الآثار الحضارية لانحراف الغريزة الجنسية
حيث الضياع والقلق والدمار الذي سيصيب الفرد ومن ثم المجتمع، إذا شاعت فيه الفاحشة كما ورد في الحديث: «وما تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمّهم الله بالبلاء»([1]).
إن الفوضى الجنسية التي امتازت بها كثير من المجتمعات المتحضرة حاليًا والتي يسمونها بالمجتمعات التقدمية قد جردت النفس البشرية من كل خلق وفضيلة، وجعلت من الإنسان حيوانًا بهيميًا أغلب تفكيره في الشهوة والغريزة واللذة وإروائها عن أي طريق كان وبأي وسيلة كانت([2])، ولذا فقد تردت في تلك الفوضى الجنسية إلى ممارسات جنسية تنفر منها البهائم التي لا عقل لها بل شهوة مطلقة، ومن هنا ندرك إلى أي مستوى من الانحطاط البهيمي بلغه أولئك.
لذلك فإن بقاء الأمة ودوام حضارتها إنما يرجع إلى قيمها وأخلاقها ومهما بلغت من الرقي المادي والعلمي فإن ذلك لا يكفي وحده لقيام حضارة إنسانية، وكما قال الشاعر:
وإنما الأمَمُ الأخـلاقُ ما بقيـتْ فإن همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذَهَبوا
ومن الشواهد التاريخية على هذه الحقيقة انهيار حضارتي الرومان واليونان، حيث يقول الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله حول هذه الحقيقة:
«من المعلوم تاريخيًا أن من أكبر أسباب انهيار الحضارة اليونانية تبرج المرأة ومخالطتها للرجال، ومبالغتها في الزينة والاختلاط، ومثل ذلك حصل تمامًا للرومانيين، فقد كانت المرأة في أول حضارتهم مصونة محتشمة فاستطاعوا أن يفتحوا الفتوح ويوحدوا أركان إمبراطوريتهم العظيمة، فلما تبرجت المرأة وأصبحت ترتاد المنتديات والمجالات العامة وهي في أتم زينة وأبهى حلة فسدت أخلاق الرجال وضعفت ملكتهم الحربية وانهارت حضارتهم انهيارًا سريعًا»([3]) .
ومن أوضح الشواهد في عصرنا الحاضر على الخطر الحضاري لانحراف الغريزة الجنسية، هو ذلك التراجع بل الانحطاط، الذي أصاب الحضارة الغربية والتي أخذ الانحلال الخلقي يجرها من قمم الرقي المادي إلى قاع الانهيار الإنساني وحضيض الانحلال الأخلاقي؛ لذا فقد تعالت صيحات الخطر من بعض المفكرين الغربيين.
فمن ألمانيا أعلن (إسوالد شينفلر) «أن الجنس البشري مقبل على الفناء في وقت قريب، وأن تدهور الحضارة الغربية سيجر معه حتمًا تدهور الحضارة الإنسانية ما لم يشهد العالم ولادة حضارة جديدة»([4]) .
وكتب جيمس رستون في النيويورك تايمز: «إن خطر الطاقة الجنسية قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية».
وفي نيسان سنة 1964م أثيرت في السويد ضجة كبرى عندما وجّـه 140 من الأطباء المرموقين مذكرة إلى الملك والبرلمان يطلبون فيها اتخاذ إجراءات عاجلة للحد من الفوضى الجنسية التي تُهدد حقًا حيوية الأمة وصحتها، وطالب الأطباء بقوانين ضد الانحلال الجنسي.
وفي سنة 1962 صرح (كينيدي) : «بأن مستقبل أميركا في خطر؛ لأن شبابها ضائع منحل غارق في الشهوات، لا يقّدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأنه من بين كل سبعة شبان يتقدمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين؛ لأن الشهوات التي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية».
ويقول جورج بوش في كتابه الثورة الجنسية: «إن أطنانًا من القنابل الجنسية تتفجر كل يوم ويترتب عليها آثارٌ تدعو إلى القلق قد لا تجعل أطفالنا وحوشًا أخلاقية فحسب، بل قد تشوه مجتمعات بأسرها.
([1]) أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية لابن هشام (6/ 82)، عن أنس بن مالك من كلام أبي بكر الصديق موقوفًا.
([2]) الإسلام والجنس، فتحي يكن .