الاستغلال الجنسي في الإعلام
إن الثقافة البشرية قد أسست على أسس مفهوم حرية الإرادة أو الاعتقاد، فكل الأفراد باستطاعتهم وعبر وعيهم الإرادي، أن يحددوا لأنفسهم قيمهم الأخلاقية واهتماماتهم السياسية والاقتصادية والمحيط الاجتماعي، إلا أن وسائل الإعلام والاتصال، خلقت ما يسمى بتقنية الاستيلاء اللا وعي وقد قامت بإفساد حرية الإرادة، وخصخصته من أجل مصلحة نظام اقتصادي فعّال موجه من قبل التجارة إلى المستهلك ربما من الصعب لكم أن تصدقوا أن هذه التقنية السرية التي خلقت، والتي انتشرت بشكل واسع واستخدمت لسنوات تقوم بالسيطرة على السلوك بشكل غير مرئي، وتقوم على حصر كل الاهتمام لصالح قنوات وفئات، هناك براهين وأدلة على ذلك تثبت بلا شك أن هناك أوقاتا تسلب فيها إرادتك ويتم توجهيها عن بعد بواسطة تقنيات سرية تستعمل الإيحاء بشكل عملي متقن، هذه التقنيات السرية قد جند لها كوادر من المتخصصين، إعلاميين وأطباء في علم النفس والاجتماع، وكذلك باحثين في السلوك البشري والعقل الباطن، مؤسسات لتوجيه الآراء لمؤسسات للإحصاء الديموغرافي بعينها، كل هؤلاء هم تابعون لهذه المؤسسات الإعلامية التي تعمل جنبا إلى جنب مع الشركات الكبرى للإنتاج الاستهلاكي.
في قنواتنا العربية هناك الكثير من الإعلانات فيما يخص مواد التنظيف كالشامبو والصابون ومواد التجميل وإصلاح البشرة، وكذلك العطور والملابس والطعام وغيرها من المنتجات الاستهلاكية ولا تتعدى مدة الإعلان في أحيان كثيرة، ثلاثون ثانية، لكن هذه الثواني القليلة، كفيلة بان تسيطر عليك وتوجهك، وبسبب إعادة الإعلان المتكررة، واحتفاظ العقل الباطن بنسخة من تلك المواد المرئية سيصبح الأمر عندك كعادة التدخين مثلا أو شرب الخمر، إلا إن خطورة هذه الإعلانات، هي في التقنية التي تستعملها، إنها الإيحاءات الجنسية التي تعتمد في كثير من الأحيان على الإيحاء اللا شعوري، هناك إعلانات في قنوات فضائية عربية مثلا عن كريم بشرة معروف تم اختيار الفتاة لتكون فاتنة، وتم اختيار لباس الرجل ليتوافق مع المنتج لقد كانت ترتدي فستانا قصيرا بدأت في دهن جسده مبتدئة بذراعيه، وعندما وصلت إلى رجليه تم توظيف الإيحاء الجنسي اللا شعوري، وذلك عند جلوسه وظهور مفاتن ساقيها وتعريها في اقل من ثانية، نعم لقد تم توظيف هذا الإيحاء، وبعد الاستمرار من مشاهدة هذا الإعلان لعدة مرات ستتوضح الصورة التي تم تخزينها في العقل الباطن لدينا، لا يتوقف ذلك الإعلان في تلك المرحلة، بل إنه يتطور الرجل المفترض أن يكون الزوج كان في تلك اللحظة ينظر في الساعة لتأتي تلك المرأة والمفترض أن تكون الزوجة من ورائه وتقوم بنزع ساعته ويبدأ هو في شم رائحته، والمفترض أن تكون رائحة الكريم، الرسالة وصلت والمستهدف هنا في هذا الإعلان هو المرأة هناك أمثلة كثيرة على الإيحاء الجنسي في إعلاناتنا العربية، وهي كلها من الإعلانات الغربية او تم اقتباس الكثير منها.
وأنت تعبر الشارع المزدحم الملئ بالمحلات التجارية، وفجأة وجدت نفسك أمام أحد الأكشاك التي تبيع المجلات والصحف، لمحة صورة على احدى المجلات أو الصحف المتخصصة في الفضائح، فألحت عليك نفسك وتمكنت منك لمعرفة تفاصيل تلك الصورة أو الخبر عن فضيحة دخلت عند صاحب الكشك واشتريت تلك الصحيفة أو المجلة التي اجتاحت انتباهك.
ماذا حدث لك؟ لم تكن في الواقع تريد أن تشتري تلك المجلة أو الصحيفة، لكنك اشتريتها أليس كذلك،
إن توظيف الصورة يلعب دورا مهما في المجلات والصحف التي تهتم بالفضائح، لان صورة واحدة تكفي لتشرح لك الخبر كله.
هناك مجلات وصحف عربية وظفت الصورة للسيطرة على عقل المستهلك وتوجيهه كما تريد، نأخذ مثالا مجلات وصحف عربية على إبراز صور فتيات مراهقات شبه عاريات، وقد ظهرت مفاتنهن بشكل ملفت للنظر، ولأنها وجهت لفئة معينة من الناس، فهي تهتم بالشباب والفتيات والمراهقين، من ضمن ما جاء في تلك الصحف تعليمات وتوجيهات ومواضيع عن الحب والغرام والهيام، كيف تصبح الفتاة فاتنة؟، مواد التجميل التي ينصح بها الأطباء والمتخصصين في التجميل طرق تكتشف بها الفتاة أنها وقعت في الحب المشاكل العاطفية وحلولها، قصص عن الفنانات والمشاهير وحياتهم ومشاكلهن المادية والعاطفية صور شبه عاريه لبعضهن.
كل هذا نجده في المجلات والصحف، ومنها للأسف ما تخصص في سرد قصص الاغتصاب والفضائح الجنسية، وقد قاموا بحبكة تلك القصص على شكل روايات «ايورسيه»، والقريبة من التشخيص الايروتيكي وغيرها من الأمور التي تتنافى مع مبادئ حرية الإعلام والصحافة.
هل المرأة واعية بما يدور حولها ومن استغلال لجسدها ؟ إن جسد المرأة هو ما يهم وسائل الإعلام المجرمة وليس شخصها، ودليل على ذلك أن من الفتيات المراهقات يتم كشف عوراتهم يوميا من خلال الإعلان وتجريدهم من الأخلاق والقيم الإنسانية، لقد أصبحت المرأة بنسبة لهؤلاء مجرد أداة للاستغلال الإعلاني لمختلف السلع والمواد حتى وان كانت هذه الأخيرة لا تمت للمرأة بأي صلة شيء مؤسف أن تتحول المرأة من كائن إنساني إلى موضوع استهلاكي، ما أدى إلى تحويلها إلى موضوع أو أداة للجذب الاستهلاكي والمتعة البصرية، وموضوع لذة وإشباع للكبت الجنسي الذي يعاني منه شباب اليوم، والغريب في الأمر أن المرأة غير واعية بهذا، بل تساهم في إذلال نفسها وترويج جسدها من اجل الجري وراء الشهرة المزيفة وإظهار جمال فاتن وهمي، لأنه في جميع الأحوال لن يدوم فصارت كـ دمية في يد فئة من الإعلاميين المجرمين تتزين، وتعرض كماركة مسجلة، تقدم نفسها كجسد رخيص لا غير في جميع هذه الإعلانات يتم استغلال جزء من المرأة على حسب نوعية الإعلان، أتذكر جيدا انه منذ شهور تم افتتاح معرض للسيارات في أحد البلاد العربية، وقد شاهدت عبر الشاشة، ذلك المعرض وقد أصابتني الدهشة من هول ما رأيته فتيات في عمر الزهور قد تم تجريدهن من ملابسهن وعرضهن على المارة بهدف الترويج لأصحاب تلك السيارات مقابل بضعة آلاف من حطام الدنيا، نعم لقد حققت المرأة انتصارا كاسحا على الرجل كما أنها قامت بنفيه من هذا الميدان.
هذا حال المرأة في عصرنا الحالي، تخلت عن جميع أدوارها المتمثلة في التربية والإنتاج.. واقتصر دورها في هذا المجال على جسد مغر لعرض منتج ما.
الكاتب: د. محمد الشرقاوي
المصدر: الجريدة الكويتية