ميولي شاذة!

أنا شاب أبلغ من العمر خمساً وعشرين سنة ولم أتزوج بعد، من عائلة طيبة تعرف حدود الله أفرح بانتمائي لها. يشهد الجميع أني طيب الخلق، ويضرب الكل بي مثلا في أخلاقي.. مشكلتي مشكلة عظيمة، وهي أن شهوتي غير سوية، فشهوتي منحرفة انحرافا كليا عن الفطرة، فهي تفضل الذكران دون الإناث؛ لعل السبب كان قلة المخالطة، فأنا لم أدرك هذا إلا في الجامعة، حيث رأيت كيف ينظر أصحابي إلى البنات بشهوة عارمة ومصاحبتهم ومعاكستهم للبنات، رغم أنهم ليسوا جميعا كذلك، وكثيرا ما أحرجتني أسئلتهم حول النساء.. لديَّ صديق مقرب محبب لي، فأخبرته أن يجعلني آخر أصدقائه منزلة لديه فأغاظه الأمر بشدة ظانا أني لا أبالي لأمره، وسأل عن السبب، فأخبرته أني أخشى عليه أذى من نفسي لم يفهم السبب.. فأخبرته أني لست أهلا لهذه المنزلة ولا أستحقها، فسأل عن السبب فأخبرته أني لا أستطيع إخباره أكثر حاليا.. مشكلتي أنني صرت إذا جالسته يحدث لدي انتصاب، وأحيانا حتى خروج بعض المذي.. أحزنني الأمر بشدة في البداية إلى درجة أني كلما تذكرت الأمر، أبكي في البيت، أو في العمل، لا زال يحزنني الأمر فكأني صرت أرى أنه يجب فراقه، وكم يحزنني فراقه لأنني أخونه.. أرشدوني ماذا أفعل؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

الأخ الكريم، مرحبا بك، ونشكرك على هذه الثقة، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا لحل مشكلتك، والإشارة عليك بما ينفعك ويزيل حيرتك، وبعد..

لقد اصطلح المحدَثون من الأطباء وعلماء النفس على تسمية ميل الرجل لمعاشرة الرجل، وميل المرأة لمعاشرة المرأة، بالميول (المثلية)، إلا أني أفضل تسميتها باسمها الأصلي القديم: الميول (الشاذة) الذي ينبئ عن حقيقتها، وخروجها عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، أيا كانت أسبابها.

وفي الحقيقة فإن أسباب تولد تلك الميول الشاذة عند الإنسان غير متفق عليها حتى الآن، وقد وضعت عدة نظريات لتفسيرها، منها ما يرجعها إلى سبب نفسي يتعلق بالتاريخ الجنسي للفرد، كحادثة تحرش أو اعتداء، ومنها ما يرجعها إلى سبب طبي أو خلل في الهرمونات، ومنها ما يرجعها إلى سبب وراثي.

إلا أن المتفق عليه أن هذه الميول الشاذة شأنها شأن العديد من الأمراض النفسية، ناتجة عن تضافر عدة عوامل، منها: العوامل البيولوجية التي تتمثل في الاستعداد الخلقي والوراثي، وعرف ذلك من بعض الدراسات التي أجريت على التوائم المتماثلة.

وقد ورد في إحدى الإحصائيات الغربية أن 37% من عموم الناس تطرأ عليهم مثل هذه المشاعر في فترة من فترات حياتهم، خاصة في فترة المراهقة، وهذا يؤكد أن هناك بعض العوامل البيولوجية المسئولة عن هذا الأمر، سواء الجينية أو الكيميائية (مثل وجود اضطراب في مستوى الهرمونات الجنسية).

إلا أن هذا الاستعداد العضوي لا يكفي وحده لإحداث هذا المرض، ولا يعني أنه يجبر الإنسان على ممارسة الخطأ أو يعفيه من المسئولية إذا ارتكب سلوكًا منحرفًا جراء هذه المشاعر، ولا يجرده من الاختيار، وكثيرًا ما ينجح الإنسان بالتقوى والصبر والعزيمة في التغلب عليها وعلاجها، وعدم ممارسة السلوك الشاذ.

ولتحمد الله –عز وجل– أنك حتى الآن لم تمارس تلك الممارسة الشاذة حقيقة، والأمر عندك لم يتعد مرحلة الميل والتفكير والبحث.

ودعني أطرح عليك بعض الأمور العملية التي أحسبها تساهم إن شاء الله في حل المشكلة لديك، ولكن تذكر أن كل ما سأقوله لن يفيدك إلا إذا كانت لديك القناعة التامة بحرمة وقبح هذه الميول، ثم النية الحقيقية للعلاج، والدأب والمثابرة والصبر، وتشجيع نفسك باستمرار على اتخاذ الوسائل العلاجية، وهذا ما لمسته فيك.

ولتعلم أخي أن الذين يرغبون في العلاج من هذه المشاعر الشاذة بدافع ديني لعلمهم بحرمته وعقابه الدنيوي والأخروي، ينجح العلاج معهم، أما الذين يرغبون في العلاج لأسباب أخرى لا ينجح معهم العلاج ولا يصبرون عليه، فأخلص نيتك لله عز وجل، يعنك ويشد عزيمتك “والَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وإنَّ اللَّهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ” [العنكبوت: 69].

من الأمور العملية المساعدة على العلاج:

– من الضروري –أولاً- أن تلجأ إلى طبيب نفسي موثوق به في بلدك، وتعرض عليه حالتك بمنتهى الصراحة والوضوح، ولا تكتفي بالقراءة، أو الاستشارة من على بعد، فالأمر يحتاج لتحليل نفسي، وبعض الإجراءات المباشرة، التي لا يستطيع أحد أن يفعلها معك إلا طبيب نفسي يتعامل معك ومع حالتك بشكل دقيق ومباشر، وهذا يوفر عليك الوقت والجهد، ويقصِّر الطريق، ويسرع بالشفاء.

– المسارعة في الزواج، فهو أفضل ما يعينك على التخلص من تلك الميول الشاذة المنحرفة، ويفتح المجال للإشباع الجنسي الفطري والحلال، فاستعد له وسر في طريق إتمامه بأسرع وقت. والنبي صلى الله عليه وسلم يطمئنك بقوله: “ثلاثة حق على الله عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف” [رواه الترمذي]، فاستحضر نية العفاف يعفك الله عز وجل ويعينك.

– مطالعة النصوص الشرعية من آيات وأحاديث، التي تؤثم هذه الميول والعلاقات الشاذة، وتبين عاقبتها المخزية في الدنيا والآخرة، فإن هذا مما يزيدك ثباتًا وإصرارًا على العلاج.

– تعهد إيمانك دائما، فهو العاصم لك من الوقوع في المعصية، وذكِّر نفسك من حين لآخر بحقارة هذه الفاحشة، وآثارها الدنيوية والأخروية، وعقوبتها المغلطة عند الله عز وجل.

– دوام الدعاء إلى الله عز وجل، وتحري الأوقات الفاضلة في ذلك، أن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتك على إيمانك وطاعتك، وأن ينزع من قلبك حب هذه الفاحشة والتفكير فيها، وإياك أن تستبطئ الإجابة أخي أو تمل من الدعاء، فالله يستجيب للعبد ما لم يعجل وما لم يقل: “دعوت فلم يستجب لي”.

– ابتعد تماما عن الأسباب التي تهيج فيك هذه الشهوة الممقوتة، وتذكرك بها، مثل إطلاق البصر للمحرمات، أو قراءة الكتب والمجلات الهابطة، أو مشاهدة القنوات الخليعة، أو الخلوة بأحد ممن يمكن عمل هذه الفاحشة معهم، ولو أدى الأمر إلى اعتزالهم والبعد عنهم.

وفي هذا السياق أجد أنه لا داعي لمصارحة صديقك بهذه الميول الشاذة نحوه فتفتنه، فحتى لو تفهم الأمر ظاهريًّا، ولم يبادلك هذا الشعور وهذا الميل، فلن تسلم من نظراته وتفكيره السيئ، والمصارحة لن تفيد، فإن لم تستطع أن تطبع علاقتك معه، وتصرف أفكارك هذه نحوه، فهجره أفضل وأسلم حفاظًا على دينك ودينه.

– احرص على شغل نفسك بالنافع والمفيد، بحيث لا تبقي لها جهدا أو وقتا للتفكير في الحرام، فلتمارس هواية نافعة، أو رياضة ما، أو تقوم بعمل اجتماعي ما، أو تحضر دروس العلم أو تستمع إليها، أو تقرأ في العلوم المفيدة دينيا أو دنيويا، أو تذكر الله عز وجل بلسانك مستحضرا جلاله في قلبك، فالنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.

– احرص على الإكثار من الصيام حسب الاستطاعة، فهو وقاية وحماية لك، كما أخبر الحبيب صلى الله عليه وسلم.

– احرص على الصحبة الصالحة التي تذكرك بالله عز وجل، وتصبرك على الطاعة والعفة، وتجنب مصاحبة العصاة والفساق والغافلين الذين يزينون لك المعصية ويشجعونك عليها، يقول عز وجل: “واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” [الكهف: 28].

– لو حدث -لا قدر الله- ووقعت في المعصية حين غفلة، فإياك أن تتمادى، بل سارع إلى التوبة والاستغفار، حتى تكون ممن قال الله عز وجل فيهم: “والَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ومَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا اللَّهُ ولَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وهُمْ يَعْلَمُونَ. أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ونِعْمَ أَجْرُ العَامِلِينَ” [آل عمران: 135، 136].

وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يحفظك ويصونك، وأن يقوي همتك وعزيمتك، ويثبتك على الحق والخير، وأن يصرف عنك السوء والفحشاء، إنه سبحانه وتعالى على ما يشاء قدير.
المصدر: موقع استشارات