مشاكل المراهقة

الجواب

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله؛ أما بعد:

فملخص مشكلتكِ يتمحور في رغبتكِ في جوال، وفتح حساب على السوشيال ميديا، للتواصل مع صديقاتكِ، ووالدكِ رافض هذا، ويُظهر خوفه عليكِ مِنَ الفتن التي تُعرَض لصغر سنك (١٤ سنة)، ورغم هذا فتحتِ حسابات بدون علمه، وبينتِ أنكِ من عائلة محافِظة، وأنكِ مع صغر سنك معلمة حلقة قرآن، ولديكِ مشكلة في المحافظة على الصلاة، وأنكِ تعلقتِ بصديقات غير صالحات سحبوكِ إلى بعض المخالفات والمنكرات، ومع هذا تشعرين بعدم ثقة والدكِ فيكِ، لكثرة أسئلته ومتابعته، وتسألين: كيف أحل هذه المشكلة مع والدي، وأحافظ على صلاتي، وأتخلص من صديقات السوء؟.

الجواب:

سنناقش المشكلة من عدة جوانب:

الجانب الأول: فضلٌ عليك يا ابنتي بأنكِ من عائلة محافظة، ومن أبٍ يخاف عليك ويهتم بتربيتك، وتوفيق الله لكِ أن أصبحتِ – إن شاء الله – من أهل القرآن، الذين هم أهل الله وخاصته؛ ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله أهلين من الناس، قالوا: يا رسول الله، من هم؟ قال: هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني].

قال المناوي رحمه الله: “أي: حفظة القرآن العاملون به هم أولياء الله المختصون به اختصاصَ أهل الإنسان به، سُمُّوا بذلك تعظيمًا لهم، كما يقال: بيت الله”.

ولا يكفي مجرد التلاوة ليكون من أهل القرآن، حتى يعمل بأحكامه، ويقف عند حدوده، ويتخلق بأخلاقه، فلا بد يا بنتي من شكر الله تعالى عليك، وفضله ومِنَّتِهِ، وزيادة الفضل أن كُلِّفتِ بحلقة قرآن رغم صغر سنكِ، وهذا مؤشر على ثقة معلمتكِ فيكِ، ومقدرتكِ على إدارة الحلقة وتعليم القرآن.

الجانب الثاني: لا تتصوري يا بنتي أن أباكِ لا يُحبكِ، أو لا يريد سعادتكِ وراحتكِ، ولا تظني كما يُملي عليكِ الشيطان، أو يوحي لكِ صديقات السوء، أو تسمعين أو تقرئين كلام المغرضين والمنافقين الذين يتربصون بأهل الصلاح والاستقامة الدوائرَ – أن أباكِ يريد أن يَشُقَّ عليكِ، أو يريد إهانتكِ أو إحراجكِ، أو عدم الثقة بكِ، أو الشك فيكِ أو خيانتكِ؛ كل هذه الظنون والشكوك التي تمر بِخَلَدِكِ وفكركِ ليس لها أصلٌ من الواقع، والشاهد على ذلك اهتمام أبيكِ بكِ، وخوفه عليكِ، ومتابعته في سؤالكِ، وهذا الاهتمام يدل على المحبة، وتحمُّل الأمانة، وأنه يتمنى لكِ الخير، ويخاف عليكِ الانحراف والشر، وخاصة أنَّكِ صغيرة وفي مرحلة المراهقة، ويخفى عليكِ الكثير من مشاكل الحياة، وطرق حِيَل المغرضين والمفسدين، فإذا كبرتِ ونضجتِ، فستدركين شعور والدكِ تجاه هذا الحرص والخوف.

أما كيف تتحدثين مع أبيكِ في أي أمر تريدينه منه، فعليك بالتوجيهات الآتية:

أ- إشعار الأب أنه هو العطوف الرحيم الذي يسعى لتوجيه الأسرة وحمايتها والخوف عليها.

ب- قبول الأب كما هو بتعزيز الصفات الحسنة، والتغافل عن الصفات السيئة ما لم تصل لانتهاك حدود الله.

ج- عادة الآباء أكثر عطفًا ورحمة وتعاطفًا مع البنات، فاستغلِّي هذا الجانب لصالحكِ في القرب من أبيكِ أكثر.

د- قابليه بالابتسامة والفرح لمقدمه، والتخفيف عنه إذا دخل مهمومًا، ومشاركته الفرح إذا كان فرِحًا.

ه- افتحي معه حوارًا بين الفَينةِ والأخرى، حوارًا مؤدبًا ومقدرًا لمقام الأب، ليس حوارَ صراخ أو عتاب، أو شكوى لأتفه الأسباب، وراعي مناسبة اللقاء؛ بحيث يكون في نفسية مرتاحة ومتقبلة، وإذا رأيتِ تضجرًا أو عدم قبول النقاش، فأجِّلي النقاش لوقت آخر، فقط لا تيئَسي للمرة الثانية، الثالثة أكثر، فهذا أبوكِ سيسمع منكِ ولو بعد حين، لا تُغلقي هذا الملف مهما حصل، فقط بأدب واحترام ومنطق، وإذا بيَّن لكِ القضية والدليل القاطع للمنع، أو الحل، فما يسعنا إلا أن نقول: سمعنا وأطعنا تعبدًا لله.

و- اعملي كل وسيلة تعزز ثقة والدكِ فيكِ، وذلك بالالتزام بشرع الله، وبالسؤال عن الحلال والحرام، والشُّبَهِ والفتن التي تُعرض على القلوب، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا رأى والدكِ منكِ هذا الحرص قطعًا تزيد ثقته فيكِ، ولا يغلب على ظنه الشكوك، أو الوقوع في المنكرات التي يخاف عليكِ منها.

ز- لا تجعلي حرصه عليكِ من الفتن أنه شك فيك، فهذا مزلق شيطاني، فقط احملي هذا الحرص مَحمل الظن الحسن، من خوفه عليكِ وعلى مستقبلكِ، وهو كذلك إن شاء الله.

الجانب الثالث: قضية الصلاة والمحافظة عليها، هذه القضية لا مساومة عليها، وليس لنا فيها الخيار نصلي أو لا نصلي، أو نختار كم نصلي؛ لأن إقامة الصلاة هي فرض وركن من أركان ديننا الإسلامي، واجبة على المسلم المكلف، فالله عز وجل ما خلَق الإنسان إلا لعبادته؛ قال جل جلاله: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، والصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وعماد الدين، وسبب لمغفرة الذنوب والمعاصي، وأول ما يحاسب العبد عليه يوم القيامة؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5]، ومن حديث بريدة بن حصيب الأسلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن ترَكها، فقد كفَر))؛ [رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح]، ومن حديث جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بين الرجل وبين الكفر والشرك تركُ الصلاة))؛ [رواه الإمام مسلم في صحيحه].

والمحافظة على أداء الصلاة في وقتها واجبٌ على المسلم الرجل أن يؤديَها مع الجماعة، والمرأة تحافظ عليها في وقتها؛ قال تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، وقال سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴾ [المؤمنون: 9، 10]، وقال جل وعلا: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ ﴾ [المعارج: 34، 35]، ومن الوسائل المعينة على المحافظة على الصلاة في وقتها:

١- الدعاء بثبات القلب على الدين؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر من الدعاء بثبات قلبه على دينه؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك، فقلت: يا نبي الله، آمنَّا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلِّبها كيف شاء))؛ [حديث حسن، أخرجه الترمذي].

٢- استشعار عظمة هذه الصلاة، وأنها صلة بين العبد وربه، ولِعِظَمِ شأنها فُرضت بداية بخمسين صلاة في اليوم، ثم خُفِّفت رحمةً من الله إلى خمس صلوات بأجر خمسين صلاة؛ فمن حديث أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ففرض الله على أمتي خمسين صلاةً، قال: فرجعت بذلك حتى أمرَّ بموسى، فقال موسى عليه السلام: ماذا فرض ربك على أمتك؟ قال: قلت: فرض عليهم خمسين صلاةً، قال لي موسى عليه السلام: فراجِع ربك؛ فإن أمتك لا تُطيق ذلك، قال: فراجعت ربي، فوضع شطرها، قال: فرجعت إلى موسى عليه السلام، فأخبرته، قال: راجع ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، قال: فراجعت ربي، فقال: هي خمس، وهي خمسون لا يُبدَّل القول لديَّ، قال: فرجعت إلى موسى، فقال: راجع ربك، فقلت: قد استحييتُ من ربي، قال: ثم انطلق بي جبريل حتى نأتيَ سدرة المنتهى، فغشيها ألوانٌ لا أدري ما هي؟ قال: ثم أُدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذُ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك))؛ [رواه مسلم].

٣- الشوق للقاء الله تعالى حال وقت الصلاة، وخاصة عندما يسمع الأذان، تفرحين بوقوفكِ بين يدي الله تعالى في صلاتكِ، تقرئين كلامه، وتستغفرين من ذنوبكِ، وتناجينه وتسألينه حوائجكِ، كم تكون راحة قلبكِ وسعادة نفسكِ، فكوني شغوفة بحب الصلاة، وحب ملاقاة الله؛ فقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يقول لبلال: ((أرحنا بها يا بلال))، أرحنا بالصلاة، فكأنما هذه الدنيا بما فيها من أفراح وملذات، وما يشوبها من أتراح، كل ذلك مُتعِب لنفس العبد، ومُقلق لراحتها واطمئنانها؛ فلا ترتاح من ذلك إلا بهذه الصلاة التي تُقام كما أمر الله عز وجل، وكما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وهو القائل: ((صلوا كما رأيتموني أصلي))؛ [رواه البخاري].

٤- الحياة لا تَخلو من الهموم والأحزان، ويحتاج العبد إلى ركن شديد يأوي إليه، يشكو إليه همه وأحزانه، والمسلم إنما يشكو همَّه وحزنَه إلى الله؛ قال الله تعالى حاكيًا قول يعقوب عليه السلام: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86]، وأفضل وقت وأقدس مكان هو بيت من بيوت الله، أو محراب العبد في بيته للصلاة؛ لأنه يكون بين يدي ربه في هذا المكان وهذا الوقت، فيكون العبد أقرب ما يكون من ربه حال سجوده، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء))؛ [رواه مسلم]، فالصلاة تُعين المسلم على إزاحة هموم الدنيا وأحزانها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]؛ قال ابن كثير رحمه الله تعالى: “يقول تعالى آمرًا عبيده فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة، بالاستعانة بالصبر والصلاة … وأما قوله: ﴿ وَالصَّلَاةِ ﴾، فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر … عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نُعيَ إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع، ثم تنحَّى عن الطريق، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته؛ وهو يقول: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]”؛ [انتهى من تفسير ابن كثير (1/ 251 – 253)].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه ما يهمه، فزِع إلى الصلاة؛ عن حذيفة قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَهُ أمرٌ، صلى))؛ [رواه أبو داود وحسنه الألباني].

٥- معرفة أن الصلاة والمحافظة عليها يحتاج إلى استعانة بالله، وصبر، ومصابرة، وأنها كبيرة وشاقة على النفس إلا على الخاشعين، فإنها سهلة يسيرة، وخفيفة مريحة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]؛ ذكر السعدي في تفسير هذه الآية قال: “أمرهم الله أن يَستعينوا في أمورهم كلها بالصبر بجميع أنواعه، وهو الصبر على طاعة الله حتى يؤدِّيها، والصبر عن معصية الله حتى يتركها، والصبر على أقدار الله المؤلمة فلا يتسخَّطها، فبالصبر وحبس النفس على ما أمر الله بالصبر عليه معونة عظيمة على كل أمر من الأمور، ومن يتصبر يُصبِّره الله، وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يُستعان بها على كل أمر من الأمور، ﴿ وَإِنَّهَا ﴾؛ أي: الصلاة ﴿ لَكَبِيرَةٌ ﴾؛ أي: شاقة، ﴿ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِينَ ﴾، فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع وخشية الله، ورجاء ما عنده يُوجب له فعلها منشرحًا صدره لترقُّبه للثواب، وخشيته من العقاب، بخلاف من لم يكن كذلك، فإنه لا داعيَ له يدعوه إليها، وإذا فعلها، صارت من أثقل الأشياء عليه”؛ [انتهى كلامه].

٦- تذكُّر أن العبد أول ما يُحاسب يوم القيامة عن صلاته؛ فمن حديث أنس بن حكيم الضبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتَمَّها، وإلا قيل: انظروا، هل له من تطوع؟ فإن كان له تطوع، أُكملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك))؛ [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني].

ونتذكر قول الله تعالى: ﴿ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ﴾ [المدثر: 42، 43]؛ أي: ضيَّعنا حق الله تعالى في الصلاة، لم نتصل به، لم نُقبل عليه، لم نتوجه إليه، توجهنا إلى مشاغل الدنيا، اهتممنا بقول البشر ونسينا رب البشر، طرقنا أبواب الخلق، وغفلنا عن باب السماء، ولنحذر ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 142]، وقال الله تعالى فيهم: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59]، فالواجب علينا أن نُقيم حقوق الله تعالى في إقامة الصلاة، ولنَسْتَقِمْ على منهجه، ونأتَمر بأمره، وننتهِ عن نهيه، وليُعلم أن العاقبة للمتقين في المحافظة على صلاتهم، وأنهم هم الوارثون الجنة: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 9 – 11].

الجانب الرابع:

اختيار الصحبة، وهذا مطلب يا بنتي مهم، فقد اهتم الإسلام بالصحبة الصالحة؛ لأثرها العميق في توجيه نفس الإنسان وعقله، ونتائجها الإيجابية، وقد حث الله تعالى عليها في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، والصحبة الصالحة لها تأثير على سلوك الإنسان، وقد ضرب النبي عليه الصلاة والسلام مثالًا للصاحب الصالح والصاحب السيئ؛ فمن حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يُحذيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبةً، ونافخ الكير، إما أن يَحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثةً))؛ [رواه البخاري].

فالصاحب السوء همه نفسه، منشغل بالدنيا واقتراف المعاصي، ولا يتقيد بضوابط الشرع الصحيحة؛ مما يؤثر على أخلاق غيره، فلذلك نهى الإسلام عن مصاحبته، وحثَّ على مصاحبة الإنسان الخيِّر الذي يساعد صاحبه في تهذيب أخلاقه، ويَحثه على الاستقامة وطلب العلم ونشره، وغير ذلك من الأمور الخيرة، وحسب ما أوضحتِ في رسالتكِ أنكِ متعلقة بهنَّ، ويصعب الانفكاك عنهنَّ وتركهنَّ، وقد تعلَّق القلب بهنَّ، هذا يا بُنيتي يحصل، وخاصة إذا وافق شهوة النفس، وضعف الإيمان، وفِقدان المعين على الطاعة، لكن لتعلمي أيتها الفاضلة أن الطاعة والصبر عليها، ومدافعة شهوة النفس للمعصية، هذا يحتاج لصبر ومجاهدة، ودعاء خالص لله بالثبات، وعدم زيغ القلب، واستشعار عظمة الخالق، واليقين بأن العاقبة للمتقين كما أخبر الله تعالى، وأنه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب، كل هذه النصوص من القرآن والسنة تجعل المؤمن يزهد في الدنيا، ويُقبل على الآخرة بقلب صادق مخلص متابع لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فعليكِ يا بنتي أن تبتعدي عن هؤلاء الصويحبات اللاتي لا يُعِنَّ على طاعة الله، وربما يَجْرُرْنَكِ للانحراف والسيئات وسوء الأخلاق، وإذا علم الله منكِ صدق النية بأنكِ لم تتركي صحبتهم إلا من أجل الله، وحفاظًا على دينكِ، فسيعوِّضكِ الله خيرًا منهنَّ، وأنتِ في بداية حياتكِ إذا أمدَّ الله في عمركِ، فسترين مستقبلًا أن حرص والدكِ ووالدتكِ على استقامتكِ، والخوف عليكِ من الفتن والضلال حال صغركِ – في مكانه، وستدعين لهما بصدق، وتقولين: جزاهم الله خيرًا، ومن الوسائل التي يمكن أن تتبعيها في البعد عن صديقات السوء:

أ- دعاء الله تعالى أن يصرف عنكِ كيدهنَّ وصحبتهنَّ.

ب- اقطعي وسيلة التواصل بهنَّ.

ج- امسحي الصور والأحداث التي تذكِّركِ بهنَّ.

د- في حالة إحراجك بطلب اللقاء بهنَّ، أو التواصل اعتذري لانشغالكِ.

ه- بالمقابل احرصي على الصالحات، وخاصة أنت في التحفيظ، ومعلمة قرآن، ستجدين الصاحبة الصالحة التي تُعينكِ على طاعة الله، تقضين معها الوقت الجميل الذي يجمع بين الفائدة والمرح.

د- أخبري والدكِ بصديقاتكِ الصالحات، وغالبًا ما يكُنَّ في بيوت مهتمة بالجانب الشرعي، وهو في الغالب يعرف آبائهنَّ، فيُسرُّ وينشرح خاطره، ويطمئنُّ قلبه أن ابنته مع صديقات صالحات.

أخيرًا بنيتي أسأل الله أن يجعلك من السبعة الذين يُظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظله: ((وشاب نشأ في عبادة الله))، وكذلك المرأة إذا نشأت في عبادة الله وطاعته، فهي داخلة في هذا الحديث، وأن يرزقكِ برَّ والديكِ، وأن يبارك في عمركِ وعملكِ، وأن يرزقكِ الزوج الصالح والذرية الصالحة التي تكون قرة عين لكِ في الدنيا والآخرة، واعلمي أيتها البنية أن طاعة والديكِ ورضاهم عنكِ من طاعة الله ورضاه، ولا مساومة بين عَرَضِ الدنيا وشهواتها، وبين طاعة الوالد فيما يُرضي الله تعالى، وأنتِ لا زلتِ في بداية عمركِ، وإن اشتاقت نفسكِ لشيء من الدنيا تملكينه ولم يرزقكِ الله إياه، فلعل هذا خير لكِ، وأنتِ في هذه السن، وربما ترزقينه حال كبركِ إذا اكتمل نضجكِ، وأدركتِ الكثير من أمور الحياة، فلا تحزني ولا تقلقي، ارضي بما قسم الله لكِ، ولا يكن همُّكِ إلا طاعة الله تعالى ومحبته، ومحبته رسوله أولًا بالالتزام بأوامره سبحانه، والاتباع لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم محبة والديكِ وطاعتهما في غير معصية الله، وفَّقكِ الله لِما يحبه ويرضاه.

Source link