‘‘كاريوكي‘‘ الغرف المغلقة: نماذج من الانفلات تغزو مجتمع المراهقين
فيما تغزو مجتمعات اليافعين والشبان في بلدنا، مظاهر تذهب في مسلكها إلى تقليد أقرانها في دول الغرب وأميركا، جراء ما تشيعه ثقافتهم السينمائية والتلفزيونية، أو ما يصلنا منهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، تبدو بعض التشريعات الرقابية قاصرة عن توفير الحماية المجتمعية لهذه الشريحة الهشة في حصانتها الفكرية والسلوكية.
وتشيع مظاهر تلك الثقافة الغربية بشدة، حيث يظهر شبانها بكامل حيويتهم ونشاطهم وهم ينتجون أشكالا احتفالية تبدو ذات طابع مسل ومرح، لكنها تتخفى بلبوس جميل، ولا تظهر المأزق الحضاري الذي يتدفق في عروقها، جراء التطرف في الاحتفال وأدواته، التي تتصل بكل ما هو مريب ومثير للغرائز ومخالف للعقل، في أحيان عديدة.
البداية مع ‘الفيسبوك’
تحفل صفحات التواصل الاجتماعي المحلية، بإعلانات ‘فيسبوكية’ محترفة وجذابة، موجهة إلى شبان ويافعين، للمشاركة في حفلات شبابية، تقدم برامج ترفيهية متنوعة، وذات صيغة حيوية.
وتشكل هذه الإعلانات التي تظهر شبانا من الجنسين، بكامل نشاطهم ورفاههم، جاذبا يدفع بعضهم للمشاركة في تلك الحفلات، دون إدراك منهم لما قد يتبع برامجها من غوص في عالم الممنوع والانحراف والإدمان.
وتبدو التجربة هنا هي المحك الذي يختبر مدى قدرة الشاب أو الشابة على القبول بهذا الواقع الجديد والوهمي والمخل بالقيم والقانون، لكن مثل هذه التجربة تكون عادة مغوية لشبان منطلقين، لا ضوابط أسرية تمنعهم من الاقتراب منها، برغم ما تحمله من محرمات وأضرار، بدءا بتدخين السجائر والأراجيل الإلكترونية، ثم تناول المشروبات الكحولية، وصولا إلى تعاطي الحبوب المخدرة، وقد تصل أحيانا لأفعال التحرش الجنسي العلني.
يحدث ذلك في نطاق مواقع وكافيهات مجهزة لتقديم مثل هذه البرامج، التي يعلن عنها على نحو موارب، وتحفيزي على ‘فيسبوك’، وترتبط الدعوة بإقامة حفلات في مزارع أو محال خاصة أو مطاعم وفنادق سياحية مرخصة، وأماكن على غرار الكافيهات، بدأت تنتشر كالفطر السام، ويجري تداول أسمائها وأسماء مروجيها في المدارس والجامعات بين الشبان.
وثمة شبان؛ بعضهم دون 18 عاما، يجهلون القيم المجتمعية والثقافة القانونية، فيقعون ضحايا لهذه الإعلانات، وينساقون وراء جاذبيتها، غير مترددين بتحقيق رغباتهم بالسير مع أقرانهم إلى هذا العالم الذي يشهد الكثير من الانحرافات.
‘كاريوكي’ الحرية الفالتة
يسمح جهاز ‘الكاريوكي’ للشخص الهاوي بتأدية أغنية معروفة، تكون مسجلة على جهاز يحتوي على ميكرفون وشاشة عرض، بحيث تظهر كلماتها على الشاشة، ليتمكن من تذكرها، وسط أجواء من الصخب والضجيج، وهي فكرة جديدة في الأردن، لكنها منتشرة في الغرب واليابان وأميركا.
وبات تطبيق ‘الكاريوكي’ في الأردن، يأخذ منحى آخر بعيدا عن فكرته الأساسية، إذ ذهبت بعض المحلات كـالكافيهات، إلى التفنن بجذب زبائنها اليافعين، عبر خلق بيئات مغرية تسوقهم إلى ممارسة طقوس ‘الكاريوكي’ في نطاق يرفضه المجتمع والقانون.
وتجري هذه الطقوس، وفق بعض اليافعين الذين يمارسونه ممن التقتهم ‘الغد’، في غرف مغلقة، ذات إضاءة خافتة ومثيرة، وفي نطاق يمنح كل غرفة خصوصيتها، إلى حد منع النادل من الاقتراب منها.
وتحتوي هذه الغرف على مقاعد جلوس متلاصقة، تقدم فيها الأراجيل والكحول، دون النظر إلى أعمار من يتناولونها، قصرا أو يافعين أو غير ذلك، ويتم إدخال مشروبات كحولية وسجائر وأراجيل إلكترونية داخل حقائب فتيات، دون أن يجري تفتيشهن.
وفي زيارة لكافيه بعمان، تقدم فيه برامج ‘الكاريوكي’ وألعاب ‘البلاي ستيشن’، قال أحد عامليه، إنه ‘يجري تقديم خدمات في مثل هذه الأماكن، لـ’الشخصيات المهمة vip’، إذ يمنحون غرفا مغلقة ذات خصوصية عالية’.
ويستمتع مرتادو غرف الـ(VIP)، بأغان يفضلونها، إلى جانب خدمة الأراجيل والمشروبات، لكن المشكلة الاساسية هي في عدم التدقيق على هويات من يطلبونها.
وتكلف تذكرة دخول عروض ‘الكاريوكي’ للشخص الواحد 3 دنانير غالبا، ويصل أجر كل ساعة تقضى في الغرفة، إلى 10 دنانير، حيث تتسع الغرفة الواحدة لـ15 شخصا كحد أعلى.
واعتبر مالك هذا الكافيه أن هذه الأسعار ‘مناسبة لرواد محله’، دون الإشارة إلى ما قد يحدث فيها من تصرفات وسلوكيات ممن يحجزونها.
التقليد.. والفضول الأعمى
من باب الفضول والتجربة والتقليد، يقبل يافعون على تجربة احتساء مشروبات كحولية، ذلك أن بعض محال بيعها تخالف القوانين، وتبيعهم إياها، إضافة إلى أنهم قد يدفعون ببعض أصدقائهم ممن بلغوا السن القانونية لشرائها لهم.
وهذا الأمر، لا يبتعد كثيرا عن تدخين السجائر والأراجيل، في ظل غياب التدقيق على هوياتهم الشخصية من قبل أماكن البيع، ويجري التغاضي عن أعمارهم، ويتعدى الأمر ذلك، إذ تقدم بعض المطاعم ‘البيرة’ لليافعين، إلى جانب وجباتهم الخاصة، حسب قول بعضهم لـ’الغد’.
في المقابل؛ يلجأ شبان إلى أساليب احتيالية للتمويه على أعمارهم الحقيقية عند رغبتهم بشراء مشروبات كحولية من مطاعم وفنادق مرخصة، بتغيير مظهرهم الخارجي، أو بمرافقة من هم أكبر منهم سنا، أو بعدم الإكثار من الكلام، أو بانتحال هوية شخصية لمن هم أكبر سنا، وفق يافعين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما.
أيضا، لم تعجز قاصرات عن التحايل على المطاعم، للحصول على مشروبات كحولية، بلجوئهن للتفنن بتغيير مظهرهن الخارجي، ليظهرن وكأنهن راشدات، وغيرها من الأساليب التي تحقق لهن ما يردن، دون أن يكون هناك تدقيق من الجهات التي يرتدنها على هوياتهن.
القانون أين؟
وزارة الصحة؛ أكدت على لسان ناطقها الرسمي حاتم الازرعي، إغلاقها محلي ‘كوفي شوب’ وتحرير 24 مخالفة، وإعطاء 63 إنذارا الشهر الماضي، لمخالفين لقانون الصحة العامة؛ المتعلق بالوقاية من أضرار التدخين.
وقال الأزرعي لـ’الغد’، أنه ‘يعاقب بالحبس بين 3 أشهر و6، وبغرامة مالية لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على 3 آلاف دينار، كل من صنع أو استورد مقلدات منتجات التبغ، أو أي جهاز يستخدم لغايات التدخين، شاملا الأرجيلة أو السيجارة الإلكترونية، وفق قانون الصحة العامة’.
من جانب آخر؛ تؤكد مدير عام جمعية المطاعم السياحية اليانا جعنيني، بأن ‘المطاعم ملتزمة بالقوانين، المتعلقة بعدم تقديم المشروبات الكحولية والأراجيل، لمن هم دون 18 عاما’.
وقالت جعنيني لـ’الغد’ إن الجمعية ووزارة السياحة، ‘لم تتلقيا أي شكاوى حول المشروبات الكحولية التي يتناولها يافعون في مطاعم مرخصة، وأن هناك رقابة من الجهات الرسمية والأمنية تشدد على ذلك، وتشمل الرقابة على التدخين والأراجيل’، مضيفة أنه ‘لا يمكن اعتبار هذه الحالات ظاهرة، فحدوث تجاوز في مطعم أو كافيه ما، قد يكون حالة فردية’.
وتحظر المادة (3) من قانون مراقبة سلوك الأحداث لعام 2006، على الحدث ‘شراء التبغ أو المسكرات أو المواد المخدرة والمؤثرات العقلية، أو المواد الطيارة، أو ارتياد الملاهي أو الحانات، وتناول المسكرات، أو النرجيلة في المقاهي والمطاعم وما ماثلها في الأماكن التي تقدمها’.
وفي قصة لافتة، حذر مواطن يدعى عبد، عبر حسابه على ‘فيسبوك’ من مطعم في عمان، قال إنه ‘يقدم لليافعين مشروبات كحولية دون استفسار عن هوياتهم’.
وتساءل في تعليقه: ‘أين وزارة السياحة وأمانة عمان من هؤلاء، لماذا تغض الطرف عنهم، ذلك بحجة تشجيع السياحة؟’.
وقال عبد لـ’الغد’ إنه ‘فور نشر ما كتبه على ‘فيسبوك’، ردت إدارة المطعم على ملاحظته مباشرة بالقول ‘عزيزي عبد، شكرا لملاحظتك، لكن إدارة المطعم لا تسمح بتقديم المشروبات الكحولية لمن هم أقل من 18 عاما، ونحن نلتزم بكل تعليمات وزارة السياحة، أرجو إرسال أي طريقة للتواصل معك وشكرا’.
وكانت دراسة أعدتها مديرية الدفاع الاجتماعي في وزارة التنمية الاجتماعية؛ بينت أن ’82 % من الأحداث الجانحين، هم أبناء أسر طبيعية، لكن خروجهم على القانون والأعراف الاجتماعية، يأتي نتيجة لضعف مستوى تقبل آبائهم وأمهاتهم لهم، ما يجعلهم أقل تعلقا بأسرهم، وأقل اعتقادا بالمعايير الاجتماعية الضابطة لسلوكهم’.
وبحسب أرقام مديرية مكافحة المخدرات؛ التابعة للأمن العام، فإن ‘أعداد الأحداث المضبوطين على خلفية قضايا تتعلق بالمخدرات، بلغ 249 العام الماضي’.
واشترطت المادة (5) من قانون مراقبة سلوك الأحداث للعام 2006، على المسؤول عن الإشراف على أي محل لبيع التبغ أو المسكرات (…) أو إدارة مقهى أو مطعم وما ماثلهما، ‘التأكد من عمر من يرتاد أيا منها، إذا دل ظاهر حاله على أنه لم يكمل الثامنة عشرة سنة، وذلك بالاطلاع على بطاقة الأحوال المدنية أو أي وثيقة رسمية تثبت عمره’.
ويعاقب قانون ‘مراقبة السلوك’ المنشور على الموقع الإلكتروني لوزارة التنمية الاجتماعية ‘الحدث الذي يخالف أي حكم من أحكام القانون، بغرامة مقدارها عشرون ديناراً، وتضاعف هذه الغرامة في حال تكراره للمخالفة’، ما اعتبره خبراء بأنها عقوبات ‘غير رادعة’.
في المقابل، ‘يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تزيد على 500 دينار، أو بكلتيهما، كل من باع للحدث تبغاً أو مسكرات أو مواد طيارة أو كلفه بشراء أي منها، أو صرف له وصفة طبية خاصة بمواد مخدرة ومؤثرات عقلية، أو سمح له بدخول ملاه ليلية أو حانات، وقدم له مسكرات أو نرجيلة’.
ثقافة قانونية غائبة
لدى استطلاع ‘الغد’ عددا من القاصرين حول وجود تشريعات وقوانين تحاسبهم في حال وجهوا طاقاتهم وسلوكياتهم نحو الانحراف، عبروا عن جهلهم بوجود قوانين في هذا النطاق، هدفها قبل كل شيء حمايتهم، وقالوا إنه حتى أسرهم ومدارسهم، لم يعلموهم بذلك ولو من باب الإرشاد والتوعية.
على هذا الأساس، تعتزم جمعية المطاعم السياحية التي ينضوي تحت لوائها 950 مطعما، إطلاق حملة وطنية للتوعية بالقوانين المرتبطة بالعمل والأحداث، بالتعاون مع جهات رسمية ونقابية قريبا، وفق جعنيني.
الناشط الحقوقي المحامي معاذ المومني قال إن هناك ‘قصورا في الثقافة القانونية لدى المجتمع بكليته، ولدى الأحداث على نحو خاص’، موضحا أن ‘القاعدة القانونية التي تقول إنه لا يجوز التعذر بالجهل بالقانون، تنطبق على الحدث والبالغ على حد سواء’.
وأضاف المومني أنه ‘نظرا لخصوصية الحدث وحساسية عمره، فيجب أن يكون مطلعا على حقوقه وواجباته ضمن أطر المواطنة الصالحة وسيادة القانون، لإنشاء جيل مثقف واع قادر على قيادة مرحلته’، مقترحا أن تقدم المناهج المدرسية حصة أسبوعية للثقافة القانونية، وبخاصة قانون الأحداث.
وعول خبراء على إعطاء الأولوية لتعديل قانون سلوك الأحداث وتغليظ العقوبات، كون المواد الحالية تحمل عقوبات ‘غير رادعة’، تشجع المخالفين على الاستمرار بمخالفاتهم.
ويرى المومني أن ‘تغليظ العقوبات أو تخفيفها، بحاجة إلى دراسة اجتماعية عميقة، تصل إلى نتيجة مؤثرة قابلة للتطبيق، شريطة إشراك متخصصين في علم الإجرام والسلوك الإنساني’.
يشار إلى أن الحكومة الأميركية، أصدرت العام الماضي، قوانين فيدرالية جديدة، تتضمن حظر بيع السجائر الإلكترونية، لمن هم دون الـ18 عاما، وألزمت البائعين بالطلب من المشترين، تقديم ما يثبت أعمارهم القانونية عند شراء أي من منتجات التبغ، حسب تقرير صحفي صادر عن موقع ‘بي بي سي’ باللغة العربية.
واجب الأسرة
في ظل ما يمكن أن يكون فراغا ثقافيا وفكريا، فقد يافعون بوصلتهم جراء غياب التوجيه الأسري، وفق الاستشاري النفسي والاجتماعي موسى مطارنة، ويعود ذلك برأيه لـ’المنافسة على الانفلات والخروج من دائرة المجتمع الدينية والتربوية إلى دائرة القبول المجتمعي، وغذاها التغيير السلوكي لدى أسر انشغلت عن أولادها وعدم مساءلتهم، حتى تحول مفهوم الرفض المجتمعي، إلى سلوك حضاري في عرفهم’.
غير أن ‘رقابة الأهل والتحقق من أكاذيب أبنائهم، ليست أمرا صعبا، والأهم من ذلك، أن على الأسر أن تسعى لاحتضان أبنائها والاستماع إليهم، في حال اكتشاف بداية انحراف في سلوكياتهم’، وفق مطارنة.
ويضيف: ‘مثل هذه الانقلاب القيمي، والتحول في السلوك، والدخول في مناطق مبهمة ووهمية، تجعل اليافع يعتقد بأنه مختلف، لكن ذلك ليس المحطة الأخيرة في مسيرته، إذ تعقبها المخالفات، وبالتالي ستؤدي ببعضهم إلى المحاكم، بتهم منافية للحياء العام، وتكبدهم وأسرهم غرامات مالية، كما ستضع أصحاب الأماكن التي تجري فيها هذه الأمور، تحت مجهر الرقابة، وتعريضها للمخالفات ومن ثم الإغلاق والمحاكمة’.
ويدعو تربويون إلى التصدي للطرق الانحرافية المبتكرة، عبر تحديث الاستراتيجيات الوطنية الاجتماعية والحقوقية، وتشديد الرقابة الأمنية والرسمية في تطبيق القوانين بحق المخالفين.
أما الحل الأمثل في التعامل مع الفتيات، فيكمن في ‘مخاطبة الأسرة لعقلها، إذ يعتبر ذلك خير معين على حمايتها، والتحدث أمامها عن قصص استدراج الفتيات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وتوعيتها من أي تصرفات قد ترتكبها من قريناتها في المدارس والجامعات، يمكن أن تودي بها للانحراف، والتركيز على مناقشة سبل الوقاية والحماية معهن’، وفق الاستشارية في شؤون الأسرة بالخطاب الإسلامي الدكتورة دعاء فينو.
المصدر: وكالة رم للأنباء