مراهق يشاهد أفلامًا إباحيَّة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أخي مراهق عمره 17 عامًا، علمتُ أنَّه يشاهد أفلامًا إباحيَّة، مع أنَّ سلوكَه عادي جدًّا بالنسبة لعمره؛ ولكنِّي صُعقتُ عندما علمت بنوعيَّة الأشياء التي يراها، مع العلم أنِّي الوحيدة التي أراقبُه.
انفَصَلَ الوالدان عندما كان عمره سنتين، تعامَلْتُ معه بقدر معرفتي البسيطة أردتُ السؤال: ما السَّبب الذي قد يدفع المُراهق أو مَن هو بالعمر الصغير إلى مُشَاهَدة مِثْل هذه الأمور؟
وكيف أستطيع مساعدته؟
أعلم تمامًا أنَّ مثل هذه الأمور قد تحدُث في عمر المُرَاهَقة، والتَّعامُل معها يكون مُشابِهًا للتَّعَامُل مع المُدمِنينَ إن لَم يكُن أخطر.
أسألكم الإرشاد، وبارك الله فيكم.
الجواب

أ. أريج الطباع

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
اعذرينا عزيزتي على تأخُّرنا عليكِ، فقد شَغَلَتني استشارتكِ، وآثرتُ ألاَّ أتعجلَ عليكِ بردٍّ سطحيٍّ لا تستفيدينَ منه بالقدر الكافي!
أُقَدِّر كم هو صعب دور الفتاة حينما تَتَحَوَّل إلى أخت، وأم، وشابَّة، لها مُتطلباتُها وواجباتها وكلها في نفس الوقت، فبينما قريناتكِ يَجدْنَ مَن يحملُ مسؤوليتهنَّ كنتِ أنتِ منذُ صغركِ مَن تحملينَ مسؤولية أخيكِ الصَّغير، وليس ذلكَ بالأمر الهَيِّن؛ لذلكَ نسأل اللهَ أن يعينكِ على ذلكَ ويجعله في ميزان حسناتكِ.
لَمْ تُخبرينا عن ظُرُوف حياتكما بشَكْل واضح، هل أَثَّر انفِصال والديكِ على نفسيَّة أخيكِ؟ وهل كنتِ وَحدكِ مصدر العناية بالنِّسبة له؟
لا شكَّ أنَّ أمورًا كثيرةً تلعب دورًا بما حصل، وإن كان أمرًا شائعًا بين المراهقين، وليس الأمر أبدًا بِخطورة التَّعَامُل مع المُدمنين كما صوَّرته؛ بل هو أمر أهون بكثير بإذن الله وأيسر من ذلك؛ بل حتَّى لا يُصَنَّف ضمن الخطير!

سأعود لأسئلتكِ:
السَّبب الذي يدفع المُراهق لذلكَ عادةً هو الفراغ بكل أشكاله خاصَّة العاطفي، وقد تكون الظُّروف سببًا حينما تَتَعَقَّد – أن تكون ضغطًا على المراهق بأي شكل! لذلكَ نحرص عادةً على شغل أوقات الشَّباب فيما يفرغ طاقاتِهم، ويفضَّل أن ينتظمَ بنادٍ رياضيٍّ وبأنشطة تشغل فكره وجسده وتثير حَماسه.
أيضًا جماعة الرِّفاق لها دورٌ كبيرٌ في التَّأثير على المُراهق، فقد يُؤَثِّر فيه أصدقاؤه، ويجعلونه يسير حسب تَيَّارهم؛ حتى ولو كان مخالفًا لتربيته وأصوله!
أيضًا حب الاستكشاف مقرونًا بالغريزة الفطريَّة قد يكون دافعًا لبعض الشَّباب؛ لأنْ يلجَ هذا العالَم غير مُدركٍ أبعادَه وتأثيره الحقيقي.
ويبقى السَّبب الأَهَم وهو المُرَاقَبة الذَّاتيَّة التي يفتقر إليها الكثيرونَ للأسف؛ بسبب أساليب التربية الخاطئة في مجتمعاتنا، فنجد الشَّابَّ يخشى المجتمعَ والرِّقابة الخارجيَّة التي تضيق عليه، فتدفعه للتَّحَرُّر بطريقته الخاصَّة والبحث في الخفاء عن مفاتيح حريته؛ كما يحسب!!
تستطيعينَ مساعدته بأن تُشعريه بصداقتكِ وقُربكِ منه، وحرصكِ عليه؛ لكن إيَّاكِ أن تواجهيه بشكل مباشر، فكونه ليس مُجاهرًا هذه ميزة، ولَرُبَّمَا يشعر بالخجل والحياء مِن فعله فيرحمه الله بهذا، ويكون مفتاحًا له للخلاص منه بإذن الله، بينما لو انكَشَفَ الأمر سيصبح سهلاً عليه، ولن يؤثِّر فيه أو يقلقه بعد ذلك! بل سينكسر حاجز الرَّهبة فيسهل بطريقه المزيد منَ التَّساهُل!
اهتمِّي أن تزرعي بداخله مراقبة الله قبل أيِّ شيء، فقد تُجْدِي أحيانًا المُرَاقبة الخارجيَّة لفترة وقتيَّة، أو تجدي بأن تجعلَ الشَّخص يخفي ما يفعله ويَتَسَتَّر عليه؛ لكنَّها بالتَّأكيد تفشل بالتَّربية الحقيقيَّة التي تهتم بأن تُنَمِّي الضمير ومراقبة الله. وهذا من أهم الأسس التي تقوم عليها التربية الإسلاميَّة التي جعلت المسلمين ينتقلون من ظلام وظُلم الجاهليَّة لنور الإيمان وسعته، وجعلتهم يَرَون الإسلام على صورته الصَّحيحة. ما دفعني لأنْ أخبركِ بهذا هو أنَّ عبارتكِ (أنِّي الوحيدة التي أراقبه) قد لَفَتَتْ نظري، فليس الأمر بالمراقبة؛ لأنَّها لن تُجْديَ بشكل فَعَّال وحقيقي، خاصَّة في هذا العصر الذي ما عادت الخصوصية فيه مستحيلة، وما عاد التَّسَتُّر أمرًا صعبًا كالسابق! أخوك يحتاج إلى مَن يُصادقه ويحتاج الرَّجل القدوة الصَّديق بالتأكيد.
أخوكِ ما عاد صغيرًا؛ بل هو بالغ عاقل مُكَلَّف، وهو حقيقة ليس بمرحلة يحتاج فيها إلى التَّربية بقدر ما هو بمرحلة نجني بها ثمار تربيته السابقة. هو الآن يحتاج الصُّحبة والنَّصيحة والحكمة والموعظة الحَسَنة، ولا يكون ذلكَ بسهولة إلاَّ حينما تعترفينَ بدايةً أنَّه مهما كان حبكِ له وحرصكِ عليه، إلاَّ أنَّ ذلكَ لا يعني أنَّكِ مسؤولة عن تَصَرُّفاته، لكنَّكِ ستساعدينه ليتجاوزها – بإذن الله – إنِ استطعتِ الحكمة بذلك.
تذكري أنَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – حاوَلَ كثيرًا مع عمِّه الذي يحبُّه، والذي كان من أكثر مَن ساعده في بداية دعوته، ولم يَتَوَقف لحظة عن دعوته حتى في لحظاته الأخيرة، من أكثر الدُّروس التي تفيدنا من موقفه أنَّ علينا العمل وليس علينا النتيجة، فهي بيد الله سبحانه وتعالى، ومِن سَعْي الشَّخص نفسه.
أتذكَّرُ مَرَّةً أنَّني قرأتُ عبارةً طريفةً لأب يذكر تربيته لأبنائه، وهم مراهقون، يقول مع أبنائه الكبار كان يعترض طريقهم ويقف أمامهم بشدة حينما يخطئون، فكانوا مندفعينَ بقوة تطيحه أرضًا مع انطلاقتهم، فيَتَأَلَّم ولا يُغَيِّر من وجهتهم، على العكس قد يدفعهم للارتطام بقوة أكثر! بينما مع أولاده الصغار ارتأى أن يَتَّبع أسلوبًا مختلفًا، فكان يكتفي بأن يشيرَ عليهم باسترخاء، أنَّه جَرَّبَ مَرَّة هذا الطريق فكانت نهايتها متعبة وسيئة، بينما الطريق الآخر أكثر أمانًا وراحة ونهايته أروع.
ويقول: إنَّه كان كعابر سبيل يدل على الطريق، فكانوا يشكرونه بامتنان لشعورهم أنَّه يريد أن يدلهم حقًّا دون أن يعترضَ طريقهم، قد يُجَرِّبون سلوكَ نفس الطريق السَّيئ؛ لكنَّهم سرعان ما يعودون مُلتَمسينَ منه العون ليدلهم. حفاظه على استرخائه وعدم وقوفه بوجه التيار المندفع سَاعَدَهُ كثيرًا ألاَّ يَتَأَلَّم وألاَّ يدفعهم للمزيد منَ التَّوَرُّط بأسلوبه.
صادقيه واجعليه يشعر بحبكِ وثقتكِ، شاوِريه في أمورٍ تَثِقينَ بقدرته عليها؛ ليَشْعرَ أنَّكِ ترينَ فيه  الرَّجل الصغير الذي يحتاج أن ينموَ. وحقيقةً هو الآن رجل البيت لو كنتِ غير متزوجةٍ، كما أنتِ الأخت التي تضفي الحيويَّة على البيت.. كونا معًا ثُنَائيًّا مُتكاملاً، فكلاكُمَا يحتاج الآخر في مسيرة الحياة، ساعديه أن يكتشِفَ نقاط قوَّته ويغذيها بتعزيزها حينما يقوم بها، وتشجيعه عليها. وأشعريه بقُربكِ بشكل محبَّب بالاهتمام الذي يسعد كل شخص عمومًا.
وبالتأكيد لا تنسي أثرَ الدعاء ولا تملّيه، ادعي له كثيرًا ولنفسكِ أيضًا بالثَّبات في عصر الفتن.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/fatawa_counsels/0/14121/#ixzz5XIkPtIvP