توعية الأبناء بحيل الاستدراج مسؤولية الأسرة لحمايتهم من التحرش
سوء معاملة الأطفال
ما من شك أن سوء معاملة الأطفال بشتى أنواعها “العاطفي والجسدي والجنسي والإهمال”، من أهم الآفات الآخذة في الانتشار والازدياد في جميع أنحاء العالم أمام ثورة الاتصالات الإلكترونية، واستغلالها أسوأ استغلال في التحرش بالأطفال، واغتيال براءتهم، وأصبحت مشكلة سوء معاملة الأطفال وإهمالهم قضية عالمية لا ترتبط بحدود جغرافية أوعرقية، ولا ترتبط بمتغيرات تعليمية أو اقتصادية معينة. وباتت ظاهرة التحرش بالأطفال، والاعتداء الجنسي عليهم، واستغلالهم جسديا ونفسيا وماديا من المواد التي تتصدر نشرات الأخبار اليومية في وسائل الإعلام العالمية المختلفة، وباتت الجهود الرامية إلى حماية الطفولة من كل أشكال الإساءة الجسدية والنفسية، ضرورة إنسانية ومجتمعية وأخلاقية، وعلى جميع المؤسسات المعنية أن تتضافر جهودها من أجل الحد من مثل هذه الجرائم ومكافحتها وتوعية المجتمع إزاءها.
أمام الجهود الحثيثة الرامية إلى الحد من الاعتداء على الأطفال، والتحرش الجنسي والجسدي بهم. ومع تنامي جهود التوعية المجتمعية، ونجاح الجهود الأمنية في رصد كثير من صور التحرش والابتزاز والاعتداء الجنسي على الأطفال في شتى أنحاء العالم، وانتشار وتزايد الجرائم المنظمة، أو تلك التي يقوم بها كثيرون عبر شبكات الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي الإلكترونية، برز مفهوم “الاستدراج” بقوة، وبشكل واضح، عبر محاولات الإيقاع بالأطفال وتوريطهم في أفعال منافية للأخلاق، وعبر”آلية” من الخطوات التي يجهلها الأطفال الصغار وأسرهم وذريهم، ومن خلال وسائل وأساليب معينة يلجأ إليها المغتصبون لإغراء الأطفال وتسهيل انزلاقهم نحو الخطأ، ومن ثم نسج شباكهم حول براءتهم وإجبارهم على الانصياع لشهواتهم الدنيئة.
إن تورط الأطفال في الوقوع في مثل هذه الجرائم لا يتم بشكل مباشر بطبيعة الحال، وإنما من خلال تعرضهم لمحاولات عديدة، تطول أو تقصر حسب ظروف كل واقعة، وملابساتها، لكن جميعها تتفق في كون المجرمون ينتهجون طريقاً واحداً، هو أن توريط الطفل في أول تجربة أليمة، يتم بالاستدراج أولاً لتنفيذ جريمتهم، ومن ثم ابتزازه بعدها بعيداً عن أعين الأهل والأسرة.
ما من شك أن مغريات الأطفال كثيرة ومتنوعة، وهناك آلاف الأشياء التي تجذب اهتمام الطفل وتثير شغفه مهما كانت بسيطة! وهناك أيضاً كثير من الآباء والأمهات يقعون في أخطاء الثقة المفرطة في الآخرين، ولا يتوقعون أبداً أن يبدأ الضرر من أحد من الأقربين أو المقربين لهم، أو يبالغون كثيراً في حسن النوايا، وفجأة يبكون على “اللبن المسكوب”. هذا بالإضافة إلى تطور وسائل التكنولوجيا، وتطور أساليب الخداع، والتصوير والتسجيل، وبراعة وإجرامية هذه الفئة من الشواذ المرضى بشهوة اغتيال براءة الصغار، والاعتداء عليهم.
تحذيرات
في بادرة إيجابية نحو تعزيز الجهود الرامية للتصدي لظاهرة التحرش بالأطفال، حذر المقدم أحمد حميد المري مدير إدارة البحث الجنائي بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، الأطفال من مفهوم الاستدراج الذي يمكن أن يواجهوه في المرحلة التي تسبق تعرضهم للتحرش الجنسي، خلال حديثه لطالبات الأنشطة الصيفية التي ينظمها برنامج وطني بالتعاون مع الإدارة العامة لخدمة المجتمع في شرطة دبي، في مدرسة العالم الجديد بدبي، إن مفهوم الاستدراج حقيقة مهمة في قضايا التحرش الجنسي بالأطفال، فغالبا ما يبدأ المتحرش جريمته بالاستدراج الذي يتبع فيه أسلوب الترغيب المبسط، وقد يترافق هذا الترغيب بالترهيب بالتهديد بالضرب والقتل في حالة الانفراد بالطفل، والذي نسميه الضحية الصامتة. وأشار إلى أن قنوات التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الحديثة، والتي أصبحت من الأدوات التي يستغلها هؤلاء المتحرشون للتغرير بالفئات العمرية من الفئات الحرجة والمراهقة، وهي أيضا إحدى وسائل الاستدراج، حيث يستغل المتحرشون هذا التواصل الفعال والسهل بين مختلف فئات المجتمع للاختباء وراء شخصيات وهمية تستقطب الضحية حتى تقع في براثنها. وناشد الآباء والأمهات عدم الثقة المفرطة مع الغرباء والخدم والسائقين والابتعاد عن الثقة الزائدة والإهمال للأبناء وتركهم في عهدتهم، دون إخضاعهم للمراقبة الحثيثة والمتابعة وعدم إعطائهم فرصا لاستغلال الأطفال.
وفي محاضرة توعية ضمن حملة “حماية الطفل من التحرش الجنسي”، قدمتها موزه الشومي مدير إدارة الطفل بوزارة الشؤون الاجتماعية، أوضحت أن الطفل يمكن أن يتعرض للتحرش في السن الصغيرة من “2- 5 سنوات”، وهذا الخطر غالبا ما يأتي على يد أقرب من يتولون رعايته دون رقابة كالمربية والسائق والخدم والمراهقين أو المرضى النفسيين في العائلة الذين قد يترك معهم الطفل في خلوة، أو أطفال الجيران والأقارب، بالإضافة إلى التلفاز بقنواته الفضائية غير المراقبة.
وبينت أن الطفل في السن من “5-12” قد يتعرض للتحرش من كل من يمكن أن يختلط بهم دون رقابة من الأصدقاء وأبناء الجيران والجيران والأقارب والسائقين والخدم، ويكون إغواء الطفل في هذه السن مصحوباً بتعرضه للضرب أو العقاب أو القتل إذا باح لأحد، وبتخويفه بأن الوالدين قد يعاقبانه أو يؤذيانه إذا علما بالأمر وإغرائه بالمال أو الهدايا أو الحلوى.
وأضافت أن الطفل في السن من 13 إلى 16 قد يتعرض للتحرش من الأصدقاء أو الأقارب، خاصة إذا كان الطفل ضعيف الشخصية، نتيجة مشاكل وعنف أسرين أو قد يتم إغواؤه بالمال إذا كان محتاجا للمال، والإعجاب والمديح الزائد إذا كان الطفل يتمتع بالوسامة والجمال، واللمسات الحنون والدافئة والقبلات إذا كان الطفل محروماً من الحنان والعاطفة.
وأكدت الشومي أن الطفل قد يتعرض للتحرش من سن الثانية وربما أقل وحتى سن 17 عاما، ويمكن أن يقع في براثن التحرش بصوره المختلفة، وتعتبر هذه الحقيقة من الأمور التي أذهلت الكثيرين ويعتقدون أنه مبالغ فيها، إلا أن ما أثبتته الحالات الحقيقية للأطفال الذين تعرضوا لهذا الأمر يؤكد أنه ليس خيالياً.
مسؤولية الأسرة
الأخصائية الاجتماعي مها السامرائي، تؤكد مسؤولية الأسرة في تحصين أطفالها، بالتوعية المطلوبة، وفتح قنوات الحوار والتواصل، وعدم التفريط، أو الثقة المطلقة في كل ما يتصل بالصغار من أقارب أو خدم أو غيرهم، وليس معنى ذلك أن نشكك الآباء والأمهات في كل الناس، لكن الحذر والحيطة مطلوبة في كل الأحوال. ومن ثم على الوالدين أن يراقبان جيداً تصرف الطفل، وملاحظة أي تغير ولو بسيط للغاية في سلوكياته واهتماماته، وأن يحاولان إيجاد حالة من الوعي الذاتي لديه بما يعرف بحرمة الجسد، وأن ينتبه لمحاولات الإغراء أو الاستدراج أو عدم الانزلاق نحو مغريات عديدة، وأن يدرك أنهما فقط المعنيان بتوفيرها له، وألا يتعود أن ينساق لمغريات الآخرين مهما كان صاحبها، وأن يعتاد منذ الصغر أن يقول “لا” في وقت معين، ولا ينصاع بسهولة حتى لرغبات وإرادة الأطفال الصغار في مثل سنه، وأن يحاولا أن يخلقان في ذاته شخصية مستقلة ولها إرادة منذ الصغر، وأن يشجعاه على الإفصاح عن أي شيء يبدوا غريباً أو مريباً أو مجهولاً، في حياته مع أصدقائه، أو تلك التي يتصادف وجودها على الإنترنت، وبناء جسور الثقة المتبادلة بينهما وبينه، بما يحمي شخصيته، ويساعده على تكوين رأي مستنير في أي موقف يقابله.
سيكولوجية «الاستدراج» للجاني والضحية
يوضح الأخصائي النفسي الدكتور محمود رشاد، سيكولوجية استدراج الطفل للإيقاع به في أعمال لا أخلاقية، والتحرش به والاعتداء عليه، ويقول:” علينا أن نعلم أولا الطبيعة النفسية للشخص الذي يقوم بالتحرش أو الاغتصاب، فسمات شخصيته غير سوية، ويتصف بالشذوذ النفسي، وغالباً ما نجده صاحب شخصية سيكوباتية، ومضادة للمجتمع، ويعاني من مجموعة من الأمراض والاضطرابات الجنسية والنفسية التي تسبب له انحرافا مرضيا يعرف بـ PEDOPHILE أي الميل إلى الاستغلال الجنسي للأطفال، بحيث لا تشبع حاجته إلا بالاعتداء على صغار السن، وممارسة نزواته المرضية الشاذة. وقد تتفاوت الحالات بين الأشخاص من مرحلة التحرش الجنسي إلى مرحلة الاعتداء، وقد يكون ذلك حتى على المحارم والأطفال المقربين للشخص.
وشخصية هؤلاء الأشخاص، تتسم بأنها حالة مرضية غير سوية، وفاقدة للثقة مع النفس، وغير قادرة على بناء علاقات جنسية مع البالغين، ويتبع نزواته بصورة بهيمية مرضية قهرية، وغالباً ما يقرن ممارساته تلك بنوع من العنف والقسوة مع ضحاياه. وهو غالباً أيضاً مسؤول تماماً عن تصرفاته ومدرك لشناعة فعله وما يقوم به من جرم، ومع ذلك نجده يستدرج ضحيته بأساليب متعددة، ويقوم بنسج خيوط جرائمه بدهاء، ويحرص على عدم كشف هويته من خلال وضعه للضحية في مكان منزوٍ بالمركبة وعدم إحداث فوضى في مكان اختطاف ضحاياه وكذلك توقفه لفترة بين كل جريمة وأخرى حتى لا ينكشف أمره. أما الطفل الضحية، فهو عادة غير مدرك لما يحدث، وجاهل بأي مخطط قذر يحاك له، ويستغل فيه المجرم سذاجته وبراءته وشغفه باللعب، أوالحلوى، أو الحيوانات والطيور، أو المال، ومن ثم يمارس المغتصب عليه ابتزازاً آخراً بعد الاعتداء عليه، غالباً يتمثل في التهديد والتخويف وفضح أمره إن أفشى الحقيقة، ومن المؤكد أن ذلك يخلف أمراضاً ومتاعب نفسية وجسدية عديدة، قد تسبب تدمير شخصية الطفل تماما، وتحدث طفلاً صاحب شخصية مضطربة ومشوهة، وفاقدة للأمن وللثقة في نفسها وفي الآخرين وفي المجتمع”.
وبين أن مثل هذه الحالات يتم عرضها على الطبيب النفسي الشرعي لمعرفة دوافع ارتكابه لهذه الأفعال وتشخيص كامل الحالة ومعرفة التاريخ النفسي للشخص وما تعرض له طوال حياته، فقد يكون من الذين تعرضوا لحالات اعتداء في طفولته.
المصدر: صحيفة الاتحاد