قواعد الاستعفاف | التربية الأخلاقية

الأخلاق صفة مستقرة في النفس فطرية كانت أو مكتسبة، ذات آثار في  السلوك محمودة كانت أو مذمومة، ولذا فإننا نستطيع أن نقيس مستوى الخلق النفسي عن طريق قياس آثاره في سلوك الإنسان، فالصفة الخلقية المستقرة في النفس إذا كانت حميدة كانت آثارها حميدة، وإذا كانت ذميمة كانت آثارها ذميمة، وعلى قدر قيمة الخلق في النفس تكون ــ  بحسب العادة ــ آثاره في السلوك([1])، ولذا فقد عني الإسلام بالتربية الأخلاقية عناية كبيرة، فجعلها قرينة للإيمان، ودليلاً عليه، وسببًا من أسبابه، وباعثًا من بواعثه، بل وجزءًا من أجزائه، وشُعبة من شعبه. قال ﷺ: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم»([2]).

وقال ﷺ: « والحياء شعبة من الإيمان » ([3]) .

ولما كانت هذه هي مكانة الأخلاق، فقد عني الإسلام بتهذيب النفس وتزكيتها  وتطهيرها من نزعات الشر والإثم، وإزالة حظ الشيطان منها وتنمية فطرة الخير فيها، وذلك لتكون صالحةً لغرس الأخلاق الفاضلة فيها وتهذيب طباعها، ومتى ما حصل ذلك استقام سلوك الإنسان وحسنت تصرفاته.

والعفة من مكارم الأخلاق، وإذا تأملنـا في أصولها وجذورها الأخلاقية نجد أنها تتولد من مجموعة من الأخلاق هي :

1 ــ  الصــبر  :

فمقدار ما لدى الإنسان من الصبر على قدر ما يستطيع أن يضبط نفسه عن تلبية دوافعها المستثارة، فتكون العفة أثرًا ومظهرًا للصبر، وعلى قدر الصبر تكون العفة، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾([4]). «والصبر ضياء»([5])، كما جاء في الصحيح، لذا فإن الإنسان مـمتحـن بالصبر، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ ([6]).

2 ــ  الخوف من العاقبة :

فإذا ما استقر في وجدان المرء عظم عاقبة الذي يفكر في ارتكابه، وإنه بذلك يسخط ربه وخالقه، القادر على عقابه في أي لحظة، بل قد يأخذه أخذ عزيز مقتدر وهو في ذنبه هذا ، واستشعر القبر وضمته والمحشر وعذابه، والصراط ودقته، والميزان وفضائحه، ثم الجحيم بلهيبها ونيرانها فعقرها وطول عذابها، كان ذلك من أقوى الدوافع للعفة.

3 ــ  الطمع بثواب الكف :

فيطمع أن يظله اللــه في ظلّه يــــوم لا ظلّ إلا ظلّـه ، ويرجو ألا يجمع له اللــه ــ  تعالى ــ دخان جهنم مع دمعته وعفته، ويرغب بحلاوة الإيمان يجدها في قلبه عند غض بصره، ويحلم بقاصرات الطرف، الحور العين، المترقبات والمتشوقات إلى عفافه وتقواه، فيكون ذلك من بواعث عفته.

4 ــ  حب الحق .. وكره الظلم :

وما ارتكاب الفواحش إلا ظلم من الإنسان لنفسه ولمن شاركه وللمجتمع، فحب الحق يجعله يكف عما لا حق له فيه، وكما قالت تلك المرأة لأحد الثلاثة من أصحاب الغار: «اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه»، وخاصة أن من يظلم غيره بالزنى فإنه سيُظلم لأن الزنى دينٌ يسدد رغمًا عنه.

جاء شاب إلى رسول الله ﷺ  وقال: «يا رسول الله، ائذن لي في الزنى»، فأجابه رسول الله ﷺ بحكمة المربي :«أتحبه لأمك؟»، قال : لا، جعلني فداك، فقال ﷺ : «فكذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم»، ثم ذكر الابنة والأخت والعمة والخالة، والفتى يرد على كل واحد: «لا، جعلني فداك»، ثم وضع رسول الله ﷺ  يده على صدره ودعا له: «اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه»، فلم يكن شيء أبغض إليه منه  ــ  يعني الزنى ([7])، فحب هذا الفتى للحق وكرهه لأن يُـظلم هو في عرضه، دفعه إلى أن يرتدع عن ظلم غيره من الناس في أعراضهم.

5 ــ  الحـيــاء  :

قال ﷺ : «الحياء لا يأتي إلا بخير »([8])، فهو يمنع صاحبه من ارتكاب القبائح والمنكرات ويردعه عن الفواحش، أما إذا انعدم الحياء فإنه يهون على الإنسان أن يفعل القبائح والمنكرات دون أن يكترث بنظر الله له ولا بما يقوله الناس عنه، كما قال ﷺ:  «إن مِمَّا أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت» ([9]) .

وروى الإمام أحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ : «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار»([10])، وكما قيل : «استح من الله أن تعصيه كاستحيائك من الرجل الصالح أن يراك».

6 ــ  علو الهمة .. والترفع عن الرذائل :

فكلما علت همّة الإنسان كانت مطالبه أسمى، وصغرت في عينه مطالب الدنيا؛ لذا فهو لا يدنِّس نفسه بالدناءات ومحقرات الأمور، ولا يبذل رأس مال حياته من جهد وطاقة وعمر فيما لا جدوى منه فضلاً عن أن يبذل شيئًا من ذلك فيما فيه مضرة له أو لغيره.

 

——————–

([1]) الأخلاق الإسلامية وأسسها، جـ 1، عبدالرحمن الميداني.

([2]) أخرجه الترمذي في الرضاع (1082)، وأحمد  (2/ 472)، عن أبي هريرة ﭬ، وانظر: صحيح الجامع الصغير (1243)  .

([3]) أخرجه البخاري (9)  ، ومسلم (35)، عن أبي هريرة ﭬ.

([4]) الزمر: 10 .

([5]) أخرجه البيهقي في الشعب (3296) .

([6]) الفرقان : 20 .

([7])أخرجه أحمد (5/ 256)، والطبراني في الكبير (8/ 183) (7775)،  عن أبي أمامة ﭬ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 129): «رواه أحمد والطبراني في الكبير وإسناده حسن» .

([8]) أخرجه البخاري (6117)، ومسلم (37)،  عن عمران بن حصين ﭬ.

([9]) أخرجه البخاري (6120)، وأبو داود (4797)، وأحمد (4/ 121)، عن أبي مسعود البدري ﭬ.

([10]) أخرجه الترمذي (2009)، وأحمد (2/ 501)، عن أبي هريرة ﭬ ، قال الترمذي : «حسن صحيح».