فتاة النت المتدينة وإمكانية الزواج بها

 

السؤال

الزواج عبر الإنترنت

فتاة النت المتدينة وإمكانية الزواج بها

تعرفت على فتاة عن طريق النت، وكانت علاقتنا وما تزال تقوم على الحديث الجاد، ونقاشات حول مواضيع عامة، واتضح لي أنها متدينة أو تميل إلى التدين، وقررنا مراراً أن نوقف الحديث؛ لأننا نخشى أن يكون محظوراً، ولو أننا لا نتكلم إلا في كل مفيد، لكن من باب درء المفاسد.

المهم بعد فترة فكرت أن تكون هذه الفتاة زوجة لي؛ لما وجدت من خلال كلامنا من توافق عقلي، وخاصة أن فارق السن قليل، أنا أكبر منها بسنة فقط، ولكني ترددت هل سينجح زواجنا أم لا؟! وذلك لأني لم أرها أبداً، ولا أعرف عنها الكثير، لكن أشعر بأنها لا تكذب علي فيما قالت – والله حسيبها – المهم هل تنصحوني أن أتقدم لها أم أسأل عنها ثم أتقدم؟ وهل فارق السن القليل عائق؟ وهل دخلوها النت عائق؟

الإجابــة

 

فها هنا أربع وقفات تجيبك عن كل ما سألت، وتوضح لك معالم الطريق – بإذن الله عز وجل – فأول وقفة في وضعك الذي أنت عليه: فأنت – بحمدِ الله – لست بالشاب المتلاعب، ولا بالرجل الذي يبتغي الحرام ويسعى فيه، بل إنك حتى في هذه العلاقة التي أقمتها مع هذا الفتاة لم تكن قاصداً الحرام ولا تريده، بل ربما ظننت أنه قد يكون أمراً مباحاً، فهذا يدل على خير فيك – ولله الحمد – ولكن يا أخي لابد من أن تُنزل هذه العلاقة في ميزانها الصحيح الذي يوصلك إلى تقييمها، وليس لك من ميزان إلا واحد فقط. إنه ميزان الله جل وعلا، قال تعالى: (( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ))[الإسراء:9].

فميزانك هو ميزان هدي كتاب الله الذي يهدي إلى أقوم طريق وأسلمها وآمنها، فهذه العلاقة التي بينك وبين هذه الفتاة هي من العلاقات المحرمة، حتى ولو كانت خالية من الكلام في الفواحش والأمور المرذولة – وحاشاكما من ذلك – ولكن مجرد إقامة هذه العلاقة مما نهى الله تعالى عنه، فأنت ترى الآن بعينك أنك قد ملت إلى هذه الفتاة، ولعلك تلمس بوضوح أنها أيضاً مالت إليك بسبب هذه المحادثات التي بينكم، وإن كانت خالية من الفواحش – ولله الحمد – ولكن تأمل في هذا الأصل العظيم الذي بيَّنه جل وعلا، وهو أنه إذا حرم الحرام فإنه يحرم كل سبب يؤدي إليه، فانظر كيف حرم الزنا وحرم كل سبيل يفضي إليه، فحرم لأجل ذلك إظهار الزينة من النساء أمام الرجال الأجانب، بل مجرد تعطرهنَّ أمامهم، بل وأدنى من ذلك أن يُظهرن صوت الحلي من تحت ثيابهنَّ، ومن هذا المعنى: تحريمه النظر بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم، كما قال تعالى: (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ))[النور:30-31].

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن النظرة الفجأة فقال: (اصرف بصرك)، رواه مسلم في صحيحه، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن الأولى لك والثانية عليك)، رواه أحمد في المسند.

فكيف إذن بعلاقة يكون فيها هذه المحادثة وهذه المسارة، فلا ريب أن الأمر أوكد تحريماً، فاعرف ذلك واحرص عليه، فقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)، أخرجه مسلم في صحيحه، فهذا يُبين لك عظيم الفتنة في ذلك يا أخي، فاعرف هذا فإنك – بإذنِ الله – تسلم من الإثم، وأيضاً يتضح لك حينئذ الوقفة الثانية، ألا وهي:

أن المعيار الذي تقيم به الفتاة الصالحة التي ينبغي أن تكون زوجة صالحة لزوجها هو مجموع خلقين اثنين: (الدين المستقيم، والخلق الحسن)، فهذا كما يُطلب في المرأة يُطلب في الرجل، بل إن المنصوص عليه هو في الرجل أصلاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)، أخرجه الترمذي في سننه.

وهذا ليس خاصاً بالخاطبين من الرجال، بل هو يشمل النساء من باب أولى، فإن المرأة هي قعيدة البيت، وهي حافظة النفس؛ ولذلك خرج ابن ماجة في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما استفاد المرء بعد تقوى الله خيراً من امرأة صالحة، إذا نظر إليها أسرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا أقسم عليها أبرته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)، رواه مسلم في صحيحه.

وبهذه الوقفة تستطيع الوصول إلى القرار السليم في شأن هذه الفتاة، وذلك يستبين لك بالوقفة الثالثة وهي:

أن هذه الفتاة كما أنك قد أخطأت، هي قد أخطأت، وكما أنك – بحمدِ الله – عفيف لا تبتغي الحرام فهي – بإذنِ الله – عفيفة لا تبتغي الحرام، وإنما حصل الخطأ المشترك بينكما، فليس من شرطها أن تكون غير سوية، ولكن إن أردتها زوجة لك فلا مانع من ذلك بعد أن تتثبت من حالها، وذلك بأن تسأل عنها، وأن تسأل عن أهلها، وأن تعرف ما هي عليه، فإن ظهر لك منها السمعة الحسنة هي وأهلها فحينئذ لتتقدم – يا أخي – إلى أهلها لخطبتها، فلا حرج عليك في ذلك، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لن تر للمتحابين مثل النكاح)، أخرجه ابن ماجة في سننه، أي: أن خير ما تقدمه للمرأة والرجل اللذين يميلان لبعضهما بعضاً أن تمكنهما من النكاح الذي يتم فرحتهما، ويجمعهما على طاعة الله.

والوقفة الرابعة هي: نصيحة لك في دينك ودنياك أن تكون يا أخي متبع الطريق الواضح البين في عامة أمورك – كما هو الظن بك إن شاء الله – فإذا أردت الزواج أتيت الفتاة المؤمنة من بيت أهلها، وإذا أردت أمراً من الأمور أتيته من بابه المعلوم الذي شرعه الله تعالى، وبهذا يحصل لك السعادة في الدنيا والآخرة، وتريح نفسك من هم وغم، عدا ما تسلم به من الإثم – بإذن الله عز وجل – فاجعل هذا ديدنك، والزم نفسك به تظفر بالخير والرشاد بمنِّ الله وكرمه.

وأما عن سؤالك عن فارق السن بينك وبين هذه الفتاة، فهذا ليس بالفارق المؤثر ولله الحمد، بل إنه أمر مناسب، خاصة وهي أصغر منك بسنة، ولو قدر أنها كانت أكبر منك ببعض السنوات فلا حرج في هذا طالما وجد الحب والتفاهم بين الزوجين، وها هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها كانت أسن من النبي صلوات الله وسلامه عليه، ومع هذا كانت أحب نسائه إليه، وكانت له الزوجة الحبيبة، والصاحبة المؤانسة، والصديقة الناصحة، وأفرغت عليه من حنانها وبرها رضي الله عنها وأرضاها.

فاستخر ربك وتوكل على الله جل وعلا، والله يتولاك برحمتهِ ويرعاك بكرمه، ونود أن تعيد الكتابة إلى الشبكة الإسلامية أولاً بأول لمتابعة التواصل معك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يزيدك من فضله، وأن يمنَّ عليك بالزوجة الصالحة التي تقر عينك.

وبالله التوفيق.

المصدر: موقع إسلام ويب