أفلام الكرتون والعنف والجنس

تستخدم غالبية الأمهات التليفزيون، خاصة الأفلام الكرتونية، لجذب انتباه الطفل والانشغال بها حتى تنتهي من جميع مهامها المنزلية دون إزعاج، حيث يقضي الطفل ساعات طويلة أمام برامج الأطفال والأعمال الكرتونية المختلفة، دون إدراك لخطورة ذلك عليه صحياً ونفسياً، حيث تعمل تلك الشخصيات الكرتونية على زيادة الإحساس بالعنف لدى الأطفال، بالإضافة إلى تنمية المشاعر الجنسية لديهم في سن صغيرة، هذا بجانب العديد من السلوكيات السلبية الأخرى.

كشفت دراسة أمريكية حديثة، أن الأطفال من بين سن عامين إلى خمسة أعوام الذين يتابعون مشاهد عنف بالتلفاز من خلال الأفلام الكرتونية لمدة ساعة في اليوم، يزداد لديهم احتمال أن يتسموا بالعدوانية الشديدة في مرحلة عمرية لاحقة من طفولتهم، ولكن هذا الاحتمال قد لا يثبت عند الفتيات.

ووجدت الدراسة التي أجريت على 481 طفلا كان يعاني 52 طفلاً من مشكلات خطيرة ترتبط بالعنف، وكانوا يحرصون على مشاهدة عنف بالتليفزيون لمدة ساعة واحدة على الأقل يومياً في المتوسط، وأن احتمال تصنيفهم بهذه المجموعة كانت أرجح 3 مرات عن أولئك الذين لم يشاهدوا مواد عنف، لافتة إلى أن كثيراً من الآباء ليسوا على دراية بأن العروض الكرتونية وألعاب الفيديو والأفلام التي يشاهدها أطفالهم تنطوي على عنف، وليست مناسبة لتلك الفئة العمرية من حياتهم، حيث أنهم لم يستطيعوا في هذه السن الصغيرة التمييز بين الخيال والواقع، حيث تتعلم الأطفال من العنف بأفلام الرسوم المتحركة أنه مرح وليست له أية عواقب تذكر، لافتة إلى أنه عندما تدمر رأس شخص في فيلم رسوم متحركة وتعود سليمة ويضحك عليها الأطفال، فإنهم يعتقدون بالفعل أنه ليست هناك عاقبة خطيرة من ضرب شخص ما في رأسه، الأمر غير الصحيح في عالم الواقع.

وأشار الباحثون إلى أن تأثير مسلسلات الكرتون على الأطفال يكون تأثيراً تراكمياً، أي لا يظهر هذا التأثير من خلال متابعة هذه المسلسلات لمدة شهر أو شهرين، بل يكون نتيجة تراكمات يومية مع كثرة المشاهدة، مؤكدة أن هناك بعض الأفلام الكرتونية التي تعرض مشاهد عنف وتنسف المبادئ، وتقدم العقائد الدينية والسماوية بأسلوب غير مباشر، كما في مسلسل البوكيمون، ومسلسلات تحمل أساليب الانتقام وكيفية السرقة، وكل ما يفتح لهم آفاق الجريمة، مما يكون له تأثير سلبي على الأطفال، لافتة إلى أنه من الممكن أن تتحول تلك الشخصيات الكرتونية إلى سموم قاتلة للأطفال، حيث يكمن وجه الخطر عندما تكون هذه الأفلام صادرة من مجتمع له بيئته وفكره وقيمه وعاداته وتقاليده وتاريخه، ثم يكون المتلقي أطفال بيئة ومجتمعاً آخر وأبناء حضارة مغايرة، فإنهم بذلك سيحاولون التعايش مع هذه الأعمال والاندماج بأحداثها وأفكارها، ولكن في إطار هويتهم التي يفرضها عليهم مجتمعهم وبيئتهم.

لم تتوقف خطورة الشخصيات الكرتونية عند حد غرس العنف لدى الأطفال، حيث أكد باحثون من جامعة كولورادو الأمريكية، أن بعض الشخصيات الكرتونية التي يشاهدها الأطفال في أفلام الكرتون لها تأثير مباشر على العادات الغذائية وفرص إصابتهم بالسمنة وفرط الوزن، حيث أن مشاهدة أفلام الكرتون والتي يعاني منها أبطالها من فرط في الوزن والسمنة، من شأنها أن تشجع الأطفال والشباب على تناول الأطعمة غير الصحية بكميات كبيرة مثل الحلوى والكعك المكوب والمشروبات الغازية، والتي يفضلها الطفل أثناء مشاهدة التلفار، بالإضافة إلى أنهم يتناولون ضعف كميات الطعام الذين لا يشاهدون هذه الأفلام الكرتونية، وهو ما يؤدي بشكل طبيعي إلى السمنة وفرط الوزن زيادة محيط الخصر، لافتين إلى أنه على الرغم من أن تلك الشخصيات خيالية؛ إلا أن الأطفال لا يعرفون التفريق بين الخيال والواقع، حيث يلاحظون أن الشخصيات الكرتونية بيضاوية الشكل تعاني من زيادة في الوزن، ويطبقون عليها نفس المقاييس البشرية متخذين منها قدوة، ويقبلون على الطعام بكميات كبيرة دون وعي.

وتقول المتخصصة في التربية والإرشاد الأسري، د. بسمة جمال، إن هناك تأثير كبير تحدثه تلك الشخصيات الكرتونية على الأطفال، والذي يظهر على مراحل تدريجية، فالطفل في مرحلة التكوين يتلقى معلوماته من الأعمال الكرتونية، ففي حالة مشاهدته لرجلين يقومان بتقبيل بعضهما من فمهما كأصدقاء مثلاً أو كنوع من السخرية، يبدأ هو الآخر في تقليدهما دون وعي وبشكل تلقائي، ومع دخول فترة المراهقة يؤثر ذلك في سلوكه، ويبدأ في التحول إلى هذه التصرفات، وربما يتحول إلى شخص مثلي بشكل كامل في مرحلة لاحقة، مؤكدة أن ترك الأطفال بمفردهم أمام التليفزيون من أكبر الأخطاء التي يقع فيها أغلب الآباء والأمهات، فأصول التربية الصحيحة تكمن في جلوس الطفل ثلاث ساعات فقط أمام التليفزيون، ويجب أن تكون تلك الساعات تحت إشراف أي من الأب أو الأم، ويتخللها حديث وتعليمات إرشادية عما يدور في أحداث الأفلام بشكل هادئ يتناسب مع سن الطفل، لأن معظم برامج الأطفال الآن غير عربية وتنشر مفاهيم خاطئة تماما، من شأنها أن تزيد العنف لدى الأطفال وتغير سلوكياته والعادات التي ينشأ عليها، لافتة إلى أنه من الممكن شغل أوقات الأطفال من خلال ممارسة أنشطة أخرى، والتي تنمي قدرتهم وتنشئهم نشأة طبيعية.

المصدر: موقع عرب 48