هل من مخرج من هذه المصيبة؟

أعرض عليكم مشكلتي: التي أكتبها بحروف من دم، فواصلها اليأس، وعنوانها الندم، يعلم الله أني مظلوم بهذه المصيبة, بسب إهمال والدي في تربيتي وبحثه ليل ونهار وراء المال، وغيابه عن البيت لمدة تصل حتى الشهر؛ ونحن أطفال، والحمد لله الذي رزقنا أم صالحة دينة، (ولكن اليد الواحدة التي لا تصفق).
بدأت مشكلتي وأنا في السابعة من عمري، وهبني الله حسن الخلقة التي أُحسد عليها من قبل النساء قبل الرجال، فقد كنت مثل الوردة التي تعيش بين الأشواك، ففي ذلك الزمان كان هنالك تحرشاً جنسياً من قبل أولاد الحارة، ولكن -الحمد لله- سلمني من تلك الأمور، وسارت الأيام حتى وصلت التاسعة من عمري حتى تمكن مني رجل، وكان ذلك الرجل بداية النهاية، ومن بعد ذلك الرجل تمكن مني وللأسف ـ وكما كانت الطعنة من الخلف ـ خالي، ومن بعده ابن خالتي، وأنا في العاشرة من عمري، وكانت كل همومي في ذلك الوقت كيف أن أخفي وأستر على نفسي من هذا العمل المشين على والدتي وعلى إخوتي.
ومع مرور الوقت وأنا أحاول أن أستر عن نفسي، ويعلم الله أني كنت أحاول منعهما بكل ما أستطيع، وكانا يغتصباني! وكنت أقول لهما إني أخاف الله، وأني تبت من ذلك، ولكن لا حياة لمن تنادي، ومرت الأيام حتى أصبحت أتلذذ بالأمر (أستغفر الله).
الآن تبت، ولكن تحدثني نفسي أنه لا توبة لي، حتى قرأت حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما معناه: “من فَعَلَ فعل قوم لوط أقتلوا الفاعل والمفعول به”، وقد كان هذا الحديث بالنسبة لي بمثابة الصدمة يعني لا أمل لي في التوبة حتى …هل هنالك حل يا شيخ؟ هل هنالك مخرج من هذه المصيبة؟ هل الجهاد في سبيل الله هو الحل؟ هل أسلِّم نفسي إلى أقرب محكمة وأعترف بهذا الفعل المشين؟. أكتب لك يا شيخ هذه الرسالة وأنا الآن أبلغ 23 من عمري والله المستعان.

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأخ الفاضل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر لك تواصلك الإلكتروني مع موقع الإسلام اليوم؛ سائلا الله تعالى أن يرينا وإياك الحق حقاً، ويرزقنا إتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن يعينك وييسر لك أمورك في دنياك وآخرتك ويقيك شر نفسك والشيطان إنه جواد كريم.
أخي الكريم.. بقدر ما أحزنني الوضع السيئ الذي قد عشته وأثر على سلوكك بالسلب وهو نتاج الغفلة عن الأبناء مما جعلهم فريسة سهلة للأشرار وأحدث لك مشاكل كثيرة ومنها وقوعك في فاحشة اللواط -حماك الله منها وحفظك- أقول بقدر ما أحزنني ذلك فقد سعدت كثيراً بقوة الإرادة لديك وتصميمك الأكيد على التخلص منها والتوبة إلى الله -عز وجل- وقدرتك على إظهار الرفض الداخلي لها من خلال عرض مشكلتك والبحث عن حلٍّ لها وتلك وأيم الله بداية التصحيح التي أنت بحاجة لها.. وكثير من الناس لا زال لا يستطيع تفجير تلك القوة الداخلية للبحث عن الطريق القويم طريق المؤمنين الذي رسمه لهم الإسلام، ووضع ضوابط لكل شؤون الحياة..
أخي -حفظك الله- لا تقنط من رحمة الله -عز وجل- بتاتاً فإن الله غفورٌ رحيم.. مَنْ مِنَّا لا يخطي مَنْ مِنَّا لم يرتكب طوال حياته معصية تختلف قدراً من شخص لآخر ولكن الدين لم يغفل عن ذلك فأوجد باباً يقال له باب التوبة، وهو مفتوح ما لم تغرغر الروح…!
قال تعالى: “والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورًا رحيماً” [الفرقان:68-70]
فتأمل -حفظك الله- الآية وتأمل قوله تعالى: “فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات” يتبين لك فضل الله العظيم تجاه المذنب التائب، فجميع سيئاتك ستبدل إلى حسنات وقد قال المفسرون: أن التبديل يشمل تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة.
وكيف أخي الحبيب تقاس معصيتك بمن قتل مائة نفس فتاب؛ فتاب الله عليه، ومن ارتكب جرائم كبيرة وندم ورجع للحق وصحح مساره فوفقه الله، وأصبح من الدعاة بعد أن كان من أهل الشر وأنت ولله الحمد والمنة قد وضعت قدمك على أول عتبة من عتبات التصحيح والطريق المستقيم ألا وهي الندم على الذنب، ومن ثم الإقلاع عنه، ومن ثم عقد النية على عدم الرجوع إليه.
وسأورد لك عدد من الطرق المناسبة التي ستعينك بعون الله على سلك الطريق الصحيح:
1- اعزم على ترك تلك الفاحشة البغيطة التي أفسدت عليك دينك ودنياك وأخلص النية لله -عز وجل- واحذر من العودة لسابق عهدك بعد أن يرزقك الله توبة وكن صادقاً مع نفسك واحذر من تلبيس الشيطان وتحقيره لأعمالك الصالحة وزرع اليأس في نفسك من رحمة الله.
قال تعالى: “قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم” [الزمر:53].
2- حافظ على أداء الصلوات بأوقاتها وأحرص على التبكير للمسجد وأداء السنن الرواتب وقراءة ما تيسر من القرآن الكريم واجعل لك برنامجاً للقراءة بحيث تستطيع ختم القرآن الكريم كل شهر أو شهرين.
3- إلتحق برفقة صالحة من أهل الخير والصلاح ولازمهم في حلق الذكر ودروس العلم. وألزم أحد المشايخ في دروسه العلمية فهي من الأماكن النافعة لك…
4- أشغل نفسك بتعلم أحد العلوم التي تجد نفسك تهواها كتعلم الحاسب الآلي والإكثار من حضور الدورات التي تعقد بين الحين والآخر حول طرق النجاح واكتشاف الشخصية.. وغيرها!
5- ابتعد بقدر الإمكان عن الأماكن التي قد ارتبطت بماضيك حتى تقطع الروابط التي تعيد ذكريات ماضيك كالصحبة والحارة وإن أمكن البلد بكامله! فأحرص على ذلك بقدر استطاعتك وعدم تعارضها مع أهم منها في حياتك كالبر بالوالدين وعدم تركهم.
6- ما سبق يجب أن تكون بداية انطلاقة التغيير العاجل بلا تأني ولا تسويف وهي أمور مهمة أن تكون الخطوات الأولى في طريق التصحيح لكي تشعر -حفظك الله- بالحلاوة الإيمانية التي قد انحرمت منها سابقاً وتعمل القياس النفسي لذاتك حول التغيرات الداخلية حينما نقلت وضعك من حالٍ إلى حالٍ. واعمل مقارنة بين اللذة التي تشعر فيها حين ممارسة الفاحشة وما يعقبها من ندم وقلق وحيرة تدوم معك طويلاً وهواجس الأمراض المصاحبة!!! وبين فراغك من أداء صلاة مفروضة، وتسبيح، وتهليل يعقبها، وأداء سنن، وقراءة القرآن، وحفظه وتدبر لآياته والدعاء للنفس بالثبات على الطاعة: “اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك” جزء من حديث رواه الترمذي (2140) وابن ماجة (3834).
وكذلك فراغك من حضور أحد الدروس العلمية النافعة..
وستجد الفرق واضحاً وجلياً ممّا سيساعدك على الإقبال على الطاعات والتلذذ بها والإكثار منها.
7- ضع لحياتك خطة مستقبلية ترسم فيها أهدافاً تسعى لتحقيقها فضع في أهدافك تأمين الوظيفة المناسبة التي ستوفر لك دخلاً معيناً لك، ثم هدفاً آخر وهو الزواج من زوجة صالحة تعينك على نفسك بالطاعة وهدفًا مستقبلياً وهو تأمين المسكن الخاص… ولتكن تلك الخطة تلي النقاط السابقة.
8- أشغل نفسك دائماً بما ينفعك في دينك ودنياك، ولا تترك للفراغ مساحة يستغلّها الشيطان فيغويك، فتنقل من عملٍ لآخر.
9- احرص على الإكثار من قراءة الكتب النافعة ومن الكتب التي أنصحك بقراءتها كتاب ابن القيم رحمه الله “الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي”، وأحرص كذلك على الأوراد الصباحية والمسائية.
أسأل الله العظيم جلت قدرته أن يصلح حالك ويهديك إلى صراطه المستقيم وأن يتوب عليك ويجنبك سوء الأعمال والأخلاق…
المصدر: موقع الاستشارات