هل صديقتي تعاني من الشذوذ ؟

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أرجو من أ. عائشة الحكمي الإجابة على تساؤلاتي إن أمكن لها ذلك،
أَودُّ إخباركم بقصتي باختصار: تعرَّفت إلى صديقة منذ زمن طويل، منذ دراستي بالمرحلة الثانوية قبل 8 أعوام، قد يظنُّ القارئ أن تلك المدةَ كافية لمعرفة شخصية الفرد، ومدى حدود علاقتك معه، لكن وضعي معها مختلف؛ ففي البداية سأخبركم بشخصيتي: أنا إنسانة اجتماعية، ومنطلقة، ومرحة، وصريحة إلى درجة كبيرة، وغالبًا ما أثير انتباهَ مَن حولي؛ بسبب شخصيتي تلك، وكثيرًا ما أُوصف بالغموض في الجانب العاطفي.

وفي المقابل: صديقتي إنسانة هادئة جدًّا، انطوائية، لا تحب التجمعات والأجواء الصاخبة، عاطفية إلى درجة كبيرة.

مع تناقض هاتين الشخصيتين اجتمعنا في دور الصداقة، والتي قضينا فيها أيامًا لا تُنسى؛ إلا أني بدأتُ أكتشف جانبَ الغموض من شخصيتها، وبدأت ألاحظ غيرتَها الشديدة عليَّ، والتي بدأتْ تزداد يومًا بعد يوم، وأحيانًا تعاملني معاملة العاشق للمعشوق، وبصراحة هذا لم يكن يقلقني كثيرًا؛ لأن هذا ما اعتدتُ عليه في مجتمع البنات هذه الأيام.

تمر بنا أيام نتشاجر ولأسباب تافهة، تثيرُها هي بدافع الغيرة والحب، أو لأسباب تقلُّبات في المزاج تعانيه، وقد تعاملني كأني عشيقتها، وهناك أيام نقضيها بسلام تحمل جوَّ الصداقة العادي، ولكن أكثر ما كان يقلقني عندما تُثار غريزتُها الجنسية في بعض الأحيان، وكانت تحاول أن تشبعها عن طريقي، وأنا بطبيعة الحال أتجنَّبها، وأتجاهل طلبها، أو بالرفض الصريح في بعض الأحيان، ولكن ذلك لم يُجدِ نفعًا.

لا أستطيع أن أحكم عليها بأنها إنسانة “مِثْلية”؛ لأنها في أوقات أخرى لا تتقبل هذا الموضوع عندما تسمعه من الغير، لم أفهم هذا التناقضَ الكبير في كل النواحي من شخصيتها الغامضة، وفي الوقت نفسه أحيانًا أفسر تصرُّفَها – كما يقولون – أنها تمشي وراء التيار، ما أقصده هو تيار الانحراف في جامعاتنا اليوم، حيث إنها تدرس في جامعة غير التي أدرس فيها.

كثيرًا من الأحيان أشعر بالأسى لحالها؛ فقد تطلب مني أن أشبعها عاطفيًّا، وأُشعِرها بالحنان، وأن أقوم بحضنها، وأنا بدوري أستخدم أسلوبي الهزلي السخيف؛ لأتهرب من الموضوع، بالرغم من أنني أعلم مدى حساسية هذا الموضوع، ومدى أهميته بالنسبة لها، ولكني أتجاهلها.

قد يكون تجاهلي لأسباب غريبة بعض الشيء، أنا في الحقيقة أخجل من ذلك، والأغرب من هذا: أنا أصلاً لا أجيد فن العناق العاطفي، وكثيرًا ما أشتاق لذلك منها، ولكني لا أتجرَّأ أن أطلب منها ذلك.

وبالرغم مما أعانيه، إلا أنني لا أنكر حبي الشديد لها، وقد يصل إلى ما يسمِّيه البعض عشقًا، ولكني بحكم غموض عاطفتي لا أُظهر هذا الشعور إلا نادرًا، وبطريقة هزلية، ولا أنكر أن وجودها بجانبي يدعمني نفسيًّا ومعنويًّا وعاطفيًّا، بل وبالعكس أنا إنسانة متفوقة – والحمد لله – ولم تؤثِّر صداقتي بها سلبًا، إلا أنه في بعض الأحيان يراودني إحساسٌ أخجل من التحدث به، أو تذكُّره حتى مع نفسي، كلُّ ما كانت تطلبه مني أتخيَّله في بعض الأحيان وهو يحدث بيننا، حتى بدأت أشك في أنني أعاني الشذوذ الجنسي، فهل هذا صحيح؟!

وفي إحدى تلك السنوات حدثتْ مشكلة بيننا لأسباب غير واضحة المعالم، ومنها تصرُّفاتها الغريبة في تناقض مشاعرها، وبذلك استخدمتُها كخطوة للابتعاد عنها؛ بدافع فكرة الابتعاد عن الرُّفقة السيئة؛ اعتقادًا مني بأني كنت مخطئة في اختياري لها صديقة لي، وانقطعنا مدةَ سنة دراسية كاملة، وحاولت طوال تلك الفترة نسيانَها، ونسيان الأيام الحلوة التي جمعتنا، وكانت أسوأ سنة في حياتي، كنتُ أشتاق إليها لحد الجنون، وأفتقدها كثيرًا، وافتقدت حنانها، ولمسة يديها الدافئتين اللتين طالما تُشعِراني بالأمان، ولكني حاولت تجاهل شعوري، ولازمت كبريائي طويلاً؛ بسبب ما كانت تحدثه من مشاكل، والذي كان سببُه الرئيس – على ما أعتقد – تناقُضَ شخصياتنا؛ مما أدَّى إلى صعوبة فهم المرء للآخر، وسوء التفاهم الذي يدب بيننا، ففي أي جدال أو نقاش يدور بيننا ينتهي بالفشل؛ لأنه ليس هناك لغة للحوار بيننا بحيث يفهم بعضنا بعضًا جيدًا.

وبعد أن عانيت كثيرًا بسبب شوقي لها، استخرت الله في أن يساندني في حيرتي: هل كانت صداقتي بها خيرًا لي أو لا؟ وشاء الله واجتمعنا مرة أخرى، وبشوق كبير من الطرفين، فعلمتُ أن الله سخر لي فيما هو خير لي، وبعد 5 خمسة أعوام على اجتماعنا، لا أود أن أخسرها مرة أخرى، ولا أود الهروب من مشكلة تصرُّفاتها المشبوهة تجاهي، والتي لا أستطيع السيطرة عليها.

أنا لا أودُّ توجيه نصيحة مباشرة لها؛ لأن ذلك لم يُجدِ نفعًا، ولكني أتمنى أن تساعدوني في استخدام سياسة حكيمة بأسلوب غير مباشر، لأوضح لها مدى خطورة الموضوع.

وأنا أيضًا أريد حلاًّ لأسلوبها المتقلِّب الغريب، والذي لم أستطع التعود عليه حتى الآن، فهي في بعض الأحيان تصبح عاطفية لدرجة يصعب التعامل معها، وكثيرًا ما تلومني بسبب إهمالي لها على حد قولها، وبعض الأيام الأخرى تصاب – كما يقال – ببرود عاطفي، وتصاب بجفاف قاتل، يصيبني بالإحباط، قد يصل إلى أن تقوم بمقاطعتي مدة طويلة لأسباب مجهولة، في كل مرة أعذرها من دون تفسير مسبق من قِبَلها، وأقول: إن الدنيا مشاغل، ولكني أتفاجأ في المقابل بعتابها الشديد لي، لا أعلم كيف تفسِّرون حالتي ووضعي معها، وبماذا تنصحونني؟
شكرًا.

الجواب
أ. عائشة الحكمي
أختي العزيزة، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أهلاً وسهلاً بكِ أختًا عزيزة، وشكرًا جزيلاً لثقتكِ الغالية، أرجو أن يتَّسع صدرُكِ لكلامي؛ فقد طلبتِ مشورتي، والمستشار مؤتمن.

أبدأ بسؤالكِ: هل تعاني صديقتي الشذوذ الجنسي؟
أول وهلة، مرَّ في خاطري أنَّ هذه التصرفات علامة من علامات الشذوذ الجنسي؛ لكن – وأُشهِد الله أني حين أردتُ أن أكتبها لكِ – طافت هذه الآية على خاطري: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23]، فاستغفرتُ الله أن أكون من هؤلاء.

فاعذريني رجاءً؛ فأنا لا أستطيع الحكم على صديقتك، مهما وصفتِ لي وأسهبتِ في الوصف؛ فأنتِ في الواقع تصفين شعورَكِ تجاهها وتجاه ما تشعرين به حيال تصرفاتها المشبوهة معكِ، وليس حقيقة شعورها تجاهكِ، ولكي أحكم عليها؛ يجب أن أستمع إليها وأقرأ لها، وما دامتْ أنها لم ولن تكتب لنا، فعلينا الحكم عليها بما تشعر به، وهو استهجانها للشذوذ وعدم تقبُّلها له: “في أوقات أخرى لا تتقبل هذا الموضوع عندما تسمعه من الغير”، وهذا ما يميل إليه قلبي حقيقةً؛ إذ ما أكثرَ الفتياتِ اللاتي يتصرفْنَ مثلها! ليس من باب الشذوذ، بقدر ما هو تعبير بأسلوب خاطئ عن احتياج عاطفي عاصف؛ نتيجة للتربية البيئية المبنية على الحرمان العاطفي منذ الطفولة.

على أية حال، دعيني أشرح لكِ حدود الشذوذ والسواء في العلاقات الإنسانية؛ لتوضيح المسألة:
تكون العلاقة بين الجنسين (الرجل والمرأة) سويةً في وجود الشهوة؛ قال – تعالى -: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران: 14]، فالشهوةُ هي التي تحرِّك الدافعَ الغريزي الذي ركَّبه الله في الإنسان؛ حفظًا للنوع، وتحقيقًا لحكمة الاستخلاف في الأرض، وتصبح هذه العلاقة شاذةً، إذا ادَّعى أو شعر أحدُهما أن العلاقة تفتقر إلى هذا العامل، كما هو الحال فيمن يدعي براءة الصداقات بين الجنسين؛ زعمًا أن الشهوة غير موجودة في مثل هذه العلاقات التي حرَّمها الشارع الحكيم؛ قال – تعالى – في وصف النساء المؤمنات المحصنات: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25]، وقال في وصف الرجال المؤمنين المحصنين: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} [المائدة: 5]، والمقصود بالأخدان في الآيتين: الأصدقاء والصديقات.

في حين تكون العلاقة بين اثنين من جنسٍ واحد (امرأة وامرأة، أو رجل ورجل) سويةً في غياب الشهوة، وشاذةً بتحركها؛ قال – تعالى -: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 80 – 82]، فهل لكِ أن تخبريني أنتِ ماهو مفهومكِ للشذوذ الجنسي؟!

هل هذا هو جوابك على تساؤلي: “تطلب مني أن أشبعها عاطفيًّا، وأُشعِرها بالحنان، وأن أقوم بحضنها”؟ هل أفهم من كلماتك أن كلَّ عناق بين اثنين – رجلين أو امرأتين – لديكِ، هو مؤشر على شذوذ جنسي؟

لكن ما ترفضينه وتعتبرينه شذوذًا – يا عزيزتي – هو ما تحتاجين إليه أنتِ أيضا! فها أنتِ تقولين: “الأغرب من هذا: أني أصلاً لا أجيد فن العناق العاطفي، وكثيرًا ما أشتاق لذلك منها، ولكني لا أتجرأ أن أطلب منها ذلك”، ولماذا لا تطلبين ذلك؟ “أنا في الحقيقة أخجل من ذلك”، تخجلين – يا أختي – لسبب يسيرٍ جدًّا، هو أنكِ لم تعتادي عليه في بيت أهلكِ، ولو اعتدتِ عليه لما شعرتِ بأن في الأمر شذوذًا، فالاحتياجُ العاطفي احتياجٌ طبيعي، وخصوصًا لدى المرأة، لكن الأهل يقصرون كثيرًا مع بناتهن في إشباع تلك العواطف المتأجِّجة في صغرهنَّ، فما تنفكُّ تلك العاطفة تلحُّ وتتقد، حتى تحترق في كِبَرهنَّ.

ومع هذا، يبقى للعناق والتقبيل آدابُهما بين الأصدقاء والإخوان والأخلاء؛ فعن أنس – رضي الله عنه – قال: “كان أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا تلاقَوْا تصافَحُوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا”؛ حسنه الألباني.

وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رجل: “يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه، أينحني له؟”، قال: ((لا))، قال: “أفيَلْتَزِمُه ويقبِّلُه؟”، قال: ((لا))، قال: “أفيأخذ بيده ويصافحه؟”، قال: ((نعم))؛ والحديث حسنه الألباني في “صحيح سنن الترمذي”.

النقطة المهمة في المعانقة، سواء أكانت بعد سفر، أم غياب قصير، أم حتى بدافع الشوق والحنين، ألاَّ تكون مؤديةً إلى تحريك الشهوة، وربما كان ذلك هو ما تجدينه من صديقتك وتشعرين به، أليس كذلك؟!

تقولين: “أكثر ما كان يقلقني عندما تُثار غريزتها الجنسية في بعض الأحيان، وكانت تحاول أن تشبعها عن طريقي”، فكيف عرفتِ أنها في حالة استثارة؟ هل أخبرتكِ بنفسها؟ أم هو إحساسكِ فقط؟ ثم تقولين: “وأنا بطبيعة الحال أتجنبها، وأتجاهل طلبها، أو بالرفض الصريح في بعض الأحيان”، وقولك أيضًا: “كل ما كانت تطلبه مني أتخيله في بعض الأحيان وهو يحدث بيننا، حتى بدأت أشك في أنني أعاني الشذوذ الجنسي”، وأنا أسألكِ: أيُّ طلبٍ هذا الذي تتجاهلينه بالرفض الصريح؟ هل تدركين معنى هذا الكلام الذي تكتبينه؟!

أحتاج منكِ إلى شرح مفصل لتلك العبارات؛ ولهذا سأتوقف عن التعليق عليها، حتى تعاودي الكتابة مرة أخرى، إنما ثقي – يا عزيزتي – أني أشعر بكِ تمامًا، وأتفهم مشاعرك حين تعانقك، فأنتِ تبقين امرأةً، والمرأةُ إنسان، والإنسان كتلة من المشاعر والأعصاب التي يسهل استثارتها، إن لم يتجنب محركات الشهوات، داخليًّا بالتفكير فيها، أو خارجيًّا بتأثر الحواس بما يُرى ويُسمَع ويُحَس.

بالنسبة لتفسير التوتر الحاصل في علاقتكما، والتناقضات الكثيرة، والتقلبات المزاجية بين موجة هادئة وموجة غاضبة، فلِمدرسة التحليل النفسي رأيٌ هنا، وهو (أن كل حب يُخفي وراءه كراهيةً في اللاشعور)!

ابن حزم يكاد يتَّفق مع مدرسة التحليل في هذا الرأي؛ لكنه يصوغه بصورة ألطفَ، وأكثر إقناعًا، حين قال: “إذا تأكَّدتِ المحبةُ بين المحبين تأكُّدًا شديدًا، كثُر تضادُّهما في القول تعمدًا، وخروج بعضهما على بعض في كل يسيرٍ من الأمور، وتتبع كلٌّ منهما لغلطة تقع مع صاحبه، وتأويلها على غير معناها”.

ما رأيك؟ ألا تتفقين مع ابن حزم – رحمه الله؟ لقد أعطانا العذر لنصبر على أحبَّتنا الذين طالما عذَّبونا بتصرفاتهم.

أما تقلُّباتها المزاجية، فربما صادفتْ تلك التقلبات الأيامَ المزاجية الصعبة قبيل الطمث من كل شهر، أو ربما كانت صديقتك هذه مريضة نفسيًّا، وبحاجة إلى جلسات نفسية، أو أنَّ لديها ظروفًا ومشكلاتٍ عائليةً تؤثِّر في استقرارها العاطفي والنفسي، لكن مهلاً، ألستِ صديقتَها؟ كيف لا تعرفين شيئًا عن صديقتك؟ يبدو لي أنكما لم تذوقا بعدُ طعمَ الصداقةِ الحقيقيَّ.

انجذابكما لبعضكما برغم اختلاف شخصياتكما، ليس فيه غرابة، هذا يحدث كثيرًا بين الناس، والقاعدة الفيزيائية التي تقول: “الأقطاب المغناطيسية المتماثلة تتنافر، والأقطاب المغناطيسية المختلفة تتجاذب”، تنطبق أيضًا على البشر.

تقولين: “لا أنكر حبي الشديد لها، وقد يصل إلى ما يسميه البعض عشقًا”! وعلى أن العشق لغةً هو فرط المحبة، لكنه كاسم من أسماء المحبة – كما يقول ابن قيم الجوزية في “روضة المحبين” -: “أمرُّ هذه الأسماء وأخبثُها، وقلَّ ما ولعت به العرب، وكأنهم ستروا اسمه، وكنوا عنه بهذه الأسماء، فلم يكادوا يُفصحون به، ولا تكاد تجده في شعرهم القديم، وإنما أولع به المتأخرون، ولم يقع هذا اللفظ في القرآن، ولا في السُّنة”.

ولهذا أفضِّل أن تسمي ما بينكما بـ(خُلَّة الإسلام)؛ فعن ابن عباس قال: خرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في مَرَضِه الذي مات فيه، عاصبًا رأسَه بخرقة، فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ((إنه ليس من الناس أحدٌ أمنَّ عليَّ في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنتُ متخذًا من الناس خليلاً، لاتخذتُ أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدُّوا عني كل خوخة في هذا المسجد، غير خوخة أبي بكر))؛ رواه البخاري.

من المهم أن تتذكَّري أن التقوى في أي علاقة هي الأساس الصحيح لدوامها في الدنيا والآخرة، وإلا انقلبتْ تلك الخُلةُ عداوةً في الآخرة؛ كما قال – تعالى -: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، ذكر الثعلبي – رحمه الله – في هذه الآية قوله: “كان خليلان مؤمنان، وخليلان كافران، فمات أحد المؤمنين، فقال: يا رب، إن فلانًا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، وكان يأمرني بالخير وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، يا رب فلا تضلَّه بعدي، واهدِه كما هديتني، وأكرِمْه كما أكرمتني، فإذا مات خليلُه المؤمن، جمع الله بينهما، فيقول الله – تعالى -: ليُثنِ كلُّ واحدٍ منكما على صاحبه، فيقول: يا رب، إنه كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر، ويخبرني أني ملاقيك، فيقول الله – تعالى -: نِعْم الخليلُ، ونعم الأخ، ونعم الصاحب كان.

قال: ويموت أحد الكافرين، فيقول: يا رب، إن فلانًا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك يا رب ألا تهديَه بعدي، وأن تضله كما أضللتني، وأن تهينه كما أهنتني، فإذا مات خليله الكافر، قال الله – تعالى – لهما: ليُثنِ كل واحد منكما على صاحبه، فيقول: يا رب، إنه كان يأمرني بمعصيتك ومعصية رسولك، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير، ويخبرني أني غير ملاقيك، فأسألك أن تضاعف عليه العذاب، فيقول الله – تعالى -: بئس الصاحبُ والأخ والخليل كنت، فيلعن كل واحد منهما صاحبه”.

فكوني أنتِ وصديقتك كحال الخليلين المؤمنين؛ لتجتمعا في الدنيا والآخرة، وإن كنتُ في الواقع -والمعذرة إذ أقول ذلك – لم أتلمس بين سطورك وجودَ صداقة حقيقية بينكما! على الأقل بمفهومي الشخصي للصداقة، فما يربطك بصديقتك مقتصر على العواطف والمشاعر، وما فيها من حب وغَيرة، وشوق ولهفة، وهذه أمور متقلبة، تزيد وتنقص، تثور وتهدأ، أما الثوابت الحقيقية في الصداقة، فهي تقريبًا شبه معدومة في كلماتك.

ما دمتما صديقتين، فالمفترض أن العلاقة بينكما أكثرُ شفافية ووضوحًا من ذلك، وأكثر رقيًّا ونقاء، وإن كان الحب بينكما حقيقيًّا، وفي الله، فلن تهزَّه النصيحةُ، وإن جاءت صريحة، فهذا دَيْدَن الأصدقاء.

الحب في الله يقرِّبنا من الله ولا يبعدنا عنه، يغلِّب رضا الله وخشيته على كل الحساسيات والعواطف التي تخشينها، والتي ستهدأ يومًا ما، حين تُشبَع بطريقة صحيحة بعد زواج كل منكما – إن شاء الله تعالى.

الغريب في الأمر أنكِ تصفين نفسك بأنكِ صريحة إلى درجة كبيرة، فأين ذهبتْ تلك الصراحة مع صديقتك؟! أم أن الصراحة هي الأخرى تأخذ معنى آخر لديكِ غير معناها الذي أعرفه؟!

كوني صريحةً وواضحة مع نفسك، قبل أن تكوني صريحة مع الآخرين، واستعملي أسلوب الكتابة بالرسائل؛ فهو مناسب جدًّا لشخصية صديقتك، اكتُبي لها، ولكن ليس في صورة اتِّهام وتشكيك فيها؛ بل عبِّري فقط عن حقيقة شعورك حين تعانقك، ومدى تأثير ذلك عليكِ، وعلى نفسيتك وأعصابك، أخبريها أنكِ تخشين الله، ولا تريدين إغضابه بالفرح والاستمتاع بشيء ليس لكِ فيه أي حق، فإن كانت إنسانة عاقلة وتقيَّة وتخاف الله – تعالى – فستتفهم ذلك، وتقف معك على حدود الله، فلا تتجاوزها، أما إن غضبتْ، فاتركيها لشيطانها؛ فهي من يفترض أن يستعيذ منه، واتركيها لله؛ صيانةً لمشاعرك ودينك.

غدًا – إن شاء الله – ستتزوجين، وتشبعين كلَّ عواطفك ورغباتك بما تؤجرين عليه، لا بما تأثمين بسببه، فلا تقدِّمي رضاها على رضا الله، ولا حبَّها على حبِّ ربك، وتذكَّري أن مَن ترك شيئًا لله، عوَّضه الله خيرًا منه.

كيف تتعاملين معها؟
بالحوار والمصارحة؛ إذ ليس أفضل من الحوار الرزين، في جلسة هادئة تلتقي فيها القلوب والعقول، وتحضرها الملائكة لا الشياطين.

سجِّلي في ذاكرتك في صورة نقاط حمراء وخضراء، كلَّ الأمور والتصرفات التي تضايقك، والأمور التي تسعدك منها، واطلبي منها أن تفعل معكِ الشيء ذاته، وتناقشَا حول هذه الأمور بهدوء وعقلانية، ثم اتَّفقا على خطة مصالحة عاطفية، وحافِظا على أكبر قدر من الوعود المقطوعة بينكما.

لا تتوقَّفي معها عند الزلات الصغيرة، ولا تهدري طاقاتِكِ في البحث عن نقاط الاختلافات بينكما، ولا تجعلي حياتك – على سعتها – موقوفةً على سلم الحب والتعلُّق المَرَضيِّ؛ فالحياةُ – يا أختي – أكبر من ذلك بكثير، تصرَّفا بنضجٍ أكبر؛ فلقد تجاوزتما مرحلة المراهقة، أليس كذلك؟!

دمتِ بألف خير، ولا تنسيني من صالح دعائك.

المصدر : https://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/14241/#ixzz5ZM1TW3IK