أسرفت على نفسي وأريد الإستقامة ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعيـن.أنا شاب عمري 21 سنة، ولقد ظلمت نفسي كثيراً؛ فكنت مفتوناً بالدنيا ونسيت الآخرة، كنت أصلي شهراً، وأهمل صلاتي لشهور، تعرفت مؤخراً على شاب بعمري صدفةً؛ فكان سبباً في توبتي وعودتي إلى ربي، جزاه الله خيراً.أكتب هذه الكلمات وقلبي يتقطع ألماً، وعيني تدمع دمعاً؛ لقد فعلت ما حرمه الله؛ فشربت الخمر، وزنيت وسرقت وكذبت، لكني والله كنت غافلاً، فقد غرتني الدنيا حتى نسيت أنني كنت في ضلال. ولقد حرم الله الجنة على الزاني وشارب الخمر في كتابه العظيم؛ فهل توبتي وعودتي إلى الأصل مقبولة، وهل سيغفر لي ربي ذنوبي؟.أسئلة تبقيني نادماً وحزيناً ومستيقظاً كل ليلة، أتمنى أن أجد عندكم أجوبة لها، ساعدوني وشاركوني عودتي إلى ربي، ولا تنسونا بـدعوة في ظهر الغيب تنفعنا في يوم لا ينفع به لا مالٌ ولا بنون، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المستشار: أ.هاشم الأهدل

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله أن يشرح صدرك، ويقبل توبتك، ويثبتك على الحق والهدى والدين.
وأشكرك على دعواتك الطيبة وأسأل الله أن يستجيب لنا ولك، ويهدينا سواء السبيل ويثبتنا حتى نلقاه وهو راض عنا.
والحمد لله الذي سخر لك هذا الرجل الصالح الذي ساعدك على التوبة والإقلاع عن المعاصي، وكان سبباً بعد توفيق الله في هدايتك، وأسداك معروفاً عظيماً، ولابد أن تبذل جهدك في رد جميله من: حسن صحبته، والدعاء له، والتعاون معه في نوائب الدهر، والتواصي معه على الصبر على الطريق الصحيح والصراط المستقيم، قال تعالى عن الأخلاء يوم القيامة: {الأخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}.
ثم اعلم أخي الحبيب بأن التوبة الصادقة تجب وتمحو ماقبلها، مهما كانت الذنوب عظيمة، فالله عزّ وجل غفر للمشركين ذنوبهم حين تابوا ودخلوا في الإسلام، فمابالك بالمسلم العاصي!
وماذكرت بأن الزاني وشارب الخمر لايدخل الجنة، كلام غير صحيح، فمن تاب تاب الله عليه، قال تعالى: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً (70) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متاباً}، فالله سبحانه وتعالى من كرمه ورحمته يغفر الذنب للتائبين ويبدل سيئاتهم حسنات.
فلاتقلق من هذا الجانب أبداً، وركز جهدك على تحقيق التوبة الصادقة، وكثرة الاستغفار والندم على مافات، وبذل الجهد في الطاعات والمحافظة على الفرائض والاجتهاد في النوافل، قال تعالى: {إن الحسنات يذهبن السيئات}، وقال صلى الله عليه وسلم: ((واتبع السيئة الحسنة تمحها)).
واعلم أخي الحبيب بأن مقام التوبة عظيم عند الله، والله عزّ وجل يحب التوابين، قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
وثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فأضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وان ربك – أخطأ من شدة الفرح-)).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: ((أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ، فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ، ثُمَّ عَادَ، فَأَذْنَبَ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ، قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى: لَا أَدْرِي، أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ)).
وأوصيك -أخي- بالبعد عن أماكن ووسائل المعاصي السابقة، وكذلك الابتعاد عن رفاق السوء الذين كانوا معك حال غفلتك وبعدك عن الله، واحرص على مصاحبة الصالحين، وكثرة ذكر الله، والاستغفار، وسيشرح الله صدرك، ويزيل همك؛ إذا صدقت واجتهدت، قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.
وفقك الله لكل خير، وثبتك، وشرح صدرك، وأزال همك.

المصدر : راف