ابني يشاهد الأفلام الإباحية ؟

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لدي ابن عمره 18 سنة، ملتزم وعلى خلق بفضل الله، له مواهب كثيرة ورياضي، يشارك في أشياء كثيرة تطوعية، وشخصية محبوبة، اجتماعي بنسبة كبيرة، مشكلته أنه لا يستطيع أن يعيش سنه ولا يجاري أصدقاءه فيما يفعلونه، أقصد ما يفعله الشباب الذين في سنه، يخاف الله جداً ويكره الذنوب والمعصية، وإذا أذنب يستحي من الله ويكتئب وينام، وهذه هي مشكلته.

بالأدق حتى يكون الأمر واضحاً، ابني شهوته عالية جداً منذ الصغر، فلذلك يشاهد أفلاماً جنسية، وعندما يشاهدها يكره نفسه ويعتزل الحياة والناس والصلاة، لأنه مذنب ولا يستطيع أن يقف بين يدي الله. هذه النقطة نقطة ضعف بسببها حياته تنقلب، وأثرت على مذاكرته؛ لأن يدخل في اكتئاب وزهق ولا يقاوم نفسه، وينام كثيراً، والعام الماضي لم يدخل الاختبار، كلمته كثيراً على أثر ذلك على حياته ودينه، وعليه أن يتغلب على مشكلته بقربه من الله، وذهبت به إلى طبيب نفسي فرفض أن يتحدث معه.

بالله عليكم دلوني، كثفت له الدعاء.
المستشار: أ. فدوى الشمايله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. شكراً على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم “مستشارك الخاص” وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد:

أيتها الأم الفاضلة: أشكرك بداية على مشاركتك لنا بمشكلة ابنك -حفظه الله وهداه- ولا شك أن هموم أبنائنا تؤلمنا وتؤرقنا أكثر مما قد تؤلمهم هم أنفسهم، فهم عيوننا التي نرى الحياة من خلالها، فإن سعدوا سعدنا، وإن بكوا زدنا على بكائهم بالنحيب.

وابنك -حفظه الله- فيه خير كثير -والحمد لله-، وما إدمانه على الإباحيات إلا ابتلاء؛ لأن التعود على مشاهدة الأفلام الإباحية إدمان، تماماً مثله مثل إدمان الخمر أو الإدمان على المخدرات، وهذا ما أشار إليه الباحثون؛ فما يحدث في حالة الإدمان أن تعاطي المخدرات مثلاً تؤدي إلى أن يقوم الجسم بإفراز كميات أكبر من الدوبامين والتستوسيرون، وهي هرمونات السعادة والنشوة، فيعتاد الجسم على هذه الكمية من هذه الهرمونات، وفي كل مرة يسعى إلى كمية أكبر منها كي يشعر المرء بالسعادة ، ويصبح تحصيله للسعادة مرتبطاً بالمخدرات، ونفس الشيء يحدث في حالة الخمر أو مشاهدة الأفلام الإباحية.

وإن أضرار التعود على مشاهدة مثل هذه الأفلام لا يقتصر فقط على ذلك، بل إن طريقة عرض الجنس في مثل هذه الأفلام تجعل الشخص يقيم في خياله علاقات خيالية، وتصورات لن يجدها فعلاً في واقعه، وفي المستقبل بعد الزواج، فستبقى العلاقات الوهمية المقتبسة من الأفلام الإباحية هي الأقوى في إثارته، وربما أن العلاقة الزوجية الطبيعية لن تكون كافية له، ولن توافق خياله، هذا إلى جانب الآثار النفسية والعاطفية التي يتكرها هذا الأمر فيه، ومنها الشعور بكره الذات واحتقارها، وتأنيب الضمير.

وابنك في استطاعته التخلص من هذا الإدمان، لكن ذلك يحتاج إلى تصميم كبير، ورغبة نابعة من ذاته على التخلص من هذا الأمر، وهو كذلك يحتاج إلى إرادة قوية وخطوات عملية في سبيل تحقيق ذلك، فإن لم يكن التصميم والرغبة على التخلص من هذا الإدمان نابعة من نفسه، فإن محاولاتك أنت أو غيرك لن تنفعه.

ومن الخطوات العملية للتغلب على هذا النوع من الإدمان:

أن يعترف ابنك بأن لديه مشكلة حقيقية، وأن هذه المشكلة تؤثر سلبياً على حياته كلها، وأولها الجانب الإيماني والديني، وعلى صحته وحالته النفسية والعاطفية أيضاً.
أن يستعين بالوازع الديني والإيماني: فإلى جانب الإتفاق على حرمة هذه الأفلام، فلينظر كيف أن مشاهدته لها قد حرمه من الصلاة التي هي عمود الدين، والتي هي أصل العبادات، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
أن يتذكر أن هنالك الكثير من الشباب الذي قد أتاهم ملك الموت وهم في غمرة انجرافهم في شهواتهم ومعصياتهم، ومنهم من أتاهم الموت وهم يشاهدون هذه الأفلام الإباحية، فليفكر للحظة ما ذا لو أتاه ملك الموت -لا قدر الله- وهو غارق في مشاهدة أحد الأفلام الإباحية، وعجز اللسان حينها عن الشهادة، وكانت الخاتمة وهو مغموس في الشهوة والضلالة، ماذا سيكون المآل عندها؟!
بعد الاعتراف بوجود المشكلة، وتصميم الرأي على التخلص منها ينبغي أن يضع ابنك خطة لذلك، وهذه الخطة تقتضي تحفيز النفس أولاً بأن يقوم بكتابة وتعداد كل الأسباب التي تدفعه إلى التخلص من مشاهدة الأفلام الإباحية، الصحية منها والنفسية والدينية، ومن هذه الأسباب مثلاً: الرغبة في حياة أفضل، أو التخلص من العبودية للشهوات والرغبات، أو التخلص من تأنيب الضمير والشعور السيئ الذي يلازمه؛ لأن أغلب من يشاهد الأفلام الإباحية يشعر بتأنيب الضمير والندم، وقد يكره نفسه لذلك.
الآن تأتي مرحلة جعل الطرق والسبل لمشاهدة هذه الأفلام أمر صعب وشاق، وذلك يبدأ بحجب المواقع الإباحية أولاً، وهنالك العديد من البرامج التي تمكنه من ذلك، وكلما كان إعادة فك مثل هذه المواقع البرامج الحاجبة أصعب، كلما كان ذلك أنفع، وتجنب استخدام الكمبيوتر أو الجوال وهو مختل بنفسه، وان ينظر إلى المجالات التي كانت تتيح له مشاهدة مثل هذه الأفلام، وأن يحاول جعل الوصول إليها أمراً شاقاً، وكلما صعب السبل لمشاهدة هذه الأفلام وجعل طريقها شاقاً مليئاً بالموانع، كلما ساعده ذلك على مقاومتها وتجنبها، والتخلص من الإدمان عليها.
أن يملأ كل فراغه؛ لأن الفراغ سيجعله يفكر في مشاهدة هذه الأفلام، فمثلاً يسجل في ناد رياضي أو في الجيم، فالرياضة تساعد كثيراً في التخلص من هذا الإدمان؛ فهي من الأمور التي تبث السعادة في النفس وتطرد القلق والتوتر، وأن يملأ باقي وقته بنشاطات أخرى تبقيه بعيداً عن أي مجال لمشاهدة هذه الأفلام.
أن لا يحاول التخلص من هذه العادة مرة واحدة؛ فما يعاني منه إدمان، وخاصة إن كان قد تعود على مشاهدتها منذ مدة طويلة، لذا فكما أن علاج الإدمان على المخدرات والخمر يتطلب وقتاً وتخلصاً تدريجياً، فكذلك مشاهدة الأفلام الإباحية، فبداية يبدأ بالتقليل ما استطاع من مشاهدتها، ثم يتدرج في ذلك حتى يستطيع أن يقاومها تمامًا.
وليفكر ملياً في مستقبله، وكيف أن مشاهدة الأفلام الإباحية تجعله يبني علاقات جنسية وهمية في خياله مبنية على محتوى الأفلام وطريقة الإثارة فيها، وهذا مالم يتوفر في الواقع، فعندما سيتزوج سيكون هنالك فجوة بين علاقاته الخيالية والعلاقة الزوجية وبالتالي لن يسعد في علاقته الزوجية، وسيبقى يبحث عن مشاهدة هذه الأفلام لإثارة نفسه جنسياً، كما أن كثيراً من الأبحاث الحديثة تشير إلى أن إدمان مشاهدة هذه الأفلام تضعف الرغبة والقدرة الجنسية عند الرجل في أغلب الأحيان.
أن لا يتوقع أنه سينتهي تماماً من هذه المشكلة ولن يكون هنالك تقهقرات، ففي رحلته هذه للتخلص من هذه العادة فإنه سيحن إليها مرات، وستكون هنالك لحظات يعود فيها إلى ما كان عليه، وهذا أمر طبيعي؛ لأنه يقاوم نوعاً من الإدمان، ولكن عليه إعادة صياغة أهدافه، وأن يخطط وينظم وقته وأيامه بحيث لا يترك هنالك مجالاً لمشاهدة هذه الأفلام، وأن لا يشعر مطلقاً بالفشل، بل يشعر بالرضا لأنه يبذل مجهوداً في مقاومتها.
أن يحرص على صلاته؛ فعلى النقيض مما يعتقده ابنك ويجعله يبتعد عن الصلاة، فالصلاة تجعله في رقابة دائمة لنفسه، وتجعله يخجل من أن يفعل المنكر وهو يقيم الصلاة، لذلك قال الله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}، وقد أمرنا أن نستعين بالصلاة على الصبر وعلى الطاعة والثبات، فقال عز وجل: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإِنها لكبيرة إلاَّ على الخاشعين}، فلا يستمع للصوت الذي يوحي له بأنه منافق، وبأنه يجب ان يخجل أن يقف بين يدي الله وهو يفعل الفاحشة، بل على العكس تماماً، فإنه أحوج ما يكون إلى الصلاة والمواظبة عليها ، وإلى الوقوف بين يدي الله تعالى والالتجاء إليه ليعينه على مقاومة هواه، وأن يطرق بابه ويسجد منكسراً له أن يخلصه من تحكم الهوى ويحرره من عبوديته، فوالله ما توكل أحد على الله تعالى وأخلص في توكله إلا كفاه ما أهمه.
وأنا أعلم أن ما يحتاجه ابنك أكثر من أي شيء آخر، هو الإيمان الحقيقي الذي يجعله يرغب بأن يبدل ثوب المعصية بثوب الطاعة والنقاء، فكم من الشباب الذي انغمس في الشهوات ولم بترك منكراً إلا وفعله، وحينما طرقت التوبة قلبه نبذ وراءه ما أدمن عليه، وتخلى عنه في لحظة واحدة ولم ينظر خلفه، فابنك إن كان لديه الوازع الإيماني الحقيقي، فلن يعجزه أن يتخلى عن مشاهدة هذه الأفلام، وأن يمشي في طريق التوبة، فحاولي أن تقوي فيه الوازع الإيماني، وأن تحاولي أن تقربي منه من يأخذ بيده إلى طريق الهداية.
ثم أوصيك أنت أختي بالإكثار من الدعاء لولدك، وخاصة في أوقات استجابة الدعاء، وأن لا تقطعي الدعاء والرجاء في توبته أبدا.
كما أوصيك بالإكثار من العمل الصالح والقربات إلى الله تعالى؛ فإن الله تعالى يحفظ بصلاح الآباء أبناءهم، ويجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فأكثري من الصدقة وعمل الخير والذكر، وأوصيك بقيام الليل، ففي آخره دعوة لا ترد.
وهنالك برامج متعددة تساعد على التخصل من الإدمان على المواقع الإباحية موجودة على النت، منها برنامج (سين رسيل) ، وهو عبارة عن سلسلة مقالات ومجموعة خطوات عملية لعلاج هذا الإدمان، تحت عنوان: ( How to quit Porn for good)وهي موجودة أيضاً بالعربية تحت عنوان (كيف تقلع عن الإباحية .
وأوصيك أختي أن لا تيأسي من حال ابنك، وتستمري في وعظه ونصحه وتذكيره؛ فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فكوني له سنداً وعضداً لكي يتغلب على سلطة هواه وشهواته، واستعيني بالله وأحسني الظن فيه، يجعل لك من هذا الأمر مخرجاً بإذنه تعالى.

وأسأل الله لولدك الهداية والتغلب على شهوته وهواه، وأن يرزقه الله تعالى التوبة الصادقة النصوحة، وأن يقر عينك به دنياً وديناً.

موقع راف