التعارف الإلكتروني قادني للزنا أنقذوني؟

قبل عدة أشهر قمتُ بالتَّعرفِ على شابٍّ عن طريق الإنترنت، وكُنَّا نتحدثُ بشكلٍ يومي، إلى أن أحببتُه جداً، ومن شدة حبي له كنتُ أنفِّذُ أي طلب يطلبه مني بدون أي سابق تفكير، إلى أن جاء اليوم الذي طلب مني اللقاء، فوافقت، وعندما جاء فعل بي الفاحشة، وكنتُ أمامه كاللعبة الجامدة التي تقوم بتحريكها كما تريد، وكان لا يُشغلُ تفكيري سوى ماذا سيحصلُ لوالدي حينما يعلمان بالأمر؟! وفعلاً بعد مرور فترةٍ من الزمن علم والداي بالأمر، ولم يصدقا!

أودُّ التوبة إلى الله تعالى مما حصل معي، لكني أشعرُ بالخجل أن أطلب من الله تعالى أن يُسامحني على خطئي، فكيف أتوبُ إلى الله توبةً -أسأل الله أن تكون توبة نصوحاً-؟ وكيف أُكفِّر عن ذنبي أمامَ الله تعالى أولاً ووالدي ثانياً؟

المستشار: أ.هاشم الأهدل

الحمدُ لله، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسول الله، وأشكرك على ثقتك، وأسألُ اللهَ أن يُوفقنا لخدمتك ومساعدتك.

لا حول ولا قوة إلا بالله.. قرأتُ رسالتك وتألمتُ كثيراً  لما حصل لك، وأسألُ اللهَ أن يقبل توبتك، ويزيل همك، وما يحزنني أكثر بأن الفتيات لا يتَّعِظن من غيرهن، ولا يتعلَّمن مما يجري حولهن من قصصٍ أليمةٍ للاستغلال السيئ لهن عبر الإنترنت ووسائل التواصل الجديدة، ويُصدِّقنَ قصص الحب المزيفة واللئيمة من هؤلاء الذئاب، حتى يقع الفأسُ في الرأس.

وسأكونُ معك صادقاً وصريحاً: إذا أردت راحة الضمير، والتوبة، والبعد عما وقعتِ فيه من معصيةٍ وتفريط، فلابد من البذل والمجاهدة في سبيل ذلك، ولابد قبل ذلك من رغبةٍ صادقةٍ تماماً في إصلاح الأخطاء التي وقعت فيها.

ولابد أن تعلمي بأن التوبة والرجوع إلى الله، وإصلاح القلب، من أوجب الواجبات، ومن أجل الأعمال، واللهُ عز وجل يُحبُّ التوابين، ويقبل توبتهم، ولكن التوبة من صغار الذنوب ليست كالتوبة من كبارها، والتوبةُ ممن توغَّل في المعاصي واستمرَّ عليها ليست كتوبة من وقع في الخطأ وتاب من أول وهلة، فالنفس إذا اعتادت التفريط والوقوع في المعصية، وتعلَّق قلبُ العاصي بالمعاصي والذنوب؛ أصبحت التوبة تحتاجُ إلى مزيد مجاهدة، وصبرٍ، ومحاولة، ولا شك بأن ذلك من مجاهدة النفس الذي هو من أعظم الأعمال التي يؤجر عليها العبد.

واحرصي على تحقيق شروط التوبة الصادقة، وهي:

الشرط الأول: الندم على الماضي، بأن تحزني وتندمي على ما مضى من المعصية، وأن يكون هذا الندم والحزن صادقاً.

الشرط الثاني: الإقلاع عن المعصية، وتركها خوفاً من الله وتعظيماً لله، بمعنى: الانتهاء من ممارستها اللحظة.

الشرط الثالث: العزم الصادق على عدم العودة إليها، وإزالة أسباب الوقوع فيها، من صحبةٍ، أو بيئةٍ، أو أدوات.

ومن تاب توبةً صادقةً تابَ اللهُ عليه، ولو من الشرك، إذا كانت توبةً صادقة مشتملة على الشروط الشرعية؛ فإن الله يتوب عليه -جل وعلا-، كما قال جل وعلا: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}، وأجمع العلماء على أن المراد بالآية التائبون، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (التوبة تهدمُ ما كان قبلها)، وقال-عليه الصلاة والسلام-: (التوبة تجب ما كان قبلها)، وقال-عليه الصلاة والسلام-: (التائبُ من الذنب كمن لا ذنب له)، وقال -جل وعلا-: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، فبين سبحانه أن التائب مفلح.

فأوصيك بأن تحرصي على صدق التوبة والندم، وأن تبذلي من الطاعات والحسنات ما يُعينك على تكفير الذنوب، وما يشرحُ صدرك للعمل الصالح، ويطهّره مما أصابه، قال تعالى: {إن الحسناتِ يُذهبنَ السيئات}.

واحرصي على المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها بسننها وواجباتها؛ ففي ذلك انشراحُ الصدر، وزوالُ الهم، والأنس بالله عز وجل، قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}.

وأكثري من الاستغفار، وحافظي على الأذكار، وقراءة القرآن؛ ففي ذلك عمران القلب بذكر الله ومحبته، وتكفير للسيئات.

واحرصي على الابتعاد عن كل ما يذكِّرُك بالماضي السيئ، من أصحابٍ، أو مواقع وأرقام، أو أماكن، أو أدوات، وقد تجدين صعوبةً في البداية، ولكن مع الصبر والمجاهدة سيعينك الله.

وحاولي تغيير البيئة المحيطة بك، وخاصة الزميلات، والحقي بصحبةٍ صالحةٍ تُعينك على الخير، وتشجعك على الثبات في طريق الهدى والخير في مدارس التحفيظ النسائية، أو أعمال نسائيةٍ تطوعية، واشغلي نفسك بذلك، ولا تُفكِّري بالماضي، وافتحي صفحةً جديدةً من الخير والهدى والصلاح.

واحذري من أن تنشري قصتك أو خطأك أمام الآخرين حتى لو كان لأجل طلب النصيحة أو التوجيه، وإنما اكتمي هذه المعصية، واسألي الله عز وجل الستر والعافية، وأكثري من التوبة والاستغفار، وتعاملي مع والديك بالتي هي أحسن، وأظهري لهم توبتك وتغيرك للأفضل والأحسن بأسلوبٍ غير مباشر، وسيعينك الله عز وجل على تجاوز هذه الأزمة.

وتأملي معي قول الله تعالى: {‏وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ‏*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏*أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ‏}.

فوصف الله سبحانه وتعالى المتقين بأنهم إذا وقعوا في معصيةٍ أو كبيرةٍ أو ذنبٍ بادروا بالتوبة والرجوعِ إلى الله، ولم يُصرّوا عليها، وهذا هو الفرق ما بين المؤمن والفاسق؛ ذلك أن المؤمن قد يقع في الخطأ، ولكنه يندم ويبادر للتوبة الصادقة، أما الفاسق فلا يكترث، ويصر على المعاصي، ولا يندم ويتوب منها.

وتأملي معي هذه الأحاديث النبوية:

– عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (‏لو لم تُذنبوا لذهبَ الله بكم، وجاء بقومٍ يُذنبون)‏‏ وفي رواية‏:‏ (ثم يستغفرون فيغفر لهم‏).

– أتى رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدنا يذنب، قال يكتب عليه. قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: يُغفر له ويتاب عليه. قال: فيعود للذنب، قال: يكتب عليه. قال: ثم يستغفر ويتوب منه، قال: يغفر له ويتاب عليه. قال: فيعود فيذنب، قال: يكتب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا.

قيل للحسن: ألا يستحي أحدُنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود؟ فقال: ود الشيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملوا من الاستغفار.

– عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما يحكي عن ربه -عز وجل- قال: (أذنبٌ عبدٌ ذنباً فقال: اللَّهم اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال -تبارك وتعالى-: عبدي أذنب ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب، اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك).

كل ما سبق من آياتٍ وأحاديث تدلُّ على أن رحمة الله واسعة، وأنه يحب من العبد كثرة الاستغفار والتوبة، والمبادرة لذلك حال وقوع التقصير والذنب، ولكن لابد من الحذر كذلك من التساهل في المعاصي والذنوب بحجة سعة رحمة الله؛ لأن كثرة الاستغفار والندم والتوبة الصادقة توجبُ الإقلاع عن الذنب، وعدم تكراره، خاصةً وأن الذنب يُقسي القلب، ويورث الغفلة والبعد عن الله.

ولا شك بأن على الإنسان المجاهدة والصبر، وكثرة الدعاء، وطلب العون من الله في الوقاية عن الذنوب.

واعلمي -أخيتي- كذلك بأن عليك أن تزيدي من محبة الله في قلبك؛ وذلك بالتقرب إليه بأداء الفرائض والواجبات، والاجتهاد في النوافل والمستحبات، قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}، وإذا انشرح القلب بحب الله زادت خشيته ومراقبته في قلبك، وحيائك منه، ومن الوقوع فيما لا يرضيه.

أسألُ اللهَ أن يكفينا وإياك شر الذنوب والمعاصي، ويشرح صدورنا بطاعته، وحسن التقرب إليه.

 

المصدر: موقع راف