شهوة غير منضبطة
قد منَّ الله عليَّ باستِقامة وصُحبة طيِّبة، ولكن أُعاني من شديد شهوة.
كنت أُعاني فترةَ المُراهقة مُعاناةً شديدةً، تصِلُ إلى حدِّ الاحتِلام في اليَوم 3 مرَّات أو 4 مرَّات؛ لذا تزوَّجتُ مبكِّرًا وأنا في 21 من عُمري، ولَم أكْمِل الدراسة من أجْل العيش والوظيفة.
وأنا الآن – يا فضيلة الشَّيخ – أُعاني عندما تذهَبُ زوجتي إلى أهلِها في منطقة أخرى، وتَمكُث عندَهم أيامًا، أُعاني حيثُ إنَّني لا أستطيعُ السَّيطرة على نفسي، فأُضطرُّ إلى إخْراجه؛ كي أرتاحَ منه أوَّلاً، ولتسيير المسالك البوليَّة – أجلَّكم الله – وأنا أفكِّر حاليًّا بالزَّواج من ثانية – علمًا بأنَّ حسن العِشْرة بيْنَنا لا بأس به – أو أن أمنع زوجتِي من المُكْث عند أهلها؛ بمعنى السَّلام والعودة سريعًا – بين المنطقتين 340 كم –
وأحيطكم علمًا – يا فضيلة الشيخ – أنَّني – والحمد لله، والفضْلُ والمنَّة له سبحانه – لَم أقَعْ في حياتي في زنًا أو لواطٍ، أعاذنا اللهُ وإخوانَنا المسلمين منه.
أرشدوني – أرشدكم الله إلى طريقِ جِنانِه – عمَّا أفعل حيالَ وضْعِي؛ فأنا في صِراعٍ مستمرٍّ مع نفسي الضعيفة، ووالله – والحمد له – إنَّني أعمل أعمالاً دعويَّة كثيرةً، وأشغل نفسي حتَّى لا تشغلُنِي.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
نسأل الله أن يُيسِّرَ لك عملَ أهل السَّعادة، وأن يُجنِّبَك عملَ أهْلِ الشَّقاوة، وأن يُحَسِّن خُلُقك ويَزيد في إيمانك.
إنَّ الله – تعالى – وضع في خلقِه غريزةَ الشهوة، وفتح لها من القَنوات المشروعة ما يكفي لسدِّها وكبْحِ جِماحها، وسدَّ في وجْهِها كلَّ ما من شأنه أن يتسبَّب في انْحِرافها، الذي يؤدِّي إلى ضعف الإيمان وقلَّة الدين، والحمد لله الذي أنعم عليْكَ بزوجةٍ تقضي معها وطَرَك، ويُغض بِها بصرُك، ولْتعلَمْ أنَّ المطلوب من الإنسانِ أن يقلِّل من شهْوَته، وأن يسعى لتَرْشيدِها؛ ولذلِك أمر النَّبيُّ – صلى الله عليْه وسلَّم – الشَّباب بالصِّيام، وعلَّله بأنَّ: فيه حِمايةً لهم من النَّظَر المُحرَّم وفعل الفواحش، وأمر بالزَّواج، وعلَّل ذلك بأنَّه: أغضُّ للبصَر وأحصن للفَرْج.
وقبل أن نتكلَّم عن سُبل علاج شدَّة الشَّهوة – ولابدَّ للمرء من أن يسعى لتحصيلها – نتكلَّم أوَّلاً عن أسبابِها، وهي كثيرة، ويمكن حصْرُها إجمالاً في ثلاثة أسباب:
1- زيادة الهرمونات التي تُفْرِزها الخصيتان، فيؤدِّي ذلك إلى شدَّة الشَّهوة، وطلب الجِماع بكثْرةٍ تزيد عن الحدِّ المعتدل.
2- أسباب تتعلَّق بأنواع الأطعمة التي يتناولُها الإنسانُ؛ فإنَّ من الأطعمة ما يَزيد في الشهوة للجِماع، فالطعام له تأثيرُه البالغ في هذا الباب، فهُنالك سببانِ ظاهِرانِ: الإفراط في الطَّعام من جهة، واختيار الأصناف التي تَزيدُ من الشَّهوة من جهة أخرى.
ومن هذه الأطْعِمة: تناوُل الموادِّ التي تَحتوي على البروتينات: كاللحوم والأسماك، وكشرب الحليب وتناوُل الألبان، وغير ذلك بصورة مفرطة، لاسيَّما الأطعمة التي تَحتوي على سعرات حراريَّة عالية: كالحلويَّات والتُّمور، والفواكه السُّكَّريَّة كالعنب، وغيرِها من أنواع الأطعمة.
ويدخل في هذا المعنى: تناوُل المكسَّرات: كالفستق واللوز وغير ذلك، ممَّا يزيدُ ويهيج في قوَّة وشهوة الرَّجُل والمرأة للجِماع.
فالتوازُن الغذائي أمرٌ مطلوب، وهو بعبارة طبِّية: نوع من الحِمْية عن الأطعمة التي تَهيج وتزيد من شدَّة الشَّبق وشدَّة الشهوة.
3- الأحوال النفسيَّة التي قد تعرِضُ للإنسان، فتؤدِّي إلى حصول هذا الشَّهوة المفْرِطة عنده، فإنَّ هذا المرض له أسبابٌ نفسيَّة قد تجعله حاصلاً، بغضِّ النَّظر عن أيِّ سببٍ آخَر، ومن الأسباب النفسيَّة التي تؤثِّر في إيجاد هذا المرض:
– الشُّعور بالفراغ العاطفي، لاسيَّما إن كان ذلك شديدًا، فإنَّ صاحب هذا الشعور يتَّجه إلى المُعاشرة في الفراش على أنَّه متنفَّس يتنفَّس فيه، ويعبِّر فيه عن مشاعره، فهذا الكِتْمان والفراغ العاطفي، الذي يكون لدى الإنْسان يؤدِّي إلى شعوره برغبةٍ في أنْ ينفِّس عنهُما، فيتَّجه إلى إفراغ شهوته بالجِماع، فإن لَم يوجد، أفرَغَها في غيْرِه بصورة مُفْرِطة، لاسيَّما إذا انضاف إلى ذلك الاستِعْداد البدني والقوَّة في الشهوة.
– ومن الأسباب النفسيَّة التي قد تؤدِّي إلى اشتِداد الشهوة: حصول شعورٍ داخليٍ في النَّفس بأنَّ الجِماع هو السبب في الخروج من الضُّغوط النفسيَّة، والمشاكل الحياتيَّة، ولا ريب أنَّ الجِماع له تأثيره في التَّنفيس عن النفس إذا كان باقتِصاد واعتدال، دون إسرافٍ فيه، بِحَيْث يُصْبِح لدى الشَّخص كالعادة الجارية التي لا استِغناء له عنها.
وإذا كنَّا قد ذكرنا بعضَ أسباب شدَّة الشَّهوة واشتِعالها، فمن المهمِّ أن نذكُر شيئًا من طرق علاجِها ومُداواتِها، فمن ذلك:
1- من أعظم ما يُعالج شديدُ الشَّهوة نفسَه به – الصيامُ؛ فقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلَّم – أنَّه قال: ((يا معشر الشباب، منِ استطاع منكم الباءةَ فليتزوَّج؛ فإنَّه أغضُّ للبصر وأحصنُ للفَرْجِ، ومَن لم يستطِعْ فعليْهِ بالصَّوم؛ فإنَّه له وجاء))؛ متَّفق على صحَّته.
فبيَّن – صلى الله عليه وسلم – أنَّ الصيام له تأثيرُه البالغ في كفِّ الشَّهوة، وفي تضيِيقِها، وفي دفْعِها؛ ولذلك قال: ((فإنه له وجاء))، أي: وقاية من الزِّنا، وغيره من السُّبُل المحرمة لتصريف الشَّهوة.
2- مراقبة الله – تعالى – في السِّرِّ والعلن، سُئِلَ الجنيد: بمَ يُستعان على غضِّ البصر؟ قال: “بعِلْمِك: أنَّ نظر الله أسبقُ من نظرك إليه”.
وقال الحارث المحاسبي: “المراقبة: عِلْمُ القلب بقُرْبِ الرَّبِّ، كلَّما قويت المعرفة بالله، قوِيَ الحياء من قربه ونَظَره”.
3- تذكر ما ينعِمُ الله – تعالى – به على المؤمن في الجنَّة من الحور العين، وأنَّه كلَّما ارتفعتْ درجتُه كلَّما زاد نعيمه، وأنَّ التنازُلَ عن شهوات الدنيا وحظوظِها الفانية – ابتغاءَ وجه الله – يعوِّضُ الله عنه يومَ القيامة خيرًا منه، وما أحسنَ ما قاله ابنُ القيم في نونيَّته:
وَأَعَفُّهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا هُوَ الْ أَقْوَى هُنَاكَ لِزُهْدِهِ فِي الفَانِي
فَاجْمَعْ قُوَاكَ لِمَا هُنَاكَ وَغَمِّضِ الْ عَيْنَيْنِ وَاصْبِرْ سَاعَةً لِزَمَانِ
مَا هَهُنَا – وَاللَّهِ – مَا يَسْوَى قُلا مَةَ ظُفْرِ وَاحِدَةٍ تُرَى بِجِنَانِ
مَا هَهُنَا إِلاَّ النِّقَارُ وَسَيِّئُ الْ أَخْلاقِ مَعْ عَيْبٍ وَمَعْ نُقْصَانِ
هَمٌّ وَغَمٌّ دَائِمٌ لا يَنْتَهِي حَتَّى الطَّلاقِ وَبِالفِرَاقِ الثَّانِي
وَاللَّهُ قَدْ جَعَلَ النِّسَاءَ عَوَانِيًا شَرْعًا فَأَضْحَى البَعْلُ وَهْوَ العَانِي
لا تُؤْثِرِ الأَدْنَى عَلَى الأَعْلَى فَإِنْ تَفْعَلْ رَجَعْتَ بِذِلَّةٍ وَهَوَانِ
4- الاستِعانة بالله والتوكُّل عليه؛ قال الله – تعالى – عن نبي الله إبراهيم – عليه الصلاة والسلام -: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 78 – 80].
فلابدَّ من أن يستقرَّ هذا المعنى في النَّفس، وهو أنَّ الله – جل وعلا – هو الذي بيدِه الشِّفاء، وهو الذي بِيدِه رفعُ البلاء، فليكُنْ هنالك توجُّه إلى الله – جلَّ وعلا – واضطرارٌ لِرحْمته؛ ليشْفِي عبدَه مِمَّا ألمَّ به.
5- البُعْد عن الأمور التي تَهيج الشَّهوة الجنسيَّة، وأساسُ هذا طاعة الله، باتِّباع أوامرِه واجتناب نواهيه، ولا يتأتَّى ذلك إلا بغضِّ البَصر عن المحرَّمات، والبعد عن أماكن الاختِلاط، وشغْل النَّفس بطلب العلم النَّافع والاجتهاد في العمل الصالح.
6- استِعْمال الأغذية الطبيعيَّة في دفْع هذا المرض، ومن أحسن ما يستعْمِله المصاب لكَبْحِ شِدَّة الشَّهوة، أن يقوم بنظامٍ يَعتمِدُ على تناوُل الأغذية المهدئة، التي تهدئ الثورة الجِنْسيَّة لديْه، ومِمَّا علِمْناه مؤدِّيًا إلى ذلك: شرب اليانسون؛ فإنَّ له خصيصةً مهدِّئة في هذا الأمر خاصَّة، ومنه أيضًا تناوُل الكمون إمَّا أن يكون سفًّا أو بإضافته إلى الماء، ومنه أيضًا شرب عصيرِ اللَّيمون الخالي من السكر، فيشرب بدون تَحْلية فإنَّه يؤثر في هذا الباب تأثيرًا حسنًا – إن شاء الله تعالى – ومن ذلك أيضًا: تناوُل الخسِّ، وغير ذلك مِمَّا يعلمه أهلُ الطِّبِّ، ويمكن مراجعتُهم في ذلك.
7 – إذا لم تنتفِعْ بِهذه الحِمْية الطبيعية، جاز لك أن تتناول دواءً مُباحًا لِتخفيف هذه الشَّهوة مع أمْنِ الضَّرر منه، ويعرف ذلك عن طريق أهْل العِلْم بِهذا الشأن، من المتخصِّصين في تراكيب الأدوية الكيماوية وغيرها.
قال البهوتي في “كشاف القناع”: “قال في “المنتهى”: وللرَّجُل شُرب دواءٍ مباحٍ يَمنع الجِماع، قاله في “الفائق”. اهـ.
8 – أكثِرْ من الدُّعاء، والالتِجاء إلى الله أن يصرِفَ عنك الفواحش، وأن يُطَهِّر قلبَك، وأن يُحصِّنَ فرجك؛ فالله – تعالى – يُجيب المضطرَّ إذا دعاه؛ قال تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل: 62].
9 – تَذَكَّر أنَّ للعادة السِّرِّيَّة أضرارًا صحِّيَّة كثيرة، منها: ضعف البصر، وعدَم القُدْرة على التركيز، وضعْف الذَّاكرة، واحتِقان المجاري التَّناسُلية، وعدم القدرة على إِتْيان الزَّوجة، ومن مضارِّها: أنَّها تُسبِّب الإدمان عليْها، وتسبِّب كذلك الاكتِئاب، والتِهاب المسالك البولية، ورُبَّما الإصابة بالعقم، وغيرها من الأضرار.
وإيَّاك أن تجعل ما تقع فيه من معصيةٍ مانعًا لك من القيام بواجب الدعوة الذي تقوم به، بل عليْكَ بالاستِمْرار في مجال الدعوة، واحذَرْ من تلبيس إبليس؛ فإنَّ الوقوع في المعصية ليس مسوِّغًا لتَرْكِ الدَّعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان أوْلى النَّاس بالامتثال هو الدَّاعية، ولقد أُتي بأبي مِحْجَن صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلَّم – وقد شرِب الخمر ليُحدَّ يوم القادسية، وقبل أن يُحدَّ طلب من امرأةِ سعد بن أبي وقاص أن تحلَّ وثاقَه؛ ليُجاهِدَ في سبيل الله، فذهب وقاتل الفُرس قتالاً شديدًا، ثم عاد ووضع القيد في يده، ولم تَمْنَعْه معصيته من بذل الجهد في خِدْمة هذا الدين.
وإنَّ الذي يترك الدَّعوة إلى الله بحجَّة أنَّه واقع في المعصية، قد جَمع على نفسه إثم المعصية والتَّفريط في واجب الدَّعوة، وتفويت الأجر المترتِّب على دعوة النَّاس إلى التمسُّك بدين الله.
وللمزيد راجع فتوى: “أعتقد أن التحرُّش هو أخف الأضرار”.
ولمعرفة حُكم وضوابط وحدود تعدُّد الزَّوجات، راجع:
فتوى: “حكم تعدد الزوجات”.
وفتوى: “حِكْمَة إباحة تعدد الزوجات”.
ومقالة: “تعدد الزوجات.. وجهة نظر أخرى (1)”.
ومقالة: “تعدد الزوجات.. وجهة نظر أخرى (2)”.
ولمزيد من المعلومات عن العادة السرية راجع استشارة: “ماذا أفعل للتخلُّص من العادة السرية؟”.
وأخيرًا – أيُّها الفاضل -: نوصيك بنفسِك خيرًا، فهي أغلى ما يُمكن أن تربَحه في هذه الدنيا، فإذا ربِحْتَها فما خسرتَ شيئًا، وإذا خسرْتَها فما ربِحْت شيئًا، جاهِدْ نفسَك، ودبِّرْ أمرك بِما تراه مُناسبًا لصلاحِك من حلولٍ، ملتزمًا بِما عرضناه عليْك في هذا الجواب؛ فإنْ كان الزَّواج هو الحلَّ وكنتَ تستطيعُه دون مشقَّة عليْكَ منه، فعليك به؛ فهو السنَّة خاصة في حالتك فحيَّهلا به، وإن كانتِ الأُخْرى فلتصبِرْ نفسَك، ولتعالجْها بأمر زوجَتِك بِمُلازمتك، أو باسْتِعمال الأدوية النَّافعة التي ذكرناها لك، إذا تركتْكَ في بعض الأوقات لزِيارة أهْلِها وغير ذلك.المصدر: موقع الألوكة