مارست الشذوذ وأريد الإستقامة

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي

الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي
السؤال

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعاني مشكلة في الشذوذِ الجنسي؛ حيث إنَّّ قريبي عندما كنَّا في الابتدائية علَّمني كيف أمارسُ الجنسَ معه، وهو يكبرني بسنة، وبقينا على هذا الحالِ فتراتٍ متقطعة، حتى يومنا هذا في بعض الأحيان، هو الذي يطلبُ مني القيام بذلك، وفي فترات أنا أطلبُ منه، وكلُّ ما أعقدُ العزيمةَ على الترك أرجع مرةً أخرى، وهكذا.

وأحبُّ التنبيه على أنَّ تفكيري أصبح جنسيًّا؛ حيث لا أفكرُ إلا في الجنس، وعندما أكون مع أصدقائي، أتمنَّى أن أمارسَ معهم الجنس، وأصبحتُ أعمل العادة السرية مرتين يوميًّا، إلى ثلاث مرات.

بالله عليكم، أريد أن أقلعَ عن هذه الأشياء من دون مراجعةِ طبيب، وشكرًا لكم
الجواب

الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فقد عُلِم بالاضطِرار من دين الإسلام، ودينِ سائر الأُمَم من قبلنا تَحريمُ فاحشة اللُّوطيَّة، وأنها من أفحَش المنكَرات، ومن أقْبح المعاصي عند المسلمين، وعند اليهود والنَّصارى وغيرِهم، وتُوجِبُ قتل الفاعل والمفعول، وقد عذَّب الله مقترفَهَا بعذابٍ ما عذَّبه أحدًا من الأُمم؛ حيث طَمَسَ أبصارَهم وقلَبَ مدائنَهم، فجعل عالِيَها سافِلَها، وأتْبَعَهم بالحِجارة من السَّماء، وحكم رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – على صاحبِها بالرَّجم بالحجارة حتى الموت؛ كما في السُّنن عن النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن وجدتُموه يعمل عملَ قومِ لوطٍ؛ فاقْتلوا الفاعل والمفعول به))؛ قال شيخُ الإسلام: “وقد اتَّفق الصَّحابة على قتلِهما جميعًا، لكن تنوَّعوا في صفة القتْل؛ فبعضُهم قال: يُرجم، وبعضُهم قال: يُرْمى من أعلى جدارٍ في القريةِ ويُتْبَعُ بالحجارة، وبعضهم قال: يُحْرقُ بالنَّار؛ ولهذا كان مذهب جمهور السَّلف والفُقهاء: أنَّهما يُرجمان؛ بِكْرَيْن كانا أو ثيِّبَين، حُرَّيْن كانا أو مملوكَيْن، أو كان أحدُهُما مملوكًا للآخَر، وقد اتَّفق المسلمون على أنَّ من استحلَّها بمملوك أو غير مملوك، فهو كافرٌ مرتدٌّ، وكذلك مقدِّمات الفاحشة عند التلذُّذ بقبلة الأمرد، ولمسِه، والنَّظر إليه، هو حرام باتِّفاق المسلمين”.

فالواجب عليك الإسراعُ بالتَّداوي بأدوية الشَّرع؛ فإنَّ الله أنزل الدَّاء، وأنزل الدَّواء، وجعل لكلِّ داءٍ دواءً، فتداوَوا؛ كما رواه أحْمد وأبو داود.

فالخُلُق والقِيَم والمشاعر منها ما هو فِطريٌّ، ومنها ما هو مكتَسَبٌ؛ وقال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ومَن يستَعفِفْ يُعِفَّه الله، ومَنْ يستغنِ يُغنِه الله، ومَنْ يتصبَّر يُصبِّرْهُ الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ منَ الصَّبر))؛ متَّفقٌ عليه.

فسارع بعلاج نفسك إيمانيًّا، ونفسيًّا، ولْتُجاهدْ نفسَك في ذات الله؛ ليتحقَّقَ لك الشفاءُ؛ كما قال الله – تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [العنكبوت: 69].

وهذه الطَّريقة هي الَّتي سلكها النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – في علاج الانحِراف السُّلوكي المتمكِّن في النَّفس البشريَّة، بحيث يبدو في ظاهر الحال أنَّه يستحيل العلاج؛ فقد روى أبو أُمامةَ أنَّ غلامًا شابًّا أتى رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال: يا رسولَ الله، ائذن لي في الزِّنا، فصاح النَّاس، فقال: ((مَهْ))، فقال رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أقِرُّوه، ادْنُ))، فدنا حتَّى جلس بين يَدَي رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – فقال له رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتحبُّه لأمِّك؟)) قال: لا، قال: ((وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لأمَّهاتِهم، أتحبُّه لابنتِك؟)) قال: لا، قال: ((وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لبناتهم، أتحبُّه لأختك؟)) قال: لا، قال: ((وكذلك الناس لا يحبُّونه لأخواتهم، أتحبُّه لعمَّتك؟)) قال: لا، قال: ((وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لعمَّاتهم، أتحبُّه لخالتِك؟)) قال: لا، قال: ((وكذلك النَّاس لا يحبُّونه لخالاتهم))، فوضع رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يدَه على صدْرِه، وقال: ((اللهُمَّ كفِّر ذنبَه، وطهِّر قلبَه، وحصِّن فرجَه))؛ رواه أحمد والطَّبرانيُّ في “الكبير”.

وكذلك قال النبيُّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – عندما غضِب الرَّجُل: ((إني لأعلمُ كلمةً لو قالها، لذهب عنه الَّذي يَجِدُ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم))؛ متفق عليه، وقال لمَن لم يستطعِ الزَّواج: ((عليه بالصوم، فإنَّه له وِجَاءٌ))؛ كما في “الصحيحين” وغيرهما.

كما يجب عليْكَ الصَّبر عن المعصية، والإكثار من الطَّاعات، واللُّجوء إلى الله، ومُجالسة الصَّالحين، والتعوُّذ بالله منَ الشَّيطانِ ووساوسِه، وتقوية العزيمة.

والشَّرعُ الحنيف لم يستسلِم للفساد الطارئ على فطرة الإنسان، ولِمَا وقع فيه من مُوبقات، وإنما يعملُ على تقويمها؛ فكلُّ مَنْ به خَصْلَةُ سوء، فهو مطالَبٌ بجهاد النفس على الخلاص منها، وأخذِ النفس بالشدة والحزم، وحجزِها عن غيِّها، وعدم الاسترسال مع الشذوذ، والعملِ على كل ما من شأنه أن يقويَ إيمانَكَ، من قراءةِ القرآن بتدبر، والمحافظةِ على الفرائض والسنن، مع إدمانِ الذكر، وقطعِ الطريق على نفسك؛ بقطعِ عَلاقتك بالشخص المذكور، وفكِّر دائمًا في عواقب ما تفعله من فاحشة؛ حيث يعقبها الحزنُ والحرمان، وقسوةُ القلب والفضيحة في الدنيا، وعلى رؤوسِ الأشهاد في الآخرة، وغيرُ ذلك من شؤم المعاصي.

تفكَّرْ – وهذا أمر وارد جدًّا – لو رفع اللهُ عنك السترَ وفُضحت، وعلم حقيقتَك أهلُك وأصدقاؤك، وعرفوا بهذه العلاقات الشائنة، ألا يكون ذلك سببًا في ضياعِ كل شيء، وصدمة من يحبُّونك؟! ألا تخافُ من هذا؟! ألا يسوءُك أن ينقلب أحبابك إلى أعداء؛ لأنَّك جلبتَ لهم العار؟!

أم تظنُّ أن الله الذي قطع اليدَ في ثلاثة دراهم، وجلد الحدَّ في القدرِ القليل من الخمر، وأدخل امرأةً النار في هرَّة، وأشعل الشَّمْلَةَ نارًا على من غلَّها وقد قتل شهيدًا، وعاقب رسولَه آدم – عليه السلام – الذي خلقه بيديه، وأسجدَ له ملائكتَه، عاقبه لمخالفتِه أمرًا واحدًا – تظن أنه – سبحانه – سيتركُك وأنت تفعلُ فاحشةً كهذه، وتنتهكُ محارمَ الله، آمنًا من مكرِه، غير مبالٍ باطلاعِه عليك؟! اللهم لا، إلا أن تتوبَ ويتقطع قلبُك ندمًا، وترجعَ إلى الله وتخافه غاية الخوف؛ فبذلك يعفو اللهُ عنك.

كما ننصحك بعدم الترددِ في عرض نفسك على طبيبٍ نفسيٍّ صاحبِ أمانةٍ؛ ليُعينكَ على الخروج من تلك المحنة.

أكثر من الدعاءِ النبوي: ((اللهم اغفر ذنبي، وطهِّر قلبي، وحَصِّنْ فرجي)), ((اللهم إني أعوذ بك من شرِّ سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيِّي))، ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيعُ، وأعوذ بك من الخيانة؛ فإنها بئست البطانةُ)).

نسألُ الله – تعالى – أن يهْديك إلى الالتزامِ بشرع الله – تعالى – وأن يعصِمَكَ من الشذوذ والمعاصي

المصدر : موقع الألوكة