التعامل مع التحرش بالأطفال ومعرفته

مشكلتي أن ابني تعرَّض لاعتداءٍ جنسي: اللواط، وكان عُمره إذ ذاك ثلاث سنوات ونصفًا، والآن عُمره أربع سنوات وأربعة أشهر، ولَم أكْتَشِف هذا الأمر إلاَّ متأخِّرًا، وكنتُ أحاول علاجَه بكلِّ الطرق، لكنَّ استجابتَه كانت بطيئةً جدًّا، ولا أعلم كيف أتصرَّف، فقد استَخْدمتُ أسلوب الحوار وأسلوب التخويف، وأسلوبَ التهديد وأسلوب التوضيح، فعلى سبيل المثال أقول له: الجسد هِبة من الله لنا، ينبغي لنا أن نُحافظ عليه، ولا نَدَع أحدًا يَلْمسه أو يُفسده علينا، وأقول أيضًا: العين نَستخدمها للرؤية، والفم للكلام والأكل، وهكذا أُعَدِّد الأعضاء واستِخْدامَها الصحيح، إلى أن أُوَضِّح له الطريقة الصحيحة لاستخْدام أعضائه التناسليَّة، وأنه لا يَصِحُّ إدخالُها في شيءٍ، أو إدخال شيءٍ فيها؛ لأنها لَم تُخلق لذلك، وتارةً أقول له: إذا طَلَب منكَ أحد أن يُعطيك حَلْوى؛ ليَراك عاريًا، فلا تأخذ منه، ولا تُصَدِّقه أبدًا؛ لأنه يُريد أن يُؤْذِيَك، والله لا يحبُّ العُرْي، الله يحبُّ الستر، ومَن يَستَتر يُحبه الله، فهذا جسدي لا أدَع أحدًا يَعبث به، وهذا جسدُك أنت وَحْدك، فلا تَدَع أحدًا يَعبث به، أو يَلمسه… إلخ.

لكني أرى أنه يَستجيب مدَّة، ثم يعود ويُمارس هذا الأمر مُدَّة أخرى، حتى تتَّسِخ ملابسه، فأضْرِبَه ضربًا شديدًا.

يتحرَّش بأخيه ذي السنة، ورُبَّما بأُخته ذات الستِّ السنوات، ويَرفع رِجليه بطريقة مُنكرة، فأضربه أيضًا، فماذا أفعل وقد بدَأ يَطلب من الآخرين أن يُمارسوا معه هذا الأمر؟ ماذا أفعل؟ أنا في حَيْرة من أمري، وأشدُّ ما يُخيفني ذَهابه للمدرسة.

أفيدوني بارَك الله فيكم، فأنا في حَيْرة من أمري، وما توجد وسيلة إلا واسْتَعَنْتُ بها، فأنا أدعو له كلَّ يومٍ في كلِّ صلواتي وعند السجود.

وللعلم فالاعتداء الجنسي قد حصَل له من خارج المنزل بسبب شغَّالة، فأنا لَم أكن من الأُمهات التي تُهمل أبناءها، كلاَّ، بل لا أتركهم وَحْدهم أبدًا مع الشغَّالة، بل أجعَل أخواتي أو أبنائي الكِبار يَجلسون معهم أثناء غيابي عنهم، لكني مَرَرتُ بظروفٍ قاهرة، جعَلَتني أبتَعِد عن ابني بعضَ الوقت، فاستغلَّت الشيطانة الأمرَ مع قُدرتها على التواصُل مع المُنحرفين عبر هاتفٍ جوَّال.

أفيدوني بارَك الله فيكم؛ فأنا في حزنٍ عميق، طرَقْتُ كلَّ الوسائل، فهل يُمكن أن تُفيدوني بشيءٍ جديدٍ؟ وهل ضربي له صحيحٌ؛ لأنه يُثيرني بالحركات المائعة التي تَجعلني أشعر بالقَهْر لِما جَرَى له، فأضْرِبه ضربًا شديدًا؟

أرجو أن تُعَلِّقوا على أسلوبي في معالجة المشكلة، وهل هو صائب أم خطأٌ؟

دلُّوني على الطريق السليم، وجزاكم الله خيرًا.

ملاحظة أخرى: أخشى أن تكون البنت أيضًا – وهي في عُمر ستِّ سنوات – قد تعرَّضت لشيءٍ، فهل سنُّها وتعرُّضها لأمرٍ كهذا، يُنذر بالخطر على حياتها السلوكيَّة مستقبلاً؟

ما يدعوني للشكِّ في أمر أُخته أنها لا تتكلَّم معي، وتَنظر إليّ بغموضٍ، وعندما أسألُها: هل تعرَّضتِ لشيءٍ؟ تَنفي بشِدَّة وأنا أُصَدِّقها ولا أُشْعِرها بأنها غير صادقة، ولكنَّها تُرَدِّد معه بعض العبارات الغريبة، وتأتي بأسماء أشخاصٍ لا نَعرفهم، وتقول: أخي يقوم بحركاتٍ، ويَختفيان معًا لبعض الوقت خلف شيءٍ ما في المنزل، وكنتُ أضربهما أيضًا إن فَعَلوا ذلك، فهل هذه مؤشِّرات تدلُّ على تعرُّضها لشيءٍ، خصوصًا أنها حسَّاسة جدًّا، وتَخاف بشِدَّة، وخَجول وانطوائيَّة؟

فكيف أسْتَكْشِف الأمرَ منها؟

بارَك الله فيكم.

الجواب
بسم الله الهادي إلى الصواب

وهو المُستعان

“والصبي وإن لَم يكن مُكَلَّفًا، فوَليُّه مُكَلَّفٌ، لا يَحِلُّ له تمكينُه من المحرَّم؛ فإنه يَعتاده ويَعسر فطامُه عنه”؛ تحفة المودود؛ ابن القيِّم.

أيُّتها الأم العزيزة، لا تُراعِي ولا تَحزني؛ ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143].

وإن كانت لثقيلة إلاَّ على المُطمئنين بالقدر خيرِه وشرِّه، فالحمد لله على كلِّ حال، وحسبُنا الله ونعم الوكيل.

خُطُوبٌ لِلْقُلُوبِ بِهَا وَجِيبُ
تَكَادُ لَهَا مَفَارِقُنَا تَشِيبُ
نَرَى الأَقْدَارَ جَارِيَةً بِأَمْرٍ
يَرِيبُ ذَوِي الْعُقُولِ بِمَا يَرِيبُ
فَتَنْجَحُ فِي مَطَالِبِهَا كِلاَبٌ
وَأُسْدُ الْغَابِ ضَارِيَةً تَخِيبُ

أيتها العزيزة، ثَمَّة نقاطٌ تتعلَّق بسلوك الطفل الجنسي، أرى أهميَّة التأكيد عليها قبل البَدء في معالجة مشكلة التحرُّش الجنسي، كنت قد قرَأتُها في بحثٍ مهمٍّ نشَرته جامعة لينكوبينغ Linköping University السويديَّة على موقعها الإلكتروني؛ حيث توصَّل الباحث إلى ثلاث نتائجَ مهمَّة، هي خلاصة ما اتَّفق عليه المُختصون فيما يتعلَّق بموضوع الحياة الجنسيَّة للأطفال، وما هو طبيعي وغير طبيعي في سلوكهم الجنسي:

إحداها: أنَّ للأطفال جميعًا فضولاً؛ لاستكشاف أجسادهم وأجساد الآخرين، ويَظهر هذا الفضول خلال لَعِبهم مع الأطفال الآخرين، أو أثناء اللعب بالدُّمى والعرائس، ولكنَّهم يتفاوَتون في اهتمامهم بالنواحي الجنسيَّة.
وثانيها: أنَّ الأفعال والتصرُّفات الجنسيَّة التي تُحاكي السلوك الجنسي للكبار – كإدخال شيءٍ في حلقة الدُّبر، أو دُبر طفلٍ آخرَ، أو داخل قناة المهبل، أو مهبل طفلة أخرى، أو إدخال العضو التناسُلي في فم طفلٍ آخرَ، أو فم دُميَةٍ، أو أن يَطلب من طفلٍ آخرَ أن يُمارس معه بعضَ الأفعال الجنسيَّة – هي أمورٌ غير طبيعيَّة، وغير شائعة بين الأطفال، وإنما تدلُّ على وقوع الطفل ضحيَّةً لاعتداءٍ جنسي.

وثالثها: أنَّ اللعب الجنسي الطبيعي يتَّسم عادةً بالعَفَويَّة والبراءة، ورُوح الفُكاهة المُتبادلة بين الأطفال، بينما يتَّسم اللعب الجنسي عند الطفل – الذي وقَع ضحيَّة لاعتداءٍ جنسي – بالعنف والتهديد، والتسلُّط والهَيمنة.

كيف لي أن أعرفَ أنَّ لدَي ابنًا قد تعرَّض لتحرُّش جنسي؟!

لا بدَّ من معرفة خصائص النمو الجنسي الطبيعي عند الطفل، قبل الخوض في علامات التحرُّش الجنسي؛ كيلا يَختلط الأمر بين السلوك السَّوي والسلوك غير السَّوي، وهذه الخصائص تَختلف بحسب المراحل العُمرية للطفل:

“المعلومات أدناه نقَلتها إلى العربيَّة من موقع جامعة ولاية ميزوريMissouri State University، قسم التنمية البشرية ودراسات العائلة”.

خصائص النمو الجنسي للطفل من عمر ثلاث إلى أربع سنوات:

1- السؤال عن كيفيَّة مَجيء الأطفال؟ ومن أين؟!

2- البَدء باستكشاف أجسامهم وأجسام الآخرين من حولهم، فيَكثر بينهم لعبُ الأدوار الاجتماعيَّة؛ كدور “الأب”، ودور “الأم”، أو دور “الطبيب”.

3- البَدء بملاحظة اختلاف الفروق بين جسده وأجساد الراشدين.

4- بحلول السنة الرابعة تتعلَّق الجارية بأبيها، ويتعلَّق الغلام بأُمِّه.

5- تَكرار مَسِّ الفَرْج، خصوصًا عند شعور الطفل بالتَّعب، أو الاسْتياء.

خصائص النمو الجنسي للطفل من عمر خمس إلى سبع سنوات:

1- اكْتِساب بعض الأفكار الجنسيَّة من أطفال العائلة الذين اكْتَسَبوا هذه المعرفة من غيرهم.

2- استعمال كلمات فاحشة مُتَعَلَّمة، لا يَفهمون معانيها؛ لاختبار ردَّة فِعْل الوالدين.

3- فَهْم الفرق بين الذَّكر والأنثى، مع الاعتزاز بجنْسه.

4- ظهور رغبة الزواج من أحد الوالدين: الأب أو الأم.

5- عودة مَيْل الجارية إلى أُمِّها، ومَيْل الغلام إلى أبيه.

6- تَكرار مَسِّ الفَرْج بما يُشبه العادة السريَّة عند البالغين.

7- الحاجة إلى الخصوصيَّة في الحمَّام، وأثناء ارتداء الملابس.

ثمَّة علامات يُمكن للوالدين التعرُّف من خلالها على سلوك الطفل المُعْتَدى عليه جنسيًّا؛ من ذلك:

“المعلومات أدناه نقَلتُها إلى العربيَّة من موقع جمعيَّة RAINN، أكبر منظَّمة مناهضة للعُنف الجنسي في أمريكا”.

أولاً: العلامات الجسميَّة:

1- صعوبة المشي أو الجلوس.

2- اللباس الداخلي مُدمى أو مُمزَّق، أو مُلَوَّث بالبراز.

3- النزيف أو التورُّم، أو أثر الكَدْم في المنطقة التناسليَّة.

4- الألَم أو الحكَّة في المنطقة التناسليَّة.

5- التبوُل المُتَكرِّر، أو عَدْوى الخميرة.

6- العدوى المنقولة جنسيًّا.

7- الحَمْل عند الصغيرات البالغات.

ثانيًا: العلامات السلوكيَّة:

1- المعرفة الجنسيَّة المُبكِّرة، السلوك الجنسي غير اللائق.

2- الكوابيس أو التبوُّل اللاإرادي في الفراش ليلاً.

3- تغييرات كبيرة في الوزن والشهيَّة.

4- محاولات الانتحار، وسلوك إيذاء الذات عند المُراهقين.

5- الشعور بالخوف عندما يَقترب أحدٌ منهم، أو أثناء الفحص السريري في المستشفى.

6- الانكماش بعيدًا، أو الهرب الدائم.

7- الحماية المُفرطة للأشقَّاء الأصغر سنًّا.

8- اضطراب ما بعد الصَّدمة.

ثالثًا: ردود الأفعال المشتركة:

1- الانسحاب.

2- الاكتئاب.

3- اضطرابات النوم والأكل.

4- إيذاء الذات.

5- الرهاب.

6- الأعراض المرضيَّة النفس جسدية: (آلام المعدة، الصُّداع).

7- المشكلات الدراسيَّة: (كثرة الغياب، انخفاض الدرجات).

8- تدنِّي مستوى النظافة الشخصيَّة، أو فَرْط الاستحمام.

9- الشعور بالقلق.

10- الشعور بالذنب.

11- النكوص: (مص الإبهام).

وكما تَرَيْنَ، فقد ظهَرت في ابنك علامات بيِّنة جدًّا، تدلُّ على تعرُّضه لتحرُّش جنسي كوصفك له بأنه:

– “يُمارس الأمر؛ حتى تتَّسِخ ملابسه”.

– “يتحرَّش بأخيه ذي العام الواحد، ورُبَّما بأُخته ذات السنوات الستِّ”.

– “يرفع رِجليه بطريقه مُنكرة”.

– “يطلب من الآخرين أن يُمارسوا معه”.

كيف أُقنع ابني لإخباري بحادثة الاعتداء الجنسي عليه؟!

(المعلومات أدناه نَقَلتُها إلى العربية من موقع جمعية RAINN).

أولا: اختيار الوقت المناسب والمكان الآمِن للحديث مع الطفل.

ثانيا: أن يكونَ الطفل هادئًا ومرتاحَ البال، فلا يكون غاضبًا أو جائعًا، أو يُشاهد فيلمه المُفضَّل، أو يَلعب بلُعْبته المُفضَّلة.

ثالثًا: عدم سؤال الطفل أمام أحدٍ، وخصوصًا مَن يقع في وَهْمك أنَّ له دورًا في المشكلة؛ (في بعض الأحيان، يكون المُعتدي هو الأب أو الأخ، والله المستعان).

رابعًا: اسْأَليه: هل يَلمسك أحدٌ ما بطريقة تُضايقك؟! إذا لَم يُجب، أو لَم يَفْهم، فأشيري إلى ذَكَره، ثم اسْأَلِيه: هل يَلمسك أحدٌ هنا؟ وشَجِّعيه على الكلام بكلِّ ما فيكِ من حنانٍ ومَحبَّة.

خامسًا: اسْأَلِيه عن الكلمات الفاحشة التي سَمِعتِها منه من قبلُ، أو السلوك الجنسي الذي قام به: “مَن علَّمك هذا؟!”.

سادسًا: أشْعِري طفلك بالطُّمَأْنينة وهو يتكلَّم، ولا تُشعريه بأنَّه مُذنبٌ؛ كيلا يخافَ، ولا تُشَدِّدي في السؤال بطريقة استجوابيَّة.

سابعًا: تحدَّثي مع طفلك عن الأسرار، أخْبِريه عن بعض الأمور – عند هذه النقطة اهْمِسي إليه، واطْلُبي منه أن يخفضَ صوته، ويُخفي كلامه؛ كيلا يَسمعكما أحدٌ – ثم قولي له: “هذا سرٌّ بيني وبينك”، واسْأَليه عن أسراره وعِدِيه بأنَّك لن تُفشيها، وتذكَّري أنَّ المعتدي جنسيًّا قد أبلَغ طفلَك أيضًا أنَّ ما بينهما سرٌّ ينبغي ألاَّ يُفشيه لأحدٍ!
ثامنًا: بناء علاقة قائمة على الثقة مع الطفل، من خلال طلبه أن يَحكي لكِ عن أيِّ شيءٍ يُزعجه، أو عن أشخاصٍ يُضايقونه، وتَذكَّري أن المعتدي جنسيًّا قد بنَى علاقة ثقةٍ بينه وبين ابنك، فليس بالضرورة أن يكون كلُّ مَن ضايَقه في أمرٍ ما، هو مَن تحرَّش به.
أمَّا الطُّرق العلاجيَّة والتربويَّة لمشكلة الاعتداء أو التحرُّش الجنسي، فيُمكن إجمالها في النقاط التالية:

أولا: تقوية العلاقة بين الأمِّ والطفل؛ للتخفيف من آثار الاعتداء الجنسي على نفسيَّة الطفل، ولأجْل حمايته مستقبلاً من أيِّ اعتداءٍ جنسي آخرَ.

ثانيًا: التثقيف الجنسي للطفل، من خلال طَرْح الموضوعات التالية:

– تعليم الطفل مفهومَ الحياء والاحتشام، من خلال قواعد السلوك في المنزل؛ كعدم السَّماح له بالمشي عاريًا، أو بلباسه الداخلي، وحين تَقومين بتنظيف ابنك الأصغر، أو تغيير ملابسه، فاعْمَلي على سَتْر عَوْرته عن إخوته، مع الحِرص على عدم إدخالهم الحمَّامَ في وقتٍ واحدٍ للاستحمام، وكذلك فصْلُهم في الأَسِرَّة عند النوم، مع التنبيه على زوجك الكريم ألاَّ يَخرج أمام أبنائه وليس عليه إلاَّ سرواله، أو عليه خِرْقة، أو منشفة تُواري عَورته فقط! ولا تَخرجا معًا من الحمَّام أمام مَرْأى الأبناء؛ فمثل هذه التصرُّفات ينبغي إيقافُها في ظلِّ وجود الأطفال في البيت.

– تعليمه مفهومَ العَورة، ومدى خصوصيَّة المَنطقة الحسَّاسة في الجسم، وأنه لا يَحِقُّ لأحدٍ الاطِّلاع عليها، إلاَّ هو وَحْده عند حاجته إلى الغائط، مع السَّماح لِـ”ماما” إذا رَغِبت في تنظيفه أو إلْباسه السروالَ، وكذلك يَسمح لشخصٍ واحدٍ فقط في حال غياب الأمِّ لتنظيفه، مع مُراعاة تبلغيه بذلك قبل غيابك الاضطراري، قولي له مثلاً: “إذا احْتَجْتَ إلى دخول الحمام، فاسْمح لخالتكَ فلانة بتنظيفك”، وخُذي منه الموافقة، مع تثبيت هذه المفاهيم في وَعْيه بعدم السماح لأحدٍ أن يدخلَ الحمام حين يكون موجودًا فيه، وإذا كان ابنك قادرًا على دخول الحمام وحْده، فاطْلُبي من إخوته عدمَ الدخول عليه، قولي لهم ذلك على مَسْمع منه، وإذا دخَل أحدهم، فوَبِّخِيه.

– تعليمه الفرقَ بين ما هو ممنوع، وما هو مسموحٌ له به؛ من حيث التَّقبيل، أو الضم، أو اللمس؛ من ذلك مثلاً: غيرُ مسموحٍ لأحدٍ أن يَلْمَس المنطقة الحسَّاسة إلاَّ للشخص الذي سيقوم بتنظيفه في غيابك، غير مسموح لأحدٍ أن يَلْمَس المُؤخِّرة، غير مسموح لأحدٍ أن يَلْمَس الصَّدر – خصوصًا عند البنات – غير مسموح لأحدٍ أن يُقَبِّلَه في فمه أو عَورته، حتى لو كان والده… إلخ.

– تعليمه الطريقةَ التي ينبغي له أن يَنتهجها إذا تجاوَز أحدهم هذه الممنوعات معه؛ كأن يَصرخ مثلاً، ويَهرب من الغرفة، أو يَركُله بقَدَمه، ويُوجِّه إليه لَكمةً في وجهه، إذا كان يُزاول إحدى رياضات الدفاع عن النفس كالتايكوندو، أو الجودو؛ لذلك أُفَضِّل دائمًا إلحاق الأبناء بصالات رياضيَّة تُعنى بتدريبهم على الدفاع عن أنفسهم، بَدءًا من عُمر الخامسة.

– الإجابة عن أسئلة الطفل الجنسيَّة بلُغة مُيَسَّرة ومفهومة، تَتناسب وعُمرَه الزمني والعقلي، وإذا لَم تَعرفي الإجابة المناسبة، فقولي له: إنَّكِ ستَبحثين عن الإجابة، ولا تتردَّدي وقتئذٍ في كتابة استشارة للألوكة؛ لمعرفة الإجابة التي تَسكنين إلى صوابها – بإذن الهادي إلى الصواب تبارَك وتعالى.

ثالثًا: علاج ممارسة السلوك الجنسي: (الطفل بمفرده):

– ليس بالضرورة أن يكون إدخالُ إصبعه في دُبره، دليلاً على قيامه بعملٍ جنسي، فلرُبَّما كان ابنك العزيز يُعاني من حكَّة شرجيَّة بسبب الدِّيدان المعويَّة؛ لذلك ينبغي عَرْضه على طبيب أطفال؛ للكشْف عن سلامة المنطقة الشرجيَّة، وحبَّذا إخبارُ الطبيب عن حادثة الاعتداء الجنسي؛ لالتماس النصيحة الطبيَّة المناسبة.

– تلويث اللباس الداخلي مُؤَشِّر على عدم قُدرة ابنك العزيز على ضبْط عمليَّة التبرُّز، وهو كثيرًا ما يعرض لِمَن اعْتُدِي عليه جنسيًّا، فلا تَجعلي نظرتك للأمور سطحيَّة، أو مبالغًا فيها، فالطفل لا شَهْوَةَ له للجنس، ولا يَفهمه أصلاً، فأَرْجو عَرْضَ ابنك على الطبيب؛ لعملِ الفُحوص المخبريَّة لحلقة الدُّبر والمستقيم، ثم خُذي بنصائحه الطبيَّة لعلاج مشكلة ابنك العزيز.

– الحِرص على نظافة يديه دائمًا؛ كيلا يُدخل الجراثيم في فمه من طريق إدخال أصابعه في دُبره، مع تقليم أظفاره وعدم تَرْكها حتى تطول؛ كيلا يَلصق تحتها الوَسَخ.

– شَغْل يَديه دائمًا بالألعاب والكُتب التعليميَّة؛ مثل:

– كُتب التلوين التعليميَّة.

– اللعب بالطين والعجين والصلصال.

– بناء المُكعبات.

وانْظُري في استشارة: “استثمار اللعب لتنمية ذكاء الطفل” لمزيد فائدة.

– رَبْط البنطال بالحزام دائمًا، وارتداء البناطيل التي تُربَط من الكتف – (الشيَّال، الحمَّال، الأفرول – مع الحرص على إلباسه السروالَ الداخليَّ تحت البنطال القصير؛ فقد رأيتُ أطفالاً إذا جلَسوا انكشَفت بعض عوراتهم؛ بسبب نوعيَّة معيَّنة من البناطيل تكون قصيرةً وواسعة من جهة أعلى الفَخِذ، وحبَّذا اجتنابُ شرائها؛ وقايةً للطفل من افتتان أصحاب الشهوات المُنحطَّة به.

– إذا رأيتِ ابنك يُدخل شيئًا في دُبره، فلا تُبادري إلى مَنْعه بالضَّرب، ولا تَصرخي في وجهه، ولكن وَجِّهيه برحمة ورِفقٍ إلى أنَّ فِعْلَ هذا الأمر من العيب، وليس من أدب الأخلاق والسلوك، ومتى توقَّف، فَكَافِئيه على حُسن سلوكه، فإذا استمرَّت هذه العادة القبيحة، فعاقِبيه عقابًا تربويًّا؛ كحِرمانه من شيءٍ يُحبه لمدَّة معيَّنةٍ، مع إظهار علامات استيائك وغضَبك من تصرُّفه؛ فالأطفال يتأثَّرون كثيرًا من رؤية آبائهم وأُمَّهاتهم ومَن يُحبونهم مُستائين وغاضبين منهم، وقد قال ابن مسكويه في كتابه “تهذيب الأخلاق” عند حديثه عن تربية الطفل: “ثم يُمدح بكلِّ ما يَظهر منه من خُلقٍ جميلٍ وفِعْل حسنٍ، ويُكرمُ عليه، فإن خالَف في بعض الأوقات ما ذكَرته، فالأَوْلَى ألاَّ يُوَبَّخ عليه، ولا يُكاشف بأنه أقْدَم عليه، بل يُتَغافل عنه تغافُلَ مَن لا يَخطر بباله أنه قد تجاسَر على مثله، ولا هَمَّ به، لا سيَّما إن سَتَره الصبي، واجْتَهد في أن يُخفي ما فعَله عن الناس، فإن عاد، فليُوَبَّخ عليه سرًّا، وليعظم عنده ما أتاه، ويَحذر من مُعاودته، فإنَّك إن عوَّدتَه التوبيخ والمُكاشفة، حَمَلته على الوقاحة، وحرَّضته على مُعاودة ما كان اسْتَقْبَحه، وهانَ عليه سماعُ المَلامة في ركوب قبائح اللذَّات التي تدعو إليها نفسُه، وهذه اللذَّات كثيرة جدًّا”.

رابعًا: علاج ممارسة السلوك الجنسي: (الطفل مع أطفال آخرين):

ينبغي تحويل الطاقة الجنسيَّة الأوَّليَّة لدى الطفل إلى طاقة مُفيدة، تَصرف تفكيره عن هذه المسالك الشنيعة؛ كشَغْله بأنشطة مُسَلِّية؛ لتطوير مهاراته وهواياته بصُحبة والده الفاضل، ولا بدَّ من وجود شخصٍ بالغٍ؛ لإلهائه عن وجود الأطفال؛ حتى يتعلَّم ضَبْط سلوكه الجنسي، مع الحِرص على مُراقبته، وعدم تَرْكه مُختلِيًا بأخيه الصغير، أو ببقيَّة الأطفال، ومن هذه الأنشطة:

– الذَّهاب مع الأب للتسوُّق، أو مزاولة الرياضة.

– اللعب معه داخل وخارج المنزل.

– تعليمه القرآنَ المجيد.

– تدريبه على بعض البرامج التعليميَّة على الحاسوب.

– كتابة الحروف وتَهجيتها، ونحو ذلك.

خامسًا: إخراج الطفل من عُزلته إذا كان كئيبًا ومُنطويًا على نفسه، عبر تكليفه ببعض ما يَسهُل عليه القيام به من شؤون المنزل، كحَمْل سَلَّة الغسيل، أو ترتيب المائدة، أو كَنْس السجاجيد بمساعدة أحد الوالدين، ونحو ذلك؛ فالأطفال يحبُّون مساعدة الأهل، ولكنَّ الأهل يرفضون ذلك، وهذا خطأ تربوي يُعوِّد الأبناء على الكسل والاعتماد على الآخرين.

سادسًا: معالجة القلق من خلال تدريب الطفل على أساليب الاسترخاء، والتنفُّس العميق والتأمُّل، ومن بين الأمور التي تُساعد الطفل على الهدوء والاسترخاء:

– إخضاعه لجلسة تدليك بزيت خاصٍّ بجسم الأطفال.

– شراء كراسي للاسترخاء خاصة بالأطفال.

– إذا وُجِد مسبحٌ صغير في المنزل، أو كنتِ تعيشين في منطقة ساحليَّة، فقد يُحَقِّق الجلوس على القوارب المطَّاطيَّة الآمنة فوق المياه المُنسابة – نوعًا من الاسترخاء للأطفال والبالغين.

ومن الأمور التي تساعد الطفل على التنفيس الانفعالي وتبديد غيوم القلق:

– اللعب بالطين والعَجين والصلصال.

– الرسم والتلوين.

– تقنية الرفلكسولوجي: “الضغط على نقاط معيَّنة في القَدَمين عند مُختصٍّ في العلاج الانعكاسي”.

سابعًا: التعامُل مع الطفل على اعتباره ضحيَّةً وليس مُجرمًا أو جانيًا، ولكونه ضحيةً ولا ذنْبَ له فيما حدَث، فينبغي تجنُّب كلِّ أساليب التخويف والتهديد، والعُنف اللفظي أو الجسدي.

ثامنًا: توفير بيئة آمِنة ومُطمئنَّة للطفل، ووَعْده بالحماية من أيِّ اعتداءٍ أو إيذاءٍ، وأفْرِغي وُسَعك في مراقبة سلوك الكِبار معه، ولا تَطمئنِّي لكلِّ شخصٍ؛ فالأدلة تُثبت – بما يُخجل – أن كثيرًا من حالات التحرُّش الجنسي سببُها الأقارب والمَحارم، والله المُستعان، وإليه المُشتكى.

ولمزيد فائدة انظري في الكتب التالية:

1- كتاب “انتبه أولادك في خطر”؛ تأليف: عائشة عادل.

2- كتاب “كيف نُجَنِّب أبناءَنا التحرُّش الجنسي؟”؛ تأليف: د.محمد فهد الثويني.

أمَّا ابنتك العزيزة، فأرجو أن تتَّبعي معها الطريقة التي كتَبتها عن كيفيَّة سؤال الطفل عمَّا إذا كان قد تعرَّض للاعتداء الجنسي، أشْعِريها بالأمان والثقة بكِ ولا تَضربيها، لا تَخسري ابنتك من حيث تُريدين أن تَربحيها، ولا تُحاسبي أبناءَكِ على أمورٍ قد تجاوَز عنها ربُّ العِزَّة والجلال، فرِّقي – عُوفِيتِ – بين التربية والمحاسبة؛ فأنتِ تُحاسبين أبناءَك على أخطاءٍ مَغفورة لهم عند الله، أبناؤك – أيتها العزيزة – أنقياءُ غير آثمين عند ربِّهم – جلَّ ثناؤه وتقدَّست أسماؤه – لأنهم غير مُكلَّفين، ألا تَرَينَ أنَّك تَصومين إذا دخَل شهر رمضان وهم يأكلون ويَشربون؟! ألا تَرَيْنَ أنَّك تُصَلِّين إذا أذَّن مُؤَذِّنكم للصلاة وهم يلعبون ويَلهون؟! هل هناك ما هو أكبرُ من أركان الإسلام؟!

فراعي – بُورِكْتِ – عمرَ أبنائك، وكوني لهم حضنًا دافئًا، لا بئرًا من الخوف والقلق، وعسى الله أن يُرشدك بفضْله إلى ما فيه خيرُ أبنائك وصلاحُ أمرهم، وأن يَجعلهم ذريَّةً صالحة، ومُصلِحة ومُباركةً، تَقَرُّ بها عينُك وعينُ والدهم، وأن يَشفي صَدْرَك ممن آذاك وآذانا فيهم، إنه على كلِّ شيءٍ قدير، وحسبُنا الله ونعم الوكيل.

والله – سبحانه وتعالى – أعلمُ بالصواب، وإليه المَرجع والمآب.

المصدر: الألوكة