إبني ذو ميول أنثوية ، ماذا أفعل ؟
أنا أمٌّ لفتاةٍ واحدةٍ وثلاثة أولادٍ.
عندي مشكلةٌ مع أحد أبنائي عمره13 سنةً؛ ولدي مشكلته يميل للبنات أكثر من الأولاد، علاقتي مع ولدي حلوةٌ جدًّا، لكنْ علاقة ولدي مع أبيه جدًّا سيّئةٌ ومتوتّرةٌ، دائمًا هو وأبوه في مشاكل، ما يتقبّل منه أيّ شيءٍ.
في البداية كان يتابع أفلام الكرتون كأيّ طفلٍ طبيعيٍّ، بعدها بدأ يميل للمسلسلات الخليجيّة بشكلٍ كبيرٍ، وخاصّةً المسلسلات التي تغلب عليها قصص مجموعة بناتٍ أو قصص حبٍّ، جلست معه كذا مرّةٍ، حاولت أن أمنعه عنها، وأقول له خطورة هذه المسلسلات، والحمد لله صار أخفّ بكثيرٍ عن الأوّل.
منذ وهو صغيرٌ كان يحبّ أخته الكبيرة، وكان دائمًا يحبّ أن يتناقش معها، ويحبّ أن يسألها عن كلّ شيءٍ، ودائمًا يأخذ برأيها، ولاحظت أنّه دائمًا يحبّ أن يتكلّم عن مجتمع البنات، وإذا ذهبت معه السوق يحبّ أن يدخل معي محلات المكياج، وإذا جاء عند الملابس تكون طريقته في اختيار الملابس تميل اختياراته مثل ذوق الملابس البناتيّة، وكان يحبّ أن يطول شعره وما يرضا أن يقول له أحدٌ أنّ شعره (مو زين)، وإذا رحنا لزوّاره لا شيء يحبّه إلا أن يجلس مع البنات اللاتي بنفس عمره، مع العلم أنّه فيه كثيرٌ من الأولاد بعمره، بعدها إذا رجعت البيت أحاول أن أتكلّم معه وأقول له: ما يصير تجلس معهم، ومثل هذا الكلام، كان يناقشني وبعدها يسكت، وبعدها صرت أرى أنّ كلامي ما أفاد معه، وأحيانًا إذا رأيته معهم أحاول أن أبيّن له من بعيدٍ أنّي مغضبةٌ عليه، فكان يقوم من عند البنات ويقول: خلاص، ويروح عنهم.
بعد فترةٍ صار نادرًا ما يجلس معهم، لكن في المقابل كان يلعب مع البنات الصغار، ويحبّ أن يلعب معهم، لكن ما استسلمت! كلّ مرّةٍ أقول له وأنبّه عليه: ليش ما تروح مع الأولاد؟!، ويردّ يتعذّر يقول لي: إنّ الأولاد كلّهم يلعبون بـ (البلايستيشن) وأنا ما أحبّه، وكلّ مرّةٍ يكون هذا عذره، ولا يطلع لي بعذرٍ ثانٍ.
تعبت معه، صارت الحريم الآن يضحكون عليه، ويقولون لي: ولدك ما أحلاه يحبّ البنات جدًّا، حتّى إخوانه صاروا يعيّرونه: يا بنت، وكان يغضب عليهم جدًّا، صرت أحاول بقدر الإمكان أن لا أعطيه مجالاً إذا جاء يتكلّم معي عن مسلسلٍ أو عن برنامجٍ نسائيٍّ، أيّ شيءٍ يخصّ الحريم أحاول أن أبعده عنه، حتى لو كنت اشتريته للتوّ، لبسٌ جديدٌ أو شيءٌ: كان يحبّ أن يمدح هذا اللبس؛ صرت ما أعطيه مجالاً حتّى في المدح.
صار بعد فترةٍ ما يحبّني أن أتكلّم معه في موضوع البنات، وحتّى لو قلت لأخته تقول له نفس الشيء، ما صار يتقبّل أيّ أحدٍ أن يتكلّم معه في هذا الموضوع.
قبل فترةٍ رأيته قد أتى من المدرسة وهو يبكي، سألته: ما بك؟ إيش صار؟ كان يقول لي: إنّ الأستاذ عمل هكذا.
بعدها بمدّةٍ فتحت حسابه هو في أحد برامج التواصل الاجتماعيّ، فرأيت أنّه يتكلّم مع امرأةٍ تحلّ مشاكل الناس، ويقول لها: أنا دائمًا الأولاد في المدرسة يضحكون عليّ، ولا يريدونني، دائمًا يقولون لي: أنت بنت لست ولدًا، ومن هذا الكلام، لم ألتفت إليه ولا رددت عليه.
هذه مشكلتي، وأتمنّى أن تفيدوني، لأنّي جدًّا أعانيها حاليًّا معه.
المستشار: أ.أميمة صوالحة
بسم الله والحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وبعد،،،
أختي الكريمة!
حيَّاك الله، وبارك لك في جميع أبنائك، وحفظهم وأصلح حالهم، ويسعدنا ثقتك بالموقع، وشرحك الواضح للمشكلة وأبعادها وتداعيّاتها، وما يشير إليه تفصيلك للمشكلة أنّ تعلُّق ولدك في جنس الإناث، وحبّ تفاصيل شخصيّاتهنّ، واللعب والانضمام لمجتمعاتهنّ؛ قد يعود للالتصاق المباشر بك منذ الصغر، وكذلك مع أخته الكبرى، وغياب الوالد أو تغيّبه نفسيًّا عن ولدك، وتوتّر العلاقة بينهما، ممّا جعله لا يجد بديلاً عن التفكير بالسُّلوكيَّات الأنثويَّة، وأبعده عن مجالس الذكور منذ طفولته المبكّرة، وعلى الرغم من أنَّ لديه إخوةً اثنين من الذُّكور؛ إلا إنَّهما على ما يبدو يصغرانه بالعمر بفارقٍ قد يكون أبعده عنهما.
ولا بدّ أن أشير لك بأنَّ ما مرَّ به طفلك من ظروفٍ في طفولته قد يمرّ بها طفلٌ آخر دون أن يتعرَّض للمشكلة نفسها، لاختلاف القدرات النفسيَّة والاجتماعيَّة، وحجم تأثير الخبرات على كلّ طفلٍ، ولا شكّ بأنّ المحيط الأسريّ له كبير الأثر على مثل هذه المشكلة، فقد تكونين كأمٍّ صاحبة الدّور الأكبر في حياة الأسرة بشكلٍ عامٍّ، ممّا يجعل دور الأنوثة أكثر تميُّزًا في نظر ولدك.
أعتقد أنّك تأخرت -أختي الكريمة- إلى حدٍّ ما في اتخاذ إجراءاتٍ مناسبةٍ للعلاج منذ ملاحظتك للمشكلة، ولكن لا زال الوقت مناسبًا للبدء فورًا في وضع بنود خطَّةٍ علاجيِّةٍ، والعمل على خطواتها، كالتَّالي:
أوّلاً: ترتبط الهرمونات الذكوريِّة ودرجتها أحيانًا في ميول بعض الذكور إلى السُّلوكيَّات الأنثويّة، واقتحام أساليبهنّ في اللَّعب واللبس وغير ذلك، لذلك لا بدّ من التَّأكّد من نسبة الهرمونات الذُّكوريّة لدى ابنك، عن طريق الفحص الطبِّيّ للهرمونات، عند الطبيب المختصّ.
ثانيًا: لا بدّ من تسَلُّم والد طفلك أمر متابعته شخصيًّا، والالتصاق به في كثير من الواجبات وتحمُّل المسؤوليّات،كأن يجعله مسؤولاً عن شراء متطلّبات الأسرة، سحب النقود من الصَّراف الآليّ، توزيع المصروفات على أفراد الأسرة، تبليغ بعض الرسائل الشفويّة عبر الهاتف وغيره لأعمامه على لسان الوالد، إضافةً إلى دفع الفواتير ومتابعة بعض المشكلات عوضًا عن الأب، مع عدم البعد عاطفيًّا عن رعايته وأخذ دوره كأبٍ ونموذجٍ للقدوة في حياة ابنه، وهذه المرحلة تعدّ الأهمّ والأكثر فعاليّةً للتخلّص من المشكلة.
ثالثًا: لا شكّ بأنَّ ولدك يدرك الآن أبعاد المشكلة التي يمرّ بها وسلبيَّاتها على حياته، ومدى تأثيرها، وذلك يتّضح من خلال ما كتبتيه، وحسب المعطيات؛ فإنّ ولدك على درايةٍ كافيةٍ بهويّته الجنسيَّة، ولكنَّه يخلط في مشاعر التقرُّب لسلوكيّات الإناث، لتعلُّقه في صورة الأمّ والأخت وما تقومان به من أعمال اتجاهه، في حال لم تشعري بأنَّ وعيه كافٍ اتجاه حقيقة المشكلة يترتّب على والده على الفور احتضانه إليه، وشرح أبعاد المشكلة أمامه، وتوضيح المهامّ السُّلوكيَّة المترتِّبة عليه كولدٍ وكيفيَّة أدائها، وسيكون ذلك غير يسيرٍ في البداية، ويحتاج لجهدٍ من جميع أفراد الأسرة.
رابعًا: للمدرسة والأصدقاء والزُّملاء دورٌ بالغٌ في علاج المشكلة أو تفاقمها، لذلك لا بدّ من التَّواصل مع الأخصائيّ النفسيّ في المدرسة، لتقديم الدَّعم الكافي، ومراقبة العلاقة بين ولدك وزملائه ومعلِّميه، والحفاظ على خلوّ هذه العلاقة من أيّ نوعٍ من أنواع السخرية، لأنَّ مثل هذه العلاقة القائمة على السخريَّة والتعنيف أحيانًا ستكون وصمةً نفسيَّةً في حياة ابنك، وقد تؤدّي لتفاقم المشكلة؛ لأنَّ الرسائل السلبيَّة له تعمل على تعزيز وتأكيد صفة الأنوثة، ممّا سيخلق عند ولدك مشكلةً أخرى، وهي عدم الثقة بالقدرة على تجاوز ما يمرّ به، ويترتّب عليكم في هذا الجانب تحسين العلاقة بين ولدك وزملائه في المدرسة، من حيث التَّعرف على الأصدقاء من قِبَل والد طفلك، وكسب ودِّهم بالمشاركة مع ولدك، وتقديم دعوةٍ خاصَّةٍ لهم للقيام برحلةٍ جماعيَّةٍ، مع مجموعةٍ من الأقارب الذُّكور وبرفقة الوالد، ممّا سيساعد على بناء علاقةٍ قائمةٍ على الثِّقة والودّ والرَّغبة في المساعدة في حلّ المشكلة، وهذا الأسلوب يعدّ مدخلاً من مداخل تشكيل العلاقات والصَّداقات عند الأطفال، ومن ثَّم انسحاب الوالد تدريجيًّا.
خامسًا: تكرار وصف ولدك لمرّاتٍ كثيرةٍ بأنّك ما شاء الله بدأت تصبح رجلاً، ولديك الآن القدرة على القيام بكثيرٍ من المهامّ التي يقوم بها الرجال، وتعزيز نظرةٍ إيجابيَّةٍ في داخله لما يؤدّيه الرجل من واجباتٍ سيجعله محبًّا لسلوكيَّات الذكور، وراغبًا ذاتيًّا في أدائها.
سادسًا: دعي والد طفلك يصطحبه دائمًا -ما أمكن- في مجالس الرجال وحلقات صلاة الجماعة، ويجعل مناقبه وصفاته الحسنة حديثًا تعريفيًّا عنه أمام الأقارب والأصدقاء ومعارف المحيط، كأن يخبر من حوله وفي حضوره: هذا ولدي، وهو ما شاء الله يرافقني دومًا، ويتحمّل الكثير من الأعباء عنّي، وهو ساعدي الأيمن، وما شابه.
سابعًا: تسجيل ولدك في أنشطةٍ جماعيَّةٍ خاصَّةٍ بالذُّكور، مثل نادٍ لكرة القدم، وتعزيز هذا النشاط في داخله، وتدريبه على إتقان هذه الرياضة الخاصَّة بالرجال، ممّا سيساعده على الانخراط في مجتمعهم.
وأخيرًا؛ عزيزتي الأم! تذكير ولدك ببطولات الرُّجولة وأفعال الرِّجال من قصص الصَّحابة والصَّالحين، ومنزلة الذَّكر ودوره في شريعة الإسلام؛ سيعينه على التقرُّب إلى مجتمع الذُّكور، وسيغرس في داخله حبّ أعمال الرجال وصفاتهم، ولا تنسي مطلقًا استمرار الدعاء والتَّوجُّه لله، لحمايته وحفظه وهدايته، إنَّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ، وما عند الله قريبٌ.
موقع راف