زوجي خلوق لكنه يشاهد الصور العارية

أنا متزوِّجة من 3 سنين، وعندي ابن وبنت، ونحن مقيمون في بلد أجنبي، والحمد لله أنا وزوجي متحابَّان، ومتفاهمان، وبشكل عامٍّ سعيدان معًا، ولكن من سنة ونصف بدأتُ ألاحظ عليه أنَّه يشاهد الصور العارية للبنات، والعِياذ بالله منهنَّ، وحينما يشاهدني – طبعًا – ينكر.

شعورٌ قاسٍ قاسٍ جدًّا عليَّ، وإلى الآن لم أواجهه بالموضوع؛ لأني لا أريد أن أُحْرِجَه، أو أنْ تدبَّ المشاكل بينا؛ لكن لا تتخيلون مدى شعوري بالعذاب، وكم من المرَّات أبكي، ويظهر عليَّ الحزن والهم والأسى، وحينما يسألني لا أحكي له شيئًا فيتضايق، لكنِّي لا أستطيع أن أصارحَه، مع أنَّه يصلِّي ويصوم، ومشهودٌ له بالأخلاق العالية، وعندما أنصحه بطريقة غير مباشرة يُؤكِّد كلامي؛ ونظرًا لأنَّنا في بلد أجنبي، فهو يتحدَّث معي، ويقول: لا أعرف كيف أفعل لكي أتجنبَ أن تقعَ عيني على البنات، ولكن حينما يذهب للبيت يظل يبحث عنهنَّ.

ووصلَ الأمر إلى أنَّه منذ فترةٍ كذب عليَّ وأخبرني أنَّ عنده ناسًا، ولَمَّا دخلت عليه المكتب، فوجئتُ أنَّه ليس عنده أحد، وأنَّه جالس يشاهد البنات، وطبعًا هو لا يعرف أنِّي عَرَفت أنَّه ليس عنده أحد.

فساعدوني، ماذا أفعل؟ هل أواجهه، أو أظلُّ أنصح له بطريقةٍ غيرِ مباشرة، وأدعو له بالهداية؟

حقًّا أنا بحاجة إلى مشورتِكم، فماذا أفعل؟

فأنا أشعر باختناق شديد، ولا أستطيع أن أتحمَّل، فهو الذي أحببتُه مِن كلِّ قلبي، ولا أُريد أن أفقدَ ثِقتي فيه.

الجواب
وعليكم السَّلام ورحمة الله وبركاته:
بارك الله فيك أختي الكريمة، وأهلاً بك معنا في موقع (الألوكة)، سائلين المولى – عزَّ وجلَّ – أن يُفرِّج كرْبَك، ويجعلَك قرَّة عين لزوجك، ويجعلَه لكِ كذلك.

أعتذر كثيرًا عن التأخير غيرِ المقصود؛ لظروف خارجة عن إرادتي، وأما عن سؤالك فلا شكَّ أنَّ هذا بلاءٌ عظيم، وفتنةٌ كبيرة، أسأل الله لك الصبر والثبات، والعوْن على تخليص زوجكِ من ذلك المنكر العظيم.

اسمحي لي أن أُسجِّل إعجابي الشديد باسمك الذي جعلني أستبشر كلَّ خيرٍ، ولا يدلُّ إلاَّ على ثقتك في الله، وحسن ظنِّك به – عزَّ وجلَّ.

تذكَّري غاليتي أنَّ التعامل مع الزَّوج يحتاج لصبرٍ وحكمة من الزوجة، ولا شكَّ أنَّ زوجةً عاقلة تكتم مشاعرَها وتُخْفيها عن زوجها، وتتريثُ في اتِّخاذ أيِّ قرار – ستكون خيرَ معين للزوج – بإذن الله تعالى – على العِلاج والتخلُّص من ذلك الدَّاء العُضال، وقد قال الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – فيما ورد في الصَّحيحين: ((إن َّالله كَتَب على ابن آدمَ حظَّه مِن الزِّنا، أدرك ذلك لا محالة؛ فَزِنا العين النظر، وزِنا اللِّسان المنطق، والنفسُ تتمنَّى وتشتهِي، والفرجُ يُصدِّق ذلك كلَّه أو يُكذِّبه)).

أُخيتي الحبيبة:
رغم توغُّل الحزن في قلبك، واعتصار الألَم لصدرك، ورغم شعوري بأنَّ الألَمَ النفسيَّ قد وصل بك إلى حدٍّ كبير يصعُب تحمُّلُه، إلاَّ أنِّي أُبشِّرك بأن الأمل قريب، والفرج تبدو ملامحُه بين طيَّات آلامك المكتومة، استشعرتْ ذلك في بعض الكلمات التي وردتْ في رسالتك، كقولك: أنَّك لاحظتِ هذا الأمر منذ فترة معيِّنة (سنة ونصف)، ولم يكن في بداية الزَّواج، وهذا يعني أنَّ الأمر لم يصلْ مع زوجك إلى حدِّ الإدمان، ولم يكن متأصِّلاً فيه منذ الصِّغر، وهذا مُبشِّر عظيم – بإذن الله.

أيضًا كونه يُغلق الصور إذا ما دخلتِ، لا يعني إلاَّ أنَّ هناك بعضَ الحياء لم يُنتزع منه – بفضل الله – رغمَ ما يشاهد من مناظرَ خليعة، وصُورٍ مؤذية، وبقاء الحياء لا يدلُّ إلاَّ على الخير؛ فقد قال الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الحياء لا يأتي إلاَّ بخير))؛ رواه مسلم.

فمن كان عنده حياءٌ فإنَّه تُرجى توبتُه، ويُرجى صلاحه – بإذن الله.

كنتُ سأنصحك بأن تعظيه وتذكِّريه بأسلوب غير مباشر؛ لكن أصبح هذا غيرَ كافٍ الآن، وخاصَّة بعد أن حاولتِ فِعلَ ذلك لفترة، لكنَّه لم يكن مُجديًا، وعلينا الآن أن ندخل في مرحلةٍ أوسعَ وأكثر تقدُّمًا، فاستعيني بالله وحده، وتوكَّلي عليه، وثقي في رحمته، وقبل الخوض في طرْح الحلول أودُّ منك أن تعلمي أنَّ الأمر سيحتاج لصبر وتروٍّ، فعام ونصف العام ليست بالفترة القصيرة حتى نرجوَ حلَّ المشكلة في أسرع وقت، وبمجرَّد استشارة أو استفتاء.

أولاً: تقولين – بارك الله فيك -: إنَّ حياتكما طيِّبة، وبينكما تفاهمٌ وحبٌّ، وهذا شيء طيِّب؛ لكنه غير كافٍ، فحبُّ الزوجة وثبات الأسرة لا يكفي الزَّوج – في بعض الحالات – ليُغضَّ بصره عمَّا حرَّم الله – تعالى – فتقوية إيمان الزَّوج، وتقوية الوازع الدِّيني لديه أولُ ما يتحتَّم عليك فعلُه، وللقيام بذلك أنصحك بالتالي:

1 – تذكَّري أن تَنشئِتَنا لم تكن إلاَّ تحت رعايةِ ودعم الإعلام الفاسد، وقد نجح أعداءُ الله في جعل بِنائنا هشًّا ركيكًا، تهزُّه كلُّ ناعقة وتؤثر فيه، دون أن تجد سدًّا إيمانيًّا يمنعها، ويحول دون وصولها إلى قلوبنا وعقولنا، فعلينا أن نُعيدَ بِناءَ السَّد من جديد، ونبنيَ ما تصدَّع منه، وخيرُ ما يُعين على ذلك قراءة القرآن الكريم، وتدبُّر آياته، والوقوف عند آيات الثواب والعِقاب فيه، فاجلسي مع زوجك جِلْسةً إيمانيَّة تقرآن القرآن معًا، فيقرأ – مثلاً – كلٌّ منكما وجهًا أو أكثر، وتتناقشان في بعض آيات العذاب والآيات التي تتحدَّث عن نِعم الله على الإنسان وجميل فضله، وما وهبه لكما مِن حواسَّ لم يؤتها غيركما، فهذا أعمى يتمنَّى لو يبصر، فيُقلِّب بصرَه في آيات الله، وذاك أصمُّ تهفو نفسُه لسماع جميل الأصوات، وغيره أبكمُ يُريد التفوُّهَ بكلمة فيعجز، وغيرهم ممَّن أكرمهم الله بتلك النِّعم لا يُقدِّرونها، ولا يفكرون فيها.

ألاَ يجدر بمَن مَنَّ الله عليه بتلك النِّعم أن يشكرَها، ويعرَف حقها؟!

حدِّثيه بوجه عامٍّ عن هذه الأمور دون الخوض فيما يفعل، وأظهري له التأثُّر والخوف من الله – تعالى – وعليك بطرح البِذرة دون تعجُّل جَنْيِ الثمار، فرُبَّ كلمة تقولينها بقلبٍ حاضر، وحرصٍ بالغ يكون لها أثرٌ لا يخطر لك على بال.

2 – الرفقة الصالحة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر مِن خَيرِ ما يُعين على الثبات، والمرءُ ضعيفٌ بنفسه قويٌّ بإخوان الحقِّ، والذئبُ لا يأكل مِن الغنم إلاَّ القاصية؛ وقد قال الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((المرءُ على دِين خَليله، فلينظرْ أحدُكم مَن يُخالل))؛ رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسَّنه الألباني.

فحاولي ربطَه ببعض أهلِ الخير والصلاح، وأبشري بالخير – إن شاء الله.

3 – اجعلي لكما وقتًا – ولو قصيرًا – تقومان فيه بمطالعة بعضِ الكتب المفيدة، وخاصَّة كتبَ العقيدة والحديث، وبالأخص شروح الأحاديث حتى تعمَّ الفائدة، وحاولي أن تجعلي ذلك بشكلٍ يوميٍّ، لكي يصبحَ جزءًا لا يَتجزَّأ من يومكما، وليكنْ بأسلوب مُشوِّق جميل، كأن تقومي بإعدادِ بعض الحلوى أو المشروبات، فتصاحبكما في تلك الجِلسة، ولا مانع من التسامُر بعضَ الوقت أيضًا؛ لتكونَ جلسةً نافعة، وفي ذات الوقت مرحة.

4 – حاولي أن تضعي في البيت بعضَ الأشرطة النافعة التي تتحدَّث عن الجنة والنار، وتذكُّر الآخرة؛ لتستمعا إليها في كلِّ وقت.

ثانيًا: عذرًا غاليتي، أودُّ أن نكون أكثرَ صراحةً مع أنفسنا، ما الذي حَمَل الزوجَ على هذا ولم يكن مِن خُلقه مِن قبلُ؟ ما الذي دَفعه للبحث عن تلك الصُّور؟

قد تكون ظهرتْ له – مثلاً – رغمًا عنه، فلم يعرْها اهتمامًا في البداية، حتى أصبحت عادةً يصعُب عليه التخلُّص منها، وقد يكون الحِرمان العاطفي، وهنا أُحبُّ ألاَّ تقولي: أنا غير مُقصِّرة معه، فأقول لك كما أقول لغالب الزَّوجات:

مَن الذي حَكم على هذا؟ ومن الذي يرى أنَّك تقومين بما أوجب اللهُ عليك تُجاهَ زوجك؟ فغالب الزَّوجات تقيس هذا الأمر بمقياسها هي، وهذا خطأ عظيم.

قد يستحيي الزوج أن يطلب من زوجته بعض الأمور، وينتظر منها أن تكونَ هي المبادرةَ، في حين قد يَعُدُّ زوجٌ آخر تلك المبادرةَ عيبًا، فكلُّ زوجة حكيمة عليها أن تتفقد احتياجاتِ زوجها قبلَ الحُكم على تقصيرها أو عدمه، فليكنِ الإشباع العاطفي على حسبِ ما يُريد هو، وليس حسبِ ما تُريدين أنت.

ثالثًا: حاولي شغل وقته بكلِّ السُّبُل المباحة، كأن يشاركَك ممارسة هواية معيَّنة، أو تلعبان مع الأولاد، أو تخرجان بشكلٍ أُسبوعي أو أقل في نزهة بعيدة، أو ممارسة بعض الرِّياضات المفيدة له، فهذا من الأمور النافعة أيضًا.

رابعًا: أكثري من الدُّعاء في سجودك، وفي أوقات الاستجابة كلِّها، وكوني على ثقةٍ بأنَّ الله – تعالى – سميع مجيب، وليس على سبيل التجرِبة، فالله – تعالى – حيي كريم، يستحيي إذا رفع إليه العبدُ يديه أن يرُدَّهما صِفرًا.

خامسًا: لا تحاولي مناقشتَه في الموضوع إلاَّ إن أخفقتِ في كلِّ المحاولات السابقة، وليكن ذلك بأسلوب هيِّن ليِّن، يحفظ للزوج وقارَه ومحبته في القلب، وإيَّاك ومحاولةَ التقليل مِن شأنه، أو إشعاره أنَّه قد سقط مِن نظرك، فذلك أسرع الطرق لدمار الأسرة – عافاك الله – وأنا في انتظار أن تبشِّرينا بالفرج قريبًا – بإذن الله – ولا تتردي في مراسلتنا في أيِّ وقت، وثقي أن في ذلك شرفًا لنا، وفَّقك الله ويسَّر أمرك.

المصدر: الألوكة