لذة العفاف

أولاً : ما هو العفاف ؟
قال ابن منظور : العفة : الكف عما لا يحل ويجمل ، والعفة أيضاً : النزاهة ، والعفاف الكف عن الحرام . هذا في اللغة .
أما في الاصطلاح : قال الراغب : العفة : حصول حالة في النفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة ، والمتعفف هو المتعاطي لذلك .
وقال أيضاً : العفة هي ضبط النفس عن الملاذ ال*****ية ، وهي حالة متوسطة من إفراط وهو الشره وتفريط وهو جمود الشهوة .
ثانياً : أنواع العفة :
العفة نوعان :
أحدهما : العفة عن المحارم .
الثاني : العفة عن المآثم .
فأما العفة عن المحارم فنوعان : أحدهما : ضبط الفرج عن الحرام والثاني : ضبط اللسان عن الأعراض
وأما العفة عن المآثم فنوعان أيضاً : أحدهما : الكف عن المجاهرة بالظلم . والثاني : زجر النفس عن الإسرار بخيانة .
ولا يكون الإنسان تام العفة حتى يكون عفيف اليد واللسان والسمع والبصر .
ثالثاً : الفرق بين لذة العفاف ولذة الحرام :
للعفاف لذة لا يعرفها من لم يذقها – كما وصفوا – وفقنا الله وإياكم لبلوغها ، والذين يبحثون عن اللذة الحرام لو علموا بها لما طلبوا غيرها ولو جربوها لعلموا كم فاتهم من الحض والنصيب والسعادة واللذة الحقيقة التي يبحثون عنها ، إذ المفروض عقلا أن الذين يرتكبون الحرام إنما يبحثون عن التلذذ للحصول على السعادة أما من يفعل المعصية لمجرد المعصية فهذا صنف آخر قد مسخت فطرته ، لكن الغالب أن الذين يبحثون عن الحرام إنما يطلبون اللذة فلذلك يبذلون أوقاتهم وأموالهم بل وأكبر من ذلك يعصون خالقهم عندما يتغلب عليهم الهوى ويقودهم الشيطان لأجل اللذة ، ولو أنهم طلبوا اللذة من الحلال ، أو تركوا الحرام طاعة لله لوجدوا لذة أخرى هي أفضل بكثير مما حصول عليه بل لا مجال للمقارنة بين اللذتين ، وهي لذة العفاف وترك الحرم خوفا من الله ، لتتضح الصورة أكثر هذه بعض الفوارق بين لذة الحرام ولذة العفاف ( اللذة الناتجة عن فعل الحرام واللذة الناتجة من تركه ) :
1- لذة العفاف تدوم وتبقى مع صاحبها ، بينما لذة الحرام تنتهي بتلك اللحظة أو بعد لحظات من ارتكاب المحرم كالنظرة الحرام للمرأة من الرجل أو العكس مثلا أو أكل مال حرام .
2- لذة لعفاف ( لذة ترك المعصية ) يعقبها انشراح الصدر وراحة البال وفرح القلب واطمئنان النفس بينما اللذة الحرام يعقبها ضيق في الصدر وحرج في النفس وظلمة في القلب وهم في البال هذا لمن لا زال فيه شعور أما من تحكمت فيه المعصية فلا يدري أمريض هو أم لا ؟!!
3- لذة العفاف تزيد الإيمان ، إذ الإيمان يزيد بالطاعات ، وتقوي اليقين في القلب ، بينما لذة الحرام تضعف الإيمان وتزرع اليأس والقنوط من رحمة الله .
4- العفاف عموما يدل على الخيرية في الفرد أو المجتمع إذا كان العفاف صفة سائدة فيه مما يعني وجود المحبة والمودة والثقة بين أفراده بينما انتشار لذة الحرام يدل على فساد المجتمع وعلى الخلل في علاقاته مما يؤدي إلى الشك والريبة في أفراده فهذا يوضح أن لذة العفاف عامل مهم من عوامل سعادة المجتمعات بعكس لذة الحرام .
5- لذة العفاف وترك المعصية سبب لحصول طاعة أخرى إذ الطاعة تأتي بأختها ، بينما لذة الحرام تسبب معصية أخرى وربما أكبر منها .
6- غير هذا وقبل هذا لذة العفاف يكفي أنها طاعة لله سبحانه وتعالى بينما لذة الحرام معصية لله ولو لم يكن فيها إلا هذا الفرق لكان كافيا في تركها.
رابعاً : من ثمار ونتائج لذة العفاف :
إذا حرص العبد على العفاف والتعفف عن الحرام سواء في المأكل والمشرب أو في النظر والفرج ونحوه فإنه إلى جانب طاعته لله وامتثاله لأمره فإنه يعيش حياة أخرى لو يعلم بها الباحثون عن السعادة وراء الحرام لاشتروها بأغلى الأثمان ومما ينتج عن العفاف :
1- يجعل المستحيل ممكناً :
أن ينفرد شاب ممتلئ شهوة بامرأة أجنبية وهي تدعوه لنفسها وتهيئ له المكان وتعطيه الأمان من الفضيحة مع جمالها وحرصها عليه ثم يتركها خوفا من الله ،،،،، قد يكون موقف هذا الشاب في نظر البعض – إن لم يكن الكثير – (( مستحيل )) ولا يمكن ….. نعم نقول مستحيل عند من لم يعرف أو يبحث عن العفاف ولذته وعند من هو أحرص على قضاء شهوته منه على طاعة ربه .
تأمل كيف أصبح هذا المستحيل ممكنا !! :
يوسف – عليه السلام – امرأة العزيز تهيئ له المكان والأمان وهو شاب ومع ذلك ترك وذاق لذة العفاف وكان سيد المتعففين .
قال ابن القيم – رحمه الله – : ( من كان يكون يوسف لو نال تلك اللذة فلما تركها وصبر عنها بمجاهدة ساعة صار من قد عرفت )
قد يقول قائل هذا يوسف وهو نبي ، نقول نعم ولكن فيهم القدوة ومع ذلك هناك من تعفف وهو في موطن يسمى عند البعض مستحيل أن يتركها فمن هؤلاء النفر الذين أووا إلى غار في قصتهم المعروفة إذ سدت عليهم الصخرة الباب ثم تقربوا إلى الله بصالح أعمالهم ليفرج عنهم وكان منهم رجل من قصته أنه أرغم أبنت عمه على أن تمكنه من نفسها ليفرج كربتها فلما اضطرت لذلك وجلس منها مجلسا يستحيل أن يقوم منه ذكرته بالعفاف فانتفض تاركا وراءه لذة الحرام وذاق لذة العفاف حتى تقرب بذلك إلى الله ، وفي القصة نفسها انظر العفاف عند المرأة كيف سيطر عليها وحتى وهي في موقف صعب ولما غلب على جانب الحرام والشهوة انتصرت به وذاقت حلاوته بل وكانت سببا لمنع المعصية لما أصرت على العفاف خوفا من الله سبحانه وتعالى .
2- العفاف يجعل العذاب عذباً :
في قصة يوسف – عليه السلام – أيضا لما أردته النساء وأحطن به وهُدد بالعذاب إن لم يستجيب لشهواتهن قال بكل قوة ورفض ﭽ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮛ ﭼ يوسف: ٣٣ وأصبح العذاب – في الظاهر -أحب من الحرام وذلك أن لذة العفاف تجعله يستهين بأي عذاب إذ لذة العفاف تعوض عنه ما سيحصل عليه فكيف إذا كان ما سيحصل عليه من حرام
ومن ذلك قصة الشاب المسكي الذي لطخ وجهه وجسمه بالعذرة حتى لا يستجيب للمرأة التي أرادته ليزني بها فاستهان بعذاب العذرة ليذوق حلاوة العفاف .
وقس على ذلك في جانب التلذذ بالمال الحرام فالذي يظن أنه يصعب عليه أن يعيش بدون أخذ رشوة لو أنه عرف لذة أكل الحلال أو حاولها لعرف كم فاته من نعيم وكم هو محروم من لذة لا توصف ؟!!
خامساً : شروط تحقيق لذة العفاف :
ليس كل من ترك الحرام يحصل على لذة العفاف ويتذوقها لكن هناك شروط من حققها وأقامها يرجى له الفوز بتذوق تلك اللذة ومنها :
1- الإخلاص لله في ترك الحرام : فلا يتركه طلبا في مدح الناس ، لا خوفا من لومهم وعتابهم ، وكذلك خوفا من العار والفضيحة بين الناس دون النظر في مراقبة الله والخوف منه ، فهذا لا شك أنه أفضل من فعل الحرام لكنه قد لا يجد لذة للعفاف والترك بخلاف ما إذا ترك ذلك خوفا من الله .
2- أن يتعفف عن الحرام لذاته لأنه حرام ، لا لأجل أن يحصل على ما هو أكبر منه وأشد ، كالذي يتعفف عن مبلغ زهيد لينال مبلغا أكبر وإن لم يظهر ذلك فهذا وإن تعفف لن يذوق لذة ذالك العفاف .
3- أن يتعفف مع الرغبة في الشيء أما من يتعفف لأنه لا رغبة عنده بما تعفف عنه فإنما ترك ما لا يرغب فيه فهو وإن كان ترك محرما يحمد شرعا إلا أننا نقصد الذي يريد أن يتذوق لذة العفاف .
4- يترك مع تحرك الشهوة ووجودها أما مع برودها وجمودها فهذا لا فرق عنده بين التعفف والإقتراف ولم يحرص على لذة الحرام لكن تيسر له ، فإن فاته لا فرق عنده وإن حصل له لا فرق فهذا لن يعرف لذة الترك .
5- أن يكون قادرا على القيام بالحرام متمكنا من ذلك أما أن يترك لعجزه فهذا يختلف عمن ترك مع القدرة ، والفرق في الشعور بلذة العفاف بين الفريقين كبير جدا.
سادساً : من فوائد العفاف :
1- يعتبر من ثمرات الإيمان .
2- سبب لحفظ الله للعبد إذ أنه حفظ جوارحه من الحرام ( احفظ الله يحفظك ).
3- علامة على المروءة وعلو الهمة .
4- عنوان على طهارة المجتمع .
5- دليل على كمال النفس .
6- دليل على وفرة العقل عند المتعفف .
سابعاً : وسائل للوصول إلى لذة العفاف :
1- مراقبة الله في السر والعلن .
2- تذكر عقاب الله لمن عصاه وكذا نعيمه لمن أطاعه .
3- الابتعاد عن فضول النظر والطعام والكلام .
4- ترك البيئة والرفقة التي تسبب الوقوع في الحرام .
5- الدعاء وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى ” رواه مسلم .
6- مما تحصل به لذة العفاف هو ترك الحرام والحرص على أن يكون ذلك لله والتدرب على ذلك.
7- التفكر في عواقب الأمور ونهايتها في الدنيا والآخرة فلو تفكر الزاني مثلا لحظة قبل ارتكاب جريمته مآل فعله لآثر تركه لكن الهوى يغلب . ولا تكن كما قال ابن الجوزي – رحمه الله – “: أجهل الجهال من آثر عاجلا على آجل لا يأمن سوء عاقبته ” وقال أيضاً “: إنما فضل العقل بتأمل العواقب ، فأما القليل العقل فإنه يرى الحال الحاضرة ولا ينظر إلى عاقبتها”.
ثامناً : مواقف وأقوال :
أ‌. قال سفيان الثوري لأصحابه وقد خرجوا يوم عيد ” : إن أول ما نبدأ به يومنا هذا هو عفة أبصارنا ” .
ب‌. ” كنا ندع سبعين باباً من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام ” من مواعظ الصحابة
جـ. قيل لوهيب بن الورد : أيجد لذة الطاعة من يعصي ؟ قال : ولا من هم . !!
د. قال ابن الجوزي ” : بالله عليك تذوق حلاوة الكف عن المنهي فإنها شجرة تثمر عز الدنيا وشرف الآخرة ” صيد الخاطر .
هـ. . قال الشاعر :
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ،،،،، من الحرام ويبقى الوزر والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ،،،،،،، لا خير في لذة من بعدها النار
اسأل الله بمنه وكرمه أن ينفع بهذه الكلمات الجميع وأن يرفع بها الدرجات في الدنيا والآخرة .
وأرجو ممن وجد عيبا أن يسد الخلل جل من لا عيب فيه وعلا
اللهم ارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى

المصدر : منتدى الإسلام اليوم