الآثار الإنسانية لانحراف الغريزة الجنسية
خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وأكرمه سبحانه وسوّاه فعدله، وأودع فيه من الغرائز والنوازع والعقل والروح ما فضّله على كثير من خلقه، فكان وسطًا بين الملائكيةِ والبهيمية، بين العقل التام والسمو الروحي، وبين الشهوانية الحيوانية.
وهو ــ أي الإنسان ــ بما فيه من تلك الغرائز مفضّل على كثير من خلق الله، وهو مع هذه الشهوات المفطور عليها وصفه الله تعالى بقوله:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾([1])، فهو يستطيع أن يسمو إلى منزلة الملائكة بسموه العقلي والروحي أو أن ينحط إلى البهيمية بانغماسه بشهواته.
إذن. وجود هذه الغرائز والشهوات بذاتها ليس عيبًا ولا إنقاصًا من قدر الإنسان؛ لأنه مكرم بما فيه من تلك الغرائز.
«ولكن عند الانحراف ينحطّ الإنسان إلى الحيوانية، بل إلى ما هو أحطّ منها، فمنذ تلك اللحظة التي يقطع بها الإنسان صلته بالله تعالى يغدو حيوانًا يعيش بغرائزه ولها، ويحيا لنزواته، وبها تتعطل فيه نوازع الخير، وتستيقظ لديه نوازع الشر، وتصبح الشهوات أكبر همه والدنيا مبلغ علمه»([2])،﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ ([3])، فإن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي وتعرف طريق هلاكها فتجتنبه، وهي أيضًا أسلم عاقبة من هؤلاء»([4]).
فهذه أولى أخطار انحراف الغريزة الجنسية، أن يفقد الإنسان إنسانيته، ويخلع من لقبه (بني آدم) ليكون (كالأنعام)، ويسلب منه تكريمه السابق، وينحط من﴿ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾إلى﴿ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾وذلك هو الخسران المبين.
«فالإنسان المكوّن من النوازع المادية والروحـية والمتطلبــات البدنيــة والنفسـية لا يمكن أن ينعم بالراحة والاطمئنان ما لم يحقق إشباع حاجاته الفطرية كلها، وإن الاتجاهات المادية قد فشلت فشلاً ذريعًا في تحقيق الطمأنينة والاستقرار للإنسان، وإن غيبة الفكر الديني عن دنيا الناس، وتعطيل حاكمية الله في الأرض، وهيمنة التشريعات والنظم والقوانين المنبثقة عن النظريات المادية كانت الأساس في انحراف سير القافلة