صديقي على وشك السقوط في الشذوذ

أ. فيصل العشاري

السؤال

♦ ملخص السؤال:
شابٌّ له صديقٌ يَميل إلى مُخالَطةِ كبار السِّن، والتعامل معهم، ويخاف أن ينقلبَ هذا الشعور إلى شذوذ.

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لي صديق أعرِفُه منذ سنواتٍ، أُلاحِظ عليه هذه الأيام أشياء غريبة؛ مثل: الانجذاب للرجال الكبار، وعندما نَصحتُه بخطأ ما يَفعَل، أخبَرَني بأنه طوال عمره مُفتقدٌ لأبيه، وكان يتمنى أن يَراه، أو يَسمعَ صوتَه، وسبب البُعد بينهما أنَّ والده كان طوال حياته مسافرًا خارج البلاد، وعندما عاد كان بالنِّسبة له غريبًا، فلم يَشعُر به كأبٍ، وكان يريد بعض الحنان الذي يُعوِّضه عما فاته في غيابه، ولم يمنحه والده أيًّا مِن ذلك.

بدأ يبحث عن الحنان الأبوي في أي شخصٍ كبير، يتحدَّث إليه ويُبادله اللطف في الكلام، لكن المشكلة أن هذا اللطف والحنان انقلب مِن الشعور الأبوي إلى الشعور الجنسي، فكان يُفكِّر فيهم من ناحية جنسيةٍ، لكنه لم يُقْدِم على الفِعل!

أرجو أن تُعينوني على نُصحه لأنه مُضطربٌ، وأخاف أن يقع فريسة لأحد الفاسدين

وجزاكم الله خيرًا
الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكرُكم على تواصلِكم معنا، وثقتكم في شبكة الألوكة.

تشخيص الحالة:
سؤالُك يدورُ حول صديقِك الذي يَمُرُّ بحالة صعبةٍ تتعلَّق بسلوك المثليَّة الجنسيَّة، وإن كان لا يزال في بداية أمرِه، لكن إن لم يتمَّ التنبُّهُ له بشكل جيِّد فقد تتطوَّر الحالةُ، وتَخرجُ عن مَسارها من مجرد (ميول) إلى (شذوذٍ)!

صديقُك يعاني مِن (جوع الأبوَّة)، وهذا المصطلحُ يَصِفُ بدقَّةٍ حالةَ صديقك وما تعرَّض له في مسيرة حياته، حيث إنَّ المسارَ الطبيعي للطفل – الذكر والأنثى- أن يتعلَّق بالأم نبعِ الحنان الأصلي في بداية حياتِه، ثم في فترة لاحقةٍ يبدأُ الذَّكَر بالانفصال عن الأم (والتوحُّد) مع الأب عاطفيًّا ونفسيًّا، فيَقتبس الطفلُ الذَّكَر من أبيه صفاتِ (الرجولة)؛ ليَملأَ بشكلٍ طبيعيٍّ (جوع الأبوَّة)، ويشبع هذا الجانب نفسيًّا وسلوكيًّا، وهذا هو المسارُ الطبيعيُّ في الأطفال الأسوياء.

ما حدَث مع صديقِك هو الانفصالُ عن الأب، الانفصالُ الطبيعيُّ عندما سافر واغترَبَ سنواتٍ طويلة عن ابنه، ثم لما عاد وقد صار ابنُه في مرحلةِ المراهقةِ الثالثة (18 – 24 تقريبًا)، كان يتوقَّع أن يُعوِّضه عن فترة الانقطاعِ السابقةِ، لكن ذلك لم يحدُثْ، بل كانت العَلاقة تنافريَّةً بينهما.

خلال فترة غياب الأب لم يَكُنْ هناك مَن يُغطِّي مكانَ الأب من الذُّكور؛ كالعم، والخال، والأخ، ونحوهم، وقامت الأم بتغطيةِ هذا الدور (المُزْدَوَج)؛ فحصل اضطرابٌ عند الولدِ، ولَّد لاحقًا سلوكَ المثليَّة الجنسيَّة لديه، وتعلُّقه بكبار السن، وميله إليهم جنسيًّا هو تعبيرٌ واضحٌ عن هذا الجوع الذي أصابه، وسببُ الميلِ الجنسيِّ – كما سبق – هو أن الولدَ حصَل على جَرْعةٍ (أنثويَّة) زائدةٍ مقابل الحرمانِ من الجَرْعة (الذكوريَّة)؛ فمن الطبيعيِّ أن يميلَ إلى الذُّكور لاحقًا.

مرحلة العلاج:
• نصيحتُنا لصديقك أن يُبادِر بعلاجِ نفسه قبل أن تتفاقَم أمورُه وتخرجَ عن السيطرة، ويمكن اتِّباع خُطَّة علاجٍ سلوكيٍّ لهذه الحالة بالتعاون مع مختصٍّ نفسيٍّ له خبرة بعلاجِ (اضطراب الهُوية الجنسيَّة)؛ حيثُ يمكن أن يأخذَ سير العلاج الطريقةَ التالية:
• العزل والبُعد عن الأماكن التي قد تُثير الحالة لديه؛ كأماكن التجمُّعات، والأماكن المُغلَقة والمُزدَحِمة.

• لا بدَّ أن يَشملَ العلاجُ الإرشادَ الأُسريَّ للأب والأم، وتعديل خطَّة حياتهما، وطريقة تعاملهما مع هذا الولدِ، الذي أصبح اليوم شابًّا يافعًا.

• متابعة الجلسات مع المعالِج أو المختصِّ النفسي، ومثل هذه الحالات لا تَستلزم تدخُّلًا دوائيًّا عادة، إنما يُستعمَلُ معها العلاج المعرفي السُّلوكي.

• تقويةُ الجانب الإيماني لديه؛ فهو مِن أقوى الأسبابِ في امتناعه عن الإقدامِ على (الشذوذ).

ولا شكَّ أنَّ وجودَك بجانبِه كصديق، ومتابعتَه وتشجيعه على العلاج، سيكون له أثرٌ كبيرٌ في تحسُّن حالته؛ إذ إن هذه الحالة من الأمور المُحْرجةِ التي تُقلِقُ صاحبَها؛ نظرًا للعادات الاجتماعية المعروفة، حيث يُحجِمُ كثيرٌ من المصابين عن التقدُّم للعلاج؛ خوفًا على سُمْعتهم.

أخيرًا، نَشدُّ على يديك بالوُقوف مع صديقِك، وأنت مأجورٌ على هذا العمل، عملًا بحديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((مَن استطاع أن ينفعَ أخاه، فلْيَفعَلْ))؛ رواه مسلم وغيره.

نسأل اللهَ تعالى أن يشفيَ صديقَك، وأن يكتبَ لك الأجرَ الحَسَن

والله الموفِّق

المصدر : الألوكة