أين أفرغ شهوتي؟!

أبلُغُ من العمر 16 سنة تقريبًا، أعيش مع أمي وأبي – ولله الحمد – عائلتي تتكوَّن من 11 فردًا: أمي وأبي، و5 شباب، و4 بنات أنا أصغرهنَّ، 2 من أخواتي متزوِّجات، و3 من إخواني خارج المدينة التي نعيش فيها؛ للدراسة أو العمل، أنا اجتماعيَّة إلى حَدٍّ ما، حسَّاسة، أحبُّ الحزن والضيق، مُتديِّنة – ولله الحمد – أكره أمِّي كثيرًا؛ فهي قاسيةٌ عليَّ، ولم أَذُقْ طعمًا للحَنان منها.

تعرَّضتُ للتحرُّش وأنا صغيرةٌ من أخٍ لي، وكان عمري تقريبًا 8 سنوات، وهو كان تقريبًا 14 سنة – لا أذكر بالضبط – وكانت فترة التحرُّش قصيرة.

تحرَّشتُ ببنات خالتي – وكان باللمس فقط – وأنا بالصف الرابع الابتدائي، كانت واحدة منهنَّ في الصف الأول، والثانية أصغر من أختها بسنةٍ ونصف، كانت فترة التحرُّش قصيرة جدًّا.

تحرَّش بي أخي الثاني، وكان يَتعامَل معي أثناء التحرُّش كأنِّي زوجةٌ له، كانت فترة التحرُّش طويلةً، من سنتين إلى ثلاث، كانت كلُّ التحرُّشات تنتهي بأنْ تُخبَر أمي؛ بنات خالتي يخبرن خالتي، ثم خالتي تخبر أمي، فتنهاني أمي عن هذا الفعل.

مشكلتي الآن أنَّني بين كلِّ فترة وأخرى أُمارِس العادة السريَّة، وأُحاوِل جاهدةً أنْ أمنَعَ نفسي منها، لكن لا أعرف أين أفرِّغ شهوتي وطاقتي، أغلب الأحيان ألجأ إليها وقتَ ضِيق نفسي، أريد أنْ أتزوَّج وأحمي نفسي، لا أريد أنْ ألجأ للحرام، يَكفِيني تَذَكُّر الماضي، أريد أنْ ألجأ إلى أحدٍ يحنُّ عليَّ، ولا تقولوا لي: أمي، حاوَلت أنْ أحسِّن علاقتي معها لكنِّي تعبت.

أحيانًا أُطالِع أشياء جنسيَّة مع أنَّني أُجاهِد نفسي، وأُحاوِل جاهدةً ألاَّ أطالع شيئًا من هذا، لكن الله المستعان.

أين أفرغ شهوتي؟

جزاكم الله خيرًا

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

حيَّاكِ الله – أختي الكريمة – وهَداكِ إلى الحق، وحبَّب إليكِ الإيمان وزيَّنه في قلبك، وبغَّض إليكِ المعصية، آمين.

آلَمَتْنِي كثيرًا رسالتُك، وآلَمَنِي أكثر أنها متكرِّرة مع اختلافاتٍ طفيفةٍ في الأسباب أو الدواعي التي تُؤدِّي للوقوع في فخِّ تلك العادة الخبيثة.

الأسباب التي أوقعتكِ فيها:

1 – تعرُّضكِ للتحرُّش في صغرك، وبأشكالٍ مختلفة.

2 – قسوة الوالدة وحرمانكِ من الشُّعور بالأمن والحنان.

3 – حزنكِ الدائم، وتعرُّضكِ لضغوط نفسيَّة.

4 – مطالعة المنكر وإطلاق البَصَر.

5 – افتقارُكِ إلى النُّصح والإرشاد.

مُقتَرحات للتغلُّب عليها والبعد عنها:

1 – لا بُدَّ أنْ تكوني واقعيَّة وصادِقَة مع نفسك؛ فليست هناك وصفةٌ أو استشارةٌ أو كتاب تقرئينَه أو أي فعل تفعَلِينه يُخلِّصكِ تمامًا من هذا الشُّعور، أو يَقضِي على رغبتكِ الملحَّة في الزواج مثلاً؛ فهذه غريزةٌ وضَعَها الله في البشر لحكمةٍ منه – عزَّ وجلَّ – لكنَّها موجودةٌ بصفة معتدلة، ومن الناس مَن يستَثِير نفسَه ويُهيج تلك المشاعر فيه؛ فيَعِيش في ضنْك وهمٍّ وغمٍّ لا يعلَمُه إلا الله، ومنهم مَن يَسِير في حياته باعتِدال، فلا يجد لها شبحًا يُؤرِّقه في ليله ونهاره، ولا أثَرًا يُنغِّص عليه، ويَعِيش حياته بصورةٍ طبيعيَّة ولا يجد مشكلةً، خاصّة في مثل عمرك، لا تَكاد الفتاة تَشعُر بها، وعلى كلِّ حال فكِّري بصورةٍ واقعيَّة ومنطقيَّة، ولا تظنِّي أنَّ بإمكان بشرٍ أنْ يُخلِّصكِ منها تمامًا، بل سيكون هناك من المجاهَدة والمعاناة ما تُؤجَرين عليه – بإذن الله.

2 – لا تُصدِّقي مَن يقول بأنَّ هذه العادة ليست لها أضرار تُذكَر، ولا تُصدِّقي مَن يُروِّج لها بخبثٍ ويُقلِّل من خطورتها؛ فآثارها الجانبيَّة ملموسةٌ ويُقرُّ بها كثيرٌ من الأطبَّاء، ومن أهمِّها اضطرابات هرمونيَّة وضعْف أو عجْز، وأمراض نفسيَّة؛ كالانطِواء، والخجل المرَضي، والاكتئاب… وغيرها ممَّا يعتَرِف بها أصحابها أو مَن مارَسُوها، فإحاطَتُك بخطورة المشكلة تُعِين على علوِّ الهمَّة والعزْم الصادق في الإقلاع عنها.

3 – يقول الشيخ سلمان العودة: “مَن يظنُّ أنَّه يُطفِئ نار الشهوة بالوقوع فيها، فهو كمَن يظنُّ أنَّه يُطفِئ النار بوضْع الحطب عليها”.

معنى هذا الكلام: أنَّ ممارسة تلك العادة لن يَزِيدكِ إلا حيرةً وألمًا، والحلُّ إذًا أنْ تشغلي نفسَك عنها بقدْر المستَطاع، وأنْ تُعمِلي عقلَك باستمرارٍ، فاشتَرِكي في مواقع إسلاميَّة نافعة، حاوِرِي الفتيات الملتَزِمات طالبات العلم، ناقِشِيهنَّ وانظُرِي كيف هي حياتهنَّ، وادخُلِي عالم القراءة، وفكِّري كيف تُطوِّري من نفسك، ضَعِي لكِ أهدافًا نبيلةً كالتفوُّق الدراسي مثلاً وأنْ تُصبِحي الأولى على مدرستك، خطِّطي لكلِّ يومٍ من حياتك وأعمِلِي فكرَك وعقلك في كلِّ دقيقة، فما جُعِلَ العقل إلا لنهتَدِي به وننتَفِع في كافَّة شؤوننا، لن تُجدِي بدونه وسيلةٌ لعلاج ما أنتِ فيه؛ يقول الإمام ابن القيِّم – رحمه الله -: “جعل الله فينا أمرين: الشهوة والعقل، الشهوة لهذه الحكم، والعقل ليتحكَّم في الشهوة، ويصرفها فيما أراد الله”.

4 – ابحثي عن متنفَّسٍ آخر وقت الضِّيق النفسي؛ كأنْ تخرُجي من البيت في زيارة بعض الأقارب، أو أنْ تهرعي إلى الهاتف لمحادَثة صديقةٍ مخلِصة وأختٍ ناصحة، أو أنْ تنشَغِلي بهوايةٍ تحبِّينها؛ كتابة، أو قراءة، أو تلوين، أو غيرها ممَّا يفرغ شحنات الضِّيق ويُزِيل تيَّار الهمِّ والحزن، ولا تَكُفِّي حتى ينجَلِي ما بك أو أغلَبه.

5 – أنت بحاجةٍ لجرعاتٍ من الحنان تُعوِّضكِ عمَّا تُلاقِينه من قسْوة الوالدة، فإنْ كنتِ قد جرَّبتِ معها ويَئِستِ أو لم تُفلِحي في سلوك الطريق الصحيح إلى قلبها، فجرِّبي أختَيْك المتزوِّجتين؛ بادِرِي بالاتِّصال عليهما واشكي لهما ما تُعاني، ولا شكُّ أنهما ستُفيدانك؛ لعلمهما بحال الوالدة، وأنكِ بعيدةٌ عنها، كما أنَّ لديك أختًا ثالثة – كما أخبرتِ – لم تتزوَّج، فلِمَ لا تجرِّبين أنْ تكونَا صديقتَيْن حميمتَيْن، تُفكِّران معًا في وسائل لإصلاح النفس، تقضيان معًا أغلب الأوقات، وإنْ لم تُفلِحي في شيءٍ من ذلك فابحَثِي عن صُحبةٍ صالحة خارج البيت تُعينُكِ على استِغلال وقتكِ وحَياتك بما ينفَعُك وتحتَمِي بها من العَواصِف النفسيَّة والهجمات الشيطانيَّة؛ فالله – تعالى – يقول: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].

6 – لماذا لا تسْعينَ إلى الزواج؛ فعمركِ ليس صغيرًا، بإمكانكِ أنْ تخبري مَن حولكِ من الأهل والصديقات بأنَّك لا تُمانِعين في الزواج قبلَ إتمام الدراسة متى ما توفَّر الزوج الصالح، وإنْ كنتِ تمتَنِعين من ذلك حياءً فما تفعَلِينه أولى أنْ يُستحيَا منه، وبإمكانكِ أنْ تُوسِّطي أختكِ بنشْر هذا الخبر عوضًا عنكِ.

7 – فكِّري جيدًا في كلِّ ما يُثِيركِ، واسعي جاهدةً لسدِّ تلك الثغرات التي يدخُل إليكِ منها الشيطان، وقد ذكَرتِ أنَّك تُطالِعين الصُّوَر أو المشاهد المحرَّمة، فأنصَحُك لعلاج هذه البليَّة أنْ تُعلِّقي مثلاً في غرفتكِ أو في المكان الذي تُشاهِدين فيه تلك المقاطع – آية غَضِّ البصر: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30 – 31]، فلن تنظري بعدها – بإذن الله – إلى رجلٍ في تلفازٍ أو مجلاَّت أو كتب أو غيرها، ولن تُتابِعي من المسلسَلات شيئًا، وستبتَعِدين عن التفكير في الموضوعات التي قد تُثِيركِ نهائيًّا، فالسيطرة على تفكيرك من البداية يُوفِّر عليكِ الكثير – بإذن الله.

8 – تذكَّري – أُخيَّتي – أنَّه لا حوْل لنا ولا قوَّة، وأنَّنا بشرٌ ضِعاف عاجزون، نَبقَى في حاجةٍ مستمرَّة لعون العليم القدير، فلا تيئسي، وتوجَّهي إلى مَن خلَقَكِ وركَّبكِ وصوَّركِ فأحسن صورتكِ، والزَمِي بابَ الدعاء والاعتِصام به والتوكُّل عليه، واعلَمِي أنَّ الله رحيمٌ كريم، لا يردُّ قلبًا تعلَّق به ورجَا رحمتَه، لكنَّها سنَّة كونيَّة (الابتلاء)؛ ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [الأنفال: 37].

فأكثِرِي من الدعاء والاستغفار والتضرُّع إلى الله في الأسحار، وواظِبِي على شيءٍ من النوافل، فالله – عزَّ وجلَّ – يقول في الحديث القدسي: “ولا يزال عبدي يتقرَّب إلَيَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمَع به، وبصرَه الذي يُبصِر به، ويدَه التي يَبطِش بها، ورجلَه التي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينَّه، ولَئِن استعاذَنِي لأعيذنَّه”؛ رواه البخاري.

أخيرًا:

قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: “والشهوة تَفتَح بابَ الشرِّ والسهو والخوف، فيَبقَى القلب مغمورًا فيما يَهواه ويَخشاه، غافِلاً عن الله، رائِدًا غيرَ الله، ساهيًا عن ذِكرِه، قد اشتَغَل بغيره، قد انفَرَط أمرُه، قد رانَ حُبُّ الدنيا على قلبه”.

عافاكِ الله من ذلك، وحفِظَكِ من كلِّ سوء، ورزقكِ زوجًا صالحًا، ووفَّقك لكلِّ ما يحبُّ ويَرضَى.

المصدر: موقع الألوكة