كيف الخلاص من التعلق بالمردان
كيف أتخلص من التعلُّق بالمردان؟ وهل التكلم معهم يعتبر شذوذاً؟
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أخي العزيز:
الحمد لله الذي رزقك “التذكر” والسعي في التخلص من أمراض القلوب، وتلك صفة ممدوحة في كتاب الله كما قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ” [الأعراف201]. وقد ذكر ابن كثير في تفسيره لهذه الآية قصة جميلة، حيث قال: وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عمرو بن جامع من تاريخه أن شاباً كان يتعبد في المسجد، فهويته امرأة فدعته إلى نفسها، فما زالت به حتى كاد يدخل معها المنزل، فذكر هذه الآية “إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون” فخر مغشياً عليه، ثم أفاق فأعادها، فمات، فجاء عمر فعزى فيه أباه، وكان قد دفن ليلاً، فذهب فصلى على قبره بمن معه، ثم ناداه عمر فقال: يا فتى “ولمن خاف مقام ربه جنتان” فأجابه الفتى من داخل القبر: يا عمر قد أعطانيهما ربي عز وجل في الجنة مرتين.
وأرجو أن تكون ممن ابتلوا بهذا الداء “التعلق بالمردان” دون أن يتبع ذلك عمل معين، فما أجمل أن ينتصر العبد على نفسه، ويمنعها مما يوقعها في مزبلة المعاصي، ومستنقع الرذائل .
أخي الحبيب:
علاجك يكون على ثلاث مراحل، وكلها تعتمد –بعد الله– على نفسك أنت فقط، وعدم الاتكال على الآخرين:
1. تكوين الإرادة والرغبة الشديدة في التخلص من هذا الداء، ولعل رسالتك تشير على رغبتك في ذلك، ومع هذا فلابد من التحدث مع النفس وترهيبها من عواقب هذا العمل والتمادي فيه، وأشد العواقب هي خسران الذات وسيطرة الشيطان مع خسران الرحمن، وفي المقابل ترغيبها بثمرات التخلص منه، ولعل أعظم ثمره هي الفوز بمحبة الله تعالى، وفرح الرب سبحانه بتوبة عبده كما بين ذلك الرسول الكريم في الحديث القدسي “لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم….” الحديث.
2. وضع خطة عمل للتخلص من هذا الداء، وذلك بعد معرفة أسباب هذا المرض والعوامل المساعدة على استمراره، فأنت أعلم بنفسك متى بدا هذا المرض؟ وكيف تطور معك؟ وما العوامل التي تساهم في استمراره؟ وكما بدا معك بصورة بسيطة حتى وصل إلى مرحلة “التعلق” فكذلك العلاج لابد أن يكون بالعكس، واسمح لي أن أرشدك إلى بعض ما يعينك على رسم خطة العلاج:
* ضع لنفسك أهدافاً سامية على حسب قدراتك ومواهبك (مثل التفوق الدراسي، حفظ القرآن أو بعضه).
* اشغل وقتك بما ينفعك، أو على أقل تقدير بالمباحات، وإياك من إعطاء الفراغ فرصة ليسيطر على تفكيرك ووقتك، فأكثر ما يؤذي الناس عموماً والشباب خصوصاً هو الفراغ، وهو البوابة التي يدخل منها إبليس للنفس ليوقعها في الرذائل.
* ابتعد نهائياً عن كل ما يذكرك بهذا الداء، أو يساهم في استمرار مرضك، سواء كان هذا ماديا كالجوال، أو بشرياً كبعض الأصحاب والأصدقاء .
* أكثر من الأمور التي تعينك –بعد الله– على التخلص من هذا الداء، مثل القراءة النافعة، وكذلك مشاهدة القنوات المفيدة، والارتباط بالصالحين ومجالسهم وغيرها، ثم اصبر على ما قد تلاقيه من صعوبة في البداية، فالنفس لا ترضى، وستحاول المقاومة، ولكنها ستنقاد وستفرح في النهاية.
3. المسارعة في تنفيذ خطة العلاج، وعدم التأجيل أو التسويف لأي سبب، وهذا مدخل نفسي، فالعلاج مر وصعب، خاصة إذا كان الداء متمكناً في القلب، ومن هنا فإن النفس ستحاول أن تمنع هذا التغيير المحبب لها، ومن وسائل “الحيل النفسية” التأجيل والتسويف، لذا جاء في حديث الذي قتل 99 نفساً ثم قتل العابد فأصبح مجموع ما قتله 100 نفس، ثم جاء على العالم فأخبره بأن له توبة، ثم بادره بقوله: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن فيها أناسًا صالحين يعبدون الله، فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق الرجل مباشرة وبلا تردد وبرغبة شديدة، وهكذا يجب على كل من تاب أن يبادر ويسارع بالعمل فلا ندري متى نقبض.
أما بخصوص علاقة “التعلق بالمردان” بالشذوذ فهذا يعتمد على معنى التعلق، فهل هو تعلق قلبي فقط دون ممارسة ثم ما نوع تلك الممارسة؟ وعلى كل حال فكلمة شذوذ تعني ما يخالف العبد فيه بقية الناس ببعض الممارسات بحيث يصبح “شاذاً”، ولاشك أن تعلق الرجل بالرجل (مهما كان) يعتبر أمراً شاذاً.
ومهما كانت الإجابة فيكفي أن نعلم أن هذا الداء قد يوقع العبد في الهاوية على المدى البعيد، فكما يقولون “معظم النار من مستصغر الشرر”.
أخيراً: أسأل الله لك التوبة النصوح، والتوفيق للعمل الصالح، وأن يملأ قلبك بالإيمان واليقين، وأن يرزقك مراقبته –سبحانه– في كل وقت وفي كل مكان. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: موقع الاستشارات