الآثار النفسية لانحراف الغريزة الجنسية

قال عبدالله بن عباس([1]): «إن للسيئة لسوادًا  في الوجه، وظلمةً في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبُغضة في قلوب الخلق»، ولا شك أن التوازن بين المتطلبات المتعددة للجسم الإنساني هو سبب السعادة  والاستقرار النفسي، فمتى ما استقامت رغبات الجسد وغرائزه مع أحكام العقل وموازينه، وأحاسيس القلب ومشاعره في ظل القيم والأحكام الربانية كانت تلك هي السعادة الكاملة.

وما الانحراف في الغريزة الجنسية إلا إخلالٌ بهذا التوازن، بل قد تسيطر تلك الغريزة على العقل وتوجهه إذا ما استمر هذا الإخلال، وإذا ما تمادى الإنسان في اتباعه لشهواته، فإن ذلك قد يحطم بعض المشاعر الفطرية الأساسية لديه، فإن الاستقرار النفسي والسعادة الحقيقية هي هِبَةٌ ربانية يَهَبُها الله لعباده الصالحين، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾([2]) .

كما أن الشقاوة والتعاسة عقوبة ربانية كذلك، قال تعالى : ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾([3])، وقال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾([4]).

ومن تلك الآثار النفسية:

1 ــ القلق والاضطراب النفسي الذي يودي بحياة الإنسان، ولذلك فإن ارتفاع نسبة الانتحار قرينة لشيوع الانحلال الخلقي([5])، وتشير آخر التقارير المنشورة في لندن أن شخصًا واحدًا يقدم على الانتحار كل ساعتين في بريطانيا([6])، وأفاد تقرير أصدرته منظمة الصحة العالمية أن مليون حالة انتحار تحدث سنويًا ([7]) .

2 ــ لزوم الشك وعدم الثقة بين الأزواج بعضهم البعض وبينهم وبين الأبناء من الجنسين، ويتطور الأمر للشك في صحة الأنساب.

3 ــ ذبول الأحاسيس ومشاعر الغيرة والعرض والشرف والحياء والرجولة.. بل إنها أصبحت لدى بعض المجتمعات من الكلمات التي مُحيت من قواميسها فقد نشرت إحدى الصحف الكويتية نتائج لاسـتبيان أُجــري على شــعوب متعددة لبيان ما هي القيم التي توليها تلك الشعوب اهتمامها بالمحافظة عليها، فاتضح أن قيمة «الشرف» و«العرض» من القيم التي هي في أسفل سلم الأولويات لدى المجتمعات الغربية في حين أنها مازالت في أعلى السلم لدى الشعوب الإسلامية والعربية.

يقول الإمام ابن القيم مبينًا هذه الحقائق: «والزنى يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة وقلة الغيرة، فلا تجد زانيًا معه ورع، ولا وفاءً بعهد ولا صدقًا في حديث، ولا محافظةً على صديق، ولا غيرةً تامة على أهله، فالغدر، والكذب، والخيانة، وقلة الحياء، وعدم المراقبة، وعدم الأنفة للحرام، وذهاب الغيرة من القلب من شِيَمِه وموجباته»([8]).

وذكرت مجلة التايم الأميركية أن 6 ملايين زوجة تتعرض للضرب من الزوج كل عام، وتبلغ حالات الضرب المفضي للموت من 2000 ــ 4000 حالة سنويًا ([9]).

4 ــ فقدان مشاعر الأبوة والأمومة والبنوة ، ولعل في ظاهرة تعذيب الأطفال، التي أقضت مضاجع علماء الاجتماع الغربيين، خير دليل على ذلك، وعندما قامت (الجمعية الوطنية لمنع القسوة عن الأطفال) في بريطانيا بدارسة الظاهرة اكتشفت أنها لا تقتصر فقط على بيوت الطبقة الفقيرة، بل تعدت ذلك إلى البيوت المترفة.

وعلقت مجلة (حضارة الإسلام) على السبب الحقيقي لهذا الوبال، وهو سبب نفسي عضده الشَّكُ في صحة البنوة من قبل الأزواج، وبالتالي فقدان مشاعر الرحمة والأبوة، ولذا فإن نسبة الأطفال غير الشرعيين في الولايات المتحدة الأميركية ارتفعت من 35% إلى 40%  ([10]) خلال العقدين الأخيرين.

5-ــ شيوع الجرائم اللاأخلاقية لأسباب نفسية ، حيث أصبح انتشار هذا النوع من الجرائم من النتائج المنطقية للإباحة الجنسية ([11])، ويرجع ذلك إلى سببين:

الأول: كثرة أولاد الزنى الذين يفقدون الحب والحنان وينشأ في قلوبهم الحقد والكره لمجتمعهم.

الثاني: في أجواء الإباحة فإن الشاب يريد أن يمارس العلاقة الجنسية مع أي فتاة تعجبه برضاها أو رغمًا عنها.

وليس أدل على ذلك من تقرير نشرته وزارة العدل الأمريكية خلال عام 1977م وجاء فيه: «تُغتصب فتاة كل ثماني دقائق في الولايات المتحدة الأمريكية وارتكبت 63022 جريمة اغتصاب الفتيات خلال سنة 1977م» ([12]).

وفي دراسة حديثة أجريت في عدد من الدول الصناعية الغربية شملت 13 ألف شخص ممن تعرضوا للمواد الإباحية تبين ازدياد جرائم العنف والاغتصاب بينهم بنسبة 13% .

وفي بحث للدكتور وليام مارشال اعترف 68% من مرتكبي جرائم الاغتصاب بأنهم يشاهدون المواد الإباحية، وقال 57% منهم: أنهم يقلدون ما رأوه في تلك المشاهدات.

وكشف بحث أجرته وزارة العدل الأمريكية أن تفشي وسائل الإباحية من الأسباب المباشرة لانتشار مختلف أنواع الجرائم، وأن الأحياء التي تنتشر فيها تلك الوسائل تزداد فيها جرائم الاغتصاب بنسبة 500%!!

وفي دراسة للدكتور فكتور كلانس تبين أن المعتدين على أخواتهم جنسيًا لا يعرف عنهم سوء خلق سابقًا بل إن بعضهم من المتفوقين دراسيًا ، مما يؤكد أن السبب لازدياد الجرائم هو مشاهدتهم تلك المواد الإباحية([13]) .

الهوامش :

([1]) الجواب الكافي، لابن القيم.

([2]) الرعد: 28، 29 .

([3]) الجاثية: 23 .

([4]) طه: 124 .

([5]) السويد ذات النسبة الأعلى في الانتحار، وهي ذات نسبة عالية من الإباحة الجنسية.

([6]) مجلة الاتحاد، عدد أكتوبر 1987م.

([7]) أرقام تحكي العالم، كتاب البيان.

([8]) روضة المحبين، لابن القيم.

([9]) رسالة إلى حواء، محمد رشيد العويد.

([10]) مجلة الداخلية .

([11]) التدابير الواقية من الزنى، د.فضل إلهي.

([12]) التدابير الواقية من الزنى، د.فضل إلهي.

([13]) مجلة الأسرة، العدد 147  .