د.محمد الثويني: استمع لابنك المراهق لحظة تكسبه عمراً كاملاً

مرحلة المراهقة من أصعب المراحل الحرجة في حياة أبنائنا وبناتنا وتزيد صعوبتها أكثر بانتشار التكنولوجيا الجديدة والغزو الفكري والعادات الغريبة الدخيلة على أبنائنا، فكيف نروض هذا الحصان الجامح بالقسوة أم باللين؟ هذا ما يوضحه لنا الخبير في مجال التربية والمراهقة والشباب د.محمد الثويني من خلال تلك السطور.
كسب الثقة
عرف لنا ما هو الإبداع في التواصل؟
٭ هو قرار جاد في التغيير نحو القدرة على كسب ثقة المراهقين من الفتيان والفتيات يتخذه المربي ولا يقوى عليه المعلم ويعجز عنه المؤدي.
مرحلة المراهقة
متى تبدأ مرحلة تكوين الشخصية؟ وماذا يحتاجون فيها؟
٭ تبدأ مع مرحلة المراهقة من 6 سنوات الى 21 سنة، ويحتاجون الى 5 قوانين يتبعها الوالدان لتساعدهما في التواصل مع أبنائهما بسهولة وإبداع وهي: الكفاية الذاتية نجاح والاعتمادية فشل، وتجنب القسوة والدلال، وأيضا التعرض لجميع مجالات الإبداع، وتعلم بذور العلم لأنها حبل النجاة، واستخدام الأسلوب الصحيح في تربيتهم.
التقدير
ما عناصر تقدير شخصية المراهق؟
٭ التقدير هو بداية الفهم والمراعاة ثم اعطاء الكثير من الوقت لأبنائنا، أما عناصر هذا التقدير فهي أولا: افهمني، وهو مطلب مهم جدا فعلى الوالدين ان يفهما طبيعة المرحلة التي يمر بها المراهق وما يحدث فيها من تغيرات جسمية ونفسية كالاحتلام وتدور الأنف والطمث وتغير الصوت وظهور حب الشباب. ثانيا «راعني» حيث يتوجب على الوالدين مراعاة وتقدير أوضاع ابنهما المراهق بل احترام نفسيته وسرعة تبدلها من حال الى حال، فهي الآن في مرحلة المضادات وتتحكم المزاجية في تصرفاته، ولا تعني المراعاة التغاضي عن الأخطاء والسكوت عنها، أما تقدير «انتظرني» فيجب تحلي الوالدين بالصبر وطول البال في تعاملهما مع المراهق واعطائه الفرصة في التعبير عما يريد والإنصات له والاستماع اليه وعدم استعجاله مهما طال حديثه فهو فرصة كبيرة متاحة للوالدين للتعرف على تفاصيل مهمة قد تحدث معه بالاضافة الى انها تعرفهم بأصدقائه أكثر أو تعطي للوالدين فكرة عن سلوكه في الخارج.
أما عنصر «شوقني» لتقدير شخصية المراهق فنجد ان طبيعة مهام الوالدين نحو أبنائهما والتي تعتمد على المراقبة والمحاسبة تجعل علاقة الابن بالآباء رسمية بعيدة عن التشويق والإثارة والسرور، ومع تعدد المسؤوليات وضيق الوقت ينجرف الأبناء وراء المشوقات الموجودة حولهم مثل «التلفزيون، التسوق، الإنترنت، الأصدقاء، الزيارات»، فيقل انتماؤهم للمنزل ويبحثون عن قدوة خارجية تدخل الفرحة أو المرح الى قلوبهم تشبع حاجاتهم النفسية.
ثلاثة أقسام
هل هناك أقسام لإدارة بيت الأسرة؟
٭ نعم هناك 3 أقسام لإدارة بيت الأسرة أولها، الادارة الفندقية وهي التي تفتقر لأي نوع من الإثارة وعنصر الجذب والتواصل حيث يوفر الوالدان لأبنائهما كل ما يحتاجون اليه من وسائل الراحة والترفيه داخل وخارج المنزل دون تواصل بينهم (كالادارات الفندقية والخدمات) كما انها تفتقر الى المحاسبة بين الوالدين وأولادهما فيتصرف الأبناء بحرية دون رادع أو محاسب كالهروب من المدرسة، التدخين، التصرفات الطائشة، فتكون درجة تعرضهم للخطر أكبر ووقوعهم في الهاوية أسرع.
إدارة تربوية
أما القسم الثاني لإدارة بيت الأسرة فيتمثل في الادارة التربوية والتي يعتمد أسلوبها على الخدمات الفندقية لكن باختلاف بسيط وهو ان يكون اشراف الأم بشكل سطحي على أفراد الأسرة دون معايشة وتواصل كأن تشرف على عمل الخدم وتتواجد في البيت لكي تسأل عن احتياجاتهم فقط فيشعر المراهق بحبها لكن هذا الحب والاهتمام غير كاف لجذبه الى داخل المنزل ويجد متعته وقدوته خارج أسرته ومنزله لذلك تنخفض فرص انحراف أبناء هذه الأسرة ذوات الادارة التربوية الى 50%.
أما الادارة الأسرية والتي تعتمد في أساسها على الحب والحنان والحوار والمشاورة بين أفرادها مما يضيف جوا من التجاذب والتشويق والإثارة وارتباط الابن المراهق ارتباطا قويا بالأسرة، لأنها ستستوعبه في جميع حالاته وتساعده على تفريغ ما بداخله من مشاعر سواء غضب أو حب أو كراهية فيجد داخل هذه الأسرة جميع احتياجاته التي تغنيه عن البحث عنها في الخارج مثال لذلك، تستطيع الأم بجلسة بسيطة مع ابنها المراهق ان تتحدث معه بلطف تمسح على رأسه وتمدحه وتضمه الى صدرها وتغدق عليه بالحب والحنان، ليفرغ ما بداخله ويتحدث عما في نفسه ومع التكرار سيتعود على هذه اللمسات الحانية، بل ويطالبك بالجلوس للتحدث والمشاورة، مما يقلل فرص الانحراف والتصرفات السلبية بالنسبة لأبناء هذه الأسرة.
حواس التشويق
وما الطريقة المثلى لكي نشوق أبناءنا؟
٭ الطريقة هي استخدام الحواس الخمس في اثارة الأبناء وتشويقهم، فمثلا عندما تقول الأم لابنها (أنا أحبك) فقط ثم تذهب فلن يكون لهذه الكلمة أي تأثير في نفس المراهق، لكن لو استخدمت الأم حواسها الخمس في التعبير عن حبها لابنها فسينغرس في قلبه وعقله هذا الحب ويشعر به فعلا، فتنظر لعينيه مباشرة وتمسح بيدها على رأسه وتقبله على خده ثم تضمه الى صدرها وتشم رائحته وتمدحه بلسانها، فاستخدام الوالدين لحواسهما الخمس في التعامل مع أبنائهما يجعل أسلوبهما أكثر تشويقا واثارة من أي مؤثر حول المراهق.
مهارات لازمة
ما سبل الوصول إلى إبداع التواصل من الوالدين للأبناء؟
٭ هناك مهارات يمكن أن يطبقها الوالدان للوصول الى الإبداع في التواصل بمرونة وسهولة مع المراهق، وهي عدم التدخل في نوعية أصدقاء الابن، إلا إذا كانت هناك معرفة تامة بهم، وعليهما أن يجدا البديل لهؤلاء الأصدقاء.
فلا يتعد الوالدان على حق ابنهما في اختيار أصدقائه، بل يعطيانه المفاهيم والمعايير الصحيحة في كيفية اختيار الأصدقاء ثم تترك له مساحة من الحرية للمصادقة، أما عن إيجاد البديل، فعلى الوالدين توضيح المعايير للابن، فمثلا يقول له الأب: يجب أن يكون صديقك بارا بوالديه، ملتزما بصلاته، مؤمنا، صادقا، يتصف بالأخلاق الحسنة أو أن أجعله يصاحب مجموعات وليس أفرادا، لأن المجموعة فيها تنوع فيصبح الاختيار أكبر، لذلك لابد من منح الابن الحرية في اختيار أصدقائه، لكن ضمن معايير ومفاهيم أبينها له دون أن أفرضها عليه، بل أدعه يجرب بقلبه وعقله ويعايشها عن اقتناع.
استخدام القصة
ومن طرق الإبداع أيضا في التواصل مع الأبناء استخدام القصة والرواية في الحوار لتجمع بين العقل والقلب، فالقصص من أكثر الأساليب الناجحة في جذب انتباه المراهق وتشويقه، لكن بشرط أن يجيد الوالدان أسلوب الحوار ويستخدما الوسيلة الصحيحة في رواية القصة، فمثلا عند رواية القصة يجب مراعاة الجلوس في مستوى الابن، سواء على الأرض أو التمدد على السرير، والابتعاد عن الأسلوب الجامد واستخدام أسلوب التشويق، مثلا «غدا نكمل القصة» والصدق في الوعد كي لا يتعلم الأبناء الكذب منك، لأن الكذب يكتسب من السلوك العام، وأيضا لابد من اختيار الوسيلة الصحيحة، بحيث يختار الوالدان ما يناسب ميول الأبناء من قصص دينية، مغامرات، اجتماعية.. إلخ، ويهدف استخدام أسلوب القصة والرواية الى توصيل المفاهيم والتصرفات التي يريدها الوالدان من أبنائهما بطريقة غير مباشرة.
الاستماع للأبناء
ما أسوأ المواقف التي يواجهها المراهق من والديه؟
٭ عدم الاستماع الى المراهق أو إظهار الاهتمام بحديثه يعد من أسوأ المواقف التي يواجهها المراهق من والديه، ويمكن للوالدين تجنب ذلك بالاستماع له حتى لو كانا مشغولين كأن يقول مثلا: أنا مشغول الآن هل من الممكن أن نتحدث لاحقا، أو تحدث باختصار شديد ثم نجلس في وقت لاحق لنتحدث مطولا، أو تحدد له موعدا خاصا به، فالانشغال هو حق، لكن دون أن يقطع العلاقة بين الوالدين وأبنائهما، كما أن المراهق حساس جدا في هذه المرحلة ويميل الى المقارنة بين أسلوب تعامل والديه له، أسلوب تعامل والدي صديقه مع ابنهما، فلا تدفعوا أبناءكم لهذا الأسلوب واستمعوا لهم حتى وأنتم مشغولون.
إصدار الأحكام
بعض الأسر تستخدم أسلوب الأوامر والأحكام مع أبنائها المراهقين.. فما تعليقكم؟
٭ توجيه الأوامر مثل اذهب، لا تذهب، عيب، لا تتكلم، صح، خطأ دون حوار أو مناقشة أو قبول أي اعتراض فقط سياسة إصدار أحكام وأوامر والمطلوب من الأبناء التنفيذ فقط، مما ينتج عنه أبناء كذابون، غشاشون، لا يملكون ثقة بأنفسهم ولا شخصية لهم، لكن الأسلوب الصحيح هو اتهام سلوك الابن لا ذاته، وإبداء حسن الظن، وإذا أخطأ ابنك أفهمه أنك تحبه، وهو ابنك الغالي، لكن سلوكه وتصرفه هو الخاطئ، وهو المتهم، فأنت بذلك تحترم وتقدر ذاته وتساعده على تصحيح سلوكه الخاطئ.
التفريق بين البنت والولد
هناك بعض أولياء الأمور يعطون الحرية الكاملة للابن، بينما تحرم البنت من أبسط حقوقها، ماذا تقول لهم؟
٭ هذه ظاهرة طغت على بعض المجتمعات، خاصة الخليجية، حيث يعطى الشاب حرية تامة في التصرفات والسلوكيات، ويعطى أكثر من حقوقه، بينما تحرم البنت من أبسط حقوقها كالخروج من المنزل أو التحدث بالهاتف أو التسويق، لذلك فإن الاعتدال والمساواة في التعامل مع الشاب والفتاة والتعامل مع البنت بأسلوب سوي وإعطائها الكثير من الحرية بما لا يخدش الحياء والخلق والشرف والعرف، سينشئ أبناء أسوياء، لأن الكبت يؤدي الى ما لا تحمد عقباه.
أخذ الرأي
يتبع بعض الأهل نمطية جافة في تحديد كل ما يتعلق بالأبناء دون أخذ رأيهم.. ما تعليقك؟
٭ هذا أسلوب يسبب ضغطا كبيرا على نفسية الأبناء، بالإضافة الى الضغوط التي يواجهونها بسبب التغيير الشكلي في الجسم (مظاهر البلوغ) والدراسة والعلاقات مع الأصدقاء، فلا يكون الآباء سببا في زيادة هذه الضغوط على أبنائهم، وعليهم أن يستخدموا سياسة التفريغ، فمثلا يمكن التخلص من ضغط الدراسة بتفريغه عن طريق اللعب أو أخذ راحة لفترة معينة أي لعب، دراسة، راحة، كما يجب ألا يقحم الوالدان لنفسيهما في خصوصيات الأبناء لأنهم يميلون في هذه المرحلة الى حب الذات ومحاسبتها، لذلك لا مانع من اختلائهم بأنفسهم قليلا وإغلاق باب الغرفة لأكثر من ساعتين، لكن ليس ليوم وليلة، فاحترام عزلة المراهق وحسن الظن باختلائه بنفسه يعززان من ثقته بنفسه وبوالديه، لكن إذا شك الوالدان أو ظنا بأمر سوء، فلابد من التدخل السريع مع الاستئذان.
كلمة أخيرة؟
٭ مرحلة المراهقة مرحلة حساسة جدا في حياة الأبناء وتتطلب من الآباء والأمهات اهتماما ومتابعة مستمرين، فكونوا مربين ناجحين لأبنائكم المراهقين، وحققوا المعادلة الصحيحة لحياة أسرية ناجحة وهي: مرونة + راحة + قبول = حياة أسرية ناجحة.
المصدر : جريدة الأنباء