كيف تشوه الإباحية تفكيرنا؟.. محاضرات توضح خطورة الأفلام الجنسية

محمد الجاويش – ميدان

تؤثر المواد الإباحية على عقولنا بشتى الطرّق التي تتجاوز حدود التوقع، بدءًا من انخفاض حدة التحفير البصري، والشعور بالمتعة، والرغبة الدائمة في التعرّض إلى كم أكبر من المواد الإباحية، مرورًا بزيادة العنف ضد النساء، وليس انتهاءً بإدمان المواد الإباحية الذي لن يقتصر تأثيره السلبي على الحياة الجنسية وحسب، بل يمتد ليؤثر سلبًا على الصحة العامة والحالة النفسية والعلاقات الاجتماعية. خلال هذا التقرير، سوف نستعرض باقة مهمة من المحاضرات التي ستعيد تشكيل وعينا عن الإباحيات من خلال توضيح تأثيرها على عقولنا وحياتنا.

“توقّفت عن مشاهدة المواد الإباحية لسببين تحديدًا: أولهما لأنّ المواد الإباحيّة أقحمت الكثير من الغضب والعنف في خيالاتي الخاصّة، رغم أنهما لم يكونا موجودين في الأصل ليُبنىّ عليهما، ولم أكن أعد أريد هذا لنفسي. وثانيهما أنّي بدأت أدرك أنني أشارك في خلق طلب للدّعارة المصوّرة عبر مشاهدتي للمواد الإباحيّة، ولم تكن الدعارة هي حلم الطفولة لأي منا “.

افتتح ران جافريلي بهذه الكلمات شديدة الرصانة محاضرته الملهمة التي ألقاها في مؤتمر “تيد” الذي عقّد بمدينة يافا الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013. ران جافريلي هو كاتب ومُحاضّر يدرس النوع الاجتماعي والإباحية والعلاقات بين الجنسين والسلطة والأضرار الثقافية الناجمة عن التأثر بالإباحية، كما يعمل مع الشباب والبالغين في دراسات الجنس والنوع بهدف بناء صورة ذاتية إيجابية في عالم تغمره الصور الجنسية ذات الدلالات سلبية.

خلال هذه المحاضرة التي حققت عدد مشاهدات ضخم يقارب من 18 مليون مشاهدة، يناقش جافريلي بخفة غير معهودة تلك الأسباب القوية التي كبحت جماح رغباته ومنعته من الاستمرار في مشاهدة المواد الإباحية التي لم يدرك تأثيرها السلبي عليه إلا في وقتِ متأخر. فيوضح كيف قامت تلك المواد بتحوير الصورة الطبيعية للجنس إلى صورة أخرى مشوهة تمامًا مليئة حد حافتها بالعنف والغضب، ثم يستكمل حديثة موضحًا الماهية الحقيقية للمواد الإباحية كدعارة مصورة لا تختلف كثيرًا عن الدعارة الحقيقية التي دائمًا ما تكون نتيجة حتمية للكثير من المشكلات والمآسي.

يستطرد جافريلي في حديثه كاشفًا تساوي الدعارة مع المواد الإباحية في نسق عملها، إذ أنها لا تدور بأي شكل من الأشكال حول الجنسانية أو الاتصال الجنسي الصحي بينما تدور فقط حول الهيمنة المطلقة للرجال على النساء وجعلهن أقل مرتبة، واعتبار هذا النسق كطريقة للوجود ليس في الممارسة الجنسية فقط. ويكشف كيف أن المواد الإباحية ما هي إلا استثمار لا يخضع لأي اعتبارات إلا لما يراه الرجل مثيرًا جنسيًا، فأي شي يراه الرجل مثيرًا -مهما كان- ستقوم المواد الإباحية بتقديمه سواء كان اغتصابا أو إذلالا أو اعتداءا أو غير ذلك.

يوضح جافريلي في النهاية كيف تقوم المواد الإباحية باقتحام عقولنا واحتلالها وتشويه خيالاتنا الخاصة والهيمنة عليها، وكيف تقوم بالتأثير السلبي علينا والإضرار بنا بداية من الإدمان الناجم عن تنمية نوع من الاعتمادية على هذه المواد، وليس انتهاءً بتحويلنا إلى أشخاص عنيفين وعدوانيين وتحويل المجتمع إلى أرض خصبة للاعتداءات الجنسية مثل التحرّش والاغتصاب والجرائم الجنسية الأخرى.

غاري ويلسون: التجربة الإباحية العظيمة

خلال هذه المحاضرة التي ألقيت في مؤتمر تيد بمدينة غلاسكو الإسكتلندية في مايو/أيار عام 2012، يتساءل أستاذ علم وظائف الأعضاء غاري ويلسون عما إن كانت أدمغتنا قد تطوّرت للتعامل مع فرط تحفيز الإغراءات التي نقابلها على شبكة الإنترنت اليوم، تلك الإغراءات التي جعلت معظم الصبيان يبحثون عن المواد الإباحية بمجرد بلوغهم سن العاشرة مدفوعين بأدمغتهم التي أصبحت مفتونة -توًا- بحب الاستطلاع للجنس بحسب الباحث الكندي سايمون لاجيونس.

يناقش ويلسون خلال محاضرته التي قاربت على 10 ملايين مشاهدة، السبب الرئيس الذي جعل المواد الإباحية تفرض نفسها هذه الأيام بقوة غير معهودة في السابق، ثم يستعرض إحدى التجارب الأسترالية التي كشفت نتائجها أن الإثارة الناجمة عن مشاهدة المواد الإباحية لا يقتصر سببها على مجرد الخلاعة والعري، بينما بسبب التجديد المستمر للإباحيات هو ما يجعل الإثارة تبلغ أوْجَها.

يستطرد ويلسون في حديثه متطرقًا إلى الاختلاف التام بين المواد الإباحية والجنس الحقيقي كاختلاف ألعاب الفيديو المعاصرة عن لعب الشطرنج، إذ أن مشاهدة المواد الإباحية لا يصاحبها سوى العزلة واستراق النظر والتقديم السريع للأفلام، بينما يتضمن الجنس الحقيقي التودد والارتباط العاطفي والتفاعل مع شخص حقيقي. ثم يوضح أن الجنس يتشارك مع الطعام والشراب في كونه من أكثر الغرائز الأساسية لدى البشر التي تنشّط أجهزة الدماغ المسيطرة على الوظائف الانفعالية والعواطف الأساسية كالخوف والغضب والشهوة.

فعندما يتعرض الشخص إلى مادة إباحية سواء إن كانت صورة أو فيديو أو حتى نص مكتوب، يفيض الدوبامين ليملأ مناطق الدماغ المختلفة مما يمدّه بشعور المتعة، وبمرور الوقت تصبح المواد الإباحية معززات للمتعة بحيث ترتبط هي وكل ما يتعلق بها بشعور المتعة لديه. وبالتالي، فالتعرض للجرعات المتكررة من المواد الإباحية يعزز إفراز الدوبامين ويثير نفس المتعة مرارًا وتكرًا، لكن مع الوقت تفقد الجرعة المعتادة من الإباحية فاعليتها وإثارتها، ويغدو الشخص في حاجة ماسة إلى جرعات أكبر ليشعر بنفس الإثارة السابقة وهكذا تتابع كرة الثلج.

يناقش ويلسون في نهاية حديثه تأثير التعرض المستمر للمواد الإباحية وإدمانها في إحداث تغييرات فيزيائية جمة في الدماغ تؤدي في النهاية إلى انخفاض الشهوة الجنسية ومن ثم الاختلال الوظيفي للانتصاب وقتل الأداء الجنسي للشباب، فضلًا عن التأثير السلبي على الصحة النفسية والعقلية بدءًا من الإحباط ومشاكل التركيز ونقص الانتباه، وليس انتهاءً باضطراب الوسواس القهري والرهاب الاجتماعي والقلق على الأداء الجنسي.

سيندي غالوب: مارسوا الحب لا الإباحية

خلال هذه المحاضرة التي ألقيت في مؤتمر تيد في ديسمبر/كانون الأول عام 2009، تحاول الكاتبة والمحاضرة سيندي غالوب جاهدة كسر الخرافات المتشددة التي تقدمها المواد الإباحية على طبق من فضة إلى أجيال متتالية من الشباب. فتناقش من خلال تجربتها الشخصية كيف أن المواد الإباحية قد شوهت الطريقة التي يفكر بها أجيال الشباب حول الجنس من خلال تقديم مشاهد إباحية مليئة بالعنف والإذلال، وهو ما يؤدي إلى اقحام السلوكيات الجنسية العنيفة في تفكير أجيال كثر من الشباب.

توضح غالوب خلال محاضرتها التي تجاوزت مليوني مشاهدة رغم عدم تخطيها 5 دقائق، أن الشباب منذ سن الطفولة يصبحون قادرين على الوصول إلى كم لا حصر له من المواد الإباحية بضغطة زر بسبب الإنترنت والعالم الرقمي الذي نعيش فيه، وتوضح كيف يعتمد الشباب بشكل رئيسي على هذه المواد الإباحية في اكتساب معلوماتهم حول الجنس، حيث يعتبرون كل ما يروّج لهم في هذه المواد هي أمور طبيعية حقيقية بل وينظرون إليها على أنها الطريقة الوحيدة الطبيعية لممارسة الجنس.

تستطرد غالوب موضحة أن صناعة الإباحية ما هي إلا تجارة واستثمار بهدف الربح، يتم صناعتها وتمويلها من قبِل الرجال لتستهدف الرجال أيضًا، وبالتالي فهي لا تقدِّم إلا وجهة نظر واحدة لفئة محدودة من الرجال. ثم تنهي حديثها موضحة الاختلاف التام بين المواد الإباحية والجنس، وتشييد بأهمية إعادة تشكيل الوعي خاصة لدى الشباب وأهمية انخراط الآباء مع ابناؤهم والتحدث إليهم حول الجنس ومدهم بالمعلومات الصحيحة حتى لا يتوجهون إلى المواد الإباحية.

غيل دينز: النشوء في ثقافة إباحية

تقصفنا الثقافة الشعبية بالصور الجنسية المفرطة للرجال والنساء طوال الوقت، تنقل تلك الصور رسائل قوية تساعد في تشكيل حياتنا الجنسية. خلال هذه المحاضرة التي ألقيت في أبريل/نيسان عام 2015 بمؤتمر تيد في مقاطعة مونموث بولاية نيوجيرسي الأمريكية، تستكشف الدكتورة غيل دينز، أستاذة علم الاجتماع والدراسات النسائية والباحثة في مجال الإباحية والحاصلة على جائزة مركز مايرز لدراسة حقوق الإنسان في أمريكا الشمالية، كيف تتشكل الهوية الجنسية من خلال الصور الإباحية التي تنتقل إلى عالمنا الأكثر خصوصية.

تناقش دينز بطريقة مرحة وأسلوب ممتع تأثير الإباحية على الثقافة الشعبية وتأثير ذلك على الأطفال والشباب الذين نشأوا في ثقافة إباحية ظاهرة للعيان، وتكشف دور الإنترنت في القضاء على الثقافة الإباحية الماضية التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على المجلات الإباحية والقصص المصورة، وإعادة تشكيلها إلى الثقافة الإباحية الحالية المليئة حد حافتها بالعنف ضد المرأة والسيطرة عليها والتحكم فيها وإذلالها، التي تلعب دورًا غاية في الخبث يعمل على تدمير خيالات أجيال كاملة من الشباب.

تستطرد دينز في حديثها موضحة كيف أن العنف والإذلال هو الاتجاه السائد في المواد الإباحية، وتكشف تأثير ذلك على الثقافة والتربية الجنسية للأجيال القادمة الذين ينشؤون وهم يروون أن العنف والهيمنة على الأنثى شيئًا طبيعيًا، ثم توضح الجانب المظلم من الإباحية، ذاك الجانب المقزز الذي لن يتم الكشف عنه أو ترويجه أبدًا. تنهي دينز محاضرتها التي تخطت ربع مليون مشاهدة، موضحة تأثير الثقافة الإباحية على أدمغتنا وعقول الأجيال القادمة من الشباب بداية من إصابتهم بالقلق والاكتئاب وانعدام تعاطفهم مع ضحايا الاغتصاب والجرائم الجنسية وصولًا إلى انخراطهم في السلوكيات الجنسية العنيفة.

السائد في المواد الإباحية، وتكشف تأثير ذلك على الثقافة والتربية الجنسية للأجيال القادمة الذين ينشؤون وهم يروون أن العنف والهيمنة على الأنثى شيئًا طبيعيًا، ثم توضح الجانب المظلم من الإباحية، ذاك الجانب المقزز الذي لن يتم الكشف عنه أو ترويجه أبدًا. تنهي دينز محاضرتها التي تخطت ربع مليون مشاهدة، موضحة تأثير الثقافة الإباحية على أدمغتنا وعقول الأجيال القادمة من الشباب بداية من إصابتهم بالقلق والاكتئاب وانعدام تعاطفهم مع ضحايا الاغتصاب والجرائم الجنسية وصولًا إلى انخراطهم في السلوكيات الجنسية العنيفة.

 

المصدر :  https://midan.aljazeera.net