قصة الفدائي العفيف

وهذه قصة لصحابي هو مرثد بن أبي مرثد تحكي نموذجًا للعفة: عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال: كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد الغنوي، وكان رجلاً يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق، وكانت صديقة له في الجاهلية، وأنه واعد رجلاً من أسارى مكة يحمله قال: فجاءت حتى انتهى إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة.
قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط، فلما انتهت إليّ، عرفتني فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت:«مرحبًا وأهلا، هلم فبت عندي الليلة». قال: فقلتُ: «يا عناق، حرَّم الله الزنى»، فقالت:«يا أهل الخيام هذا يحمل أسراكم»، قال: فتبعني ثمانية ودخلت الحديقة فانتهيت إلى غار، أو كهف، فدخلتُ فيه، فجاؤوا حتى قاموا على رأسي فبالوا فظل بولهم على رأسي، فأعماهم الله عني، ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته وكان رجلاً ثقيلاً، حتى انتهيت إلى الإذخر، ففككت عنه أحبله، فجعلتُ أحمله ويعينني حتى أتيت به المدينة، فأتيت رسول الله ﷺ فقلتُ: «يا رسول الله، أنكح عناقًا؟»ــ مرتين ــ فأمسك رسول الله ﷺ فلم يرد عليّ شيئًا، حتى نزلت: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً ﴾( )، فقال رسول الله ﷺ: «يا مرثـد، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة فلاتنكحها»( ).
فهو على الرغم من الشدة والمحنة التي لحقت به، وعلى رغم من حبه لتلك المرأة بدليل أنه استأذن رسول الله ﷺ بنكاحها، وعلى الرغم من أنَّها هي التي دعته وكان بإمكانه أن ينجو بنفسه ويستتر عن القوم عندها، إلا أنه قالها بكل صراحة: «ياعناق حرم الله الزنى»، ولم يرض حتى باللجوء لبيتها، بل قطع دابر الفتنة والشبهة وقالها بقولة المؤمن العفيف.