الإعلام الجديد ما له وما عليه شبكات التواصل الاجتماعي نموذجا

ملخص بحث: الإعلام الجديد ما له وما عليه شبكات التواصل الاجتماعي نموذجا

يتناول هذا البحث ظاهرة الشبكات الاجتماعية التي غزت العالم بأسره ومن ثم المنطقة العربية، ونالت اهتماما واضحًا، وتدفق الشباب لدخولها والانتماء لمجتمعها الفسيح، ونظرًا لما تمثله هذه الشبكات من مجتمع افتراضي جديد، تلاشت فيه الحدود وأزيلت منه القيود، وشكلت في نفس الوقت ظاهرة إعلامية فريدة، فقد استوعبت كل أشكال الإعلام التقليدي، وبثته في صورة تقنية حديثة، والظاهرة الإعلامية الجديدة كان لها أبلغ الأثر في جذب الشباب إليها، وقد بينت هذه الدراسة في المبحث الأول: نشأة هذه الشبكات وتطورها وأنواعها المختلفة، وأنها نمط اتصالي جديد يعتمد على تقنيات متطورة بدأت مع الجيل الثاني من الإنترنت، الذي يهدف إلى ابتكار وسيلة جديدة لبناء عوالم اجتماعية افتراضية على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، فهي ملتقى حضاري، ومنتدى ثقافي، وإعلامي، وسياسي، وسوق تجاري، واقتصادي، وإعلاني وغيرها، فهي مجموعات متنوعة شاملة لكل ما يتعلق بالمجتمعات الحقيقية وما يدور فيها، وتناول المبحث الثاني آفاق واستخدامات الشبكات الاجتماعية، حيث وضح أهم الأسباب التي تجعل الشباب يهرعون إليها بهذه الكثرة، وهي: العزلة الاجتماعية، ومساحة الرأي وحرية الموقف والبطالة أو الرغبة في تحسين الظروف المهنية، وجمع معلومات واكتساب الخبرة والدعاية والإعلان، وأما الاستخدامات فهي متنوعة وكثيرة، وأبرزها:

• استخدامات شخصية خالصة: فالغالب يستخدم مثلاً شبكات مثل: “تويتر، فيسبوك” لأسباب شخصية خاصة بالفرد، ليكون على اتصال بأصدقائه مثلاً، كما أنه يشارك الناس من خلال اهتماماته وآرائه الخاصة.

• استخدامات تجارية: وهو ما يطلق عليه اصطلاحًا “التجارة الإلكترونية”، وفي المنصات الاجتماعية تؤمن لك البقاء على اتصال مع العملاء، وتسويق المنتجات، حيث إن هذه الشبكات تمثل أكبر سوق تجاري عالمي.

• استخدامات مهنية شبكية عن طريق توسيع التجارة، وعقد الصفقات، والتواصل مع شركاء آخرين يرغبون بالانضمام لنفس مجال العمل الذي يزاوله الشخص.

• استخدامات إعلامية عن طريق نشر الأخبار، وبث الحوارات، ومواكبة التغيرات الطارئة على مستوى العالم لحظة بلحظة، والاستخدامات الإعلامية تكاد تكون لها السيطرة، نظرًا لأنها محل اهتمام جل الناس، فما من أحد إلا ويهتم بالأحداث التي تمر به، أو بمنطقته، أو بالعالم، حيث إن أي حدث يقع في مكان ما من العالم يؤثر بطريقة أو بأخرى في مناطق أخرى من العالم.

• استخدامات ترفيهية: وقد أصبح الترفيه سمة عصرنا الحالي، خاصة وأن الترفيه أصبح صناعة ضخمة تدر المليارات، مما جعل الناس يتسابقون لمتابعة أحدث المنتجات الترفيهية، وبالطبع فهذه الاستخدامات الترفيهية تعتبر من أبرز استخدامات الإعلام الجديد الذي يعد في جانب منه ترفيهيًّا بلا منازع.

ثم بين أهداف هذه الشبكات بإيجاز، ونذكر من هذه الأهداف:

• إلغاء الحواجز بين البشر كافة، وهدم الفوارق العرقية والدينية لجعل الجميع في بوتقة واحدة تدعى الإنسانية (برغم كسر بعض الشبكات لهذه النقطة).

• هدم القيم والأخلاق، حيث لا وجود لها في الشبكات الاجتماعية؛ إذ إنهم يعتبرون مسألة الأخلاق مسألة شخصية تخص الفرد نفسه ولا وجود لها في المجتمعات الرقمية.

• سرعة التواصل بين البشر وإلغاء الفوارق الزمنية في نقل الخبر، فقد أصبحت هذه الشبكات الاجتماعية تطبيقًا مجانيًّا على أي هاتف نقال بما يعني أن الخبر يصل المستخدم في أي وقت على مدار الساعة.

• إيجاد ساحة حرة للتعبير عن الرأي دون تدخل السلطات، بمعنى أدق إيجاد “هايد بارك” رقمية على الإنترنت، يتحدث الكل فيها بما يرغب دون رقابة أو محاسبة.

• زيادة الشائعات عن طريق الشبكات الاجتماعية، فكل شخص مشترك في هذه الشبكات ينشر ما يريد من أخبار دون الرجوع لمصدر الخبر.

وكذلك هناك الاستخدامات السلبية التي منها التحرش والإدمان، والترويج للأفكار الهدامة، والتأثير على اللغة العربية التي تشكل هوية الأمة وحصنها المنيع، وغير ذلك، وفي نهاية المبحث كانت الإشارة إلى تمويل هذه الشبكات.

وأما المبحث الثالث ففيه دراسة تفصيلية عن الفيس بوك كنموذج للشبكات الاجتماعية الناجحة التي اكتسحت الشبكات الأخرى وتفوقت عليها، فسرد تاريخ هذه الشبكة ومراحل تطورها، ووظائفها المتعددة، وتطبيقاتها الكثيرة، وأخيرًا الدعاوى القضائية التي واجهت الفيس بوك.

وفي المبحث الرابع تناول الباحث مخاطر الشبكات الاجتماعية، وهي مخاطر كثيرة يمكن إيجازها في النقاط التالية:

يمكن حصرها فيما يلي:

أولاً: قائمة الشروط الخاصة بالمواقع الاجتماعية.

ثانيًا: الهجمات المعتمدة على القرصنة وبعض أساليب الاختراق.

ثالثًا: المخاطر الاجتماعية.

ثم شرح الباحث نصوص الاتفاقية التي يفرضها الفيس بوك على المستخدمين، وبيَّن الانتهاكات الصريحة والواضحة في هذه الاتفاقية، وقارن بعض نصوصها مع اتفاقية جوجل بلس، وخلص في النهاية إلى أنه لا فرق بين هذه الشبكات في انتهاك خصوصية وحقوق المستخدم العربي، وأنه لا بد من وجود هيئة عربية فاعلة للدفاع عن حقوق المستخدم العربي.

ثم فصَّل قضايا القرصنة، وبيَّن أنواع الهجمات التي تعرض لها الفيس بوك، وأنواع البرامج الخبيثة التي تؤذي المستخدمين، وأخيرًا شرح أهم المخاطر الاجتماعية المتمثلة في نشر الأفكار والمعتقدات المنحرفة، والعمل على الإساءة للدين الإسلامي، ومحاولة تمييع الشباب المسلم، وإهدار طاقته فيما لا يفيد.

ويأتي المبحث الخامس والأخير الذي تناول فيه الباحث التوظيف الإيجابي للشبكات الاجتماعية وبيَّن أبرز عناصر التوظيف الإيجابي داخل هذه الشبكات:

• الدفاع عن الدين الإسلامي ضد الهجمة الشرسة التي يتعرض لها، وشرح مبادئه وقيمه وتعريف العالم بالصورة الحقيقية لهذا الدين الحنيف الذي ارتضاه الله للعالمين، وتعد هذه الشبكات من أفضل الوسائل لنشر دين الله عز وجل، ودحض الشبه، وتفنيد الافتراءات المثارة، والدعوة إلى دين الله – عز وجل – امتثالاً لقوله – تعالى -: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].

• التواصل الفعال بين القيادات الحاكمة والمواطنين – كما يحدث الآن في معظم دول مجلس التعاون الخليجي – مما يعزز اللحمة الوطنية، ويقوي أواصر الانتماء لدى الشعوب، الأمر الذي يعد كسرًا للحواجز بين الحاكم والمحكوم، كما أنه يساعد على تقريب المسافات وزيادة أوجه الفهم بين القيادات الحاكمة والمواطنين.

• الاستخدام المهني له عن طريق توافر الشركات في هذه المواقع الشبكية، واستخدامها في البحث عن الوظائف، مما يعزز التواصل مع الكثير من راغبي العمل واختيار الأفضل بينهم، وبهذا الوضع تستطيع الشركات التوصل للغالبية العظمى من الباحثين عن العمل.

• مراعاة النشء والقاصرين والأطفال، في استخداماتهم للشبكات الاجتماعية، ووجود رقابة خاصة من أولياء الأمور، وتعريفهم بالمخاطر التي قد يواجهونها من خلال هذه الشبكات الاجتماعية، وزيادة الوعي لديهم عن أفكار الخصوصية والملكية الفكرية.

• إعلاء القيم والمبادئ والأخلاق للشباب العربي والإسلامي، وتعزيز شخصياتهم، ورفع معنوياتهم لزيادة الثقة لديهم بأنفسهم، وإيصال مفاهيم الحياة في الواقع الافتراضي والفرق بينها وبين الحياة الواقعية التي نعيشها.

• إعلاء قيمة اللغة العربية من خلال نشر ثقافة اللغة العربية وتعلية قدرها، ومحاربة الأفكار اللغوية الدخيلة (مثل لغة الفرانكو آراب)، وزيادة الوعي لدى الشباب باستخدام اللغة العربية كلغة أساسية في استخدام الشبكات الاجتماعية، وأنها أساسية لدى المستخدم العربي.

• إيصال مفاهيم الحرية بشتى أفكارها بشكل موضوعي لدى الشباب العربي، وتوضيح فكرة حرية الرأي والتعبير، كما لا بد من توعية الشباب بأن نشر المحتويات غير اللائقة لا يعد بأي شكل من الأشكال نوعًا من أنواع حرية الرأي.

• البدء في إرساء قواعد الحوار البنَّاء لدى المستخدمين العرب، وكيفية القيام بمثل هذه المحاورات، وتوضيح الفكرة الأساسية من الحوار التي تكمن في إيصال معلومة شخص لشخص آخر، ولا تعني الاقتناع بالمعلومة في المطلق، كما أن لتعريف الحوار البناء وتماشيه مع القيم الأساسية لنا كمسلمين سيزيد من ارتقاء الشكل الحواري لدى المستخدمين العرب.

• نشر التوعية عن إدمان الشبكات الاجتماعية، والتحذير من مخاطر إطالة الجلوس أمامها، وتحفيز الشباب – على الأخص – بالعمل والاجتهاد في نواحٍ أخرى للإبداع في الناحية الشبكية على المدى البعيد.

• توظيف فكر الصحف الإلكترونية من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ووضع الأسس والقوانين لضمان استخدامها بطريقة ملأى بالشفافية.

• إقامة الندوات الافتراضية تحت رعاية منظمات عربية وإسلامية معروفة، لزيادة عدد الأشخاص المستفيدين من هذه الندوات، واستقبال عدد كبير من المفكرين والمثقفين المعتدلين، والاستفادة من خواص دردشة الفيديو الجماعية[1] Hangouts.

وختم المبحث بدور الإعلام الجديد في تطوير المحتوى الفكري العربي في الفضاء الإلكتروني، وهذا الأمر ينبغي أن ينال أولوية قصوى لدى كل دولة عربية، لأن العناية بالمحتوى الفكري العربي الرقمي يحتاج إلى جهود مكثفة ومتضافرة فهو ليس بالأمر الهين، فينبغي ضخ ميزانيات مناسبة، ووضع إستراتيجيات محكمة، والعمل بروح جماعية، ليكون هناك إنجاز ملموس، ووجود فاعل.

ثم الخاتمة التي تناولت أهم التوصيات لمعالجة الخلل البيِّن في هذه الشبكات الاجتماعية، ومن أهم هذه التوصيات ما يلي:

• تفعيل دور جامعة الدول العربية إزاء هذه الانتهاكات الصريحة لخصوصية المستخدم العربي، وإنشاء هيئات رقابية تحمي بيانات ومعلومات المستخدمين عن طريقها، لتصبح مهمة الهيئة حماية مستخدمي الوطن العربي على المستوى الاقليمي والعالمي.

• وضع ميثاق شرف يضمن العمل الإعلامي في أنحاء شبكات التواصل الاجتماعي، وعلى من يخالف هذا الميثاق تحمل عواقب مخالفته.

• تعليم النشء والشباب مخاطر الشبكات الاجتماعية، وكيفية التعامل معها بشكل آمن، وتقام لها ندوات في المدارس والجامعات، وتحفيز الطلاب والشباب على عدم الانخراط بها لتجنب إدمانها.

• التواصل مع الآباء وتوجيههم لخطورة هذه الشبكات الاجتماعية، وتوصيتهم بالجلوس فترة أكبر مع أبنائهم، لإبعاد شبح العزلة الاجتماعية عن أطفالهم.

• تحبيب النشء في اللغة العربية، وإيصال قواعدها ومفاهيمها لهم.

• تحفيز علماء الفقه من خلال مجامع البحوث الفقهية، لإنشاء حسابات لهم على شبكات التواصل الاجتماعي، ومراقبتهم لما ينشر وإيضاح الحقائق للناس، كما ولا بد من اتصالهم بوسائل التقنية الحديثة ومواكبتهم لما يهدد الأمة من غزو فكري منظم.

• التنبيه إلى ضرورة التدقيق في شروط الخصوصية، وفهم ما ترمي إليه، وعدم التوقيع التلقائي السائد الآن بين من يريد الانضمام لهذه الشبكات.

• إيجاد حلول مناسبة لمشكلة الفراغ التي يعاني منها الشباب، وتجعله يغرق في هذه المجتمعات الافتراضية.

• تفعيل قوانين جرائم الإنترنت، وتكون تبعيتها لوزارة الداخلية، لرصد المجرمين ومنع وصول آثار إساءتهم لجمهور المستخدمين، ولا بد من وجود الخبرات الكافية لدى وزارة الداخلية للقبض على مجرمي الإنترنت.

• العمل على مشروع عربي إسلامي تتبناه منظمات إسلامية دولية (منظمة المؤتمر الإسلامي أو الندوة العالمية للشباب الإسلامي مثلاً) لبناء شبكة تواصل اجتماعي، تحتوي على قواعد منظمة وشروط موائمة للمستخدم العربي المسلم، وتحفيز المجتمع على المشاركة فيها، واستخدامها بديلاً لشبكات التواصل الاجتماعي القادمة من الغرب.

• إنشاء هيئة عربية موحدة تعمل على سن قوانين حديثة من شأنها تطوير عملية إثراء محتوى النشر الإلكتروني العربي على شبكة الإنترنت.

• الاستفادة الحقيقية على مستوى الوطن العربي والعالم من المؤتمرات والندوات والحلقات النقاشية خاصة تلك التي تناقش قضايا حيوية مثل مؤتمرات هندسة اللغة، والرؤية المستقبلية لصناعة المحتوى العربي.

• تشجيع الباحثين على إجراء المزيد من البحوث والدراسات في مجال الإعلام الجديد.

• إدخال مقرر الإعلام الجديد، وما يرتبط به من تقنيات في برامج الدراسات الجامعية بالجامعات العربية، حتى يتم الاستفادة منه بصورة منهجية وباعتدال.

• عقد المؤتمرات والندوات لمناقشة المستجدات التي تتعلق بالإعلام الجديد.

• الإسهام في محو الأمية التقنية المتفشية في العالم العربي حيث أشار تقرير التنمية العربي 2009م إلى وجود ما يقارب 60 مليون أمي بالمعنى التقليدي فما بالك بالأمية التقنية.

• العمل على استقطاب الكفاءات العربية المهاجرة وترغيبها للإسهام في إثراء المحتوى العربي الرقمي من خلال وسائل الإعلام الجديد.

• ضرورة تطوير النظم المتعددة اللغات، وخاصة اللغة العربية التي تحتاج إلى ابتكار أساليب متطورة لمعالجة استخدامها حتى نتلافى الصعوبات التقنية التي تواجهها.

• التأكيد على استخدام اللغة العربية الفصحى كلغة مفهومة وجامعة وشاملة للجميع، والتنبيه إلى خطورة اللغة العامية الدارجة التي تؤدي إلى التشتت والضياع والانقطاع عن تراثنا العربي والإسلامي.

• القيام بحملات توعية من أجل الارتقاء بالذائقة اللغوية، والحث على عدم استخدام الألفاظ المستفزة والدونية والخادشة للحياء التي تزخر بها كثير من الكتابات في الشبكات الاجتماعية والمدونات وغيرها.

المصدر: موقع الألوكة