الطريق إلى الحرية.. كيف تتوقف عن مشاهدة الإباحية؟

إسماعيل عرفة

“عندما بدأت مشاهدة الإباحية منذ سنة ونصف، كان عندي مشكلة في التركيز: لم يكن بمقدوري أن ألتزم بهدف واحد لمدة أكثر من أسبوع. وكلما كان لديّ يومٌ إجازة كنت أضيعه في تساهل كسول مع أني كنت متأكدا أنه كان بإمكاني إنجاز المزيد في هذا الوقت..
والآن، بعد أن تمكنت من السيطرة على غريزتي وأقلعت عن مشاهدة الأفلام الإباحية، أشعر بمقدار هائل من الثقة بالنفس، وهو ما أثّر على كل جانب في حياتي وجعلني متحكمًا فيها، إن جميع خيارات حياتي هي الآن بيدي”.[1]

كانت هذه تجربة واحد من آلاف المتعافين الذين شاركوا تجربتهم الناجحة في الإقلاع عن مشاهدة الإباحية، ويظهر من كلماته مدى استشعاره لحجم إنجازه العظيم. ولا تعتبر هذه الكلمات نوع من أنواع المبالغة، فإدمان الإباحية من أكثر أنواع الإدمان شيوعًا في عصرنا، ولا تقل محاولة الإقلاع عن الإباحية صعوبة عن محاولة الإقلاع عن بعض أنواع المخدرات، نظرًا لتشابه مراكز التأثير في المخ في كلا حالتي الإدمان.

يعتبر طريق الإباحية أشبه بالنفق المظلم الذي كلما ازددت تعمقاً فيه ازددت بعدًا عن مصدر الضوء، ومع استمرار المشاهدة تلو الأخرى، يفقد المرء الأمل تمامًا في التعافي، لتتمثل الإباحية جزءا أساسيا من روتينه اليومي، يفضي به إلى الاكتئاب والإحباط وفقدان الثقة بالنفس بالكلية. فكيف نقلع إذا عن مشاهدة الإباحية في خطوات عملية؟ وما هي البرامج العلاجية التي تساعدنا على التخلص من آفة الإباحية إذا التزمنا بها؟

قبل البداية: تقييم حالتك الإدمانية

“أغلب الناس يقللون من حجم المشكلة عند قيامهم بأمر خاطئ .. إذا أردت أن تبدأ عملية الشفاء من الإباحية فإن التقييم الذاتي هو حيث يبدأ شفاؤك”

كيفن سكينر، استشاري علاقات أسرية.

يميل كثير من الشباب إلى اعتبار مشكلتهم مع الإباحية تافهة أو هامشية لا ينبغي الالتفات كثيرا إليها، فعندما تتحدث مع أحد الشباب عن ضرورة توقفه عن الإباحية فإنك غالبًا ما ستسمع عبارات من نوعية “سأتوقف عند الزواج” أو “أنا أستطيع التوقف متى أردت” وغير ذلك من العبارات التي تهون المشكلة في أعينهم. ومن أجل ذلك قام الدكتور الأمريكي كيفن سكينر في كتابه (علاج الإدمان على الإباحية: وسائل الشفاء) بعرض اختبار سريع يجريه على القارئ، ويقيّم على أساسه مستواه في إدمان الإباحية بعيدًا عن النظرات الشخصية.

يتكون اختبار سكينر[2] من 24 سؤالًا ويعمل على قياس معايير مختلفة مثل: حاجتك إلى وقت أكثر في المحتوى الإباحي للحصول على النتائج المرجوة، فشلك في مقاومة رغبتك في مشاهدة الإباحية، مقدار وكثافة مشاهدتك للإباحية، الشعور بالاندماج والتخيل الجنسي، ممارسة العادة السرية، وغير ذلك، وبعد أداءك للاختبار تقيّم درجتك ثم تقوم بتسجيل مستواك من سبعة مستويات حسب نتيجتك النهائية تستطيع من خلالها أن تفهم مستوى سلوكك الإدماني، مما يساعدك في تصور المشكلة بصورة أدق. فما هي هذه المستويات التي نقيم مشاهدتنا طبقًا لها؟!

يبدأ المستوى الأول من الإدمان بمجرّد “المشاركة في الإباحية” وهي أشبه بالنظر العشوائي الذي يتكرر مرتين أو ثلاثة سنويًا فقط، ثم يتبعه مستوى ثانٍ غير اضطراري من المشاهدة ينشأ بدافع الفضول لا أكثر، ولا تتجاوز المشاهدة فيه مرة واحدة شهريًا.

يلي ذلك المستوى الثالث الذي يعتبره سكينر “مفترق الطرق” حيث يبدأ الشخص في التفكير في الإباحية ولا يستطيع أحياناً مقاومة هذه الأفكار ويستسلم للمشاهدة، لكنه لايزال يستطيع التحكم في سلوكياته وتخيلاته. أما المستوى الرابع فهو بداية المشكلة الحقيقية حيث ينغمس الشخص في الإباحية ويفكر بشكل كبير طوال اليوم في المحتوى الإباحي، ويطور من خيالاته الجنسية بشكل مستمر، ويشعر حينها الشخص باللذة عند المشاهدة التي يصاحبها اختفاء أعراض القلق والحزن لديه، مما يعني “برمجته” على تقبل الإباحية كمشهد طبيعي، بل واعتباره سلوكا مزيلا للقلق.

يستمر تصاعد الأزمة من المستوى الخامس حتى السابع، وهو المستوى الذي تسيطر الإباحية فيه على حياة الفرد الذي يشاهدها بشكل شبه يومي، ويصل انغماس الشخص في الإباحية لدرجة تفقده تركيزه تمامًا وتؤثر سلبًا بقوة على فاعليته في الواقع وتجعل التخيلات الجنسية مسيطرة عليه في كل حياته، وهو ما يعدّ أخطر المستويات وأحوجها إلى العلاج الفوري. ووفقاً لسكينر، تبدأ الحاجة إلى العلاج منذ المستوى الرابع فصاعدًا، وكلما كان المرء أكثر انغماسًا في الإباحية كانت المسارعة إلى العلاج أولى، فما هي طرق العلاج إذن؟!

الهدف رقم واحد: إعادة التشغيل
تعتبر أهم خطوة في العلاج في معظم البرامج العلاجية هي تحديد هدف العلاج ابتداءً، من أجل ذلك يقدم لنا جاري ويلسون صاحب كتاب (المخ والإباحية) الهدف الرئيسي للعلاج فيقول “أهم خطوة لاستعادة السيطرة على حياتك هي أن تعطي مخك استراحة من كل المثيرات الجنسية الصناعية لمدة عدة أشهر”[3].

ووفقًا لويلسون، فإن الإصرار على تحقيق هذا الهدف هو أهم خطوة طوال رحلة العلاج، “لأن خاطرة (أريد أن أشاهد فيلمًا إباحيًا الآنّ!) ستأتي مرارًا إلى ذهنك، وكلما ازدادت الفترة الزمنية لإقلاعك عن الإباحية كلما قلّ تكرار ورود هذه الخاطرة إلى ذهنك حتى تختفي وتنتهي من ذهنك تمامًا، هذه العملية يسمّيها بعض الناس (إعادة التشغيل Restart)”[4].

هذه المثيرات التي يقصدها ويلسون لا تشمل الأفلام الإباحية نفسها فحسب، بل يؤكد أنها “كل ما يتعلق بالإباحية”، ويشمل ذلك الخيالات الجنسية، الصور والفيديوهات الساخنة، تصفح الفيسبوك واليوتيوب من أجل مشاهدة صور أشخاص، هذه البدائل للإباحية تأتي بنتائج عكسية”، ويرى ويلسون أنها أشبه باستبدال إدمان الكحول بالبيرة الخفيفة، كلاهما مضر ولا يعتبر علاجًا. إن المثيرات التي ينبغي تجنبها ببساطة هي “كل شيء يمكن لمخك أن يستخدمه كما كان يستخدم الإباحية”[5].

م ينبهنا ويلسون إلى أن المخ المعتاد على الإباحية لن يستسلم للإقلاع بسهولة، وسيبحث عن أي مؤثرات، ومعنى ذلك أن المدمن(ة) على الإباحية سيعاني بشدة في هذه الفترة، لأن مخه يقاوم التغيير الذي يريده، لكن من أجل تحقيق حريتنا والتحكم في حياتنا وأولوياتنا، فإنه ينبغي على الشخص ألا يستسلم لهذه المؤثرات، ويصمد بقوة أمام هذه الخواطر حتى ينتصر على إدمانه أخيرًا.

أحد المتعافين نقل تجربته في التخلص من أثر الإباحية تمامًا فقال: “استطعت أخيرًا أن أصمد لمدة 6 شهور بدون زيارة أي موقع إباحي. وعندما رأيت واحدًا بعد العلاج، تعجبت كثيرًا من مقدار زيفه وابتذاله. ومنذئذٍ فقدت كل اهتمامي بمشاهدة الإباحية. الإباحية بالنسبة للجنس كصورة سيارة فيراري إلى قيادة السيارة بالفعل”[6].

الخطوات الأولى

“التعافي من الإباحية يحتاج إلى وقت. كما أنه يتطلب صدقاً ومسؤولية وأخذ للخطوات الصحيحة في الأوقات الصحيحة”

في كتابهما (مصيدة الإباحية: الدليل الأساسي لتخطي مشاكل الإباحية) يشرح لاري ووندي مالتز أنه عند بداية العلاج، دائمًا ما تأتي خواطر عند الشخص تتأرجح بين “أريد أن أتوقف عن مشاهدة الإباحية بسبب المشاكل التي تتولد بسببها” وبين “أريد أن أشاهد الإباحية بسبب الإثارة والسعادة التي تتسبب فيهما”[7]. ويولد هذا التذبذب أحياناً فشل في العلاج وعودة الشخص إلى مشاهدة لإباحية بعد اتخاذ قرار التوقف.

هذا الشعور المتذبذب يمكن القضاء عليه، كما يؤكد مالتز، عبر عدة استراتيجيات: الاستراتيجية الأولى هي تدوين كل ما تسببه الإباحية من مشاكل واستحضارها دائمًا أمام عينيك عبر وضع الورقة في مكان ملحوظ، كما يمكنك أن تصارح صديقاً كذلك بما تسببه لك الإباحية من أضرار. والإستراتيجية الثانية هي قيادة نفسك، ويمكنك أن تتدرب على ذلك عبر تدوين أهم الإنجازات والتحديات التي تغلبت عليها في حياتك، وتدوين كيفية تريد تشكيل شخصيتك: قوية، متفائلة، ملتزمة بالقيم الأخلاقية والدينية، صادقة، وأمينة.

عبر الاستحضار الدائم لهذه الأمور يقول مالتز إنه يمكن للشخص أن يبدأ في استعادة الثقة في نفسه والتحكم في قراراته وانفعالاته بنجاح، كخطوة أولى في استعادة حياته بلا إباحية، فماذا بعد بناء هذه الإرادة القوية؟!

الخطوات العملية ببساطة
يقدم مالتز[7] 6 خطوات بسيطة من أجل التخلص من إدمان الإباحية يمكن تلخيصها في الآتي: تبدأ أولى هذه الخطوات بإخبار شخص ما بمشكلتك ومصارحته بكافة التفاصيل: مستوى إدمانك، الآثار السيئة التي تعاني منها، ورؤيتك لشخصيتك وقيمك في المستقبل. وبعد هذه الخطوة تدخل -بمساعدة أو إشراف هذا الشخص- في برنامج علاجي مرتب تتابع فيه مع شخص أداءك اليومي في العلاج.

أما الخطوة الثالثة فهي أن تخلق لنفسك بيئة خالية من الإباحية، أي أن تتخلص من كل المؤثرات والمحفزات التي قد تدفعك إلى مشاهدة الإباحية بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء كانت هذه المؤثرات على هاتفك الجوال، أو على حاسبك الشخصي، أو في عالمك الحقيقي. وتلي هذه الخطوة ممارسة الرياضة بشكل يومي ومستمر، حيث أن الرياضة تساعد بشدة على التخلص من أعراض الانسحاب النفسية والجسدية السلبية الناتجة عن توقفك عن الإباحية.

وبناءً على هذه البرامج العملية والخطط الثابتة، قامت بعض المبادرات العربية بإنشاء فرق تطوعية من أجل مساعدة الشباب والفتيات في الإقلاع عن الإباحية، وأثبتت هذه المبادرات نجاحًا واسعا، فما هي أهم وأشهر هذه التجارب؟

تجارب عربية ناجحة في الإقلاع عن الإباحية
بناءً على هذه البرامج العلاجية، ومع استمرار تدفق المحتوى الإباحي إلى العالم العربي، قامت بعض المبادرات برعاية برامج علاجية تساعد المستهلك العربي للإباحية في الإقلاع عن استهلاكه، وعلى رأس هذه المبادرات: صفحة (واعي) التي أنشئت في العام 2014 ويبلغ عدد المتابعين لها على صفحتها على فيسبوك حتى الآن 1.1 مليون متابع، وهو أول وأكبر فريق في العالم العربي يتخصص في مواجهة خطر الإباحية، بحسب حازم حامد أحد الأعضاء المؤسسين للفريق.

ينقل حامد طبيعة فريق (واعي) إلى موقع “ميدان” قائلًا: “الفريق يقدم أدوات حقيقية للتعافي، وبفضل الله استطعنا مساعدة آلاف الشباب والفتيات في التعافي من إدمانهم من خلال برامج التعافي والحلول التي نقدمها”. ويخبرنا كذلك أن الفريق: “يتمركز حول خطة ال 90 يوم للتعافي، وتتضمن مشاركة الفرد معنا على مواقع التواصل مثل تطبيق تليجرام Telegram، ويكون معه شريك المساءلة، ويكتب يومياته معه ونحو ذلك”.

ويختم حامد حديثه مع “ميدان” مؤكدًا أن “التعافي معركة يومية، لذا من الأمور التي نحرص عليها أيضًا هي التوعية بكيفية التعامل مع الانتكاسة بشكل سليم، حتى لا يعود المستخدم إلى أسوأ مما كان عليه قبل العلاج عند حدوث زلة، فلا بد له من معرفة كيفية الاستفادة من كل وقعة حتى يستكمل رحلته للتعافي بسلام”[8].

وفي مبادرات شخصية غير مؤسساتية، قام “محمد أبو خطاب” على حسابه على موقع Ask.fm بإنشاء برنامج علاجي يتابع فيه مع الشباب برنامجا يوميا للتعافي من الإباحية، وتفرّع من صفحته حساب خاص للفتيات “محاربة واعية” تديره “أم عمر” على موقع Ask.fm كذلك.

“الحمدلله تميت ال 90 يوم بدون إباحية، مكنتش متخيل أني هقدر! حاولت كتير أوي على مدار 3 سنين ودي أول مرة أنجح .. لأول مرة في حياتي ألعب جيم وسباحة غير الشغل والكورة. أنا بانصح كل الناس تستغل طاقتها بأفضل صورة ممكنة”

أحد المتعافين مشاركًا تجربته على صفحة محمد أبو خطاب[9]

وعلى جانب الفتيات، تروي أم عمر صاحبة صفحة محاربة واعية إلى موقع ميدان: “فكرة الصفحة بإيجاز هي مساعدة البنات للتعافي من إدمان المواقع الإباحية والعادة السرية وبدأت الصفحة عندما ظهر الاحتياج لمتطوعات يقمن بهذا الدور، فأنشأت الصفحة واعتمدت في سبيل تحقيق هذا الهدف على عدة وسائل للتعافي في برنامج لكل فتاة مدته 90 يوما، نستبعد فيه وسائل الترهيب ونرفض نفسية جلد الذات والاكتئاب والإحباط، ونعمل سويًا على التشجيع والتحفيز وبناء برنامج نبني فيه عزيمة الفتاة خطوة خطوة”.[10].

هكذا تبدو رحلة التعافي من الإباحية رحلة شاقة ومجهدة تمتد إلى 90 يومًا كاملين، وتعتبر بمثابة معركة يومية يخوضها المستهلك للإباحية. وقد استطاعت بعض المبادرات العربية أن تقدم للشباب والفتيات وسائل عملية ليساعدونهم في التخلص من هذه الآفة. يظهر الأمر إذا متطلبا لإصرار على تحقيق الصورة التي يريد أن يكون عليها الإنسان.

المصدر : موقع ميدان