ميولي منحرفة؟!
لدي مشكلة، وهي أنني أجد نفسي أميل للشباب الوسيمين، وأريد أن أتعرف عليهم، وأحس أني بحاجة لحب مع أحد هؤلاء الأشخاص الذين يعجبوني، ودائما يكونون أكبر سنَّا مني، والحمد لله بدأت تتلاشى قليلا جداً هذه الحالة؛ لأني وضعت أمام عيني أن أتعرف على فتيات مهما كان الأمر؛ حتى أجرب الحالة بجميع تفاصيلها، لأنني أجد نفسي ناقصاً، لأنني لم أقم بعلاقة مع فتاة، ولا أعرف كيف يتم الجنس مع الفتيات، أنا أعلم أن هذا التفكير خاطئ، ولكنني لا أعلم لماذا أنا هكذا؟ أرجوكم انصحوني.
الجواب
الحمد لله رب العالمين. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله. صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد.
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخي الكريم ! أسأل الله تعالى أن يعصمك من الزلل، ويوفقك لصالح القول والعمل، وآمل أن أوفق في الإجابة على تساؤلك، وذلك من خلال الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: ذكرت في سؤالك أنك تميل إلى الشباب الوسيمين، وتريد أن تتعرف عليهم. وأقول لك أخي -وفقك الله لطاعته- بأن الله تعالى قد أمر المؤمنين جميعا بأن يغضوا من أبصارهم، لأن غض البصر سبب لحفظ الفرج، كما أن عدم غض البصر سبب لعدم حفظ الفرج، قال الله تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم” [النور:30]. ثم يبين الله تعالى لنا أنه خبير بما في قلوب العباد، ولهذا قال سبحانه: “إن الله خبير بما يصنعون” [النور:30]. وقد قال سبحانه مبينا هذه الحقيقة العظيمة: “يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور” [غافر:19].
وتذكر أخي -وفقك الله- بأن الشيطان يُسَهِّل على الإنسان الوقوع فيما يظن أنه معصية صغيرة، ثم يوقعه بعد ذلك فيما هو أكبر منها، ثم فيما هو أكبر منها، ثم يوقعه في الفاحشة. وقد بين الله تعالى لنا هذه الحقيقة المهمة في قوله سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر” [النور:21]. ونهانا سبحانه عن اتباع خطوات الشيطان مبينا لنا أنه عدو شديد العداوة: “… ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ” [البقرة:168-169]. ومن عداوة الشيطان لبني آدم أنه يسعى جاهدا ليكون الناس معه في جهنم وبئس المصير. قال الله تعالى: “إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير” [فاطر:6]. وتذكر بعد هذا كله أن النظر بريد الفاحشة ومقدمتها، وأن النظر يؤثر في القلب تأثيرا بالغا. قال الشاعر مبينا هذا الأمر:
يا من يرى سقمي يزيد وعــلتي أعــيت طبيــبي
لا تــعــجبن فـهـكـذا تجني العيون على القلوب
الوقفة الثانية: عندما قرأت قولك: (والحمد لله بدأت تتلاشى قليلا هذه الحالة…) شعرت بالراحة لأني ظننت أنك عدت إلى الصواب والحق، ولكني أسفت كثيرا عندما قرأت قولك بعد ذلك: (… لأني وضعت أمام عيني أن أتعرف على فتيات مهما كان الأمر…). وأقول لك أخي: إن الخطأ لا يعالج بالخطأ، وإن الدم لا يغسل بالدم، ولا ينتقل الإنسان من أمر سيء إلى آخر مثله. بل المطلوب أن ينتقل الإنسان من الخطأ إلى الصواب ما دام ذلك في إمكانه قبل أن يأتي يوم يقول فيه: ليتني لم أقع في هذا الخطأ، أو يقول: ” يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله “.
الوقفة الثالثة: أعجب من قولك: (… لأني وضعت أمام عيني أن أتعرف على فتيات مهما كان الأمر…).
أعجب أولا أنك جعلت هذا هدفا لك. وأنت تعلم أن المسلم يجب أن يضع أمام عينيه أهدافا كبيرة، ينفع بها نفسه وأهله ومجتمعه وأمته الإسلامية، ويخدم من خلالها دينه. وأنت ترى أن الأمة الإسلامية تعاني من تسلط أعدائها عليها، وتعلم أن الأمة بحاجة إلى أن ينهض بها أبناؤها عموما، والشباب خصوصا. أفيليق بنا أن يرى المسلمون وضع الأمة المزري، ومع ذلك لا يكترث بعضهم لذلك، بل تكون أهدافهم رخيصة، وهممهم دنية؟
وأعجب ثانيا من قولك: مهما كان الأمر…. سبحان الله !! ألست تعلم أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قد حرما مثل هذه العلاقات لما تجره من الفساد والأمراض النفسية والجسدية والاجتماعية، وما تسببه من الويلات على الفرد والمجتمع؟ ثم أليس الواجب على المسلم أنه إذا سمع حكما عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أن يقول: سمعنا وأطعنا؟ أليس المسلم يقدم مراد الله تعالى ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم على مرادات نفسه وشهواتها ورغباتها؟ ألم تقرأ قول الله تعالى: “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما” [النساء65]. ألم تقرأ قول الله تعالى: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم” [الأحزاب:36]. ألم تسمع قول الله سبحانه: “إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون” [النور:51].
الوقفة الرابعة: السؤال الصريح المطروح: هل ترضى أن يتعرف أحد الشباب على واحدة من أخواتك أو عماتك أو خالاتك أو إحدى محارمك أو قريباتك؟ أجزم أنك لا ترضى بهذا؛ لأنك تعلم أنه لا يرضى بهذا إلا الديوث الذي يقر الخبث في أهله. وإذا كنت لا ترضى هذا لهن فتذكر أن الناس أيضا لا يرضونه لمحارمهم وقريباتهم، بل ولا يرضاه المسلم لأي مسلمة في أي مكان كانت. والإنسان لا يؤمن حقا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويرضى لهم ما يرضى لنفسه، ويبادر بالتوبة النصوح “رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت” [المؤمنون:99-100].
الوقفة الخامسة: عجيب أنك تعتبر نفسك ناقصا لكونك لم تقم علاقات مع أي فتاة، ولا تعرف كيف يتم الجنس مع الفتيات. وليس هذا والله بنقص، بل هو صفة كمال، وعنوان عفاف، وعلامة طهر ونقاء. النقص الحقيقي أن يقع الإنسان فيما نهى الله تعالى عنه… نقص في الدين.. نقص في العقل حيث يعرِّض نفسه للعقاب، وحيث يجعل أهله ومحارمه عرضة لأن يقع عليهم مثل ما أوقعه هو في محارم الآخرين.. نقص في العفاف والطهر.. نقص في الأمانة…. وظني أن شعورك هذا ناتج عن مجالستك لبعض الشباب الواقعين في مثل هذه الأمور السيئة، فإذا صار بعضهم يتحدث بمغامراته وأعماله المشينة شعرت بالنقص والقصور. ولا أستبعد أنك تسمع منهم بعض تعليقات من مثل قولهم: وأنت يا فلان ! ماذا عملت؟ أم أنك لا تزال طفلا صغيرا؟ ونحو هذا الكلام. وهذا ما يؤكد ما سأذكره بإذن الله في الوقفة السابعة.
الوقفة السادسة: هل تظن أن الوقوع في الفاحشة أمر يسير؟ لا والله، ثم لا والله. ألست تعلم أن الله تعال قد توعد من يقعون في الفاحشة بأليم العذاب، وشديد العقاب؟ اقرأ قول الله تعالى: “والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب…” [الفرقان:68-70]. وكفى بهذا رادعا وزاجرا لمن كان له قلب حي، وضمير متيقظ. وفي حديث الرؤيا المشهور يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “فانطلقنا فأتينا على مثل التنور، فإذا فيه لغط وأصوات. قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا. قلت ما هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق. ثم بين الملكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم تأويل ما رأى، في قولهما: وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني”. والحديث صحيح، أخرجه البخاري (1386)، ومسلم (2275).
الوقفة السابعة: من المهم أن تتجنب مصاحبة الشباب الذين يزينون مثل هذه الأفعال ويهونونها، ومن يشجعون عليها، فهؤلاء مصاحبتهم لا تأتي بخير. وإذا جمعتك بهم الظروف يوما من الأيام فاحرص على أن تكون مشعل هداية.. بيِّن لهم خطورة مثل هذه التصرفات على دينهم ودنياهم. ولعل الله تعالى أن يهديهم على يديك. وتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: “فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم”. أخرجه البخاري (2942)، ومسلم (2406).
كما أن من المهم أن تحرص على أن تتعرف على شباب صالحين بدلا من أولئك، تقضي معهم أوقات فراغك حتى لا تتفرد بك مثل هذه الوساوس والهواجس والأفكار السيئة. وتذكر قول الله تعالى: “الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين” [الزخرف:67]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” أخرجه أحمد (7685)، وأبو داود (4833)، والترمذي (2378).
ومن المهم أيضا أن تحافظ على الصلاة، وأن تحرص على إقامتها حقا، وليس مجرد أن تؤديها بأي صورة كانت. فالصلاة التي تقام على الحقيقة هي التي تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر. قال الله تعالى: “… وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر…” [العنكبوت:45].
الوقفة الثامنة: أنت شاب تبلغ من العمر خمسا وعشرين سنة. فما الذي يمنعك من الزواج الآن؟ لماذا لا تلبي نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: “يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”. أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400) الأجدر بك أن تقول: سمعا وطاعة لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الطريق المشروع.. الطريق الطاهر النظيف لما تريد أن تتعرف عليه، وهو الذي يعف فرجك، ويغض بصرك، ويحفظ دينك، ويعصمك بإذن الله من الوقوع في الفاحشة، وبسببه ترزق بإذن الله الذرية التي تشيع في البيت السعادة، به ترزق بإذن الله الراحة والطمأنينة التي ذكرها الله تعالى في قوله: “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” [الروم:21].
اطلب من والدك إذا كان موجودا أن يعينك على الزواج. وإذا كانت أموركم المادية لا تساعدك الآن فأكثر من الصوم كما وجَّهك رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا مانع من أن تطلب مساعدة إخوانك، وأن تقدم طلبا على بعض الجمعيات التي تعنى بهذا المشروع الخيِّر، كجمعيات البر، وجمعيات مساعدة الراغبين في الزواج وغيرها.
وأخيرا فإن من الجيد أنك تشعر بأن عملك هذا خطأ، فهذا أول خطوة من خطوات التخلص من هذا الأمر الذي لا يرضي الله تعالى، وتجنب هذا الطريق الذي قد يفضي بك إلا أن تخسر الكثير والكثير في دنياك وأخراك. وما دمت –أخي– عارفا بأن هذا خطأ، وتتمنى الخلاص منه، بل وتطلب مساعدة الآخرين، فإني أذكرك بأن تخلصك ليس بالأمر المستحيل، ولكنه يحتاج منك إلى اتخاذ خطوات عملية.
فأولا: الجأ إلى الله تعالى وتضرع إليه بالدعاء أن يعصمك من الزلل، وأن يأخذ بيدك إلى الطريق المستقيم. واسأله سبحانه أن يحبب إليك الإيمان والطاعة والعفة والطهارة، ويُكَرِّه إليك الكفر والفسوق والعصيان.
وثانيا: اعزم عزيمة صادقة، وتوكل على الله، وأقلع من قريب، ولا تقل سأجرب، فالسم لا يؤكل للتجربة، وقد يزين لك الشيطان الاستمرار حتى يشرب قلبك حب هذه المعصية ويصعب عليك الخلاص.
وثالثا: تذكر أن الجزاء من جنس العمل، فقد تبتلى بذرية يقعون فيما تحذر، وما يرفضه كل غيور.
ورابعا: تذكر أن الموت قد يأتيك فجأة على غير استعداد، ووقتها تتمنى أن لو لم تقع فيما لا يرضي الله. وتذكر كل ما سبق بيانه، وابدأ مشوار التغيير نحو الأحسن من هذا اليوم، بل من هذه اللحظة قبل حصول ما لا تحمد عقباه. أسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقك الزوجة الطاهرة العفيفة التي تحصن فرجك، ويرزقك الله منها الذرية الطيبة. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
المصدر: موقع استشارات