غرف المحادثة ما لها وما عليها

تحقيق – خالد المسيهيج :

المصدر : جريدة الرياض السعودية

إنها منطقة العبور الاضطرارية التي يمر بها السواد الأعظم من الشباب (ذكوراً وإناثاً) .. تلكم هي غرف المحادثة (الشات)، وهي عبارة عن مكان مبرمج بلغة جافا (في الغالب) مع أن هناك لغات أخرى لكنها ليست بنفس السرعة والكفاءة، يدخل المستخدم فيها باسم مستعار وكلمة مرور، البعض منها تحتاج لتسجيل مسبق والأغلبية لا، هذه المنطقة تعد عالماً جديداً بالنسبة لهم، يجتمع فيه أناس من أجناس وجنسيات مختلفة، التخاطب يتم بالكتابة المباشرة، وأحياناً بالصوت والصورة أيضاً، طبعاً اللغة المستخدمة قد تكون مختلفة قليلاً، لذلك فإن الداخل الجديد يحتاج لعدة زيارات ليخرج منها بالعديد من الاستفهامات والاستعلامات حتى يعرف كنه هذه المصطلحات سواء أكانت هذه المصطلحات بالعربية أو بالإنجليزية، وليس موضوعنا شرح مدلولات هذه المصطلحات لأن من يهتم لها سيبحث فيها، لكن ما يهمنا هو من يرتاد غرف المحادثة .. لماذا؟ وكم من الوقت سيمضيه فيها؟ وكم نصيب كل تطبيق من تطبيقات الإنترنت والحاسوب من الوقت المخصص للجلوس أمام الحاسوب؟ وفي الأخير ما هو تقييم الأعضاء لممارسة المحادثة .. بعد ذلك عرضنا أسئلة أخرى على أصحاب غرف المحادثة الذين يجتمع عندهم الشباب لمعرفة ما هي الفائدة المادية والمعنوية التي يتحصلون عليها من وراء مثل هذه المواقع هل هي مشجعة بالفعل أم مجرد تحصيل حاصل ؟ وكذلك تقييمهم لها، ولنتعرف أيضاً على ما هية الصعوبات التي تواجههم.

وفي النهاية، وبما أن القضية اجتماعية تخص مجتمعاً موجوداً بالفعل فقد عرضناها على أحد الأساتذة المتخصصين في علم الاجتماع وسنرى ما هو رأيه وما هي الحلول التي يراها .

أعلم أن هناك الكثير من التساؤلات وهناك الكثير من القضايا المتشعبة عن هذه القضية لكننا لن نتطرق إليها حتى لا يضيع صلب الموضوع، وقد تخصص لها مواضيع مستقلة تبحث مستقبلاً .

والآن سنقف معكم على نفس الخط لنرى أبعاد هذا الموضوع من عدة زوايا.

آراء الأعضاء :

عبدالله : المحادثات غير المفيدة أهم أسباب العلاقات المشبوهة

كان أول ضيوفنا الذين التقيناهم (إلكترونياً طبعاً) الشاب عبدالله البالغ من العمر حوالي 27 سنة يحمل شهادة الدبلوم ويعمل موظفاً حكومياً في إحدى الدوائر حيث يقول : أنا أقضي معظم يومي الإلكتروني (وتحديداً أوقات الفراغ منه) ما بين المشاركة في المنتديات والمواقع إضافة إلى برنامج المحادثة الفورية الماسنجر، حيث يستغرق (في الغالب) وقت التصفح مني حوالي الثلاث ساعات، والمحادثة الجماعية (الشات) حوالي ثلاث ساعات، وتفحص البريد الإلكتروني الخاص بي لا يتجاوز الخمس دقائق . أما العمل على تطبيقات الحاسب المختلفة فهذه تأخذ من ساعة إلى خمس ساعات حسب الغرض.

وعن رأيه في ممارسة المحادثات الجماعية العامة فيقول : المحادثات ذات الموضوعات المفيدة بالتأكيد ستكون جيدة ومفيدة ، وتكون بنّاءة، أما المحادثات التي بدون غاية مفيدة ، فإنها مضيعة للوقت والجهد والمال ، وهي إحدى أهم أسباب العلاقات المشبوهة التي تنشأ عادة بين الجنسين.

نورة : 02 ٪ فقط

من المحادثات مفيد

أما الأخت نورة فتاة تبلغ من العمر 22 عاماً تحمل شهادة الدبلوم وغير موظفة تقول : أنا أقضي معظم وقتي موزعاً ما بين منتدى سوالف والماسنجر والشات، وهذا الأخير يأخذ معظم الوقت حيث يبلغ ما أمضيه فيه حوالي 4 ساعات، أما التصفح ففي الغالب لا يتجاوز الساعة، ونصفها تقريباً أخصصه لتفحص بريدي الإلكتروني والرد على الرسائل، أما الاستفادة من العمل على تطبيقات الحاسب المختلفة فغالباً تأخذ من ساعة إلى خمس ساعات .

وعن تقييمها لممارسة المحادثات الجماعية مع الآخرين (الشات) تقول : أن 20٪ فقط منها يعد مفيداً والباقي غير مفيد بل ومضيعة وإهدار للوقت.

هاني : الشات غير مفيد عندما يكون على حساب العمل والأسرة والشاب هاني العنزي البالغ من العمر 21 عاماً يحمل الكفاءة المتوسطة ويعمل مندوب مبيعات في إحدى المؤسسات الأهلية فيقول عن كيفية قضاء يومه الإلكتروني : أنه يمضيه ما بين الشات والماسنجر وأحيانا تصفح المواقع، وأن التصفح لا يأخذ من وقته سوى ساعة واحدة تقريباً وهذا ما يحدث في بعض الأحيان، أما الشات فهو الذي يأخذ معظم وقته حيث يعطيه حوالي أربع ساعات يومياً، أما البريد الإلكتروني فيأخذ من وقته حوالي ثلاث ساعات، أما استخدام بقية تطبيقات الحاسوب فيقول هاني : ليس لدي إلمام بالحاسب، بمعنى لست محترفاً لذلك فاهتمامي منصب على الدردشة والتسلية فقط.

وعن تقييمه لممارسة الدردشة والشات يقول : إن ممارسة المحادثات تعتبر مفيدة وغير مفيدة في نفس الوقت، بمعنى أنها مفيدة لقتل وقت الفراغ والتسلية، وغير مفيدة عندما يهدر فيها الوقت الكثير وينتج عن ذلك إهمال لأعمالهم والتزاماتهم الأسرية.

أصحاب المواقع يتحدثون ..

ولأن هناك طرف آخر في القضية، فكان من الواجب أن نعرف ما لديهم لتكتمل الرؤية، فالتقينا عدد من أصحاب مواقع المحادثات لمعرفة مدى تقييمهم لهذا المجال وأبرز السلبيات والإيجابيات كما يرونها هم ..

س.م : مواقع الدردشة هي الأكثر جذباً للشباب:

الشاب س.م، شاب سعودي يحمل المؤهل الثانوي لا يعمل حالياً، صاحب أحد مواقع الدردشة، وأظهر عدم رغبته في الإفصاح عن اسمه الحقيقي لتكون إجاباته أكثر صراحة ووضوحاً، حيث قال : لقد طرأت فكرة إنشاء موقع للمحادثة منذ فترة طويلة، حيث فكرت في إنشاء موقع يجتمع فيه الشباب (من الجنسين) يتحادثون ويتمازحون ويتبادلون الأحاديث البريئة وشغل أوقات فراغهم بدلاً من التجول في الإنترنت والمواقع المخلة بالدين والأدب، وقد بحثت في الحقيقة عن أكثر ما يجذب الشباب من المواقع التفاعلية فلم أجد أفضل من مواقع المحادثات، لأن الشباب قد سئموا الجدية في البيت والمدرسة، فعلى الرغم من كثرتها إلا أنه من النادر أن تجد موقعاً يتواجد فيه أقل من عشرة أشخاص في وقت واحد، ولك أن تتخيل كم سيكون العدد اليومي للزوار هذا بخلاف من يتم طردهم لسوء أدبهم.

ويمضي قائلاً : إن مجال المحادثة مفتوح للحديث في أي مجال، وعن أي شيء، لكن الطابع الغالب على معظم الأحاديث مزح ونكات وتعليقات بين الأعضاء، وعلى العموم لعل من أبرز محاسن المحادثات زيادة السرعة في الطباعة حيث تجد أن العضو يجب أن يكون سريعاً جداً حتى يتمكن من مجاراة بقية الأعضاء وأن يكون سريع البديهة قوي التركيز حتى يستطيع المتابعة.

أحمد سالم :

أنا راض عن مسار الموقع ..

أحمد سالم شاب سعودي له من العمر 27 سنة مؤهل بدبلوم شبكات ويعمل موظف اتصالات، يقول عن نشوء فكرة بناء موقع محادثة: لقد شاركت في الكثير من مواقع الدردشة المشهورة فاكتسبت شهرة كبيرة باسمي المستعار فتكونت كنتيجة لذلك رابطة أصدقاء قررنا جميعاً بناء موقع خاص بنا، وبالفعل تم افتتاح موقع وتم بيعه مقابل30 ألف ريال. ثم فتحنا موقعنا الحالي . ومن حيث المردود المادي هناك العوائد التي نجنيها عن طريق الاشتراكات، والآن الموقع الحالي يعرض علي فيه 50 ألف ريال . وبشكل عام أنا راضٍ عن مسار الموقع إلا أن هناك بعض السلبيات التي نواجهها من بينها قيام بعض عديمي التربية ببعض التصرفات الخرقاء ويسببون لنا المشاكل لكننا لا نتردد أبداً في طردهم .

الذريب : اليقظة مطلوبة للتصدي للتصرفات الهوجاء

بشير الذريب شاب سعودي يبلغ من العمر 27 سنة يحمل شهادة الثانوية العامة، يعمل بوظيفة مسئول صيانة جوال. لديه موقع محادثة يقول عن كيفية نشوء فكرة بناء موقع للمحادثات : فكرت في هذا المشروع أكثر من مرة وأخيراً التقيت أحد أصحابي واتفقنا سوياً على أن نعمل الموقع . وكانت العوائد المالية من وراء بناء هذا الموقع حوالي 12000 ريال كأجور اشتراكات. هذا طبعاً بالإضافة إلى الريع المتحصل من الإعلانات، وعن مدى رضاه عن مسار الموقع، يقول : والله تقريباً أنا راض لكن ليس هناك أمر من أمور الدنيا يكمل. فلا بد أن يواجه الإنسان بعض الشوائب والسلبيات، والتي أبرزها وجود تصرفات لا مسئولة من بعض الأشخاص العابثين كالتلفظ ببعض الألفاظ النابية، لذلك اليقظة مطلوبة باستمرار من قبل المشرفين لمنع مثل هذه التصرفات وإيقاف أصحابها.

الدكتور الحربي : التوعية ووضع الجهاز في مكان بارز أحد الحلول

الدكتور عبدالكريم بن عبدالله المجيدلي الحربي المتخصص في علم الاجتماع يقول : لقد أصبح العالم عبارة عن قرية صغيرة، فما الذي قرب أبعادها ولمَّ أطرافها رغم أن الأرض هي الأرض ؟ فهل تعلمون السر في هذا؟

إنها وسائل الاتصالات الحديثة بشتى أنواعها وبتطورها المتسارع المذهل، فالإنترنت أو كما يسمونها (الشبكة العنكبوتية) إحدى الوسائل وأحدثها بإيجابياتها وسلبياتها، ومن تلك السلبيات لهذه الشبكة إساءة استخدامها من قبل البعض في ضياع الوقت ونشر الأكاذيب حيث ضيعت الكثير والكثير من الشباب والفتيات، وها نحن نشاهد ونسمع القصص الواقعية التي تسببت في إيقاع المشاكل الأسرية من جراء غرف الدردشة، فإذا فكرنا وتأملنا في مسألة الشات تنتابنا الحيرة عندما نجد إساءتنا استخدام هذه المبتكرات وحصرها في ما يشبع الشهوات، والمقلق حقاً عندما تجد من يهدر الساعات في هذه الغرف في الوقت الذي لا يفقه شيئاً فيه من أمور الحاسوب وليس له في هذه الحياة ظلال ولا فيء، يبيع المشاعر الزائفة ويوزع أوهام الحب والعشق.

لماذا لا نستغل كل ما بيننا الاستغلال الأمثل؟ لماذا لا نستخدمه في ما يرضي الله ؟ ولماذا لم نفكر يوماً أن نحول تلك التقنيات في ما ينفعنا في أمور حياتنا؟.

ويستطرد الدكتور عبدالكريم قائلاً : إن غرف الدردشة هي تخاطب مباشر بين طرفين أو أكثر في وقت وحاد يتم خلالها تبادل الأحاديث والحوارات والصور. وكم من ضحايا وقعت في شباك غرف الشات، خاصة الفتيات لأنهن أكثر انسياقاً وراء العاطفة والتي سرعان ما تقودهن للوقوع في شراك وهم إلكتروني اسمه (الحب) .. حب بين حروف .. لم تراه ولم يراها.

ويضيف : لقد أجريت دراسة بعنوان (الإنترنت ودوره في الانحراف والجنوح) توصلت من خلالها إلى نتائج تدق خطر انحراف شبابنا حيث أن نسبة من لديهم إنترنت داخل المنزل وضعت في غرف خاصة 87,8 ٪، وأن أغلبهم يترددون على المواقع الفنية والتعارف بواقع 50٪، و ما نسبته 18٪ من الشباب يرغبون في الغزل مع الفتيات، والكثيرون منهم يرغبون في مشاهدة صور الفتيات اللائي يحادثونهن في الإنترنت عن طريق الكاميرات، كذلك بينت الدراسة أن 25٪ من مستخدمي الإنترنت لا يرغبون في فلترة وحجب المواقع الإباحية .. هذا جزء بسيط من النتائج.

ويقول الدكتور الحربي أيضاً : ونجد أن مستخدمي الإنترنت سواء كانوا شباباً أو فتيات يجلسون الساعات الطويلة يتسكعون بين غرف الشات دون فائدة. وقد أثبتت إحدى الدراسات أن 90٪ من مستخدمي الإنترنت بالوطن العربي يستخدمونها للتسلية. ومن هنا يقع اللوم على أولياء الأمور الذين يتركون الحبل على الغارب لأبنائهم في الإسراف باستخدام الإنترنت وخاصة غرف الشات التي منها تبدأ رحلة الضياع والندم.

وعن الحلول والعلاج يقول : أولى وسائل العلاج التوجيه السليم لسلوك الأبناء وضبط استخدامهم للإنترنت، كذلك تحديد أوقات لاستخدامها بحيث لا تكون متواصلة، أيضاً هناك دور إعلامي مهم يتمثل بالتوعية عبر وسائل الإعلام المختلفة، كذلك وجوب تقليص درجة الخصوصية للأبناء بحيث يوضع الجهاز المتصل بالإنترنت في مكان عام كالصالة مثلاً بحيث تحد الرقابة من الاستخدام السيئ للشبكة، ونفس الأمر بالنسبة للمقاهي يجب أن تلزم بإزالة الحواجز وزيادة الإضاءة وذلك من أجل ضبط سلوك المستخدمين. وفي الختام نسأل الله الصلاح لأبنائنا وبناتنا .