القواعد الوقائية لبناء العفة|ملء الفراغ بما ينفع

فالوقت هو رأس مال المرء، وما الإنسان إلا مجموع أيامه، فإذا ذهب يوم أو ساعة ذهب بعضه، ولذا نبه المصلحون قديمًا وحديثًا على ضرورة الانتفاع بالوقت وعدم تضييعه فيما لا ينفع.

فهذا ابن الجوزي يقول ([1]) : «ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته لا يضيّع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل، من القول والعمل».

وظهر من السلف من كان يعدُّ لحظاته، منهم الإمام الشيخ أبو الوفاء بن عقيل الحنبلي المولود سنة 431هـ فقد كان يقول : «إنّي لا يحل لي أن أضيّع ساعة من عمري، حتى إذا تعطّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطّره، وإني لأجد من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة» ([2]).

وجاءت وصايا الإمام حسن البنا $ لتؤكد على هذا المنهج فقال : «الوقت هو الحياة»، وقال في وصاياه العشر: «اقرأ أو طالع أو استمع، ولا تصرف جزءًا من وقتك من غير فائدة».

كل ذلك لتأكيد قضية هامة جدًا، وهي أن الفراغ مهلكة للمسلم، وضياع لخير كثير، بل لعله باب من أبواب الشر([3])، بل هو كذلك وهذا ما يقرره علماء النفـــس.

فيقول الأستاذ محمد قطب في كتابه «منهج التربية الإسلامية»: «إن الفراغ مفسد للنفس إفساد الطاقة المختزنة بلا ضرورة، وأول مفاسد الفراغ هو تبديد الطاقة الحيوية لملء الفراغ، ثم التعود على العادات الضارة التي يقوم بها الإنسان لملء الفراغ، ولاسيما أن وقت الفراغ يشكل جزءًا كبيرًا من حياة الشاب، فقد وجد أن 25% من العام الدراسي يمثل وقت فراغ على الشاب مع اعتبار  العطلة الصيفية»([4]).

ويقول الشيخ عبدالله ناصح علوان في كتابه «تربيــة الأولاد في الإســلام»: «إن الولد إذا اختلى إلى نفسه وقت فراغه ترد عليه الأفكار الحالمة، والهواجس السارحة، والتخيلات الجنسية المثيرة فلا يجد نفسه  ــ  إن كان مراهقًا أو شابًا  ــ  إلا وقد تحركت شهوته، وهاجت غريزته أمام هذه الموجة من التأملات والخواطر، فعندئذ لا يجد بدًا من أن يلجأ إلى هذه العادة الخبيثة؛ ليخفف من طغيان الشهوة ويحد من سلطانها».. ولو كان هذا الشاب مشغول الذهن والجسد في أمر نافع لما خطرت بباله تلك الأفكار والهواجس ولكنه وحش الفراغ الذي هجم عليه.

وصدق الشافعي بقوله: «نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل».

إذن.. فما العلاج..؟

إن منهج الإسلام في ذلك كما يقول الأستاذ محمد قطب:

«إن الإسلام حين أبطل عادات الجاهلية وأعيادها ومواسمها لم يترك ذلك فراغًا  يتحيّر المسلمون في ملئه، بل أبدلهم بأعياد ومواسم أخرى تحل محلها، كانوا يجتمعون على موائد الخمر والميسر أو لسماع الشعر الضال، فجمعهم على عبادة الله وصلاة الجماعة والأعياد الإسلامية».

ويقول : «تلك من أنجح الوسائل في تربية النفس، خاصة حين تمنع النفس  ــ  لتقويمها  ــ  من شيء من رغائبها فالوسيلة الصحيحة لـملء هذا الفراغ هي إيجاد نشاط جديد لهذه الرغبة ذاتها»([5]).

دور المجتمع في علاج مشكلة الفراغ  :

1 ـــ  الاهتمام بالدور التربوي للمؤسسات التعليمية بصورة أكبر مما هو واقع حاليًا، حيث أصبحت أغلب المدارس مراكز للمعلومات فقط، وتقلّص الدور التربوي لها بصورة واضحة، بل قد تظهر أحيانًا آثارًا سلبية بمحاكاة الطلبة بعضهم لبعض في بعض السلوكيات المنحرفة، فلابد من ممارسة عملية وجادة للدور التربوي، بالتوجيه والإرشاد والمتابعة الجادة للطلبة والطالبات، وقيام المعلم بدوره كمربٍ وقدوة.

2 ـــ  إنشاء النوادي والمراكز والمتاحف العلمية والثقافية التي تستكشف مواهب الشباب وقدراتهم وتنميتها، وإيجاد الأماكن المناسبة لهم لممارسة هواياتهم وشغل أوقات فراغهم.

3 ــ  قيام أجهزة الإعلام بأنواعها كافة بدور التوعية التربوية للشباب، وتوجيههم للقيام بمسؤولياتهم تجاه مجتمعهم، وإيجاد البرامج والمواد العلمية والثقافية والترفيهية التي تشغل الأوقات وتعود بالنفع عليهم، خصوصًا في بداية العطلة المدرسية، حيث تشهد العطلة مظاهر سيئة نتيجة فراغ الشباب.

أما دور الفرد ، فما أكثر مجالات الخير وقضاء الوقت بما ينفع، فمن ذلك :

1 ــ  التزام الصلوات الخمس بالمسجد فإن ارتياد المسجد له ثمرات عديدة أحصاها الحسن بن علي بقوله: «من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثماني خصال: آيةً محكمة، وأخًا مستفادًا، وعلمًا مستطرفًا، ورحمةً منتظرة، وكلمةً تدله على هدى أو تردعه عن ردى، وترك الذنوب حياء أو خشية» ([6]).

2 ــ  القيام بنشاط رياضي فرديًا كان أو جماعيًا مع الإخوان الصالحين، فالرياضة فائدتها واضحة في تصريف طاقة الشاب والمحافظة على صحته.

3 ــ  حضور الدروس والمحاضرات الإسلامية التي لا يخلو منها مسجد.

4 ــ  المشاركة الدائمة للأنشطة الإسلامية المتنوعة.

5 ــ  مذاكرة في الكتب الإسلامية وتخصيص أوقات محددة للقراءة والبحوث مع مراعاة أوقات المذاكرة المدرسية.

6 ــ  القيام بنزهة أو رحلة بريئة مع الإخوة أو العائلة.

7 ــ  إيجاد هواية يشغل بها الشاب وقت فراغه كالنجارة والحدادة والالكترونيات وتعلم الخط وقراءة كتب الأدب…وغيرها.

8 ــ  زيارة الإخوان الأقارب والأرحام والمشاركة في أبواب الخير الكثيرة.

والخلاصة ألا يبقى الشاب ساعة من نهاره أو ليله فارغًا، فإما أن يشغل وقته بنفسه أو يستعين بإخوانه على ذلك، ولا يخفى على أحد أنه ينبغي أن تكون قبل ذلك عزيمة صادقة وهمة عالية وإرادة للخير قوية ودائمة.

————————–

([1]) ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر)، ص 201 .

([2]) رسالة المسترشدين، ص 144  .

([3]) ينصح بالرجوع لكتاب «الوقت عمار أو دمار»، للأستاذ جاسم المطوع.

([4])  دراسة «الشباب ووقت الفراغ»، الديوان الأميري بالكويت.

([5]) منهج التربية الإسلامية، ص 254 .

([6]) « الرقائق»، محمد أحمد الراشد.