معاناة شاذ
أنا شاب في الثلاثين من عمري، مشكلتي هي أني لا أشتهي النساء، فأنا مصاب بالشذوذ الجنسي، و مشكلتي نفسية.. لم أكن أعرف ما الذي يحصل معي، ولِمَ أنا مختلف عن غيري من أبناء جيلي من الشباب، ولكني والحمد لله أصبحت ملمًّا بالمشكلة، وتوصلت للسبب، فأنا لا أشتهي النساء ولكني أشتهي الرجال ممن هم أكبر مني بعشر سنوات وأكثر، أما الشبان في مثل سني فلا أشتهيهم ولا حتى الأصغر أو الأكبر مني بقليل، وبعد التفكير في السبب توصلت إلى أن السبب هو والدي، فطريقة تعامله معنا ونحن صغاراً لم تكن كما يجب، لهذا السبب أنا أشعر بنقص الحنان من جهة الأب، وما زلت أريد تعويضه في داخلي، لهذا أنا أشتهي الرجال وليس كلهم، وإنما من أحس بأنه يمتلك صفات الرجولة، وعنده حنان وعطف.. أحب أن أضمه ويضمني حتى يعطيني القليل من الحنان، الموضوع ليس بيدي، ولا أستطيع التحكم به، بحمد الله لم يعتدِ علي أحد جنسيًّا، ولم أعتدِ على أحد، ولا أريد ذلك وأنا أكره ذلك، أيضا أعرف أن الحل هو بالذهاب إلى طبيب نفسي ولكني أخاف ذلك، فأنا لم أخبر أحداً من قبل بمشكلتي، وليست لدي الجرأة للذهاب للطبيب، فلا أستطيع التكهن ما هي نفسية الطبيب، وكيف سيتعامل مع مشكلتي.. أنا أحب أن أتزوج، وأن يكون لي أولاد، ولكني إن تزوجت سأظلم زوجتي فما ذنبها هي؟ أرشدوني مأجورين..
الجواب
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلَّم على من لا نبي بعده، أما بعد:
فمرحباً بك وأهلاً وسهلاً في موقعك، ( موقع الإسلام اليوم )، مرحباً بك بين إخوتك ومحبيك، ترحيبنا مقترن بصادق دعواتنا لمولاك الرحيم، الكريم الودود ؛ أن يُقوِّي إيمانك، ويخسأ شيطانك، ويُفَرِّج كربتك، ويقوِّي عزيمتك، ويباعد بينك وبين الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ويجعلك من المتقين الأخيار الأطهار، الذين يخشونه سبحانه في الليل والنهار، ويُسعدك سعادة لا شقاء بعدها أبداً في الدنيا والآخرة، اللهم آمين.
قد أصبت أخي الحبيب حين قلتَ إنَّ مشكلتكَ نفسية، وما لم تذكره هنا، وأكاد ألمحه فيما سَطَّرته في استشارتك ؛ أن العلاج يكمن في علاج بعض الصور التي ارتسمت في عقلك الباطن، جرَّاء سنوات الحرمان التي عايشتها، ثم بعض الصور التي تأكَّدت لديك هنا أو هناك من أنَّ لديكَ شذوذاً جنسياً، ومرضاً نفسياً.
ومن هنا أخي الكريم دعنا نأخذ هذه الاستشارة في نقاط متسلسلة للوصول إلى المطلوب.
أولاً: أظن أننا نتفق في أن الشذوذ الجنسي، أو اللواط، أو المثلية الجنسية- سَمِّها ما شئت- أمر مستغرب، ومخالف للفطرة التي فَطَر الله الناس عليها، وغير متوافق مع خلق الله التي فطر الناس عليها، والدليل أن الله تعالى ذكر قول لوط عليه السلام حين عاب على قومه هذا الفعل بقوله: ( وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [سورة الأعراف: 80-81 ]، فالله تعالى خلق الأنثى للذكر، والذكر للأنثى، ولم يخلق الذكر للذكر، ولا الأنثى للأنثى، فإن في ذلك مضادة للهِ تعالى في حكمته، إذ ليس فيها عِفَّة ولا إحصان لصاحبها، وكذا لا ينتج عنها إنجاب، فهي كما قال تعالى ( شهوة )، هي قضاء شهوة بهيمية لا غير، وما من مجتمع تفشت فيه هذه الانحرافات إلا أمسى معرضًا للانهيار والضياع.
قال ابن القيم رحمه الله: ” ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهى تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل كما سنبينه إن شاء الله تعالى، قالوا: ولم يبتلِ الله تعالى بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحداً من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمَّة غيرهم، وجمع عليهم أنواعاً من العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم، ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذبهم وجعل عذابهم مستمرا، فنكل بهم نكالاً لم ينكله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السموات والأرض إذا شهدوها، خشية نزول العذاب على أهلها فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها تبارك وتعالى، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها” (الجواب الكافي).
ثانياً: يذكر أن عاملاً دخل يوماً إلى ثلاجة كبيرة لحفظ المواد الغذائية ليحصي ما بها من أصناف، وفجأة أُغْلِقَ الباب على العامل، طرق الباب كثيراً ولم يفتح له أحد، فقد كان في نهاية دوام يعقبه عطلة نهاية الأسبوع، فأدرك الرجل أنه على أبواب هلاك، فجلس ينتظر مصيره، وبعد يومين فتح الموظفون الباب، وكان العامل قد توفي، وبجانبه ورقة كان يكتب فيها ما كان يشعر به في لحظات حياته الأخيرة:
أنا الآن محتجز في هذه الثلاجة، أطرافي بدأت تتجمد، أشعر بتنمل في أعضائي، لا أستطيع الحراك، أكاد أموت من البرد، ثم لاحظ الموظفون أن الكتابة تضعف شيئاً فشيئاً حتى أصبح الخط ضعيفاً، ثم انقطع.
العجيب أن الثلاجة كانت مطفأة، ولم تكن متصلة بالكهرباء إطلاقاً ! ففي هذه الحادثة الرمزية، قَتَلَ ( الوهم ) صاحبه، فقد كان يعتقد أنه في درجة حرارة تحت الصفر، وأنه سوف يموت، وبالفعل مات حقيقة.
أرأيتِ كيف هي انعكاسات الأفكار السلبية على أصحابها، وهذا ما نفعله بأنفسنا عند تكرارنا للإيحاءات السلبية في عقلنا الباطن، فتعود سلوكاً ظاهراً في تصرفاتنا، وحجر عثرة أمام انطلاقنا إلى المسار الصحيح، ولذا لا تُكرر على لسانك إلا ما ترتضيه لنفسك من صالح الأقوال والأعمال والصفات، ردِّد دائماً الإيحاءات الإيجابية: ( أنا كغيري من الرجال أحب زوجتي وأعشقها، بإذن الله أتعاون مع زوجتي لنشكِّل نواة الأسرة الناجحة، ما أجمل الحياة مع زوجة صالحة وأولاد )، استذكر جمال الحياة الأسرية الهانئة، واستمتع بفضل الله عليك حين جوده لك بنعمة الولد، لتُواري الصور السلبية القاتمة عن نفسك، ولتظهر بالصورة التي ترضاها عن نفسك، ويرضاها الله عنك، ويرتضيها مجتمعك الذي ينتظرك ناجحاً منتجاً مؤمناً، إننا بالإيحاءات الإيجابية نغرسُ في نفوسنا البهجة، والسعادة، والطُمأنينة، ونشجعها على سلوك خطوات التعاون والنجاح، ونباعد بينها وبين غوايات الشيطان الرجيم.
خذ الخطوة الأولى، يقول نورمان فينسنت بيل ( يصبح الناس رائعين حقاً عندما يبدءون في الاعتقاد أن بوسعهم إنجاز الأمور. عندما يؤمنون بأنفسهم، فقد حازوا على أول سر من أسرار النجاح )، يجب أن تدرك أنَّكَ على مفترق طُرق، وأن هناك شياطين الإنس والجن يريدون لك الهلاك، وأن خطوة النجاة بحول الله هي في الثقة بالله أولاً، ثم الثِّقة في نفسك، وألا تسمح للأحداث السابقة أن تُحَطِّمَك، وتُغير من فِطرة الله التي فَطَرَكَ عليها، إنَّكِ في حاجة الآن الآن للثقة بالله سبحانه وتعالى والإيمان به، ثم بقدرتك الذاتية التي تجعلكَ تضع قدميكَ على الطريق الصحيح، للثقة بأنك شيء هام في هذه الحياة، وهام أيضاً في أسرتك ومجتمعك القريب والكبير، بل إن هذه الثقة والخطوة الأولى هي سبب راحتك النفسية، وسبب -بإذن الله- لتحقيق النجاحات في حياتك، يقول الدكتور ديفيد نيفن: ( فقد ثبت عبر العصور، وفي المجموعات قاطبة ؛ أن الإيمان الراسخ في قدراتنا الذاتية يزيد من الرضا بالحياة بنسبة ( 30% )، ويجعلنا أكثر سعادة في حياتنا المنزلية، وحياتنا العملية ) (مئة سر بسيط من أسرار السعداء),
ثالثاً: إيمانك بالله تعالى، وخوفك منه، ورغبتك أن تكون حيث مرضاته، تصنع لك المعجزات، انظر إلى سَحَرة فرعون، لقد استدعاهم لملاقاة موسى عليه السلام، وأعظم أمانيهم الحصول على أجر من فرعون، ولما سكن الإيمان في قلوبهم، كانت المعجزة، وبلا مقدمات، بلا تردد، ولا خوف، ولا شبهات، ولا شهوات، كان التحول في لحظات من الكفر إلى الإيمان، من الخضوع لفرعون إلى السجود لرب هارون وموسى (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ، قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ، رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ) [سورة الأعراف: 120 – 122]، إنه نور الإيمان الذي يضيء القلوب والنفوس والجوارح والأفكار.
فإذا أيقنتَ أنتَ بأن السلوك الشاذ معصية لله تعالى، وهو سبيل غضبه سبحانه، وأن الله توعَّد أصحابه بالعذاب، وقد أنذرنا ( وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ” [سورة الشورى: 7 ]. فستكون عزيمتك للتخلص منه أكبر، وخطواتك أكثر ثباتًا ويقينًا، كما هو حال سحرة فرعون عندما أضاء الإيمان قلوبهم، إن الخوف من الله، والرغبة فيما عنده من الأجر والثواب والبركة هو السبيل القويم للنجاح في هذا الطريق، ويترتب على ذلك عدة أمور منها:
طأطئ جبينك ذلاً وعبودية وافتقاراً بين يدي ملاذ الخائفين ومجير المستجيرين، تحيَّن أوقات الإجابة في الثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من يوم الجمعة، وبين الأذان والإقامة، وحين السجود، وقبل السلام من الصلاة، وعند نزول المطر، وفي الأماكن الفاضلة، وفي الأزمنة الفاضلة، سله متقرِّباً إليه بما يرضيه من الأقوال والأعمال، سله فإنه لا قَوام لقلبك وروحك وحياتك وطُمأنينة نفسك إلا في رحاب الله القدير، ولا غنى لك عنه طرفة عين، ولا تعجز عن ذلك، فحبيبكَ صلى الله عليه وسلم يقول: (أََعْجَزُ النَّاس مَنْ عَجَزَ عَنْ الدُّعَاءِ) [صححه الألباني، انظر حديث رقم: 1044 في صحيح الجامع ] حسنه الألباني رحمه الله .
وتقَرَّب إليه بما يرضيه من الأقوال والأعمال، محافظة على الصلوات المفروضات في أوقاتها مع جماعة المسلمين، وأذكار الصباح والمساء، والصدقة ولو بالقليل، وبر الوالدين، وغير ذلك مما يُقرِّب إلى الله تعالى، والبعد عن موجبات غضبه ؛ فإنها تستجلب فضل الله ورحمته وتوفيقه، ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْه،ِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ) [رواه البخاري رحمه الله ].
احزم أمرك وتوكل على الله، واصرف تفكيرك إلى ما يعود عليك بالفائدة في دنياك وأخراك متى رأيتَ نفسك تفكر فيمن يذكرك بهذا الفعل القبيح، واعمل على ألا تختلط بهم إلا لحاجة قاهرة، ولا تنظر إليهم، أن تكوِّن معهم علاقات، أو تتبسَّط إليهم، واجعل ذلك لله تعالى، وقد قال نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم (إنك لن تدعَ شيئاً اتِّقاءَ الله إلا أعطاك الله خيراً منه ) [رواه الإمام أحمد رحمه الله، وإسناده صحيح ] ولتَتَأسَّ بنبي الله يوسف عليه السلام في الطُهر والعفاف والفضيلة، لتحظى بالأجر الكبير من الله تعالى.
حاول أن تتعرف على صحبة صالحة في مثل سِنِّك تعينك على الخير، وتذكرك إذا نسيت – وهم كُثر ولله الحمد والمنة – تَقَرَّب إليهم، واحذر أشد الحذر من كل صاحب سوء، فعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والسوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة) [متفق عليه].
يقال: (من لم يشغل نفسه بالطاعة شغلته بالمعصية)، اعمل أخي الكريم على أن تشغل نفسك بما هو نافع لك ولأسرتك في دنياك وآخرتك، وليكن لك برنامج يومي يشعرك بالتجديد والنشاط في حياتك.
رابعاً: التفت إلى نفسك، اخرج من الدائرة الضيقة التي حبستَ عاطفة الحب والحنان فيها، واستنشق عبيرها من إيمانك بالله تعالى، ومحبتك لرسوله صلى الله عليه وسلم، وبرك بوالديك، ومن زوجة المستقبل، ومن أعمال الخير والبر والإحسان.
اخرج إلى المجتمع بقلب طاهر من دنس المعاصي، ولسان يستشعر الكلمة الطيبة ويتعامل مع الآخرين من خلالها.
اخرج إلى المجتمع ونور الإيمان ينضح على محياك، وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تهديك الطريق.
اخرج من جلباب المرض والشك والعلاقات الفاحشة، إلى جلباب النور والخير والعلاقات الصالحة، اخرج واصبر على طاعة الله، واصبر عن معصية الله، واستشعر قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) [متفق عليه].
خامساً: مع ما ذُكر تحتاج إلى متابعة لعلاج ما أنتَ فيه، واقترح عليك التواصل معنا هنا في استشارة أخرى، أو مع الهاتف الاستشاري رقم: ( 920000900 )، ففيه خير لك بإذن الله تعالى.
وفقك الله لكل خير، وأنعم عليك بفضله وجوده ومغفرته ورحمته، وطَهَّر قلبك، وحصَّن فرجك، وستر عليك بستره الجميل، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر: موقع استشارات