حاولنا مراراً أن نبتعد عن بعض لكن محاولاتنا باءت بالفشل!!
السؤال
السلام عليكم رحمة الله وبركاته، وبعد:
تعرفت على شاب عن طريق الشات، وأخذت منه رقمه واتصلت به، وكنت أقول في نفسي سأحادثه قليلاً ثم أحذف رقمه من جوالي، وإن أتصل هو فلن أرد عليه، ولنا الآن قرابة السنة والنصف نتصل ببعضنا، وقد أحببته وأحبني، وتعودنا على بعض بشكل كبير، ونتحدث بالساعات كل يوم، وحيث أنني البنت الوحيدة في منزل أهلي فإن أغلب وقتي أقضيه في غرفتي، وهو كذلك دائماً وحيد؛ لأنه آخر العنقود وإخوانه وأخواته متزوجون، ويسكن مع أمه، والعصبية القبلية هي أبرز ما يتميز به مجتمعنا.
وقد حاولنا مراراً وتكراراً أن نبتعد عن بعضنا وأن نتوب، ولكن تلك المحاولات كلها باءت بالفشل، وقد امتنعنا عن دخول الشات وانتهينا عن سماع الأغاني، ودائماً يذكر أحدنا الآخر بالله، وأحياناً نهدي لبعضنا المحاضرات عن طريق الإيميل، وقد وضعنا لأنفسنا برنامجاً كل يوم وهو قراءة جزء من القرآن ولا نترك السنن، وكل ذلك حتى نبتعد عن بعضنا وننشغل بالطاعة.
علماً أننا نشعر بالذنب ونعترف به، وقد يكون بإمكاني أن أبتعد ولكنه لا يستطيع ذلك ولا تحاولوا أن تشوهوا صورته لي، ولا تقولوا أنه من الذئاب البشرية، ولا تقولوا أنه ضحك عليك وأنه يحاول بذلك أن يهتك عرضك؛ لأنه ليس كذلك لأني عرفت كل شيء عن شخصيته، فهو يتميز بالعفوية لأبعد الحدود، وأنا لا أمدحه ولكن أردت أن أوضح لكم شخصيته حتى لا تبحثوا لي عن حل بأن تشوهوا لي صورته وبذلك أكرهه وأبتعد فقط، ولكني أريد حلاً يبعدنا للأبد، ولا أريد أن أعجزكم ولكني مللت وأريد أن أتوب توبة نصوحاً لا رجعة فيها. وجزاكم الله عنا خيراً.
الإجابــة
الأخت الفاضلة/ النادمة حفظها الله.
فإن أول صفة ظاهرة تدل عليها كلماتك الكريمة، هو أنك بالفعل بحمد الله عز وجل فتاة كريمة عفيفة تحبين طاعة الله وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، وتكرهين من نفسك أن تقع في أي ذنب من الذنوب يبعدها عن ربها، وقد قال صلوات الله وسلامه عليه: (من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن) والحديث خرجه الإمام أحمد في المسند.
فأنت بحمدِ الله لا تبتغين الحرام بهذه العلاقة ولا تريدين الجري وراء المحرمات، كلا..فأنت إن شاء الله من أبعد الناس عن هذا، بل وإنك لتتندمين على هذه الأعمال التي تقع بينك وبين هذا الرجل حتى إنك لجعلت اسمك الذي رمزت به في هذه الاستشارة هو (النادمة)، فأنت تتندمين على أمر يقع منك إذا كان فيه خطأ في جنب الله جل وعلا، بل وحتى عند كلامك مع هذا الرجل فإنك تذكرينه بالله، وهو أيضاً ربما وقع منه أن يذكرك بربك جل وعلا وأن تتبادلا شيئاً من المحاضرات والدروس وغير ذلك من الأمور، وليس كل الرجال الذين يقعون في مثل هذه العلاقات هم ذئاب يريدون الشهوات المحرمة، كلا..بل إن منهم من يُخطئ في ذلك ويشعر بالندم ويشعر بالحرقة لما يقع منه في جنب الله جل وعلا، ولكن لابد أيضاً من وضع هذه العلاقة في الميزان، فأنت تعلمين أنها من المحرمات وهو كذلك يعلم أنها من الذنوب، فما معنى بعد ذلك أن تستمرا في هذه العلاقة؟! فقد تقولين: إنه لا يجد قدرة على أن يتركني وأنا من ناحيتي قادرة على ذلك بل وصرحت له وهو الذي يعود إليَّ!
فالجواب: فمن الذي دعاكما إلى هذه العلاقة؟ أليس هو عدو الله إبليس، أليس هو الذي حذرك الله جل وعلا منه فقال: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ))[فاطر:6]؟!
أتدرين إلى ماذا يدعوك وإلى ماذا يدعو هذا الأخ الكريم؟ إنه يدعوكم إلى السعير؛ قال تعالى مكمِّلاً هذه الآية: (( إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ))[فاطر:6]، فهذه هي طريقته، إنها الخطوات، إنك بحمدِ الله لا تبتغين الشهوات المحرمة والظن بهذا الرجل أيضاً كذلك، ولكن وقوعكما في هذه العلاقة واستمراركما عليها الساعات الطوال في اليوم تتحدثان في شتى المواضيع وإن كانت خالية من الفواحش والكلام المحرم إلا أن مجرد هذه العلاقة من المحرمات ومجرد إقامتها من الاستجابة لأمر الشيطان، إنها خطوة خطوة ودرجة درجة؛ قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))[النور:21].
فلابد إذن أن تكوني على بينة من هذا الأمر، فأنت الآن تعلمين حرمة ما تقومين به، وهو أيضاً يعلم ذلك ثم تستمران في هذا فقد حصل إذن أمر لابد من الوقوف عليه: إنه غلبة هوى النفس، ومع كونكما بحمدِ الله بعيدون عن الفواحش المغلظة إلا أن مجرد إقامة مثل هذه العلاقات من المحرمات، كيف وقد قال الله تعالى: (( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ))[النور:30-31]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك) رواه أحمد في المسند.
فإن قلت: فإنه لا يحصل بيني وبينه لقاء ولا رؤية وإنما هي مكالمات؟
فالجواب: إنها أضر من مجرد الرؤيا العابرة، فتأملي في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن الأولى لك والثانية عليك) كيف جعل النظرة الثانية التي هي لا حاجة لها مما هي ضرر يقع على المؤمن، بل وإثمها أيضاً، فكيف بعلاقة يكون فيها المحادثات الطويلة التي تعلق القلب بالقلب والتي تشعر الإنسان بالمشقة، فلا أنت بالتي ترضين لنفسك الحرام ولا هو كذلك بالذي يرضى لنفسه الفواحش ولا تجدان سبيلاً للزواج – كما صرحت بذلك – فما النتيجة إذن؟
حسرة وآلام وندم وآهات وشعور بأن الإنسان قد فرط في أمر قد أمر الله تعالى بالحفاظ عليه، إنك تضعين رأسك على وسادتك وأنت تشعرين بالخوف من ربك أن تموتي على مثل هذه الحال وتلقي ربك على أمر لا يرضيه، إنك تشعرين أنك مصرة على هذه العلاقة وتريدين أن تتخلصي من هذا الإصرار؛ لأن الذنب وإن كان صغيراً فبالإصرار يتحول إلى كبيرة، فلا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
وأمر وراء ذلك هو أن تسألي نفسك: أليس الله جل وعلا هو أرحم بي من أمي التي ولدتني؟ فهو الذي نهاني عن هذه العلاقة، إنه لم ينهني عنها إلا لأن فيها مضرتي المحققة، إنني عندما أعصي ربي فإني أضر نفسي الضرر العظيم، لابد أن أجابه هوى نفسي وهذا الرجل الذي يتصل عليَّ حتى وإن كان قصده سليماً فلا ينبغي أن أستجيب لنداء الشيطان، سأغير رقم هاتفي، لن أسمح بعد اليوم بأي علاقة معه لأنني أضر نفسي وأضره، ولا طائل من وراء هذه العلاقة، فأين وقفتي الجادة التي يحكمها ديني ويحكمها عقلي، فعلاقة لا طائل من ورائها فما جدواها وما ثمرتها غير الشعور بالأحزان والآلام المتتالية والهم والغم، هذا عدا الذنوب التي تسجل عليَّ: (( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ))[ق:18].
نعم، ليس كل من يقيم مثل هذه العلاقة يكون قاصداً الفاحشة سواء كان ذلك من الرجال أو النساء ولكن هذا هو السبيل إلى الحرام، فإن مما يعينك على فهم هذا الأمر فهماً عظيماً أن تعلمي أن الله جل وعلا إذا حرم الفواحش فإنه يحرم كل سبيل يؤدي إليها، ها هي عائشة الصديقة رضي الله عنها وأرضاها الطاهرة المطهرة لا يحل لها أن تختلي بأحد الرجال الأجانب عنها رضي الله عنهم أجمعين وحاشاهم أن يفعلوا هذا، فلابد أن تعلمي أن الله عندما أمرك بصيانة نفسك إنما أمرك بذلك لتكوني الأمة المطيعة التي تعيش الحياة الطيبة، إنك عندما كنت بعيدة عن هذه العلاقة كنت تعيشين هناءة النفس وراحة البال مع ربك جل وعلا، فها أنت الآن قد أدخلت على نفسك مثل هذا الهم وهذا الغم ومثل هذا الحزن واللوعة في النفس عندما تجدين أنه لا سبيل لتحقيق الحلال بالزواج، ولا سبيل لإرضاء الله جل وعلا بمثل هذه العلاقة، فما الحل إذن؟ إنها التوبة.
إن ندمك بحمدِ الله هو علامة صدق توبتك، فلم يبق إلا أن تقلعي عن هذا الأمر وأن تعزمي عزيمة صادقة على عدم الالتفات إليه، قد يتصل بك هذا الرجل فغيِّري رقم هاتفك لتقطعي على نفسك هذا الطريق، ولتقطعيه عليه، ولتسدي باباً من الحرام عليكما، فما أجدرك بهذا وأنت الفتاة الكريمة المؤمنة، وتأملي وكوني متأملة بينك وبين نفسك: ألا تجدين أنه يتحرك في نفسك عندما تكلمينه ما يتحرك في كل نفس أنثى عندما تكلم الرجل الأجنبي، ألا يجد في نفسه ذلك؟
إنك تحتاجين إلى وقفة جادة وملية لتمعني النظر فيما تقومين به، فأنقذي نفسك من معصية الله جل وعلا، وخذي بحزم الفتاة المؤمنة، فليكن شعارك الذي ترفعينه دوماً: (( قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ))[الأنعام:15].
فليكن شعارك أن ربنا يسمعنا وأنه مطلع علينا، فما نهمس من همسة إلا سمعها ولا كلمة إلا قيدها جل وعلا، فلا والله لن أعصي ربي، سأقدم حب الله على هوى نفسي.
تذكري قول الله تعالى: (( سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ))[الرعد:10].
إن هذه العلاقة إن أخفيتها عن أهلك وأخفيتها عن أقاربك أو عن الناس أجمعين، فإنها لا تخفى على الله العليم الخبير، فتأملي قول الله جل وعلا: (( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا ))[النساء:108].
فحاشاك أن تكوني كذلك، فلولا هذه التقوى التي في نفسك ولولا حبك لله جل وعلا وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه عليه لما حرصت على أن تجدي الحل.
إذن فلابد من وقفة جادة ولابد أن تكوني واضحة مع نفسك، فإن النفس أمارة بالسوء، قال تعالى حاكياً عن امرأة العزيز: (( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[يوسف:53].
فأنت بحمدِ الله فيك الخير وكذلك هذا الرجل الظن به خيراً ولكن لابد للخطأ أن يُصحح، وليس من شرط المؤمن ألا يخطأ ولكن لابد له ألا يصر على خطئه، وألا يصر على معصية ربه، فطريقك واضح، أنقذي نفسك بوقفة جادة..
نعم قد تشعرين بالهم والغم في بدايتها، ويتسلط الشيطان عليك بالوساوس، ويذكرك بتلك الكلمات وتلك اللحظات، وتلك الساعات الطويلة التي تقطعين بها الوقت معه، ولكن تذكري ربك المطلع على سريرتك، وتذكري وقوفك بين يديه، قال تعالى: (( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ))[النازعات:40-41].
استبدلي ذلك بكتاب الله جل وعلا ليكن أنيسك، استبدليه بالتضرع إلى الله جل وعلا، استبدليه بقول النبي الأمين صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تدع شيئاً لله عز وجل إلابدلك الله به ما هو خير لك منه) أخرجه الإمام أحمد في المسند وإسناده صحيح، فهذا هو طريقك وهذا هو سبيلك، والزمي صحبة الفاضلات الصالحات من أمثالك، وتوكلي على ربك وتذكري قوله تعالى: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ))[الطلاق:2-3]، وقال جل وعلا: (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ))[الطلاق:4]، وإنك لأهل بذلك بإذن الله عز وجل.
وأعيدي الكتابة إلى الشبكة الإسلامية لدوام التواصل معك، ونسأل الله عز وجل لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يفرج كربك، وأن يرزقك الزوج الصالح الذي يقر عينك، وأن يجعلك من عباد الله الصالحين، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يزيدك من فضله، وأن يفتح عليك من بركاته ورحماته.
وبالله التوفيق والسداد.
المصدر: http://isla.mw/