الأول: حق البر، ولو كان كافرًا؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15].

 

الثاني: حق النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة.

 

عاشرًا: ركِّزوا على تقوية توحيد الله وتعظيمه في قلبه؛ لأن الشكوك والشبهات، والتساهل بالمنكرات والصلاة، وسوء التعامل ربما كان سببها:

أولًا: ضعف التوحيد والتعظيم لله في القلب، وثانيًا: الدخول لمواقع الإنترنت الإلحادية.

 

حفِظكم الله، وهدى الله والدكم، وأعاذه من وساوس الشياطين، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.





Source link