أخشى على نفسي من الشذوذ

السلام عليكم.

أنا شابٌ عمري 20 سنة، وعندي مشكلة الشذوذ الجنسي. منذ سنة تعرَّفت على رفيق جديد وحبَّيتُه، وصرت أمارس العادة السرية وأنا أفكر فيه. ومن شهرين تقريباً قلت له بمشاعري وإني مشتهي أمارس الجنس لكنه رفض، ثم اعتذرت له بأني أمزح؛ حتى لا يفضحني. ومن ذلك الوقت ما عدت أتكلم معه كثيرًا. تبت إلى الله وتركت العادة السرية إلا أني من أسبوعين رجعت إليها مرة أخرى وإلى التفكير في الشاب، ورجعت إلى مشاهدة الأفلام الإباحية الشاذة. لست قادراً على التحمل، وخائف من أن أقع في الخطأ مرة أخرى، أو أرجع لطلبي منه كما في المرة السابقة.

   ساعدوني لأتخلص من هذا التفكير السيء.

——————–

   أخي الكريم:

   السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

   بدايةً: أشكرك على اختيارك لموقع “مُستشارك الخاص” لطرحِ مُشكلتك، ونرجو أن نرشدك إلى ما فيه صلاح دينك ودنياك، ونبشركَ بأنَّ الله غفَّارٌ لمن تابَ ومن وعملَ صالحاً ثم اهتدى، فأدخِل نفسكَ في رحمةِ الرَّحيم، واعلم أنَّ الله لا يغيِّرُ ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولكي يحصل لك التغيير نرجو الالتزام بضوابط التوبة النصوح وإليك بعضها:  

 1 – الإخلاص لله تبارك وتعالى: فهو أنفع الأدوية، فمتى أخلصتَ لله_جل وعلا_، وصدَقْتَ في توبتك؛ أعانك الله عليها، ويسّرها لك وصرف عنك الآفات التي تعترض طريقك، وتصدّك عن التوبة، من السوء والفحشاء، قال تعالى في حق يوسف عليه السلام: “كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ” (يوسف: من الآية24).

    قال ابن القيم رحمه الله: “فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً، وأنعمهم بالاً، وأشرحهم صدراً، وأسرهم قلباً، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة”ا.هـ .. فليكن مقصدك صحيحاً، وتوبتك صالحة نصوحاً.

2- امتلاء القلب من محبة الله _تبارك وتعالى_:إذ هي أعظم محركات القلوب، فالقلب إذا خلا من محبة الله _جل وعلا_ تناوشته الأخطار، وتسلّطت عليه الشرور، فذهبت به كل مذهب، ومتى امتلأ القلب من محبة الله _جل وعلا_ بسبب العلوم النافعة والأعمال الصالحة –كَمُل أنْسُه، وطاب نعيمه، وسلم من الشهوات، وهان عليه فعل الطاعات. فاملأ قلبك من محبة الله _تبارك وتعالى_، وبها يحيا قلبك.

3- المجاهدة لنفسك: فمجاهدتك إياها عظيمة النفع، كثيرة الجدوى، معينة على الإقصار عن الشر، دافعة إلى المبادرة إلى الخير، قال _تعالى_: “وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ” (العنكبوت:69).فإذا كابَدت نفسك وألزمتها الطاعة، ومنعتها عن المعصية، فلتُبشر بالخير، وسوف تُقبل عليك الخيرات، وتنهال عليك البركات، كل ما كان كريهاً عندك بالأمس صار عندك اليوم محبوباً، وكل ما كان بالأمس ثقيلاً، صار اليوم خفيفاً، واعلم أن مجاهدتك لنفسك، ليست مرة ولا مرتين، بل هي حتى الممات.

4- البُعدِ عن المواقع المشبوهات، فإنَّ العلاج يبدأ بهجرانِ مواقعِ الشَّرِّ، وقنوات العُهر؛ لأنَّ الشَّرعَ لا يأمرنا فقط بالبُعدِ عن الزِّنا والفواحش، وإنَّما يقولُ: (ولا تقربوا)؛ لأنَّ من يعرِّض نفسه للفتنِ، ويمكثُ السَّاعات في مشاهدةِ العُهر لا يأمنُ على نفسه، وإذا خلا الإنسانُ بمواقعِ الخنا واللواط والعهر فإنَّ الشَّيطانَ هو الثَّالث، ومن هنا فنحنُ ننصحكَ باللجوءِ إلى الله، ثمَّ بالبُعدِ عن ينابيعِ الشَّر، وعليكَ بالاستعانةِ بالله فإنَّه لا حولَ ولا قوَّة إلا به سبحانه، وابحث عن رفقةِ صالحةٍ؛ فالواحدُ ضعيفٌ وعرضةٌ للشيطان.

5- مصاحبة الأخيار: فإذا صاحبت خيّراً حيا قلبك، وانشرح صدرك، واستنار فكرك، وبصّرك بعيوبك، وأعانك على الطاعة، ودلّك على أهل الخير. وجليس الخير يذكرك بالله، ويحفظك في حضرتك ومغيبك، ويحافظ على سمعتك، واعلم أن مجالس الخير تغشاها الرحمة وتحفّها الملائكة، وتتنزّل عليها السكينة، فاحرص على رفقة الطيبين المستقيمين، ولا تعد عيناك عنهم، فإنهم أمناء.

6- مجانبة الأشرار: فاحذر رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر أو المخدرات، بل الخطورة كل الخطورة في الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة، فهذه أخطر وأشد من طغيان الشهوة؛ لأن زائغ العقيدة قد يستهين بشعائر الإسلام، ومحاسن الآداب، فهو لا يتورع عن المناكر، ولا يُؤتمن على المصالح، بل يُلبس الحق بالباطل، فهو ليس عضواً أشل، بل عضو مسموم يسري فساده كالهشيم في النار.

7- النظر في العواقب: فعندما تفكر في مقارفة سيئة، تأمّل عاقبة أمرك، واخشَ من سوء العاقبة فكما أنك تتلذذ بمقارفة المنكر ساعة، ليكن في خَلَدك أنك سوف تتجرّع مرارات الأسى ساعات وساعات، فجريمة الزنا فضيحة وحَدّ، والحدّ إما تغريب أو قتل، وجريمة السرقة عقوبة وقطع، وجريمة المسكر ويلات وجلد، وجريمة الإفساد صلب أو قطع أو قتل، هذا في الدنيا، أما الآخرة فالله تعالى بالمرصاد، ولن يخلف الميعاد.

8- هجر العوائد: فينبغي لك أيها الصادق، ترك ما اعتدته من السكون إلى الدَّعة والراحة؛ لأنك إن أردت أن تصل إلى مطلوبك، فتحوّل عنها؛ لأنها من أعظم الحُجُب والمواقع التي تقف أمام العبد في مواصلة سيره إلى ربه، وتعظم تلك العوائد حينما تُجعل بمنزلة الشرع أو الرسوم التي لا تُخالف. وكذلك يصنع أقوياء العزيمة، وأبطال التوبة، فكن منهم.

9- هجر العلائق: فكل شيء تعلّق به قلبك دون الله ورسوله من ملاذ الدنيا وشهواتها ورئاساتها ومصاحبة الناس والتعلق بهم، والركون إليهم، وذلك على حساب دينك، اهجره واتركه، واستبدله بغير ذلك، وقوِّ علاقتك بربِّك، واجعله محبوبك، حتى يضعف تعلّق قلبك بغير الله _تعالى_.

10- استحضار فوائد ترك المعاصي: فكلما همّت نفسك باقتراف منكر أو مزاولة شر، تذكّر أنك إن أعرضتَ عنها واجتهدت في اجتنابها، ولم تقرب أسبابها، فسوف تنال قوة القلب، وراحة البدن، وطيب النفس، ونعيم القلب، وانشراح الصدر، وقلة الهم والغم والحزن، وصلاح المعاش، ومحبة الخلق، وحفظ الجاه، وصون العرض، وبقاء المروءة، والمخرج من كل شيءٍ مما ضاق على الفساق والفجَّار، وتيسير الرزق عليك من حيث لا تحتسب، وتيسير ما عَسُر على أرباب الفسوق والمعاصي، وتسهيل الطاعات عليك، وتيسير العلم، فضلاً أن تسمع الثناء الحسن من الناس، وكثرة الدعاء لك، والحلاوة التي يكتسبها وجهك، والمهابة التي تُلقى لك في قلوب الناس، وسرعة إجابة دعائك، وزوال الوحشة التي بينك وبين الله، وقرب الملائكة منك، وبُعد شياطين الإنس والجن منك، هذا في الدنيا، أما الآخرة فإذا مِتَّ تلقتك الملائكة بالبشرى من ربك بالجنة، وأنه لا خوف عليك ولا حزن، تنتقل من سجن الدنيا وضيقها إلى روضة من رياض الجنة، تنعم فيها إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة وكان الناس في الحر والعَرَق؛ كنتَ في ظل العرش، فإذا انصرفوا من بين يدي الله _تبارك وتعالى_، أخذ الله بك ذات اليمين مع أوليائه المتقين، وحزبه المفلحين و” ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” (الجمعة:4).إنك إن استحضرت ذلك كله، فأيقن بالخلاص من الوُلُوغ في مستنقع الرذيلة.

11- استحضار أضرار الذنوب والمعاصي: فكلما أردتَ مزاولة الحرام، ذكِّر نفسك أنك إن فعلت شيئاً من ذلك فسوف تُحرم من العلم والرزق، وسوف تَلقى وحشة في قلبك بينك وبين ربك، وبينك وبين الناس، وأن المعصية تلو المعصية تجلب لك تعسير الأمور، وسواد الوجه، ووهن البدن، وحرمان الطاعة، وتقصير العمر، ومحق بركته، وأنها سبب رئيس لظلمة القلب، وضيقه، وحزنه، وألمه، وانحصاره، وشدة قلقه، واضطرابه، وتمزّق شمله، وضعفه عن مقاومة عدوه، وتعرِّيه من زينته.

   استحضر أنّ المعصية تورث الذل، وتفسد العقل، وتقوي إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة، وتزرع أمثالها، وتدخلك تحت اللعنة، وتحرمك من دعوة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ودعوة المؤمنين، ودعوة الملائكة، بل هي سبب لهوانك على الله، وتُضعف سيرك إلى الله والدار الآخرة، واعلم أن المعصية تطفئ نار الغيرة من قلبك، وتذهب بالحياء، وتضعف في قلبك تعظيم ربك، وتستدعي نسيان الله لك، وأن شؤم المعصية لا يقتصر عليك، بل يعود على غيرك من الناس والدواب. استحضر أنك إن كنت مصاحباً للمعصية، فالله يُنزل الرعب في قلبك، ويزيل أمنك، وتُبدَّل به مخافة، فلا ترى نفسك إلا خائفاً مرعوباً. تذكّر ذلك جيداً قبل اقترافك للسيئة.

12- الحياء: إذ الحياء كله خير، والحياء لا يأتي إلا بخير، فمتى انقبَضَت نفسك عما تُذم عليه، وارتدعت عما تنزع إليه من القبائح، فاعلم أنك سوف تفعل الجميل تلو الجميل، وتترك القبيح تلو القبيح، وحياءٌ مثل هذا هو أصل العقل، وبذر الخير، وأعظمه أن تستحي من ربك تبارك وتعالى بأن تمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، فإنك متى علمتَ بنظر الله إليك، وأنك بمرأى ومسمع منه، استحييت أن تتعرّض لمَسَاخطه قولاً وعملاً واعتقاداً.

   ومن الحياء المحمود: الحياء من الناس، بترك المجاهرة بالقبيح أمامهم. ومن الحياء المحمود: الحياء بألا ترضى لنفسك بمراتب الدون. احرص دائماً على تذكر الآثار الطيبة للحياء، وطالع أخلاق الكُمَّل، واستحضر مراقبة الله تعالى، عندها سوف تمتلك الحياء، فتقترب من الكمال، وتتباعد عن النقائص.

   ختاماً: أوصيكَ بالالتزامِ بالعبادات، وعلى رأسها أداء الصلاة في الجماعة، وتلاوة جزءٍ من القرآن بصورةٍ يوميَّة، مع كثرةِ الدعاء في السُّجودِ لتكون على الجادَّة. واللهَ أسأل أن يوفقك لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله.

 المصدر : موقع راف