هل أنا ” بوية “؟

أ. أسماء مصطفى

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأنا طالبة جامعيَّة، تَرَعْرَعت في بيئة ليس فيها اختلاط مع الجنس الآخر؛ حيث إني لا أعرف ذكورًا غير إخوتي الذين يعيشون معي، وعائلتي عائلة خَلُوق ومُثَقَّفة، ولا أتعرَّض للضغط النفسي منهم، فلا يوجد تشدُّد في العائلة، ودَرَست في مدارس للبنات فقط، واختَلَطت بالكثير من الفتيات، وكان لدي ميولٌ لهنَّ، ويُمكن ألاَّ أُسَمِّيَه ميولاً، بل حبًّا، وللعلم فإني لا أتجاوز حدودي في هذه العلاقات، ولكن في السنة الأخيرة من الثانوية أحْبَبت فتاة وتعلَّقت بها تعلُّقًا شديدًا، ولَم أتجاوز الحدود؛ لأني أُدرك أنَّ هناك خطوطًا حمراءَ وضَعها الإسلام لنا، ولكن تُراودني تخيُّلات كثيرة في ممارسات شاذَّة معها، خصوصًا عندما أستعدُّ للنوم.

أشعر بالخجل وأنا أشرحُ حالتي؛ لأنني أخاف أن أكون شاذَّة، ويمكن أن أُسمي هذه التخيلات بالعادة السريَّة، وللعلم فأنا أتعرَّض لمضايقات كثيرة ممن حولي في المجتمع الدراسي، فيَقُلْنَ لي أحيانًا: أنت “بوية”، مع أنني لست كذلك، فشكلي طبيعي، ولكنني أعاني من النحافة الشديدة، وأعتقد أنَّ هذه النحافة هي التي لا تُبرز أُنوثتي، وهذا كله يَخلق لي شعورًا بأني شاذَّة، أو لدي مشكلة، خصوصًا مشكلة “التخيُّلات”.

وأحيانًا أشعر بأنني أخون ديني في هذه التخيُّلات، وبعد هذه التخيُّلات الشاذَّة أشعر بالندم؛ لأن هذا حرام في نظري، حتى عندما أستعدُّ للصلاة أشعر بأنني ملعونة؛ لأنني تخيَّلت هذه التخيُّلات الشاذة.

أُريد نصيحتكم والإجابة
الجواب

مرحبًا بك أُختنا الكريمة في استشارات الألوكة، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسَّداد.
نحن نَشكرك أيتها الكريمة؛ لوقوفك عند حدود الله، وامتناعك عن تَعدِّي الحدود مع هذه الفتاة في علاقتكما، أيضًا من وجهة نظري لا أرى أن هناك شذوذًا، فأنت فتاة طبيعيَّة جدًّا، ولدَيك ضمير يَقِظ، ولكن قد تكونين اخْتَلَطتِ بمجتمعٍ تَكثر فيه هذه العلاقات، بالإضافة إلى وَسْوسة الشيطان، ولكن على الجانب الآخر هناك الكثير من المُبدعين والصالحين والناجحين في حياتهم، ولكن إذا تَرَكتِ نفسك دون إصلاح فسوف تتحوَّل حالتك إلى شذوذٍ، فعليك أن تُسرعي في علاج نفسك، فأنت لديك مشاعر ورغبات تُريد أن تُشْبَع، ولا تستطيعين أن تُشْبِعيها مع الجنس الآخر؛ لأنه بعيد عنك، والظروف حَكَمت باقترابك من الإناث أكثر بحُكم الدراسة، فأتوقَّع أنَّك لو وُضِعت في بيئة مُختلطة سوف تَميلين للرجال أيضًا، فهذا يُبعدنا عن كونك شاذَّة.

إنَّ من أعظم أسباب علاج هذه الحالة: أن تَجدي تصريفًا لمشاعرك الطبيعيَّة، وانطلاقة لها في وَضْعها الطبيعي، فمتى وجَدتِ ذلك السبيل، فلا تتردَّدي في الموافقة عليه؛ فإنه فُرصتك التي قد ساقها الله تعالى إليك، ولكن أيضًا مع اختيار الرجل الصالح صاحب الدين والخُلق؛ كما أخرَج الترمذي في سُننه عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – أنه قال: (إذا خطَب إليكم مَن ترضون دينه وخُلقَه، فزوِّجوه، إلاَّ تفعلوا، تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))، فهذه هي الخطوة الأولى.

والخُطوة الثانية: أن تَحرصي على إظهار المكنونات الأُنثوية التي لديك، فتستعملي أمور النساء الخاصة بهنَّ، والتي لا يُشاركهنَّ فيها الرجال، فمن ذلك مثلاً: استعمال الحناء في التزيُّن، واستعمال الحُلِي والأقراط التي تكون في الآذان، وكذلك إزالة الشعر الذي قد يكون في البدن كما تَستعمله النساء، والحرص على لُبْس الملابس الخاصة بالنساء، دون الملابس التي يَشترك فيها النساء والرجال، على الأقل في هذا الوقت.

والخطوة الثالثة: قَطْع الفكرة تمامًا التي تتعلَّق بأيِّ شعور غير سليم تُجاه الإناث، فهذا أمرٌ لا بدَّ منه، فإنكِ على قَدْر تَخلُّصكِ من هذه الفكرة، تكون سلامة فِطرتك وخروجك من الشعور غير السليم إلى الشعور الفطري الذي جَبَلك الله تعالى عليه، فلا بدَّ من الانتباه في هذا الأمر، بل إنَّ هذا من الواجبات الشرعيَّة التي يَلزمك القيامُ بها؛ فإنه لا يَحِلُّ للمؤمنة أن تُفَكِّر في هذا التفكير الذي قد يكون فيه شيء من الشعور غير السليم، والذي لا يرضاه الله تعالى، كما لا يَخفى على نظرك الكريم.

أمَّا التخيُّلات، فإنه لَم يتَّضح من كلامك تفاصيلُ كثيرة عن تخيُّلاتكِ، أو عن مشاعرك تُجاه الفتاة المتعلقة بها، ولَم تُخبرينا ما هي الخُطوط الحمراء بالنسبة إليك؛ لتحديد مدى ضرر التخيُّلات بالتفصيل.

إن التخيُّلات الجنسيَّة: هي عبارة عن مجموعة من الأفكار الجنسيَّة التي تقوم بدور إثارة الرغبة الجنسيَّة، والمفروض في التخيُّلات عمومًا – بغض النظر عن محتواها – أنها خبرةٌ بشرية عامَّةٌ وطبيعية، وتعتبرُ جزءًا من عمليَّة التفكير؛ أي: إنَّ لها وظيفةً معرفيَّةً مهمَّة، والمفروضُ فيها أيضًا أنها تقومُ بوظائفَ نفسيَّةٍ مهمَّة، فالتخيُّلات قد تُشبع بعضَ الحاجات النفسية للإنسان، وتقوم بنوعٍ من التعويض لنقصٍ موجودٍ في الواقع، “فلتَبحثي عن النقص الذي بداخلك، وتعوِّضيه بالمبادئ التي تَحكمنا”، وما دامت هذه التخيُّلات في حدودٍ تَحكم الفرد وتقوم بوظيفتها، فإنها تقعُ في النطاق الطبيعي للتفكير البشري، إلاَّ أنها إذا زادَت عن الحد الذي يسمحُ للشخص بأداء دوره في الحياة؛ لأنها تشغله مثلاً، أو لأنه لا يستطيع أن يُفَرِّقَ بين ما هو من التخيُّلات، وما هو من الواقع – فإنها تصبحُ علامةً على وجود اضطرابٍ نفسي يحتاجُ إلى علاج.

إمَّا إذا كان التخيُّل عندك مُفرطًا، بحيث تصل إلى الإرجاز؛ أي: قمة النشوة الجنسيَّة؛ أي: إنها تسترجز بالتخيُّل؛ أي: تُمارس العادة السرية بالتخيُّل، وبالمناسبة فإنَّ ممارسة العادة السرية بالتخيل منتشرةٌ أكثر بين البنات عنها بين الأولاد، حسب خِبرتنا الشخصية، فكثيرات هنَّ البنات اللاتي يَسترجزْنَ؛ أي: يُمارِسْنَ الاسترجاز، دون أن يَستخدِمْنَ أيديهنَّ، ولعلَّ هذا هو ما يُشعرك بالذنب، وهذا ما أتوقَّعه يَحدث معك،

فأنصحك بالآتي:
أولاً: يجب أن تُدركي أن التخيُّلات بهذا النوع ستُسَيطر عليك، معنى ذلك أنَّ عليك أن تقاومي الاسترسال وراء تلك التخيُّلات، ما استطعتِ إلى ذلك سبيلاً، فإنه من السهل القول أننا – في الحقيقة – نستطيع التحكُّم في محتوى هذه الأفكار، وبدرجة الإثارة الجنسيَّة، وباتجاه هذه الإثارة؛ لذا فنحن نؤكِّد قُدرتنا على ضَبْط رغباتنا الجنسيَّة، من خلال ضَبْط المحتوى الفكري والحالة الذهنيَّة، ما استَطعنا إلى ذلك سبيلاً، فلتُحوِّلي أفكارَك هذه إلى نحوٍ آخرَ، وشخصٍ آخر، وموضوع آخرَ، مثال: عندما تَبدَئِين في التخيُّلات، استعيذي أولاً من الشيطان، ثم استحضري شخصًا آخرَ في ذِهنك – كوالدتك مثلاً – وتفَكّري كم هي حنونة ومِعطاء وإيجابية، وكيف عليّ أن أبرَّها، وكم تُحبِّينها أنتِ.

وعدم الاستسلام للأفكار السيئة، وعدم التمادي عند وسوسة النفس والشيطان لعمل هذه التخيُّلات، وإخراج النفس من هذه الحالة، بعدم البقاء في الوَحدة والخَلوة، والاختلاط مع الأسرة أو الأصدقاء الطيِّبين.

كما أنَّ الاسترسال فيها يقود صاحبَها من دائرة الفكرة إلى دائرة الفعل، وهذه مرحلة حَرِجة وخطرة؛ إذ إنه يبدأ بالبحث عن الوسائل العمليَّة لإشباع هذا التخيُّلات الجامحة، فإذا لَم يتوفَّر نطاق مشروع – بالزواج الحلال – لتصريف هذه التخيُّلات، وتوجيهها الوجهة المشروعة، فإنه رُبَّما يَلجأ إلى البحث عن تصريفها بطرق أخرى، متَّخذًا من الوسائل الشائعة؛ كالصداقة مع الجنس الآخر، أو نفس الجنس، وتبادُل العبارات المتعلِّقة بهذا الخيال، إلى أن يقعَ ما لا تُحمد عُقباه بعدها، وكلُّ هذا يأتي بالتدريج، فلو ترَكتِ نفسك، سوف تَصِلين إلى ما لا تُريدينه، أو ما تُسمينه بالخُطوط الحمراء.

ثانيًا: أن تأخذي بالأسباب التي تُبعد عنك هذا النوعَ من التخيُّلات، أو تُقلِّلها على الأقل، فالنفس إن لَم تَشغلها بالحق، شَغَلتك بالباطل، وهذه التخيُّلات والأفكار إنما تنمو حيث تجد قلبًا فارغًا، فإذا وجَدت الإنسان مشغولاً، انصرَفتْ عنه؛ ولذا فنصيحتنا لكِ بأن تُحاولي ألاَّ تأتي فراشَ النوم إلاَّ بعد إعياء وجَهدٍ؛ يعني: حاولي ألاَّ تَستلقي على الفراش إلاَّ في الوقت الذي تحتاجين فيه إلى النوم، وأن يَسبق هذا النومَ تعاطي الأسباب التي تؤدي بالإنسان إلى النوم السريع، من ذلك ومن أهمِّها: الوضوء قبل النوم، وأن تقومي بأداء بعض ركعات النوافل بقدر الاستطاعة، فإنَّ هذا يؤدي إلى أن يشعرَ الإنسان بالحاجة إلى الاستلقاء والنوم مباشرة بعد ذلك، ومنه الانشغال بالذِّكر قبل المنام، ومن ذلك أن تَجعلي قراءة شيء تُحبين قراءَته، وتَجعلي ذلك قبل النوم أيضًا، فتَحملي الكتاب أو نحو ذلك في يديك وقت المنام، فإن هذا – إن شاء الله – داعٍ أيضًا لاستجلاب النوم وغَلبة النُّعاس؛ بحيث تنامين قبل أن تَجدي فرصة للتفكير في هذا النوع من التخيُّلات.

ثالثًا: الابتعاد عن قُرناء السوء، الذين يَجرُّون الإنسان إلى مثل هذه الرذائل، وتَرْك زميلتك التي تتعلقين بها، ولتحوِّلي علاقاتك مع صديقات صالحات ولَدَيهن أهداف وموضوعات مهمَّة، ولتَنشغلي بهن وتَنشعلي بالأعمال التطوُّعيَّة معهن؛ لأن مشاركتك النسائية تَزيد من تخلُّقك بهذه الأخلاق الفاضلة، وتَزيدك خيرًا إلى خيرٍ، وفضلاً إلى فضلٍ، وتُنَمِّي فيك هذه المشاعر السليمة، هذا مع تجنُّب أيِّ استجابة لأيِّ شعورٍ تَجدينه في نفسك غير سليمٍ، بل ابذُلي جُهدك في مُجاهدته والبُعد عنه؛ حتى تصلي بنفسك إلى أفضل الأحوال وأكملها.

رابعًا: حاولي أن تُنَفِّري نفسَك من هذه التخيُّلات ومن علاقتك مع زميلتك بأيِّ طريقة، تذكَّري أنها لا تُريد مصلحتك، وأنها تُضيِّع وقتك، ويُمكنك أن تقومي بتنفير نفسك عبر العمل التخيُّلي في رَبْط هذه المشاعر تُجاهها بصور مُقَززة ومُؤلِمة، وهذا يفيد في تخفيف الرغبة، والاندفاع نحو تلك المشاعر غير السويَّة.

خامسًا: الخوف من الله تعالى ومراقبته، كما لَمَستُ من كلامك، فزَوِّدي هذه الجرعة، وحافظي على نفسك، واستحضري أن النفس أمانة يَجب أن تُراعى حُرمتُها.

سادسًا: البُعد عن كلِّ ما يُثير شهوة الإنسان، من مشاهدة المناظر المثيرة في وسائل الإعلام.

سابعًا: شَغْل الفراغ بما يَنفع في إتقان بعض الأعمال، والتأمُّل في الطبيعة، والتنزُّه، والقراءة المثمرة، ومشاهدة البرامج النافعة، وممارسة الرياضة اليومية، وأنصحك أيضًا بالتركيز في دراستك أكثر؛ لأن هذا مستقبلك، وغير ذلك مما يعلم الإنسان مِن حاله أنه يُصلحه.

وأخيرًا: أرى أن الحلَّ الأمثل لمشكلتك هو الزواج، ونسأل الله أن يرزقَك الزوجَ الصالح، الذي تَقرُّ به عينُك، وتَسكن إليه نفسُك.

المصدر : الألوكة