صادروا الرسوم المتحركة قبل الأفلام الإباحية لكي لا يمارس أطفالكم الجنس !

كانت ترتجف كمن أصيبت بصاعقة كهربائية وهي تقص علي حكاية ابنها الذي تعرض للتحرش الجنسي، ثم الممارسة الجنسية غير الكاملة مع زميله في المدرسة، فلما سألتها عن عمره، تفاجأت بأنه لم يتجاوز الثانية عشرة، لم تكن هذه هي الحالة الوحيدة التي صادفتها في عالمنا العربي بعد نصف عودة من المهجر، فعداك عن تحرشات المعلمين بالأطفال، وتصويرهم على أجهزتهم الخلوية الخاصة، بعد أن يحرضوهم على خلع ملابسهم والقيام بحركات مخلة لا يفهمونها تحت ستار الترفيه، فإن جرائم الجنس التي ترتكب في أماكن قضاء الحاجة في المدارس ليست هينة، ولا تلقي الإدارات المدرسية لها بالا، بل تتغاضى عنها قصدا، ليس منعا للحرج أو الفضيحة فقط بقدر ما هي أسباب عنصرية، وواسطات، ولفلفة قضايا خطيرة وكبيرة لحماية مصالح الأقزام، تتواطأ معها وتتستر عليها بعض الجهات الرسمية مرتكبة جرائم أكثر خطورة باسم القانون!

حاولنا الوقوف – قدر الإمكان – بعد سنوات من البحث، على أسباب هذه الانتهاكات، وتفشي هذه الظاهرة المسكوت عنها، وهنا كانت المفاجأة!

عدد لا يستهان به من هؤلاء الأطفال يقومون بتصوير مشاهد مخلة وعري وإيحاءات جنسية صريحة من مسلسلات كرتون على هواتفهم الخلوية، ويتداولونها في المدرسة في ما بينهم، فهل قلت مسلسلات كرتون؟

بذاءة كوميدية شريرة

نعم إنها كذلك… أحدثكم عن برامج كرتون صممت خصيصا للأطفال، تبثها قناتا boomerang و Cartoon Network الإنكليزية والعربية، أحدثكم عن رسوم متحركة تروج للقبلات الفموية، وتدعو للبلاهة والضحك الرخيص غير الهادف لا من الناحية الترفيهية ولا الأخلاقية ولا الثقافية، تستخدم إيحاءات جنسية فاضحة صريحة مباشرة أو غير مباشرة، وعنفا وأساليب كيدية، ونماذج كرتونية تقوم بإحاكة وفبركة الحدث بتفنن فظيع بالكذب والأحابيل الشريرة، كما تجده جليا في Looney Tunes مغرقة باستخدام العنف اللفظي والعبارات البذيئة، والمشاهد المربكة والمشوشة، والمواقف المفتعلة المبالغ بها خاصة في نطاق العلاقات الأسرية التي تقوض المفاهيم والمبادئ الأخلاقية بحيث تنزل الأبوين كما في The Amazing World Of Gumball والمعلمين في المدرسة مثل Horrid Henry إلى مرتبة دنيئة توظفهم بها لنمط تجاري يحرف أنماطنا السلوكية عن بوصلتها فيجعل من الأم والأب والمدرس أو المدرسة مادة للسخرية يقلل من احترامهم وقدرهم، ويشوه القيم وبهذا تستثير فضول الطفل وتجذبه وتسلخه عن واقعه فتنوم عقله مغناطيسيا، وهي تدغدغ عواطفه، وتغرقه في قهقهات مدوية تجره إلى التعود على هذا النمط الرخيص من الكوميديا الترفيهية المنحلة والمشوهة .

«ديزني» إباحي بتمويل إسلامي

أحدثكم عن أفلام «ديزني» للأطفال، التي تعج بها محلات بيع الأقراص المدمجة والمرخصة من الجهات الرسمية، أحدثكم عن عالم الطفولة الذي خدشوه وشوهوا براءته ، أحدثكم عن عمليات صهر للوعي وتجريد تام من الموروث الأخلاقي في نظمنا الاجتماعية التي تراعي الحياء والعفة والشرائع الدينية، أحدثكم عن قنوات فضائية عربية حتى النخاع لا بل ومسلمة، بطاقمها وتمويلها وقمرها الصناعي، ومركز بثها الإعلانية، والمشرفين على دوراتها البرامجية، وصفحات تواصلها الاجتماعية، تتفنن بدبلجة عروض كرتونية تعج بالمؤخرات العارية، والقبلات الفرنسية بألسنة وبلا ألسنة، بكل ما يخطر على بالك من فجور ومهازل أخلاقية مقززة، وتعري متعمد وخلع ملابس داخلية على الملأ بحجة الإضحاك والتسلية فأي عهر بعد هذا يا إلهي؟

الخطر في بيوتكم وفي أرحام نسائكم ما دام الجيل القادم ينتظر رسوما يمارس أبطالها الكرتونيون الجنس فوق شطآن العراة… فويحكم ماذا تنتظرون؟

فخاخ قانونية

إن كانت أهم مبادئ اتفاقية حقوق الطفل الصادرة في عام 1989 تضافر الجهود من أجل المصلحة الفضلى للطفل ووضع حقوق تتلاءم مع الكرامة الإنسانية له وتطويره وتنميته، فإن في المتاجرة بمتعته وترفيهه على حساب سلوكه ما يجرم كل من لا يطبقون المواد الخاضعة لتلك الاتفاقية. وهذه أسبابنا :

أولاً: المادة 16 من قانون حقوق الطفل تجرم انتهاك حرمات المنازل وحياة الأطفال الخاصة لم تجد في كل تلك البرامج ما يخل بحرمة البيوت، وخاصة في مجتمعاتنا العربية، أليس فيها اقتحام لملكوت الأطفال الذي فطر على البراءة والنقاء والعفة والحياء والخصوصية؟

ألا يوقع هذا الطفل في فخ الإدمان على البذاءة مما يصل في قانون العقوبات إلى مرتبة الإدمان على المخدرات تبعا للآثار المدمرة المترتبة عليه نفسيا وجسديا وأخلاقيا واجتماعيا؟ أليس في هذا الإصرار على عرض هذه النوعية اختطاف للطفل من منظومته الأخلاقية التي تربى عليها؟ مما يضيف جرائم أخرى تندرج تحت بندين آخرين يتعلقان بالاختطاف والإدمان.. وكله يدخل في باب الانتهاك المباشر وغير المباشر.

ثانياً: المادة 17: على الدولة أن تضمن حصول الأطفال على المعلومات والمواد الإعلامية من مصادر مختلفة وأن تشجع وسائل الإعلام على نشر المعلومات ذات الفائدة الاجتماعية والثقافية للطفل وحمايته من المواد الإعلامية الضارة … فأين هي الإجراءات القانونية التي نحاكم بها من يخالفون هذا بكل وقاحة بلا ضمير ولا رادع قانوني!

ثالثاً: إن اعتبرنا أن واجب الدولة كما في المادة 18 من هذه الاتفاقية مساعدة الوالدين على تربية الأبناء بتوفير الجو الملائم والدعم ليس فقط المادي بل الرسمي، الذي يكفل حمايتهم من الاستغلال الجنسي أو الاعتداء والبغاء المنظم كما في المادة 34، فإن تغاضي الدول عن هذه البرامج القذرة يضعها أمام جرمين خطيرين باختراق المادتين المذكورتين، واستسلام الأهل لهذا التقصير ومجاراتهم للموضة الإعلامية الرائجة لا يقل جرما، لأن كل ما شرحته بغاء واعتداء جنسي على الأطفال قوامه استغلال غرائزهم وإثارتها بمواد إباحية تخدر طاقتهم الإيجابية وتدفعهم لخوض تجارب مهينة لبراءتهم وعمرهم ووعيهم مما يعني أنها تشجعهم على ممارسة بغاء أعمى بلا معرفة ولا إدراك لمجرد التقليد والانسياق وراء حاسة الفضول. وهذا أفظع من الاعتداء وأقذر!

رابعاًإن كان الإعلام يدخل في مجال التعليم، فإنه حسب المادة 29 عليه أن ينمي مواهب الأطفال وقدراتهم العقلية والجسدية، وهو ما لا يمكن أن يحدث إن واظبت الرقابة على ترخيص هذه السموم التي لا تطبق المادة 36 فلا تكفل الحماية من جميع أنواع الاستغلال وأشكاله، بالتالي تنافي نص المادة 35 الذي يحظر المتاجرة بالأطفال وإساءة معاملتهم، فماذا بعد؟

من دور العبادة إلى دور الدعارة

عندما تصل نسبة الأطفال في مجتمعاتنا إلى ما يقارب 43 % من معدلات الفئات العمرية، ونسبة اهتمامنا بالمنتوج الثقافي والإعلامي لهم تصل إلى دون الدرك الأسفل مقارنة مع نسبة الأطفال الأقل في المجتمعات الغربية ومعدلات الإنتاج الثقافية والتوعوية الضخمة جدا الخاصة بهم وحدهم، فهذا يعني أننا شركاء بالجريمة، ليس جهلا بل بوعي تام ولامبالاة مفرطة… ومطاطية مصابة بالتخمة والكسل والغباء والجلافة.

إن اعتبرنا أن إعلام الطفل عليه أن يحفز الحس الجمالي وينميه، ويشذبه، كما يفترض، فإن ما نراه من تشويه وتفكيك للمعايير السامية ما يرعب من مستقبل يربي أطفالنا على عادات محرمة وضارة صحيا ونفسيا، دون تثقيف أو توعية جنسية تليق بعمرهم وبخطورة ما يعرض عليهم ويتلقونه مجبرين، لأنهم ينتمون إلى مجتمعات استهلاكية لا تنتج ولا تفكر، كل ما يهمها أن تفرض أنماطها السلوكية بالقمع والتخويف لأنها مرعوبة من ثقافة العيب والحرام والعار، في ذات الوقت تؤدي فروضها في المساجد طيلة النهار، وبعد صلاة العشاء بقفزة واحدة تنط من الجنة إلى الجحيم، تخرج من دارالعبادة لتدخل دارا للدعارة

العقاب بالتعرية

ردود أفعال لم نعهدها في أبنائنا من قبل، نراهم يجنحون إلى القسوة والعنف بعيدا عن رقة القلب وسمو العاطفة، نعود إلى مجتمعاتنا العربية من منافينا الغريبة، لنفاجأ بما هربنا منه في غربتنا… انظر إلى ارتفاع معدلات الجريمة، إلى حالات الشذوذ التي أصبحت عادية تعيش بيننا ونتعود عليها كأنها موضة حضارية… نماذج أنانية، صراعات رخيصة، انسلاخ وعزلة ثقافية وفقدان هوية، في حين يخصص تلفزيون (Cbeebies) البريطاني برامجه للتثقيف والترفيه والتسلية وتنمية المواهب وتعليم آداب التعامل والصداقة والترابط الأسري والتخيل والإبداع والمرح وعلم الطبيعة والحيوان والطبخ والفضاء والرسم والضحك الهادف الذي يوظف شخصية «Mr Tumble» للتعاطى مع الأطفال المعاقين وإدماج المجتمع معهم، فماذا نرتكب نحن بحق أطفالنا؟

قبل أن نحاكم من يقوم ببث هذه الأمور علينا إغلاق كل هذه المحطات بالشمع الأحمر، واقتياد طاقمها إلى شرطة الآداب، ورفع دعاوى جماعية للقضاء والمحاكمة الدولية إن تواطأ قضاؤنا معهم، واللجوء المنظم المدروس قانونيا لمنظمات حقوق الإنسان والطفل، حول العالم، والخروج إلى الشوارع والساحات العامة، مطالبين بتعريتهم في الميادين وعلى الملأ، فهل أكتفي أم أزيد؟!

لينا أبو بكر

المصدر: القدس العربي